كتب : وسيم أحمد | الأحد، 12 أبريل 2020 - 15:01

هل خان أحمد فتحي الأهلي؟

أحمد فتحي - الأهلي - صن داونز

يعج تاريخ النادي الأهلي بقصص وحكايات لأبطال كُثر سطروا تاريخهم بأحرف من ذهب و كتبوا بعرقهم وقتالهم داخل المستطيل الأخضر وبتتويجهم بالبطولات مع المارد الأحمر أجمل الفصول في رواية "الرحلة" التي يصعب نسيانها داخل قلعة الشياطين.

أحمد فتحي

النادي : معتزل

تلك الرواية التي تبدأ فصولها بحسين فوزي وحسين حجازي مرورا بمختار التتش وأحمد مكاوي والفناجيلي وصالح سليم، ثم محمود الخطيب وطاهر أبو زيد وحسام حسن وصولا لأبو تريكة وبركات وحسام غالي وحسام عاشور وبكل تأكيد "أحمد فتحي".

فكل من شارك بقميص النادي الأهلي وحمل لواءه ودافع عن ألوانه وبذل من أجله الجهد والعرق، له من جماهير الفريق كل التقدير والحب والاحترام سواء كان أحد أبناء النادي الأهلي أو لم يكن كذلك.

ومن هذا المنطلق يبرز التساؤل هل يمكن محو كل ما قدم أحمد فتحي للأهلي بجرة قلم عقب توقيعه لبيراميدز؟ وهل بتلك الخطوة يعتبر فتحي خائنا للأهلي كما يروج البعض ويحق لجمهور النادي الأحمر ذبحه واغتياله معنويا وتجهيز أبشع الألفاظ والسباب من الآن استعدادا للهتاف ضده في المدرجات ونسيان كل ما قدمه للفريق من جهد وعرق رغم أنه اللاعب لذي طالما لقبه جمهور الأحمر بـ "الراجل" نظرا لما قدمه من عرق وجهد دفاعا عن ألوان الفريق؟

دعونا نفكر في الأمر بهدوء وبموضوعية وحيادية دون تغليب العواطف والانتماءات، وإن كنت عزيزي القارئ تريد من يداعب عواطفك ويلعب على مشاعرك، فبالتأكيد لن أكون الشخص المطلوب لأنني لا أداعب الأهواء أيا كانت انتماءاتها، ولكني أعدك بأنني سأحترم فكرك وعقلك وأناقشك بالمنطق.

مبدئيا وقبل الإجابة عن إشكالية اعتبار فتحي خائنا أو لا، دعونا نقر بأن فتحي خسر وفاز أيضا من خطوة انتقاله لبيراميدز. وأيا كان أيهما أكبر المكسب أو الخسارة، فإن الوحيد القادر على تحديد ذلك هو فتحي نفسه وفقا لحساباته الشخصية.

أما رأيي الشخصي والذي لن يفيد فتحي في شىء لأنه اختار طريقه بالفعل هو أن خسارته أكبر بكثير من مكسبه.

بالفعل فاز فتحي ماديا حوالي ما يقرب من 15 مليون جنيه إضافية في 3 سنوات وهي فارق العرض المقدم من بيراميدز عن الأهلي وذلك إذا صحت أنباء حصوله على ما يقرب من 16 مليون جنيه في الموسم الواحد من بيراميدز في مقابل 11 من المارد الأحمر.

كما خسر فتحي أيضاً في المقابل معنوياً وأدبياً فرصة إنهاء مشواره لاعباً للنادي الأهلي وتتويج مشواره الطويل مع نادي القرن بإفريقيا، وكذلك حب الجماهير العريضة التي طالما هتفت باسمه لأنها ستتذكر دائماً أنه فضل الأموال (وهو حقه بالمناسبة ولا يقلل ذلك منه شيئا) على الأهلي.

وكما قلت سالفاً، تحديد أي الحزمتين أكبر (حزمة المكسب أو حزمة الخسارة) يستطيع فتحي وحده تقديره وفقاً لظروفه الخاصة وحساباته الشخصية.

إذا، نعود مرة أخرى ونتسائل، هل خان فتحي النادي الأهلي ؟

لنجيب عن ذلك التساؤل علينا أن نجيب عن أسئلة أخرى، أولها، ما هو الاحتراف ؟

قبل دخول مصر في زمن الاحتراف، كان لاعب الكرة يمتهن مهنة أخرى بجانب كرة القدم، ولم تكن الكرة هي مصدر رزقه الوحيد، وكانت عوائد الكرة ضعيفة جداً عكس الآن في زمن الاحتراف، وكانت فكرة الولاء للنادي فكرة قابلة للتطبيق لأن اللاعب يلعب من أجل الكرة وليس المال، يلعب لأنه يستمتع باللعب ويحب تعلق الجمهور به ويضعه في حسبانه قبل إقدامه على أي خطوة.

أما في زمن الاحتراف فالوضع اختلف تماما وباتت كرة القدم هي مهنة اللاعب الوحيدة ومصدر رزقه الوحيد، تماماً كما تعمل أنت سواء كنت مهندسا أو موظفا في بنك أو في أحد الشركات، فأنت بكل تأكيد تعمل من أجل كسب الرزق والإحساس بالراحة، وإذا جاء لك عرضا من إحدى الشركات الأخرى سواء كانت أكبر أو أصغر ستبدأ بالنظر للجانب المادي وتقارن العروض المقدمة لك وبكل تأكيد ستختار العرض المادي الأكبر بعد وضع عوامل أخرى في الحسبان كالإحساس بالراحة والمعاملة باحترام في مكان العمل.

