كتب : إسلام مجدي
"حينما أرى الكرة بين قدمي بيرلو وأراه يلعب، أسأل نفسي أحيانا هل يمكن اعتباري لاعب كرة قدم؟". كانت تلك كلمات جينارو جاتوزو عن زميله في منتخب إيطاليا وميلان في ذلك الوقت أندريا بيرلو.
اليوم في عيد ميلاد المايسترو بيرلو، نعيد نشر هذا الموضوع الذي كتب عنه سابقا على FilGoal.com لنسترجع معكم بداية أسطورة إيطاليا.
كيف بدأت أسطورة مايسترو إيطاليا و"العازف بالكرة" و"تاجر السعادة" و"الفتى الذي يظن نفسه مارادونا" وألقاب أخرى كثيرة؟
مسيرة بيرلو حافلة بالأحداث وشخصيته بنيت منذ نعومة أظافره، لطالما كان قائدا في الملعب ويعلم متى وكيف يعزف أمام منافسه ويلعب بعقله قبل قدمه.
قرر روبيرتو كليريتشي مدرب بريشيا في عام 1992 اصطحاب فريقه تحت 15 عاما للمشاركة في "كأس دانا" في الدنمارك، قائده كان شابا صغيرا قصير القامة في الـ13 من عمره.
قال كليريتشي :"تفاجأت ببيرلو يقول لزملائه في عصبية وقوة تلك ليست رحلة مدرسية، نحن هنا للفوز لذا عليكم أن تتصرفوا لتحقيق ذلك".
كان بيرلو كعادته مثالا لزملائه في الملعب قائدا مثاليا وقاتل حتى وصل إلى نصف النهائي حينما ودعوا البطولة من ذلك الدور بركلات الترجيح.
وأَضاف كليرتشي :"كان الصمت يخيم على الأجواء وركلة الجزاء الأخيرة كانت لبيرلو، ذهب تجاه الحارس والكرة بين يديه، ثم جرى وهدأ وسدد بطريقة جعلتنا نصاب الصدمة إنها مماثلة للطريقة التي لعب بها ركلة الجزاء ضد إنجلترا في يورو 2012".
في كل تدريبات بريشيا كان كليرتشي يجري مسابقة صغيرة بين لاعبيه الشباب من أجل تدريبهم على ركلات الترجيح وحينما يخطئ أحدهم يتم استبداله، الوحيد الذي كان يستمر في الملعب دوما بالطبع هو بيرلو.
أضاف كليرتشي في تصريحاته لمجلة "فور فور تو" :"إنه يعرف جيدا ما هو قادر عليه ويثق في نفسه كثيرا".
امتلك بيرلو قدرة على تمرير الكرة إلى أي مكان في الملعب بجانب قوته الدفاعية وحفاظه الدائم على توازن خط وسط فريقه.
قال عنه مدربه في فترة الشباب: "لم يرتكب بيرلو يوما خطأ، دائما أراد لعب الكرة لا إيقافها، كان يفعل أصعب الأشياء من دون أن يرتكب خطأ واحدا".
الجميع كان يتوقف لمشاهدة هذا الفتى، امتلك كل شيء في الـ14 من عمره يجيد التمرير والتصويب ولديه شخصية القائد، كطفل كان محبوبا كأخ في العائلة كذلك كان محبوبا، لا يمكنك أن تجد شخصا واحدا يكره بيرلو.
أضاف كليرتشي :"لقد كان فتى هادئا دوما وصامتا، لم يخرج يوما مع أصدقاء السوء وكان يلعب دوما وحده أو مع زملاء كرة القدم، كان يحب التنافس ولم يشعر يوما للحظة بالغيرة".
لفت بيرلو إليه الأنظار سريعا وفي عمر الـ14 عاما كان أتالانتا يستعد لضمه في أسرع وقت، وخوفا من أزمة دبلوماسية بين الناديين اللذين يتمتعان بتنافس محلي قوي قرر أنطونيو بيركاسي رئيس النادي في ذلك الوقت ألا تتم الصفقة.
صرح بيركاسي عن ذلك الأمر قائلا :"قلت لهم دعوه وشأنه، نعم إنه سيغدو لاعبا كبيرا لكن لا يستحق أن تبدأ حرب بسببه، لكن لنكن صادقين بيرلو استحق حربا من أجله".
