كتب : مهاب نبيل
على طول الطريق الرئيسي لـ ساريا المنطقة الأشهر في مدينة برشلونة ستجد مبنى سكنيا متعدد الطوابق ذا مظهر عام. إنه واحد من عدد من المباني المتشابهة في المنطقة، كل منها يمكن أن يمر بسهولة كشيء قد رأيته في كتيب العطلة في الثمانينيات، داخل صفحات المنتجعات على طول كوستا دورادا.
المبنى نفسه ليس استثنائيا، لكن المنظر من الشرفة كان كذلك. اليوم، المنظر ممتع نسبيا، وهو يقدم لمحة عن رقعة هادئة من المساحات الخضراء، وإطلالة على حديقة حضرية، في مكان ما للجلوس في ظل السبل المحاطة بالأشجار وقراءة كتاب في يوم دافئ. وبدلاً من ذلك كان الرأي الذي اعتاد أن يقدمه يتردد صداه بعمق أكبر.
قبل أن يُهدم في عام 1997، كان المشهد الذي يطل عليه سكان الطوابق العليا من تلك الشقق هو ملعب ساريا المعقل السابق لـ نادي إسبانيول والذي تم تسليمه للفيفا لمدة 7 أيام في فترة زمنية امتدت في نهاية يونيو وبداية يوليو عام 1982 تمهيدا لاستضافة المونديال.
المجموعة السادسة، الجولة الثانية من دور المجموعات بمونديال 1982 وبعد الفوز على اسكتلندا برباعية مقابل هدف، ضَمن منتخب السامبا التأهل للدور الثاني وستكون المباراة الأخيرة من دور المجموعات أمام نيوزيلندا مجرد مباراة استعراضية، وبذلك ضمن سكان ساريا أن يلعب منتخب الأحلام مبارياته في الأدوار الإقصائية على أرضية ملعب دي ساريا.
على الجانب الأخر، إيطاليا تعجز عن تحقيق أي فوز في مبارياتها الثلاث في المجموعة الأولى حيث كانت حصيلتها ثلاثة تعادلات بثلاث نقاط لتتأهل كوصيف للمجموعة بفارق الأهداف عن الكاميرون وبيرو.
أما الأرجنتين، فخسرت أولى مبارياتها أمام بلجيكا ولكنها تداركت الموقف بعد ذلك وحققت فوزين متتاليين أمام المجر والسلفادور لتتأهل كوصيف للمجموعة الثالثة مما يعني أن ملعب دي ساريا والذي أصبح المسرح الاستعراضي لمنتخب البرازيل سيستقبل ضيوفا من العيار الثقيل لمواجهة كتيبة المدرب تيلي سانتانا.
إذًا الكرة ستنصف الملعب الصغير على أحد أهم قلاع كرة القدم عبر تاريخها وهو ملعب كامب نو حيث سيستضيف الملعب الخاص بفريق برشلونة مباريات بولندا وبلجيكا والاتحاد السوفييتي بينما سيعرض ملعب دي ساريا أكثر المباريات إثارة في المونديال.
ملعب دي ساريا بإسبانيا بمونديال 82 قدم لنا الثلاثي باولو روسي ودييجو مارادونا وزيكو لتنصيب أحدهم كملك متوج للمونديال وبحسب ما قدمه الثلاثي في البطولة كان من المفترض أن يصبح زيكو هو الملك.
في سن الـ 29، كان زيكو في قمة عطائه الكروي، قوة ومهارة لا تقاوم. بينما كان مارادونا، البالغ من العمر وقتها 21 عامًا، ما زال أمامه الكثير في مسيرته المهنية والدروس التي يمكن تعلمها. في حين كان باولو روسي، البالغ من العمر 25 عامًا، موقوفا لمدة عامين لتورطه في فضيحة توتونيرو التي هزت كرة القدم الإيطالية في عام 1980.
وبينما كان روسي يقضي فترة إيقافه، كان زيكو يفوز بكأس ليبرتادوريس، وبطولة العالم للأندية وجائزة أفضل لاعب في أمريكا الجنوبية. ليصبح مونديال 82 هو فرصة زيكو للوصول لقمة المجد.
