سقوط آخر الفلاسفة: لماذا سيفشل كل تاكيس جونياس في الدوري المصري
الثلاثاء، 11 فبراير 2020 - 17:12
كتب : فادي أشرف
من أصل 17 مباراة، هناك فريق في الدوري المصري لم يخسر الاستحواذ في أي منهم سوى مرتين، ولم تقل نسبة نجاحه في التمريرات عن 80% سوى في مباراة واحدة.
الإحصائية قد تنطبق على الأهلي، ولكن في الحقيقة الحديث هنا عن وادي دجلة مع مدربه السابق تاكيس جونياس.
بالطبع، إن لم تكن متابعا للمسابقة فسترجح أن ذلك الفريق على الأقل ضمن فرق المربع الذهبي، أو النصف الأول من الجدول، ولكن في الحقيقة، وادي دجلة في المركز الـ17 بعد انتصاف المسابقة.
دجلة لم يخسر الاستحواذ في 17 مباراة هذا الموسم، سوى أمام الأهلي حينما خسر 3-0 وهي خسارة منطقية ومفهومة، والخسارة الأخرى للاستحواذ كانت ضد سموحة.
ضد الفريق السكندري، سجل وادي دجلة نسبة نجاح 78% في التمريرات، وحقق 45% فقط من الاستحواذ، لكنه حقق أحد 3 انتصارات لم يحقق غيرهم في الدوري.
أتى جونياس من بلاد الفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو بفلسفة واضحة، تعتمد على الحفاظ على الكرة لأطول وقت ممكن وتناقل الكرات بتمريرات قصيرة في انتظار ثغرة تظهر في دفاعات الخصوم، بعد بناء هجمة يبدأ من حارس المرمى وقلبي الدفاع.
قدم اليوناني كرة جميلة شكلا، لكن مضمونا، لم يحقق جونياس سوى متوسط 1.11 نقطة من المباراة الواحدة. قاد الفريق في 54 مباراة فاز في 15 منهم، وتعادل مثلهم، وخسر 24 مباراة.
سجل دجلة مع جونياس 67 هدفا وهي نسبة رائعة في 54 مباراة، ولكنه في المقابل استقبل 77 هدفا.
فشل جونياس مع دجلة، يمكن قياسه بإخفاقات سابقة لمدربين آخرين في الدوري المصري لهم فلسفة كروية واضحة منبثقة في النهاية من تعاليم رينوس ميتشيلز، وتطويرها على يدي يوهان كرويف وبيب جوارديولا.
لماذا فشل جونياس، ومن المحتمل أن يفشل كل من يريد أن يطبق فلسفة مماثلة؟
بعيدا عن أرضيات الملاعب التي قد لا تساعد كثيرا على تطبيق تلك الفلسفة. ولكن على سبيل المثال في الموسم الماضي الذي لعب فيه محمد عبد المنصف 33 مباراة من أصل 34 لوادي دجلة، حقق نسبة نجاح في التمريرات 79% فقط.
هذا يعني أن حارس المرمى الذي يبدأ كل الهجمات، فشل في 21% من تمريراته داخل وقرب منطقة جزاء الفريق، ونصف ملعبه.
هذا لا يغفل تطور عبد المنصف الكبير في هذا الصدد في الموسم الجاري، حيث وصلت نسبة نجاحه لـ97%.
في هذا الموسم، حقق قلبا الدفاع الأساسيين للفريق محمود مرعي وأحمد رمضان "بيكهام" نسبة نجاح في التمريرات القصيرة وصلت إلى 94%، ولكن هذه النسبة قد تكون خادعة، حيث أخطأ الأول في 42 تمريرة قصيرة، فيما أخطأ بيكهام في 51 تمريرة.
معا، أخطأ قلبا دفاع دجلة في 93 تمريرة قصيرة معظمها قرب مرمى عبد المنصف، لتنسف فكرة فلسفة جونياس منذ بدايتها.
هذا بالطبع قد يعد رقما صلبا لا يحتسب التمريرات السليمة التي قد تصل لزميل مضغوط تماما واحتمالية فقدانه للكرة كبيرة.
لا مانع من التجربة بكل تأكيد، ولكن بعد موسم مخيب، وبداية أكثر سوءا هذا الموسم، لم يتراجع جونياس وظل على نفس الطريقة، لدرجة تحقيقه استحواذ وصل لـ70% ضد المصري والخسارة 3-0 في آخر مباريات اليوناني قبل رحيله.
ذلك التصميم، دائما ما سيتسبب في نفس النتيجة، لكن السؤال الأهم هو:
لماذا لا يتحول الاستحواذ إلى أهداف؟
في 7 مباريات فقط من أصل 17 خاضهم دجلة هذا الموسم، سدد على مرمى الخصم أكثر من 10 مرات في المباراة.
هذه كل التسديدات، دون قياس نسبة النجاح فيهم. هذا يعني أن الفريق لا يستغل نسب الاستحواذ العريضة التي يحققها إلى عملة تحقيق الفوز في كرة القدم، الأهداف.
بعد رحيله عن الفريق، إليكم أبرز أرقام تاكيس جونياس مع وادي دجلة ⚽️
- مباريات 54 🏟️
- انتصارات 15 🙌
- تعادلات 15 🤝
- هزائم 24 ❌ pic.twitter.com/fOofsvFXa6
— FilGoal (@FilGoal) February 11, 2020
إذا بماذا تفيد تلك التمريرات؟ لا شيء في النهاية.
يمرر لاعبو دجلة الكرة كثيرا ومرارا وتكرارا، ثم يخسرون الكرة قبل أن تتحول الهجمة لفرصة، وقبل أن تتحول الفرصة لتسديدة، وتتحول التسديدة إلى هدف.
هذا يفسر فوز دجلة مثلا ضد سموحة، مرة وحيدة تخلى فيها الفريق عن فلسفته وصارت هجمته أكثر مباشرة وسرعة.
لأن المدرب لا يجب أن يكون هو النجم..
يطلب جونياس من لاعبيه تطبيق أسلوب معين، لكن هذا الأسلوب لا يفلح، وبالتالي يخسر الفريق.
ولكن عندما يحقق أداء جيدا مثلما فعل أمام الزمالك في التعادل 1-1 تذهب كل الإشادة إلى اليوناني، الذي صار النجم الأول لوادي دجلة.
جونياس أصبح المرادف لفريق وادي دجلة في الدوري المصري، قد لا يعرف المتابع العادي أي من لاعبي الفريق لكنه يعرف المدرب اليوناني.
ولكن في النهاية الفريق يخسر، وجزء من تلك الخسارة السبب فيها تصميم جونياس على نفس الطريقة.
هنا يجب رسم خط واضح لخلق التوازن بين الأمرين، المدرب وحده لا يفوز واللاعبين وحدهم لا يفوزوا.
جونياس أفرط في فلسفته وطلباته من لاعبيه، يمكن اعتبارها حالة من حالات الإفراط في التدريب أو over-coaching.
يمكن تعريف over-coaching بأنه الإسهام الزائد عن الحد من المدرب خلال الحصص التدريبية أو المباريات، الأمر الذي يقتل قدرة اللاعبين على الابتكار ويحول المدرب إلى شخص يمسك بجهاز تحكم في اللاعبين، الأمر أشبه بالخطط التي تضعها في لعبة فيفا على بلايستيشن قبل أن تقوم بنفسك بالتحكم في اللاعبين الإلكترونيين، ولكن على أرض الواقع، مثلما يقول المدرب الهولندي المخضرم في تدريب الناشئين جيرارد مولينارز.
الخبير الأسترالي في عالم التدريب الرياضي واين جولدسميث وضع نظرية في ورقة بحثية نشرها عبر مدونته قال فيها إن تطور المدرب يأتي من تقليل إسهاماته في الملعب وليس بإكثارها، مشددا أن الـ"over-coaching" من أهم أسباب التأثير السلبي على مستويات اللاعبين على اختلاف الرياضات.
يضيف جولدسميث أن المدربين الذين يميلون لفعل ذلك يكونون "شباب لا يملكون الخبرة، أو الثقة في أنفسهم أو في لاعبيهم ويحاولون تعويض ذلك بإسهام أكثر خلال إدارة المباريات أو محاولة السيطرة على كل ما يخص اللاعبين".
وأكمل "من الممكن أن يكون المدربين تحت ضغط التقييم ويريدون إثارة الإعجاب من خلال التحكم في كل عناصر أداء لاعبيهم، أو مدربين متمحورين حول ذاتهم (ego-centered) ويريدون استعمال اللاعبين لتحقيق نجاحات يتم تسويقها على أن الفضل الأكبر فيها يعود للمدرب".
يقول جولدسميث إن كل الرياضات تتطلب من اللاعبين تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات داخل الملعب، كما تتطلب وضع أفضل مستوياتهم وذلك من خلال ترك نسبة جيدة من الحرية لهم داخل الملعب، كما يضيف أن الإسهامات المبالغ فيها تتسبب في التفكير أن اللاعبين "ماكينات" لا تؤثر في أداء الفريق ككل بل تؤدي بنفس الكفاءة مع اختلاف الواجبات بين مركز وأخر على سبيل المثال، وهو الأمر غير الواقعي.
ويشدد أن "over-coaching" يتسبب في أمور سلبية أخرى، مثل تمحور الفريق حول المدرب فقط وقتل إبداع اللاعبين داخل الملعب وخلق حالة من الإحباط بين اللاعبين.
بالنظر للمدربين الذين يحققون النجاحات في الدوري هذا الموسم مع فرق مماثلة لدجلة، مثل عماد النحاس مع المقاولون أو طلعت يوسف مع الاتحاد السكندري، فإن الثنائي يترك حرية أكبر للاعبيه مما كان يتركها جونياس للاعبيه، الذين في النهاية لم يطبقوا ما أراده جونياس الذي صمم على تلك الطلبات مهما كلفه الأمر، فترك الفريق في المركز الـ17 ومهددا بشدة بالهبوط.
طالع أيضا
هل يخلف أجنبي جونياس في قيادة دجلة؟
عبد الحفيظ يجتمع بصالح جمعة لمناقشة رحيل الأخير عن الأهلي
10 مفاجآت سارة في الدور الأول من الدوري