أكثر أنواع المنتجات الدرامية سذاجة هي تلك التي تقسم بين الأبيض والأسود بخط فاصل وواضح، لا يوجد شخص طيب أو شرير بنسبة 100%. ما دمنا اتفقنا على ذلك، يمكننا أن نناقش الأزمة التي لا تنتهي، أزمة محمد صلاح واتحاد الكرة.
محاولة إبراء اتحاد الكرة - بنسخة هاني أبو ريدة أو نسخة عمرو الجنايني - من الأخطاء، أمر مستحيل، ولكن هل ينطبق الأمر نفسه على صلاح؟
ربما يكون هناك عذرا عائليا حال بين صلاح وحضور حفل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف)، لكن بعد 24 ساعة تقريبا من الحفل لم يتضح ذلك الأمر، وما فعله صلاح عبر إنستاجرام بالسخرية من حصول اتحاد الكرة على جائزة أفضل اتحاد في إفريقيا يشي بالكثير والكثير.
بغض النظر عن الظرف العائلي، فهنا نحن أمام سببين محتملين لغياب صلاح. أولهما هو عدم فوزه بجائزة أفضل لاعب في القارة.
منطقيا وكرويا، ساديو ماني هو الأحق بالجائزة وهذا أمر جلي للجميع.
الأمر قُتل بحثا، نعم أعلم أن كريستيانو رونالدو لا يحضر الحفلات التي لا يتم تكريمه بها وهذا على العموم أمر ينتقص من احترافية البرتغالي لكن ظرف صلاح مختلف لسببين.
الأول أن الحفل مقام في مصر، والثاني أن الفائز زميله في الفريق وشريكه في خط الهجوم، والذي يتحدث الإعلام دائما عن خلافات بينهما.
ألم يكن حضور صلاح للحفل كافيا لدرء تلك التقارير الإعلامية المشتعلة دائما حول العلاقة بينه وبين ماني؟
ما فعله صلاح بعدم حضور الحفل أشعل ذلك النقاش مرة أخرى.
أما السبب الثاني المحتمل لعدم حضور صلاح، هو مشكلته مع اتحاد الكرة.
لا أريد التشدق بالقومية، ولكن مصر استضافت حفلا مبهرا شهد حضور الكثير من أساطير الكرة الإفريقية والعالمية، ألم يكن من باب أولى حضور أهم شخص كروي مصري للحفل؟
بعد الحفل، نشر صلاح صورة لنجلته مكة فيما يبدو وأنها رسالة استعجاب من فوز اتحاد الكرة المصري بالجائزة، ولكن ما دخل اتحاد الكرة بالحفل وتنظيمه من الأساس؟
كاف هو من ينظم الحفل، وعلى حسب ما أعلم، لا توجد مشكلة بين صلاح وبين كاف، ولا أريد أن أكون سيء النية حينما أطرح سؤالا، هل كان صلاح سيحضر الحفل – رغم مشاكله مع اتحاد الكرة – إذا كان هو الفائز بالجائزة؟
حسنا، هناك احتمالية أن تستضيف الغردقة للحفل في العامين المقبلين. ماذا لو فاز صلاح في العامين المقبلين، هل سيحضر؟
صلاح لديه مشكلة واضحة متعددة الأبعاد مع اتحاد الكرة، بداية من أزمة حق الصورة والطائرة الشهيرة، مرورا بأزمة رئيس الشيشان في كأس العالم وأزمة التصويت في حفل "ذا بيست"، ولصلاح حقوق واضحة في تلك الأزمات.
ولكن صلاح – إن كانت تلك المشاكل سببا في عدم حضوره للحفل – انتقم من الكيان الخطأ، فمصر – وليس اتحاد الكرة – هي من استضافت الحفل، وكاف هو من نظمه.
بعد كأس العالم 2018، تحول اتحاد الكرة من الند لصلاح لمنفذ مطيع لطلباته التي وصلت إلى إعادة عمرو وردة إلى معسكر المنتخب بعد فضيحة أخلاقية ساهم نجم ليفربول في تبريرها، وكانت سببا بشكل أو بآخر في ظهور أكثر من باهت في كأس الأمم الأخيرة، في ظل معاملة سيئة و"تبريق مستمر" من نجوم المنتخب للجمهور الذي اقتطع من أمواله الكثير لحضور مباريات منتخب خافيير أجيري القليلة في البطولة.
بالطبع اتحاد الكرة مخطئ في الانصياع لصلاح واللاعبين الكبار في المنتخب في تلك الواقعة، لكن ألم يجد صلاح حرجا في طلب ذلك الأمر من الكيان الذي يبدو وأنه يمقته لتلك الدرجة؟
إذا كانت مشكلة صلاح مع اتحاد الكرة، فربما يتوجب عليه عدم اللعب للمنتخب الذي يمثله هذا الاتحاد. هنا سيكون الرد أن المنتخب ملك لمصر، لكن ألم يكن الحفل أيضا كذلك؟
أصبح سؤال "لماذا" ملازما لي بعد كل أمر يفعله صلاح خارج الملعب، وأتمنى من مقعد المحب لأحد أعظم من لعبوا كرة القدم في تاريخ مصر أن يراجع نفسه فيما يفعله خارج الملعب، وإن كانت لديه معركة مع كيان معين أن يحاربها فيما تملك وليس في أمور لا علاقة لها بها، مستفيدا من رؤية القطاع الأعرض من المتابعين لاتحاد الكرة ككيان الشر في تلك المشكلة.
اتحاد الكرة ليس مجموعة من الملائكة، وكذلك صلاح، وهناك أمور رمادية كثيرة بينهما، كان يمكن لصلاح إنهاء الكثير والكثير من الجدل حوله وحول زميله ماني بالحضور لمدة 6 ساعات فقط في الغردقة.