كبار فرق أوروبا في ذلك الوقت تفاوضوا مع فلامنجو للتوقيع مع زيكو، لكنه كان جزءًا من الجيل الأخير الرائع من لاعبي كرة القدم البرازيليين الذين لم ينقلوا مواهبهم تلقائيًا إلى الدوري الإيطالي أو الليجا مندفعين وراء المال.
ففي بعض الأحيان كان رفض العروض الأوربية بإرادة كل من فلامنجو وزيكو، ولكن أيضًا في بعض الأحيان كان بناء على طلب من الحكومة العسكرية البرازيلية، فظل أفضل اللاعبين في البلاد ضمن فريق النادي المحلي، بدلاً من البحث عن ثروات أوروبا.
البعض يقول إن مونديال 82 بإسبانيا و86 بالمكسيك هما أكثر نسختين ظهرت فيهم روح السامبا تحت إخراج وقيادة المدرب المخضرم تيلي سانتانا الذي وجد التناغم وصنع ثنائية مرعبة بين زيكو والراحل الفيلسوف سقراطس رغم الاختلاف الكبير في أسلوب لعبهما.
لكن الثنائية أمتعت كل من شاهدها وسط مساعدة من فريق يمتلك من الموهوبين الشجعان كـ فالكاو، سيرجينيو، سيريزو، إيدير، وكأن سانتانا أعد الفريق الذي سيجلب كأس العالم للمرة الرابعة للبرازيل.
كان المصير ينادي البرازيل عام 1982، بنفس الطريقة التي نادى بها إلى المجر عام 1954 وهولندا عام 1974. وكما كان الحال في سويسرا وألمانيا الغربية، سيكون المصير في إسبانيا بلا أدنى شك.
في إسبانيا، كان زيكو حامل العصا، وصي آمال الأمة. على عكس ما كان قبل أربع سنوات، في الأرجنتين، كان حينها المواهب الصاعدة التي تأمل أن تجلس على العرش الذي جلس عليه من قبل الملك بيليه.
وكان قائد الفريق وقتها ريفيلينو، في حين حارب زيكو من أجل إيجاد مكان له وسط غرفة مليئة بالنجوم أمثال زي سيرجيو، وديرسيو بالإضافة الذي رشحه الكثيرون ليكون الملك الجديد لكرة القدم البرازيلية رينالدو.
في 82 أصبح الوضع مختلفا، لقد صار البرازيل منتخبا متطورا وأكثر تركيزا. لم تعد تعوقهم أشباح جيل مونديال 70 بالمكسيك المتوج بآخر مونديال للسامبا حينها والذي راهن الكثيرون بأنه لن يتكرر مجددا في تاريخ البرازيل.
ومع انطلاق دور المجموعات واختيار تيلي سانتانا لتشكيلته المترابطة بقيادة زيكو، بدأ الاستعراض مبكرا عندما مزقوا الاتحاد السوفيتي في المباراة الأولى ثم اسكتلندا وبعدها نيوزيلندا، بحصيلة 10 أهداف في المباريات الثلاث.
كان هذا ضعف عدد الأهداف التي تمكنت البرازيل من تسجيلها خلال مراحل المجموعات من مجموعتي كأس العالم السابقين. وكان لـ زيكو نصيب ثلاثة أهداف من الأهداف الـ10.
بعدما تأهلت البرازيل للمرحلة الإقصائية الثانية ووُضعت بمجموعة واحدة مع الأرجنتين وإيطاليا حيث كان النظام وقتها أن يتم تقسيم فرق دور ربع النهائي إلى مجموعات من ثلاثة فرق يتأهل منها أصحاب الصدارة إلى نصف النهائي.
وضحية المجموعة كانت الأرجنتين، خسرت مباراتها الأولى أمام إيطاليا بثنائية مقابل هدف ثم بثلاثية أمام البرازيل افتتحها زيكو وانتهت بطرد مارادونا في نهاية المباراة، ليدخل زيكو وزملاؤه مواجهة إيطاليا وهم في حاجة للتعادل فقط لضمان التأهل لنصف النهائي بأفضلية فارق هدف عن الأتزوري.
قيمة زيكو التي أظهرها على مدار أربع مباريات أجبرت كلاوديو جنتيلي مدافع المنتخب الإيطالي على وحشية قد تكون مبررة تماما مع صاحب القميص رقم 10، ومع رقابة لصيقة على زيكو تولى الثلاثي سقراطس وجونيور وأوسكار الضغط الهجومي على الدفاع الإيطالي بينما اكتفى لاعبو الأتزوري بدفاع المنطقة واللعب الطولي المرتد والذي استغله باولو روسي بأفضل طريقة، فافتتح التسجيل بعد خمس دقائق فقط من انطلاق المباراة.
لكن الرد لم يتأخر كثيرا بعد 7 دقائق من الهدف الإيطالي بتمريرة ساحرة من زيكو أسكنها سقراطس في شباك دينو زوف بطريقة رائعة ومع بدء فرض البرازيل لسيطرتها على مجريات المباراة، وقع سيريزو في خطأ فادح أهدى به روسي وإيطاليا الهدف الثاني. قبل أن يتعادل فالكاو مع بداية الشوط الثاني من قذيقة يسارية على يمين زوف.
وبعد هذا الهدف اتخذ البرازيليون أكثر قراراتهم خطئا طوال ثلاث مباريات وشوط لعبوها خلال المونديال وهو العودة للدفاع من أجل الحفاظ على هذا التعادل الذي يضمن لهم التأهل إلى المربع الذهبي.
لتأتي الصعقة الإيطالية الثالثة بواسطة روسي وسط ذهول كل الحاضرين في ملعب دي ساريا وبعد 24 دقيقة من الهدف أطلق الحكم صافرة نهاية اللقاء معلنا وداع البرازيل للمونديال ونهاية استعراض زيكو وزملائه بأخطاء دفاعية كارثية وثلاث طعنات من روسي.
في غضون عام من تلك المباراة، كان زيكو يتجه إلى إيطاليا. في سن الثلاثين، استطاع الكالشيو أخيراً اجتذاب الرجل الذي تطمع فيه كبار أندية إيطاليا منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
تقدمه في العمر كان يعني أن أصحاب الثقل في ميلانو وتورينو وروما قد صرفوا النظر عن النفقات المطلوبة للحصول على خدماته. قام ميلان وروما على وجه الخصوص بمحاولات جادة للحصول على توقيعه، لكن الأضواء الأقل من أودينيزي هي التي استوفت جميع المطالب لاستقدامه.
قدم الساحر تحط الرحال في ملعب فريولي وسط استقبال حار من جماهير أودينيزي، الفريق الذي ضم وقتها زميله الدولي إيدينيو الرجل الذي سيمثل السامبا في مونديال 86 بالمكسيك والأسطوري فرانكو كاوزيو الذي كان بديلا في تشكيل إيطاليا أمام البرازيل في ملعب دي ساريا.
قضى زيكو موسمين في أودني سجل خلالهما 22 هدفا في 39 مباراة، فقط ميشيل بلاتيني نجم يوفنتوس هو من سجل أكثر في موسم 1983/84، لم يجد زيكو مشكلة في التأقلم مع الكالتشيو في الفترة القصيرة التي قضاها، من الممكن أن قدرته على الإلهام الكروي لم تساعد الفريق على تحقيق أي بطولة خلال الموسمين نظرا لوجود عمالقة بحجم ميلان ويوفنتوس ونابولي الذي يمتلك النسخة المرعبة من دييجو مارادونا، لكن زيكو استفاد من فترته مع أودينيزي على الصعيد الشخصي من حيث المباريات الرائعة التي لعبها أمام كبار إيطاليا أو الجماهيرية الجارفة التي حصل عليها في ملعب فريولي.
كانت مباراة زيكو الأخيرة في الدوري الإيطالي أمام مناصري أودينيزي رائعة. الذيف كان نابولي، وكُتب أن يكون وداع زيكو في مواجهة مع مارادونا.
مباراة أوفت بوعودها من حيث المتعة والإثارة، كانت أشبه بخصمين يلعبان شد الحبل من الجانبين. تعادل الفريقان 2-2 في نهاية المطاف.
في صيف 1985، عاد زيكو إلى فلامنجو، بعين على كأس العالم القادمة وعين على رسوم التهرب الضريبي في إيطاليا.
لأول مرة في حياته المهنية، عانى من سلسلة كبيرة من الإصابات. ومع اقتراب المونديال أصبح سانتانا مطالبا بتحديد أوراقه التي سيذهب بها إلى المكسيك، ولكن الورقة الأهم وهى زيكو ليست في الموعد خاصة على المستوى البدني.
مع الضغط الذي تمت ممارسته على مدرب السامبا من معظم الجوانب لاختياره، وإحساس سانتانا بالمسئولية تجاه بلاده، كان زيكو في الفريق على حساب خيارات أخرى مناسبة تمامًا.
من نواح عديدة، كان سانتانا محظوظًا لأن زيكو لم يكن قادرًا بشكل واضح على بدء المباريات في المكسيك 86. كان عليه أن يقبل تنازله عن دور البطولة المطلقة كنجم أول للفريق إلى لاعب يشارك في دقائق قليلة من المباريات.
لم يلعب أي دور خلال مباراتي البرازيل الافتتاحيتين أمام إسبانيا والجزائر، ثم شارك بديلا في المباراة الأخيرة من المجموعات أمام أيرلندا الشمالية ومباراة دور الـ 16 أمام بولندا، كانت البرازيل متفوقة في الأداء والنتيجة في الأوقات التي دخل فيها إلى أرضية الملعب. ولكن في ربع النهائي اختلف الأمر.
في مباراة فرنسا والنتيجة تشير إلى التعادل 1-1، دخل زيكو كبديل لمولر في الدقيقة 71. وفي غضون دقيقتين قام بتمرير الكرة الذي اضطرت الحارس الفرنسي جويل باتس لإسقاط برانكو داخل منطقة الجزاء ليعلن الحكم بعدها عن ركلة جزاء قبل 17 دقيقة من النهاية.
كاريكا وسقراط في أرضية الملعب وكلاهما سجل من علامة الجزاء أمام بولندا في دور الـ 16 ولكن في النهاية أمسك زيكو بالكرة ليسدد ركلة الجزاء.
قد تكون أسوأ ضربة ثابتة سددها زيكو خلال مسيرته تسديدة ضعيفة في ارتفاع مناسب ليبعدها الحارس، ليواجه زيكو موقفا صعبا جديا في المونديال.
امتدت المباراة إلى الوقت الإضافي ثم إلى ركلات الترجيح وهذه المرة نجح في التسجيل ولكن ركلته لم تنقذ السامبا من الخسارة ووداع المونديال في نهاية المطاف وبالتالي نهاية الرحلة لـ زيكو مع السامبا دون ارتداء التاج الذي توج به ملوك الكرة البرازيليون، لينضم إلى عدد كبير من نجوم المستديرة الذين عاندهم تاج المونديال كـ ليونيل ميسي، ويوهان كرويف، وميشيل بلاتيني، وفيرنيتش بوشكاش.
كيف تحمي نفسك من فيروس كورونا.. اضغطهــــــــــنـــــــــــــــا
لمعرفة كل المصابين بفيروس كورونا من عالم كرة القدم وتطور حالاتهم، اضغطهــــــــــنـــــــــــا
لمتابعة تأثير فيروس كورونا على الأحداث الرياضية المحلية والعالميةاضغط هنا
طالع أيضا
أفضل 50 هدافا في تاريخ منتخب مصر
أكثر 5 مباريات مشحونة سياسيا في تاريخ المونديال
معلول: تلقيت عرضا ضخما للرحيل عن الأهلي
علي غزال: مفاوضات الزمالك شفهية
معلول: أردنا الزمالك لرد الاعتبار