كتب : أحمد العريان
يقولون إن إيطاليا منبع الوفاء. فرانشيسكو توتي، وأليساندرو ديل بيرو، وأنطونيو دي نتالي ضربوا دروسا في الانتماء لأنديتهم وجيانلويجي بوفون وأليساندرو لوكاريللي لا يقلان عنهم.
"الرجل الحقيقي لا يترك زوجته أبدا" هكذا رد أليساندرو ديل بيرو على سؤال صحفي عن سبب بقائه في يوفنتوس رغم هبوطه للدرجة الثانية عام 2006.
"أنا مدين ليوفنتوس، ولذلك اخترت البقاء معهم في محنتهم وحتى نعود لقمة السيري آ، حيث يجب أن نكون دائما" ديفيد تريزيجيه.
"اخترت البقاء مع يوفنتوس لإثبات أن المبادئ التي تربينا عليها في كرة القدم ليست مجرد شعارات، إنما قابلة للتنفيذ. كرة القدم ليست مجرد مهنة إنما هي مشاعر، وبدون المشاعر تموت كرة القدم" جيانليوجي بوفون.
(إعادة نشر)
ديل بييرو وبوفون كانا بطلين للعالم وديفيد تريزيجيه كان الوصيف، لكن ثلاثتها اختاروا ولم يهابوا مغبة الاختيار. نحن باقون مع نادينا حتى نعيده إلى ما يستحق أن يكون عليه.
قد يكون الاختيار سهلا الآن إن تكرر الموقف، لكنه لا يكون بتلك السهولة أبدا في المرة الأولى وقبل أن يتوفر أمامك مثال سابق.
في 2006 وبنفس لحظة ضرب نجوم الصف الأول في إيطاليا لدرس الوفاء، كان الشقيقان لوكاريللي يلعبان في فريق مدينتهما ليفورنو ويتجمعان في فريق واحد لأول مرة.
"دائما ما عشت في ظل شقيقي الأكبر (كريستيانو) لكني دائما ما كنت لاعبا آخر. أنا أليساندرو لوكاريللي".
"قضيت طفولتي ألعب كرة القدم في الشارع رفقة أخي أليساندرو لا نعود للمنزل إلا للنوم بملابس متسخة وحذاء ممزق". كريستيانو لوكاريللي عن علاقته بشقيقه.
في عام 2006 تنازل كريستيانو لوكاريللي عن مليون ليرة من قيمة عقده لصالح ليفورنو وذلك لأن النادي في ذلك الوقت لم يكن قادرا على دفع راتبه بالكامل، لكن الأموال لم تكن ما يشغل بال "كريس"، خاصة وأنه قرر التخلي عن نصيبه لأجل حصول وكيله على كافة نسبته.
رد أليساندرو كان مغايرا "أنا عاشق لليفورنو تماما مثل أخي (كريستيانو) لكني لا أحتاج للتنازل عن مليون ليرة لإثبات ذلك، وإن أتيحت الفرص يوما سأعبر عن ولائي بطريقتي". كان هذا وعد أليساندرو لوكاريللي لعشاق كرة القدم بعام 2006
مرت السنوات وقد تزامل الشقيقان مرة أخرى لكن بعيدا عن نادي مدينتهما. وتحديدا في بارما هذه المرة.
بارما. ذاك النادي الذي ستجد له مكانة خاصة في قلوب مواليد الثمانينيات والتسعينيات. لما لا وقد رأوه بطلا لكأس الاتحاد الأوروبي وكأس الكؤوس الأوروبية. رأوه مرعبا لإيطاليا بل وأوروبا أحيانا في تواجد بوفون في فريق يضم ليليان تورام، وخوان سيباستيان فيرون، وفابيو كانافارو، وهيرنان كريسبو.
لكن بارما التسعينيات ليس هو ذاك ما كان في 2015. النادي العريق بيع مرتين في عام واحد، ورغم ذلك لم يفلت من المصير المؤلم بإعلان إفلاسه.
في شهر مارس من عام 2015 أشهر نادي بارما إفلاسه رسميا. اللاعبون لا يجدوا حافلات تقلهم إلى المباريات، حتى أنهم أكملوا الدوري بفضل 5 ملايين يورو صرفتها رابطة أندية الدوري كمساعدة لهم وختم الفريق موسمه في المركز الأخير.
