كتب : إسلام مجدي
"يمكننا أن نصف ما حدث، بالفصل الأسود في تاريخ الرياضة الألمانية والعالم الرياضي، والذي بدأ مع تولي النازيين لمقاليد الأمور في ألمانيا". كيت كونولي كاتبة ومؤرخة.
فور تولي النازيون مقاليد الأمور في ألمانيا، عملوا على صبغ كل شيء بصبغتهم الخاصة.
تم ابتكار كلمة جديدة لكي تكون مظلة منافسات الدوري الألماني Gauliga، المقطع الأول من الكلمة هو جاو، ويعني الدولة أو المنطقة، والمقطع الثاني بخصوص الدوري، لكن إلى يومنا هذا لم تستعمل الكلمة مرة أخرى لأنها تذكرهم بالحقبة النازية.
لدى أدولف هتلر نظرية ثابتة وهي الهيمنة، والفكرة بخصوص الرياضة لم تكن مختلفة، أراد الهيمنة على كافة المنافسات الرياضية، وظهر ذلك جليا في غيرته الكبيرة التي لم يخفها من فوز الأمريكي جيسي أوينز أسمر البشرة وأيضا أظهر هتلر عنصريته ولم يخفها أبدا.
ترجمت تلك النظرية والفلسفة إلى الاتحاد الألماني لكرة القدم، وفعليا منذ عام 1933 حينما تولى هتلر مقاليد الحكم، جميع اللاعبين اليهود وملاك الأندية والرعاة والصحفيين تم استبعادهم، أكثر من 40 ألف شخص جميعهم تم إقصاؤهم في الفترة ما قبل الحرب، وبحلول 1945 عدد قليل من اليهود استمروا في ألمانيا.
ساهمت الكرة الألمانية في استقرار نظام هتلر الحاكم، لكنها في المقابل فشلت في فعل أي شيء من أجل اليهود.
قال تقرير نشرته شبكة "بي بي سي" عن تلك الحقبة: "كرة القدم لم تكن فقط من أجل استقرار نظام هتلر، بل خدمت كذلك في تمرير سياسته واستقرار سياساته".
فيما قال يوزف جوبلز نقلا عن هتلر: "بالنسبة للناس، أن تفوز بمباراة كرة قدم أفضل من غزو مدينة".
وداعا الكرة في ألمانيا
تم تأسيس الدوري في 16 منطقة، وتقسيمهم إلى مجموعات، وتلك المجموعات صنعت لتستبدل مناطق قديمة أو ولايات ألمانية، مثل بافاريا وبوروسيا.
أتت تلك الخطوة بمثابة نكسة لكل من كانوا يحاولون تطوير الكرة في ألمانيا، خصوصا الثنائي سيب هيبرجر وأوتو نيرز اللذان كانا يتولايان مهمة تدريب المنتخب.
كانت هناك فكرة دائمة بتكوين دوري قوي مثل إنجلترا وإيطاليا، لكن النازيين أوقفوا تلك الفكرة تماما.
كانت هناك أندية على صلة قوية باليهود، منها بايرن ميونيخ الذي كان مدربه هو ريتشارد دومبي اليهودي، ورئيسه كذلك كورت لاندوير. ووجدت أندية ملبرج وكايزسلاوترن وشتوتجارتر كيكرز وإينتراخت فرانكفورت أنفسهم بعيدين كل البعد عن الشهرة مع بايرن ميونيخ ومضطهدين تحت إمرة الحكم النازي.
ليس هذا فحسب، وجهت انتقادات نارية للاعبي بايرن ميونيخ الذين وقفوا لتحية رئيس ناديهم في مباراة ودية في سويسرا.
بايرن - الهدف الأبرز للنازيين
خلال عام 1932 فاز بايرن ميونيخ بأول لقب محلي، وكان واضحا أن النادي سيبدأ حقبة من النجاح، لكن ذلك اصطدم بالواقع النازي.
أصبح بايرن ميونيخ هدفا بارزا للحكم النازي لاتصاله الوثيق باليهود، لكن الإدارة واللاعبين تمكنوا وبشكل ضئيل للغاية من مقاومة الحكم النازي بأفعال شجاعة بسيطة للغاية.
قال ديتريتش مارميلينج صاحب كتاب "بايرن ويهوده": "كل تلك الأشياء قد نسيت في الفترة بعد الحرب، نجاح بايرن في الستينيات والسبعينيات ساهم في نسيان تلك الحقبة، بجانب مجتمع ألمانيا الغربية الذي لم يبدأ في البحث عن المذبحة سوى في نهاية السبعينيات".
لاندور ودومبي كلاهما ساهم في الفوز بأول بطولة ألمانية لصالح بايرن عام 1932، واضطر رئيس النادي وعدد من الأعضاء في مجلس الإدارة للاستقالة في أعقاب رحلة سويسرا.
تم كذلك وصم بايرن بمصطلح Judenklub النازي نظرا لعلاقته الوثيقة مع اليهود رفقة نادي أوستريا فيين، وحاول المقاومة، وبالفعل عام 1934 دخل بعض من لاعبي بايرن في نوع من الصدام مع النازيين.
وبعد ذلك بعامين، قام ويلي سيمستريتير لاعب بايرن ميونيخ باتخاذ ما وصف وقتها بمعاداة للنازية، بعد أن التقط لنفسه صورة مع جيسي أوينز الأمريكي أسمر البشرة، الرجل الذي أغضب هتلر بعدما فاز بـ4 ميداليات ذهبية في أولمبياد برلين.
وكانت أبرز لحظات الدفاع ضد النازية حينما خاض الفريق مباراة ودية في زيورخ عام 1943، قام لاعبو الفريق بالتلويح مجددا لـ لاندور في المدرجات.
غاب بايرن تماما عن الساحة خلال فترة الحكم النازي وكان مضطهدا لأبعد حد، ولم يعد الفريق للساحة إلا بعد انتهاء الحرب بفترة، حتى أن لاندور عاد إلى مدينة ميونيخ عقب انتهاء الحرب وظل رئيسا له حتى عام 1951.
اختفى إرثه من النادي نوعا ما، كانت الوثائق في ذلك الوقت تشير إلى اضطراره لمغادرة ألمانيا بسبب "خلفيات عنصرية سياسية". وتم تجنب ذكر أي شيء بخصوص اليهود.
"مع تحول القرن جددت العديد من الصحف والكتب اهتمامها بما حدث لبايرن وإدارته تحت حكم هتلر".
"سلوك النادي تغير في الأعوام الأخيرة، واحتفل الألتراس الخاص بالنادي بذكرى لاندور، كما أن رومينيجه قد وصفه بالأب بالنسبة لبايرن ميونيخ الحديث، وتبرع النادي بجزء من أمواله لنادي الهواة مكابي ميونيخ لبناء ملعب باسم رئيس النادي في 2010". -جزء من نص الكتاب.
ربما كانت المقاومة ضعيفة، لكنها كانت نوعا ما محاولة للوقوف أمام بطش الحكم النازي، محاولات على استحياء للوقوف أمام بطش هتلر.
"تواجدت في النادي لفترة طويلة للغاية، لكن لدي معلومات صغيرة جدا حول تلك القصص الرائعة التي قرأتها، أحاول أن أتعلم من كل هؤلاء الناس الذين قدموا الكثير للنادي". بيتر رينير مدير محتوى متحف النادي.
المصير مختلف في دورتموند
المقاومة للحكم النازي كانت متمثلة في صور مطبوعة مناهضة للحكم ورسوم على الحائط أو حتى إضرابات عمالية متكررة من العمال الألمان والشيوعيين.
بالنسبة لمدينة دورتموند فالأغلبية العظمى من الرجال كانوا في سجن المدينة وكانوا عمالا وبعضهم شارك في إضرابات عن الطعام في عام 1935 وكذلك في أولمبياد برلين 1936.
اضطر فريق بوروسيا دورتموند للانصياع إلى الاتحاد الألماني لكرة القدم المصبوغ بالنازية، وبعد ضغط كبير في عام 1933، قرر النادي إقالة رئيسه إيجون بينتروب الذي كان ينتمي إلى اليسار وتعيين أوجست بوسي أحد أعضاء الحزب النازي.