مدرب أتالانتا الذي طلب بيرلو في تلك الفترة وكاد أن يبدأ أزمة دبلوماسية قال :"تركني بيرلو غير قادرا على النطق، لم أر في تلك الحقبة أو في حياتي لاعبا يقدر على السيطرة على خط الوسط مثله، تلك الشخصية كانت نادرة تماما".
وتابع "كان لدي انطباع أن كل من يتجه لمشاهدة بيريشيا يذهب من أجل ذلك الطفل ذو الـ14 عاما أردته بشدة في فريقي، وجميعهم كانوا يفكرون مثلي إنها موهبة جديدة وفريدة من نوعها".
بيرلو نفسه علم أن موهبته فريدة وأنه سيحتفظ بمكانة خاصة سواء في إيطاليا أو الفريق الذي يمثله، وكتب في سيرته الذاتية :"من سن مبكرة علمت أنني أفضل من الآخرين، لكل سبب ممكن الجميع كان يتحدث عني كثيرا ويشاهدونني كثيرا".
الأمر كان سلبيا على بيرلو نظرا لأن زملاءه في الفريق رفضوا أن يمرروا له الكرة غيرة منه وما يمتلكه من موهبة، الصرخات كانت تعلوا المدرجات "هل هذا الفتى يظن نفسه مارادونا؟". بالطبع بيرلو لم يظن نفسه أي أحد كان يعلم أنه فقط بيرلو حسبما أوضح.
في ذلك اليوم بكى بيرلو كثيرا وجرى هاربا من الانتقادات الشديدة، هذا ما حدث للفتى القائد ذو الـ14 من عمره، ووقتها كان الجميع يقلل منه واستمر ذلك التقليل لفترة، الكل كان يتهكم على موهبة بيرلو.
قال بيرلو :"كنت أقول لنفسي اذهب واجلب تلك الكرة، إنها تنتمي لك، هؤلاء الغيورون لا يستحقونها".
شخص واحد كان يقف ويراقب كل ذلك من بعيد، كان ميرتشا لوتشيسكو مدرب الفريق الأول، وخلال عام وحيد قرر أن يضمه لفريقه الأول بريشيا، بيرلو تدرب مع الفريق الأول في سن مبكرة وحضر الوديات التحضيرية للموسم الجديد ولعب ضد أندية مثل النجم الأحمر الصربي وستيوا بوخاريست.
لوتشيسكو كان دائما يعنف ويوبخ لاعبيه أصحاب الـ30 عاما كلما راوغهم الفتى الصغير بيرلو لكن ذلك الشاب لم يتوقف للحظة بل كان يعيد الكرة أكثر من مرة.
قال بيرلو عن تلك الفترة :"تعرضت لـ10 محاولات للقتل قبل التدريبات".
وأضاف أديليو مورو مساعد لوتشيسكو "بعض الزملاء الذين شعروا بالغيرة خشوا من فقدان مكانهم الأساسي في الملعب".
بيرلو كان هادئ الطباع لم يتوتر أو يخشى أي شيء حتى على الرغم من أنه لعب دورا صعبا في سن صغيرة للغاية، صانع لعب متقدم لفريق أول وهو في الـ15 من عمره.
الاحترافية كانت سمته الرئيسية وكعادته كان مثالا يحتذى به.
قال مورو :"لقد كان مثالا لنا جميعا، في الحقيقة من كان يغار منه لأنه لا يمكنه أبدا أن يكون بيرلو، تمنيت لو كان لدينا لاعبون مثله ليس على الصعيد الفني كلاعب كرة قدم بل على الصعيد الإنساني كذلك".
في عام 1995 وفي عمر الـ16 عاما كانت اللحظة الأهم للكرة الإيطالية ولبيرلو ولكرة القدم عموما، الفتى الصغير يدخل إلى أرض الملعب بدلا من ماركو سكنداري.
ومع تناغم التشكيل أصبح بيرلو لاعبا في الفريق الأول في عمر الـ17 عاما وفاز بلقب دوري الدرجة الثانية.
قال جينو كوريوني رئيس النادي في ذلك الوقت عنه :"لن نتملك يوما أموالا لضم لاعب مثل بيرلو، لكنه سيظل رمزا لنا، سأتمسك به لأطول مدة ممكنة إن استمررنا في الدوري الإيطالي".
بعد 12 شهرا هبط بريشيا إلى الدرجة الثانية ليرحل بيرول إلى إنتر ميلان، والفتى كان يحب ذلك النادي ويشجعه أثناء طفولته كثيرا.
