نعم، ما قرأته في العنوان كان صحيحا، فجسد ليونيل ميسي –رغم كل السحر الذي ينثره في الملاعب- لم يعد يستطيع فعلا.
بالتزامن مع فوزه بجائزة أفضل لاعب في العالم –المقدمة من فيفا- خرج علينا ميسي وتحدث عن الصعوبات التي تواجهه في المرحلة الحالية لكبر سنه وكثرة السفر والتنقل مع برشلونة مشيرا إلى "العقل يريد المواصلة ولكن الجسد لا يستطيع".
إلا أنه بعد هذا التصريح سجل 9 أهداف وصنع 5 خلال 9 مباريات! تلك الأرقام المجردة تنفي ما قاله ميسي، لكن بالتدقيق فيها تصل بنا لبيت القصيد، وأن ميسي لم يكن كاذبا.
أهداف ميسي الـ9 جاءت كالتالي: 4 أهداف من ركلات حرة، هدفان من ركلتي جزاء و3 أهداف من لعب مفتوح من تسديدات من داخل منطقة الجزاء. أي أن ثلثي أهداف ميسي كانت من كرات ثابتة، لا تحتاج سوى للدقة التنفيذ.
ولأزيدك من الشعر بيتا، دعنا ننظر لإحصائيات ميسي في بعض مباريات هذا الموسم.
ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا شارك كبديل لمدة 45 دقيقة، فشل في 3 مرواغات ونجح في 2 ولم يصنع فرص للتسجيل ولم يسدد على المرمى.
ضد فياريال في الدوري فشل مرتين في المرواغة ونجح مرة وصنع هدفا وسدد مرة على المرمى قبل أن يغادر بين الشوطين للإصابة.
وضد سيلتا فيجو راوغ ميسي مرتين وسدد 5 مرات على المرمى، لكن ميسي فقد الكرة كثيرا منها حين راوغ في منتصف الملعب ولم ينجح في إكمال مراوغته ليخسر الكرة لصالح بابا شيخ ديوب الذي توغل حتى حدود منطقة الجزاء وحصل على مخالفة إثر عرقلته من قِبل ميسي وهي اللعبة التي أسفرت عن هدف سيلتا فيجو الوحيد.
لكن تلك التفصيلة لم نتوقف عندها كثيرا لأن ميسي سجل "هاتريك" من كرات ثابتة.
ورغم سوء أرقام ميسي في تلك المباريات وفقدانه للكرة وخسارة الثنائيات، إلا أنه قدم أداءً فرديا رائعا ضد إنتر وسلافيا براج وإشبيلية (10 مرواغات في كل مباراة) وصناعة العديد من الفرص .
ومع الوضع في الحسبان أن ميسي لم يخض فترة الإعداد مع برشلونة بسبب الإصابة في القدم، ثم شكواه من إصابة في الفخذ.
لذلك لم يعد جسد ميسي قادرا فعلا رغم إنه لا يزال يقدم متعة لا يقدمها سواه، فكيف يفعل ذلك؟
موهبة ميسي ليست موجودة في قدمه فقط، بل وفي عقله أيضا؛ ميسي ذكي للغاية ويعرف كيف يقدم أقصى ما يملك بأقل قدر من المجهود.
ورغم ذلك إلا أن ذكاء ميسي يصطدم بـ إرنتسو فالفيردي.
المدرب الإسباني الذي لا يتبع نفس النهج الكتالوني في الصعود بالكرة من الخلف للأمام كما كان يحدث في الـ20 عاما الأخيرة يعد من أحد أسباب تذبذب صورة ميسي، لأن فالفيردي لا يوفر للاعبيه أي حماية في الملعب.
ولنا في أندريس إنييستا عبرة.
إنييستا كان يظهر بصورة باهتة مع فالفيردي، على عكس ما كان يقدمه في نفس الفترة مع جولين لوبيتيجي مع منتخب إسبانيا.
رفقة لاروخا كان إنييستا محاطا بالعديد من اللاعبين، لديه خيارات كثيرة للتمرير، فكان يحرك الكرة ولا يتحرك هو كثيرا، أما في برشلونة فكانت المسافات بعيدة للغاية بين إنييستا وأقرب زميل له مما كان يجبره على الاحتفاظ بالكرة لفترة طويلة مع الركض بها لمسافات + التكليف بواجبات دفاعية؛ مما كان ينهكه بدنيا.
ولأن فالفيردي يمتلك نموذجا واحدا في عالم التدريب سيطبقه إذا كان يمتلك باولينيو أو إنييستا في وسط الملعب؛ فإن ميسي يعاني من هذا الأسلوب، الذي لا يؤثر عليه فرديا، ولكنه يؤثر جماعيا.
عدم وجود لاعب قادر على توصيل الكرة لميسي أمام المرمى وعدم استحواذ برشلونة على الكرة بشكل فعال يجعل ميسي لا يدخر مجهوده ويعود لنصف الملعب لاستلام الكرة وبداية الهجمة التي قد يضطر لإنهائها أيضا.
ورغم أن جسد ميسي لم يعد يستطيع تنفيذ كل ما يطلبه عقله، إلا أن الأمور كانت لتكون أفضل لو كان ميسي يلعب في فريق ليس به عيوب دفاعية ومشاكل في صناعة الفرص ومدرب لا يجيد استغلال أنطوان جريزمان.
فربما يحتاج ميسي لأن يعامل نفس معاملة زين الدين زيدان مع منتخب فرنسا في مونديال 2006، فريق متكامل يجعل زيدان يتصرف بشكل صحيح في الملعب دون إرهاقه أو استنزافه.
وبدلا من أن يعود ميسي لاستلام الكرة من بيكيه وأومتيتي، كان لابد على إدارة برشلونة اختيار مدرب يعرف جيدا كيف يختار لاعبي وسط فريقه لمساعدة ميسي في الوصول للمرمى، لتكرار ما كان يحدث من شابي وإنييستا ولو بدرجة أقل.
الخلاصة أن صاحب الرقم 10 لم يعد قادرا على تنفيذ ما يطلبه عقله لأنه يُكلف بواجبات كثيرة ومعقدة، والآن أصبح يحتاج لمعاملة خاصة تناسب قدراته الجسدية وذكائه، لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن فالفيردي لا يعد الشخص الأمثل لمساعدة نسخة ميسي التي أصبحت تعاني، والتي –أيضا- تحتاج لمدرب محب لكرة القدم أكثر حتى يساعدها على الاستمرار لأطول فترة في الملاعب.