كانت واحدة من تلك الليالي التي تشعر فيها وكأن القدر يقف إلى جوارك. لم تكن الأجواء باردة بل كانت النسمات الهادئة تداعب وجهك في لطف.
هدف وحيد سجله البرازيلي رونالدو من ركلة جزاء والثواني الأخيرة تؤكد أنهم صاروا بالفعل أبطالا للكأس الأوروبية.
ما إن انطلقت صافرة حكم المباراة معلنة نهاية مشوار بطولة توجت مجهودا شاقا حتى جلس على ركبتيه كأنه يقول: الآن فقط أستطيع أن ألتقط أنفاسي.
انطلق إيفان ديلا بينا نحوه وبادله العناق، إنها لحظة من اللحظات التي تشعر فيها بالنشوة لثوان معدودة، ولكن عينيه كانتا تجولان بحثا عن شخص آخر.
سرعان ما وجده، نهض من مكانه وانطلق نحوه مشيرا بإصبعه كأنه يريد أن يقول "كنا عونا لبعضنا البعض من أجل ذلك" والآخر فهم تلك الإشارة سريعا فتبادلا عناقا حارا يُغني عن الكثير من الكلمات.
ولكن ياللعجب كل ذلك الآن أصبح من الماضي.
(إعادة نشر)
لم تكن تلك واحدة من المشاهد الدرامية، بل قصة حقيقية بطليها جوزيه مورينيو وبيب جوارديولا في الرابع عشر من مايو عام 1997 عندما حقق برشلونة لقب كأس الكؤوس الأوروبية على حساب باريس سان جيرمان.
في ذلك التوقيت كان بيب مايزال لاعبا في صفوف بارسا فيما كان مورينيو مساعدا لبوبي روبسون ومترجما له.
العلاقة بينهما آنذاك كانت مقربة للغاية. يبدو التفاهم حاضرا فيما بينهما، والشغف يجمعهما كثيرا ولكن كما يحدث في العديد من القصص فإن قصتهما مرت بالكثير من التقلبات والمنعطفات.
تقلبات وإن تحكمت بها الظروف الخارجية لتجعل علاقتهما أشبه بالعداوة، أشبه بصراع بين الخير والشر، الجميل والقبيح إلا أنها كانت في الحقيقة فرصة أخرى ليعرفا أكثر عن بعضهما البعض بل ويعرفا نفسيهما كذلك.
كأن كلا منهما مرآة للآخر.
مانشستر سيتي يحل ضيفا على توتنام يوم الأحد ضمن الجولة 25 من الدوري الإنجليزي الممتاز.
المواجهة تتجدد بين بيب جوارديولا وجوزيه مورينيو في إنجلترا بعد غياب 14 شهرا تقريبا، مواجهة لا تحضرها الكثير من العدواة والتراشق هذه المرة كما كان في أعوام ماضية.
عودة بالذاكرة إلى الخلف
يحكي مورينيو عن تلك الفترة التي كانا فيها صديقين لإذاعة كادينا سير قائلا: "مازالت لدي صورة لذلك العناق بيننا، في الحقيقة كنا مقربين".
ويقول السير بوبي روبسون "جوزيه دائما كان يرى بيب شخصية هامة في برشلونة، كان يفكر ويقول لنفسه يجب أن أتعرف على ذلك الشاب، يجب أن أعرفه جيدا، ونجح في ذلك الأمر وكانوا أصدقاء".
والأدهى أن الحديث الذي دار بين مورينيو وخوان لابورتا رئيس برشلونة في 2008 طالب فيه البرتغالي بأن يكون بيب مساعدا له، وعندما سألوا جوارديولا رشح لهم جوزيه لذلك المنصب، وتقول "ديلي ميل" في تعليقها على تلك الواقعة "البراجماتي يعمل مع المثالي".