لعب بيرلو بجانب رونالدو ويوري جوركاييف وروبيرتو باجيو والأخير كان نجمه وبطله في الطفولة.
اتفق الجميع في إيطاليا خلال تلك الفترة أنه لم يمرر أحد الكرة قط مثل بيرلو.
كتب بيرلو :"أتجول مثل الغجري في الملعب، لاعب الوسط يجب أن يستمر في البحث عن مكان يبدأ من خلاله التحرك بحرية، مساحة يمكنني أن أنفذ فيها ما أبرع فيه، أخذ الكرة وأمنحها لزميلي فيسجل، يسمى ذلك صناعة هدف، وبطريقتي أسميها نشر السعادة".
لم تكن أيام بيرلو سعيدة في إنتر، ماسيمو موراتي رئيس النادي غير 4 مدربين في وقت قصير، جيجي سيموني ولوتشيسكو ولوتشيانو كاستيلليني وروي هودجسون.
انهار كل شيء فجأة حينما كان يخطئ هودجسون في نطق اسم بيرلو، وكان يقول بيرلا ومعناها الغبي بالإيطالية، أعاره مارشيللو ليبي إلى ريجينا وهناك تأكد الدوري الإيطالي أن هناك موهبة فذة لدى هذا اللاعب.
فرانكو كولومبا كان مدرب ريجينا وقتها وقال إن بيرلو كان يتدرب ويقاتل لإثبات نفسه وموهبته وصرح لمجلة "فور فور تو" :"حينما كنا ننهي التدريبات كنت أضطر إلى قطع الكهرباء عن الملعب لكي يذهب إلى منزله وإلا تدرب طوال الليل".
وفي بطولة أوروبا تحت 21 عاما قاد منتخب إيطاليا للفوز بالبطولة وبالطبع فاز بالحذاء الذهبي وكذلك الكرة الذهبية كهداف البطولة وأفضل لاعب.
عاد بيرلو إلى إنتر ميلان في صيف 2000 وكان ليبي قد اقتنع بموهبته أخيرا، لكنه كان قد أقيل من منصبه، ليتولى ماركو تارديللي مهمة تدريبه وكان مدرب بيرلو في منتخب تحت 21 عاما.
وخلال 6 أشهر لعب بيرلو معه 4 مباريات فقط. وقال بيرلو :"أردت دائما أن أسأله لماذا لا ألعب، كنت لاعبا مهذبا لكن كان علي الوقوف ضد نفسي من أجل مصلحتي".
وفي يناير عاد بيرلو إلى بريشيا معارا، ومع بداية موسم 20002-2001 كان النادي قد وقع مع باجيو من إنتر.
وقرر كارلو ماتزوني أن يلعب ببيرلو في مركز جديد أمام رباعي الدفاع الخلفي كممرر بارع أو "ريجيستا" ليعزف بيرلو أجمل الألحان.
قال عنه ماتزوني :"بيرلو كان يجعل الكرة تغني، وكان شابا يافعا ولديه سلوك شخص يعلم إلى أين يرغب أن يذهب ويعلم كل شيء، تحدثت مع الفريق عنه كثيرا".
أبرز لقطات ذلك الموسم كانت ضد يوفنتوس في أبريل 2001، تسعة لاعبين من يوفنتوس يقفون بينه وبين باجيو لكن هل منعه ذلك؟ بالطبع لا وصنع له هدفا.
كان بيرلو قد يئس من قدرته على اللعب لإنتر أو إيمانهم بموهبته، ليقرر في يونيو 2001 أن ينضم إلى ميلان بمبلغ 10.88 مليون يورو.. ومن هنا بدأت حكاية مايسترو إيطاليا قبل أن يعلن اعتزاله كرة القدم بعد ذلك في 2017.
المصادر (فور فور تو – لا جازيتا ديلو سبورت – أندريا بيرلو: فيلم عن بطل – السيرة الذاتية لبيرلو – لا ريبابليكا)
اقرأ أيضا
قائد واتفورد: لن أعود للتدريبات
رابطة الدوري الإنجليزي تكشف إمكانية تسليم اللقب في مراسم
أسطورة المغرب: بنشرقي يجب أن يستمر مع الزمالك
رونالدو يعود لتدريبات يوفنتوس بعد غياب 72 يوما