وبالتالي لاعب الكرة الآن ينظر لعروض الأندية من نفس المنطلق، والعامل المادي هو أحد أهم العناصر إن لم يكن أهمها في تحديد وجهة لاعب الكرة.

ولعل أبرز مثال على ذلك كريستيانو رونالدو، والذي خرج من نادي ريال مدريد بعد كل البطولات والإنجازات التي قدمها للنادي لأن إدارة النادي رفضت مساواته ماديا بليونيل ميسي منافسه التقليدي في برشلونة وجعله الأعلى أجراً في العالم، فلم يشعر بالتقدير من النادي الملكي وغادر إلى يوفنتوس، ولم يقل أبدا مشجعي ريال مدريد أن كريستيانو خان النادي بل إن جمهور الفريق ما زال يشجعه حتى الآن في يوفنتوس ويتذكر ما قدمه للفريق بكل فخر.

أعلم ما تفكر فيه الآن، أمثلة أخرى كان ولاؤها للنادي حتى في زمن الاحتراف، وعلى سبيل المثال ليونيل ميسي، أو فرانشيسكو توتي من قبل. والحقيقة أن الأمر واحد تماماً، فمن قال أن ميسي كان ليستمر مع برشلونة إذا ما قررت إدارة النادي جعله رقم 2 في سلم الرواتب بعد أي من زملاءه الآخرين ؟ فميسي يجدد عقده كل عامين تقريباً وبشروطه الخاصة وهو الأعلى أجراً في العالم حتى الآن، وإذا ما حدث معه العكس فسيحذو حذو رونالدو بكل تأكيد، فهذا هو زمن الاحتراف.

كذلك الحال لتوتي، فحين جاءته عروض ريال مدريد وغيرها بمقابل مادي أعلى مما يتقاضاه في روما، كان يشعر بالتقدير في روما وأنه رقم 1 في النادي، ولو كان الوضع مختلفاً لترك الفريق، لذا فما فعله أحمد فتحي عندما رفض النادي مساواته بعلي معلول رغم التاريخ الكبير الذي قدمه للفريق الأحمر جعله يفكر في مكان آخر يحصل فيه على ما يريد ويشعر فيه بالتقدير وهو ما وجده في بيراميدز وهذا هو الطبيعي في سوق يحكمه قانون "العرض والطلب".

السؤال الثاني الذي يحتاج لإجابة، ماذا لو أن النادي الأهلي هو من رفض التجديد لأحمد فتحي؟ هل كان سيحدث العكس؟ هل كان سيعتبر الجمهور أن النادي هو من خان فتحي؟ الإجابة بكل تأكيد هي لا. لأن ببساطة إجابة ذلك السؤال نراها صورة حية أمامنا في حالة حسام عاشور، فنحن أمام حالتين لننظر بواقعية وحيادية لكلاهما، فالنادي رغم كل ما قدمه عاشور من تاريخ للفريق، ورغم تمسك عاشور بالاستمرار، قرر النادي والمدرب في لحظة إنهاء مسيرة اللاعب وتكريمه بحفل اعتزال، وهذا هو الطبيعي في كرة القدم وسوق العرض والطلب، ولكن الغريب أن الجمهور ينظر دائماً فقط للاعب على أنه المتهم ولا يدرك أنها علاقة تعاقدية وأنه في عالم الاحتراف لكل من النادي واللاعب الحق في إنهاء العلاقة إذا ما رأي أحدهما أنه لم يعد يستفيد من الطرف الآخر.

ثم أنه أليس من الوارد أن يكون أحمد فتحي قد خشى من أن يحدث معه في المستقبل القريب ما حدث مع زميله عاشور، خاصة وأن الأخير هو أحد أبناء النادي؟ هذا وارد، ولكن لا أحد يعلم الحقيقة إلا فتحي نفسه.

السؤال الثالث والأخير، من منظور جمهور الأهلي، هل خان فتحي الإسماعيلي؟ ففتحي هو أحد أبناء الدراويش وهو النادي الذي له الفضل في صناعة نجومتيه ولعبه للمنتخب المصري الأول في سن 18 عام ليصبح ثالث أصغر مصري في التاريخ يشارك في صفوف المنتخب، وكذلك له الفضل في احترافه في الدوري الإنجليزي الممتاز.

أعتقد أن جمهور الأهلي لا يرى الأمور بتلك الطريقة، ويرى أن ذلك هو الاحتراف. فلماذا إذاً الازدواجية في المعايير؟ فإذا كان فتحي خائناً للأهلي فهو من باب أولى خائناً لناديه الذي صنع نجوميته ثم تركه وذهب للأهلي صاحب العرض المادي الأكبر في ذلك الوقت.

ولكن في الواقع، فتحي لم يخن الإسماعيلي، ولم يخن الأهلي، وهذا هو الطبيعي في عالم الجلد المدور الذي تحكمه الأموال والاستثمارات في كل شىء حتى في اللاعبين. وعلى جمهور الأهلي الحزن لرحيل فتحي بكل تأكيد ولكن أبداً ليس عليه تشبيهه بالخائن أو توجيه السباب له، بل يجب احترام تاريخه مع الفريق وتوجيه الشكر له على ما قدمه من عرق وجهد وتمني التوفيق له في الفصل الأخير من رواية "الرحلة" لأحمد فتحي.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات