"إذا كانت هناك ثمة مؤامرة على الكرة المصرية فإن خيوطها من نسج إيدينا"
لا يخفي على أي متابع منصف أن الكرة المصرية تعاني منذ سنوات ليست بالقصيرة من أزمة حادة، سواء على المستوى الفني أو الإداري لأسباب عديدة تحتاج لمجلدات إذا أردنا شرحها بالتفاصيل.
كرة القدم تتطور بشكل مذهل في العالم كله إلا مصر، وأصبحت تصريحات المدربين المصريين قبل المواجهات الإفريقية من أن الكرة في القارة السمراء تطورت في السنوات الماضية حقيقة واضحة، لكن لم يرهق أحد من المسؤولين في مصر بمحاولة البحث عن اسباب عدم تطور الكرة المصرية كما هو الحال لنظيرتها الإفريقية وإزالة هذه الأسباب.
الأندية المصرية التي تلعب في البطولات الإفريقية تعاني أشد معاناة حينما تواجه أي فريق إفريقي حتى لو كان فريقا صغيرا.
لاحظ الخوف الذي تملك عددا ليس بالقليل من جماهير الأهلي والزمالك بعد إجراء قرعة ربع نهائي بطولة دوري أبطال افريقيا بمواجهة الفريقين لصن داونز، والترجي، وهو شعور بدأ يتسرب في أوصال الكرة المصرية في سنواتها الأخيرة ولم يكن يحدث من قبل.
شعور الخوف والقلق يرجع بالدرجة الأولى إلى تراجع مستوى الكرة لدينا وليس فقط تطورها في إفريقيا.
أحد الأسباب الرئيسية لعدم تطور الكرة المصرية يرجع إلى نظرة المسؤولين لها على اعتبار أنها مجرد لعبة لإلهاء الشعب وليست صناعة كما حدث في العالم منذ سنوات.
صناعة كرة القدم تقوم على مداخل معروفة في كل العالم، أهمها حقوق الرعاية ثم البث التليفزيوني والإعلانات، وبيع تذاكر المباريات.
في مصر قتلنا 25% من هذه المداخل تماما بمنع الجمهور من حضور المباريات وبالتالي ضاع على الأندية مدخل هام من مدخلات صناعة كرة القدم.
تغيب الجمهور عن الملاعب أضاع على اللاعبين فرصة الاستمتاع بمساندة جماهيرهم، وظهر جيل كامل من اللاعبين لم يتعود على اللعب أمام جماهير، وأصبح من الطبيعي أن تهتز الأرض تحت أقدام اللاعبين حينما يواجهون فرقا جماهيرية خارج مصر.
اذا نظرنا لبقية مدخلات كرة القدم سنجد أن شركة واحدة تحتكر هذا المدخلات من حقوق الرعاية والبث التليفزيوني والإعلانات ما أضاع فرصة المنافسة وبالتالي ضاعت فرصة الأندية في زيادة مداخلها المالية.
لدينا أندية تعاني من أزمات مادية طوال الوقت ويستوى في ذلك الأندية الكبيرة قبل الصغيرة، لأن الجميع فرط في حقوقه لأسباب قد تكون فوق قدرة مواجهتهم أو قدراتهم.
كل ما سبق يصب في خانة صناعة كرة القدم، أما على الجانب التنظيمي والإداري للعبة فحدث ولا حرج، فما زلنا ندور في نفس الدائرة التي ندور في فلكها منذ سنوات عدة والنتيجة صفر أو تحت الصفر الآن، قل ما شئت.
من الحماقة أن تنتظر نتائج مختلفة إذا قمت بنفس العمل وبنفس المعطيات أكثر من مرة.
فالكرة المصرية تختلف عن نظيرتها بعدم وجود جدول معروف ولا أقول ثابت لمسابقاتها المحلية، وأصبح من المعتاد أن تتغير مواعيد وأماكن المباريات قبل موعدها المحدد بساعات لأسباب مجهولة في أغلب الأحيان، فهل تنتظر نتائج مغايرة؟
إذا تحدثنا عن الجانب الفني فهذا يحتاج لمجلدات، يأتي في صدر تلك المجلدات تراجع الموهبة بشكل لا تخطئه العين، وأي متابع للكرة المصرية يعلم مدى المعاناة التي تعانيها في هذه النقطة.
أصبح من المعتاد أن ترى لاعبين في الدوري المصري يجهلون أبسط قواعد لعبة كرة القدم وهي التسليم والتسلم، وهو ما ينسف فكرة التطوير الفني من أساسها.
السبب في ذلك يعود لقلة المواهب وضعف المستوى التدريبي، فكيف يقبل مدرب على نفسه أن يشرك لاعبا لا يجيد أبسط مهارات اللعبة؟ ولماذا لا يصر المدرب على إجادة لاعبه أولى مهارات اللعبة؟ هذا تقصير واضح من اللاعب والمدرب معا.
كما أن الكرة المصرية أصبحت تدور في سنواتها الأخيرة في عدد محدد من المدربين يدورون على الأندية، وهى ظاهرة تدين إدارات الأندية التي سلمت نفسها لعدد قليل من وكلاء اللاعبين الذين يسوقون مدربيهم مقابل التعاقد مع لاعبين ضعاف، هذه الظاهرة تضع هذه الإدارات في منطقة الشبهات.
وفي سياق حديثنا عن الجانب الفني للعبة لا يمكن أن نتجاهل عدم رغبة أغلب المدربين في تطوير أنفسهم، وأصبحوا يتعاملون مع مهنتهم كـ"سبوبة" وأكل عيش، وهو ما يؤثر بالسلب على المستوى الفني.
لماذا يجهد المدرب نفسه لتطوير فكره طالما يعرف مسبقا أنه سيعمل بصرف النظر عن مستواه ونتائجه؟ لذا أصبح لدينا مدربين ينصبون على الأندية.
لماذا يصمت أي مدرب على ظاهرة إهدار لاعبيه للفرص أمام المرمى وهى ظاهرة واضحة ومخجلة في ملاعبنا؟
لماذا تظهر ملاعب الكرة بمستوى سيئ اللهم إلا اذا حصلت مصر على حق تنظيم إحدى البطولات؟ لماذا تغلق أبواب الملاعب باستثناء ملاعب معينة؟
في ظل إستمرار الأوضاع الكروية على ما هي عليه يصبح الفوز بالألقاب القارية من قبيل الصدفة أو ضرب من الخيال، وانتظار الجماهير لفوز فرقها ببطولات الأندية الإفريقية يشبه انتظار شبه المعجزات.
فهل نحن جادون في تطوير أنفسنا؟
الإجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها بإجابات حقيقة سيضعنا على بداية طريق تطوير الكرة المصرية، رغم أن الإجابات المسكوت هي سبب رئيسي في معاناة الكرة المصرية.