الوضع كان كارثيا في النادي ككل وليس الفريق الأول فقط، وهذا ما يصفه هيرنان كريسبو مدرب فريق الشباب في تلك الفترة "الوضع فظيع. بعد التدريبات لا نجد المياه من أجل أن نستحم".
تقرر حل النادي نهائيا، ليعيد بارما إعادة تأسيس نفسه مرة أخرى تحت اسم "بارما كالتشيو 1913 " بدلا من "بارما إف سي" ليستطيع الفريق المنافسة في دوري الدرجة الرابعة.
ترأس النادي نيفو سكالا لاعب ومدرب بارما السابق، فقال "عندما سألوني لم أستطع أن أقول لا.. لازلت أشعر بالحب لهذا النادي".
يبدو أن جينات الوفاء تجري في عروق كل من تطأ قدمه أرض بارما. لما لا وقد عاد سكالا بمحض إرادته لإدارة مشروع غير مضمون النجاح فقط لأجل شعوره بالحب لهذا المكان؟ سكالا قال "بارما سيبدأ في إحدى دوريات الهواة ومعا سنكتب التاريخ من أجل العودة".
بارما أيضا التي أخرجت لنا بوفون الذي طبق ما تعلمه من تعاليم الوفاء، لكن مع يوفنتوس. وهي التي أتاحت الفرصة أخيرا للوكاريللي كي يظهر الوجه الذي سيبقى في ذهن الناس للأبد عنه.
أليساندرو لوكاريللي قائد بارما وقبل هبوط الفريق كان له كلماته المؤثرة بعد تأجيل مباراتهم مع جنوى في الدوري بسبب رفض اللاعبين خوض اللقاء "لا تظنوا أننا نرفض اللعب من أجل المال، فلعب كرة القدم هو فقط ما يتبقى لنا الآن في بارما لكننا الآن نقاتل لا لأجل بارما فقط لكن لأجل كل الأندية الصغيرة. فالقوانين الحالية تظلم حقوق هؤلاء".
"ترك بارما يسقط يعني التخلي عن 200 أسرة سيبحث أربابها الذين يعملون في النادي عن عمل جديد. لذلك نحن رفضنا اللعب من أجل هؤلاء ليس من أجلنا".
"الأمر لا يتعلق ببارما، فأنا مستعد للعب في بارما حتى لو بدوري الدرجة الرابعة".
رابطة أندية الدوري الإيطالي تعاطفت مع بارما، وتقرر أن يدخل لاعبو فرق الدوري جميعا متأخرين ربع ساعة عن مواعيد المباريات اعتراضا على الغرامات المفروضة على بارما.
رابطة الأندية منحت بارما 5 ملاييون يورو للصرف على الفريق حتى نهاية الموسم أملا في أن يكملوا الموسم رغم تأكد الهبوط لكي يشاركوا في الموسم التالي بدوري الدرجة الثانية وليس الرابعة. لكن هذا لم يفلح أيضا بعد أن حل النادي تماما.
_ _ _
رفض أليساندرو لوكاريللي صاحب الـ 37 وقتها الرحيل عن بارما رغم هبوط الفريق لدوري الدرجة الرابعة وصرح قائلا "لن أعتزل حتى يعود بارما لدوري الدرجة الأولى مرة أخرى".
في تلك الفترة كان جيانلويجي بوفون يحتفل بالذكرى العاشرة لاختياره البقاء مع يوفنتوس في الدرجة الثانية عن الرحيل لأي فريق يريده رغم كونه بطل كأس العالم مع إيطاليا.
وفي مقابلة تليفزيونية توجه أحد الأشخاص الحاضرين بسؤال إلى بوفون عن سبب اختياره البقاء في يوفنتوس وعدم الرحيل، والصدفة أن السائل كان يدعى لورينزو.. من بارما.
رد بوفون قائلا "أهلا لورينزو، أنقل سلامي إلى كل بارما حين تعود إلى هناك. ذلك المكان الذي لايزال في قلبي دائما".
"اخترت الهبوط مع يوفنتوس عن الرحيل من أجلكم يا شباب. لأنني حقا أؤمن بأن الحديث عن الشعارات يجب أن يترجم إلى تصرفات. ولذلك تصرفت بتلك الطريقة".
في نفس التوقيت كان أليساندرو لوكاريللي يبدأ رحلته الجديدة مع بارما. من دوري الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة، ومن الثالثة إلى الثانية.
لوكاريللي وبصفته القائد أصدر تعليماته "سنذهب للمباريات بسياراتنا الخاصة وسنغسل ملابسنا في منازلنا توفيرا للنفقات".
وفي 19 مايو 2018 كان اللقاء الحاسم. بارما يحتل المركز الثالث في ترتيب دوري الدرجة الثانية خلف فروزينوني صاحب المركز الثاني بفارق نقطتين فقط قبل الجولة الأخيرة.
بارما يحل ضيفا على سبيزيا، فيما يلعب فروزينوني مع فوجيا، ويحتاج بارما للفوز مع تعثر فروزينوني للتأهل المباشر دون انتظار المباريات الإقصائية.
قبل نصف ساعة من نهاية اللقاء كان بارما قد حسم فوزه بهدفين وينتظر هدية فوجيا المتقدم بالفعل على فروزينوني بهدف.
فروزينوني قلب النتيجة على فوجيا وتقدم بهدفين مقابل هدف، النتيجة التي تعني تأهل فروزينوني مباشرة وانتظار بارما للإقصائيات.
انتهت مباراة بارما وفازوا على سبيزيا بالفعل، لكن اللاعبين ظلوا في ملعب المباراة بانتظار نتيجة فروزينوني والتي تشير لتقدم منافسهم بالفعل، لكن القدر هنا أراد أن يلعب لعبته.
سجل روبيرتو فلوريانو هدف التعادل لفوجيا في الدقيقة الـ90 وانتهت المباراة بتعادل فروزينوني بهدفين لكل فريق، لينفجر مدرج جمهور بارما بالاحتفالات وركض اللاعبون في الملعب معلنين إتمام مهمتهم أخيرا.
أسعد إنسان في العالم بتلك الأثناء كان أليساندرو لوكاريللي بكل تأكيد. ذو الـ41 سنة وفى بوعديه أخيرا حين وعد بأنه سيثبت وفاءه لكرة القدم بطريقته حين تأتي الفرصة أولا، وحين وعد بإعادة بارما للسيري آ قبل اعتزاله ثانيا.
لوكاريللي صرح مباشرة عقب اللقاء وبنبرة تكسوها السعادة الغامرة "الآن أوفيت بوعدي لبارما وجمهوره. لقد حققنا ما كان يبدو مستحيلا والفضل لهؤلاء من وقفوا خلفنا.. الآن أستطيع الاعتزال".
أليساندرو حسم قرار اعتزاله بعد أن أرجأ الأمر لحين احتفاله أولا، وكانت مباراة فوجيا الأخيرة له في الملاعب ولم يلعب في الدوري الإيطالي الدرجة الأولى.
وستبقى مباراة فوجيا الأهم في مسيرة هذا الشخص الأهم في تاريخ بارما، وإن لم يحقق لهم البطولات مثلما فعل جيل التسعينيات.
ليلة 19 مايو 2018 صارت خالدة بتاريخ الكرة الإيطالية. ليس فقط بسبب لوكاريللي لكن لأنها ليلة وداع بوفون أيضا.
بوفون خاض مباراته الأخيرة بقميص يوفتوس الذي حرس عرينه 17 عاما، قبل العودة مجددا بعد موسم وحيد مع باريس سان جيرمان الفرنسي للسيدة العجوز من جديد.
وفي ليلة عودة لوكاريللي وبارما إلى الدوري الإيطالي، كنا على موعد مع توديع بوفون أسطورة بارما ويوفنتوس بشكل مؤقت.
حب وولاء، عشق وانتماء، تضحية وعطآء، إذا قيل لك ما معنى هذه الكلمات فقل لهم انظروا لمثل هؤلاء.
اقرأ أيضا
خبر في الجول – تمديد عقد سعد سمير
تقرير: هدف الأهلي والزمالك يقترب من الدوري الفرنسي
إصابة 6 أشخاص في 3 أندية إنجليزية بفيروس كورونا
اختفوا في ظروف غامضة - عمرو عادل
أبطال في الجول - إبراهيم حمدتو