لم يمتلك النادي بين صفوفه يهودا، لكنه امتلك طبقة عاملة وشيوعيين كانوا رافضين تماما للحكم النازي، بجانب آخرين قرروا وضع أيديهم في يد الحزب النازي، ليصبح داخل أسوار دورتموند مواليين ومعارضين.
ومع الوقت أصبح دورتموند فريقا بصبغة نازية، بل وأكثر من ذلك، 80% من أعضاء الفريق الأول كانوا ضمن قوات هتلر.
لكن النادي لم يكن أداة هتلر للنجاح في ذلك الوقت، على الجانب الآخر شالكه الجار اللدود لـ بوروسيا حقق النجاح بدوره وحصد 6 ألقاب في الفترة بين 1933 وحتى 1945.
حاول أسود الفيستفاليا مقاومة النازية قدر الإمكان وإثبات أن نسبة الـ80% مجرد دعاية قام بها الحزب النازي ورئيس النادي لأهداف خاصة، بل وأبعد من ذلك فحسب ديتريتش مارميلينج المؤرخ الألماني فالفريق فعلا لم يكن مع النازية بل ضمن أعضائه مقاومة حادة لها، لكن ذلك لم يشفع للفريق في شيء وجاره شالكه حصد كل النجاح خلال تلك الفترة.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية قامت قوات الحلفاء بتفكيك معظم المؤسسات الألمانية ومن ضمنها النادي من أجل عزله عن ماضيه النازي، وتم إعادة تأسيسه عام 1948، ليبدأ رحلة نجاحه رفقة أندية أخرى.
وصفت كيت كونولي ما حدث خلال حقبة الحكم النازي قائلة: "يمكننا أن نصف ما حدث، بالفصل الأسود في تاريخ الرياضة الألمانية والعالم الرياضي، والذي بدأ مع تولي النازيين لمقاليد الأمور في ألمانيا".
وأضافت: "الجميع يصفها بالفترة السوداء، الرياضة لا تلعب من أجل السياسة ولا يمكن أبدا استخدامها لهذا الغرض".
دير كلاسيكر
تأسس "البوندسليجا" عام 1963، لكن بايرن ميونيخ لم يشارك في تلك النسخة بسبب فوز ميونيخ 1860 بلقب المنطقة الجنوبية في ذلك العام، وفضل الاتحاد الألماني لكرة القدم ضم فريق واحد من المدينة، وبالتالي لم يتم اختيار بايرن.
نجح بايرن ميونيخ في التأهل للدوري الألماني بعد عامين، في 1965، وظهرت معه مواهب جديدة للنور مثل جيرد مولر وفرانز بيكنباور وسيب ماير.
أول لقاء بين الفريقين بعد جمع شتات الكرة الألمانية بعيدا عن الحكم النازي، كان في 16 أكتوبر عام 1965 ووقتها فاز دورتموند بنتيجة 2-0 في مدينة ميونيخ.
العداء الحقيقي بين الفريقين والمنافسة القوية ظهرت بشكل أوضح في حقبة التسعينيات، خاصة بعد زيادة قوة دورتموند ومنافسته المباشرة لبايرن على اللقب. حتى أن بعض اللاعبين تراشقوا الاتهامات، مثل لوثار ماتيوس حينما اتهم زميله في المنتخب ولاعب دورتموند أندرياس مولر بأنه "طفل شكاي بكاء"، في حين أن مولر رد بصفعة لماتيوس. وذلك عام 1996.
كانت تلك حادثة من وسط حوادث كثيرة بدأت معها الأجواء تتوتر في كلاسيكو ألمانيا، ومعها بدأت أسطورية المباراة وقوتها تنشأ إعلاميا حول العالم.
بعيدا عن الحكم النازي، وبداية من فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، عادت الأندية الألمانية للوقوف مرة أخرى بعيدا عن السيطرة السياسية على أهدافها، وأصبحت تلعب الكرة من أجل الجماهير لا من أجل هتلر.
اقرأ أيضا:
خطوة جديدة من وزارة الرياضة نحو استئناف النشاط
هل تفاوض الأهلي مع مهاجم الترجي؟
كيليني يكشف ما حدث بين شوطي نهائي كارديف
كوكايين وكسر الحجر الصحي وحوادث سير.. ماذا يحدث في الأرجنتين!