إذا العلاقة فعلا بينهما كانت قوية وقائمة على الاحترام المتبادل وحتى هذه اللحظة كانت تجمعهما صداقة قوية يقينا.. حتى اعتبر البعض إن ظفر جوارديولا بمنصب المدير الفني الذي حلم به صديقه البرتغالي كانت مفترق الطرق بينهما.
العام الماضي نشرت صحيفة "ديلي ميل" تقريرا يتحدث عن نشأة الصراع بينهما ونقلت عن أحد لاعبي هذا الجيل في برشلونة قوله "روبسون لم يكن واضحا مع اللاعبين كما تعتقدون، تعليماته لم نكن نفهمها دائما، لكن بيب ومورينيو كانوا يعملان سويا لملئ الفراغات".
معالم الشغف بالتدريب هنا يبدو أنها كانت أكثر ما يجمعهما، ومورينيو يؤكد ذلك "كنا نتبادل الأفكار، كانت صداقة.. صداقة عمل جيدة".
البعض يقول إن قرار يوان كرويف بالاعتماد على جوسيب مدربا للفريق كان بمثابة الطعنة لمورينيو وقلبت علاقته مع الإسباني رأسا على عقب.
وفسر البعض الآخر أن إشارته الشهيرة بإصبعه في قلب ملعب كامب نو "أنا رقم واحد" كانت تحمل أبلغ رد على ما قامت به الإدارة الكتالونية.
في ذلك التوقيت جاءت هزيمة برشلونة الذي لا يقهر في نصف نهائي دوري الأبطال 2010 لتجعل من مورينيو وكأنه الترياق المضاد لكل ذلك الإبهار الذي يقدمه جوارديولا، وذلك ما دفع فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد للتعاقد مع الاستثنائي حتى يوقف "مفعول السحر".
هنا وحتى هذه المحطة الأمر لم يتعد منافسة محتدمة أثارت التوتر في بعض الأحيان والغضب أحيانا أخرى ولكن هذا يحدث عادة.
أما لحظات العداوة الحقيقية فبدأت عندما مر مورينيو عبر أبواب سانتياجو بيرنابيو.
الأجواء كانت جنونية ومورينيو نجح في إشعال فتيل الكراهية بين الناديين أكثر وأكثر وشعوره انتقل إلى لاعبيه ومسؤولي ناديه والجماهير.
المعركة الآن لم تعد تقتصر على الثنائي بل كلاهما استعان بمن يُمثل له درعا وإن كان مورينيو دائما المبادر بتزكية نار العداوة.
جوارديولا عانى كثيرا أمام تلك الألعاب الذهنية خارج الملعب، لا يجيدها، كل ما يبرع به هو ممارسة الألعاب الذهنية داخل المستطيل الأخضر.
البعض يتبنى نظرية أخرى ويقول إن بيب لم ينجح في الفصل بين تلك الشخصية التي عايشها مع مورينيو كصديق وتلك الشخصية الأخرى المستعدة لفعل أي شيء من أجل التفوق عليه كمنافس.
شيءُ ما داخل جوارديولا لم ينجح في تفسير كل تلك الأفعال، وهو ما جعله يظهر في واحدة من تلك المشاهد التراجيدية والنادرة مستسلما، مستلسما لكل ما يقوم به جوزيه ويعترف بأنها من البداية لم تكن لعبته.
"في تلك الغرفة مورينيو هو الرئيس، ولا أود منافسته هنا.. ما أرغب في تذكيره به فقط هو إننا كنا ولأربع سنوات أصدقاء، هو يعرفني وأنا أعرفه وهذا كاف جدا لي".
ولكن تصريحات المدرب البرتغالي بعد ذلك قد توضح جزءا من سبب إعلانه بدء تلك اللعبة المثيرة والمجنونة خارج الملعب والتي وضعته في موضع "الميكيافيلي" أو جعلته يتناسى العلاقة الجيدة مع صديقه والتي ما إن تغيرت الظروف حتى باتت أقل حدة وأكثر ودا.
"أنت تعلم في إسبانيا هما ناديان يتنافسان مع بعضهما البعض، الآن هناك أتليتكو مدريد كذلك ولكن خلال وقتنا هناك لم يكنا هناك سوى الفريقين، لثلاثة أعوام لم يكن هناك غيرنا نحن فقط، في دوري الأبطال في الدوري في الكأس، بالسوبر، كل شيء يدور بين برشلونة وريال مدريد".
"في إنجلترا الوضع مختلف، كنت أعرف حتى قبل أن يحدث (قدوم بيب لمانشستر سيتي) أن الوضع سيكون مختلفا، لأنه دوري مختلف تماما".
"البعض قد يعتقد أن الخلافات كانت شخصية ولكن هذا غير حقيقي إطلاقا، كان ذلك تأثيرا كونك في برشلونة وريال مدريد في تلك الحقبة من التاريخ".
هكذا يحاول مورينيو أن يشرح سبب تفاقم الوضع بينهما في تلك الفترة بإسبانيا وأن محاولته استعادة مكانة ريال مدريد أمام أفضل أجيال برشلونة أجبرته على اللجوء لحلول بديلة خارج الملعب.
ولكنه بعد ذلك بأعوام يبدو وكأنه راجع كل تلك التصرفات أو قد يكون إدراكه لعدم إمكانية تكرار مثل تلك الظروف في أي بلد آخر جعلته يُظهر – ولو قليلا – جزءا مما يدور في ذهنه.
جوارديولا دائما ما مثل الفعل في عالم كرة القدم، ومورينيو مثل بجدارة رد الفعل، هذا على الصعيد الفني ولكن خارج الملعب كان بيب دوما رد الفعل ولا يملك زمام المبادرة التي تحكم بها جوزيه جيدا ليمثل الفعل.
العاطفة تطغى على بيب كثيرا، حديثه الحاد مع جوشوا كيميتش في بايرن ميونيخ يُظهر ذلك، ونقاشه مع ناثان ريدموند عقب مباراة ساوثامبتون الموسم الماضي يؤكده.
تلك العاطفة التي ظهرت في الموسم قبل الماضي بعدما لم يجرفه مورينيو في صراع آخر بمانشستر – قادر على إشعاله في أي لحظة – فقد بدى جوارديولا سعيدا بذلك.
وقال: "علاقتنا الآن ودية وصحيحة، لم ننقل الصراع إلى هنا لذا فالعلاقة صحيحة". والموسم الماضي أوضح أنهما "توأم" فيما يتعلق بالرغبة للنجاح.
العناق الحار بينهما في دربي مانشستر قبل 3 مواسم في مسابقة الكأس يتحدث عن تلك المبادرة التي يتمتع بها مورينيو بل ويتحكم بها أيضا. يُشعل الصراع متى يريده وينهيه في الوقت المناسب.
يختتم مورينيو الحديث عن تلك العلاقة "كنا أصدقاء جيدين لسنوات، وأظهرنا ذلك الآن، يمكننا أن نظهر لعالم كرة القدم أن علاقتنا إيجابية، نحن خصوم؟ نعم ونتنافس على نفس اللقب؟ نعم، ولكن بالاحترام الذي أكدناه من قبل".
في النهاية فإن الحقيقة التي باتت واضحة هي أن الصداقة بينهما لن تعود أبدا مثلما كانت طالما التنافس قائم بينهما.
ربما بعد بضعة عقود يتغير الوضع ويعود إلى سابق عهده ولكن الأكيد أن شيئا ما كُسر بينهما أو كما قال بيب "العديد من الأشياء حدثت مع مورينيو".
اقرأ أيضا
لماذا سيكون تقرير الحكم مفصليا في أزمة الأهلي والهلال
تعرف على تقييم صلاح أمام ساوثامبتون من الصحف الإنجليزية
أغلفة الصحف الإنجليزية - ماذا قالت عن صلاح بعد قيادة ليفربول لوضع يد على الدوري