الجانب الآخر من كرة القدم - قيمة العلامة التجارية

لا يتمحور الأمر فقط حول ركل الكرة في الملعب حتى هز شباك الخصوم، ولأن الأوضاع لا تكون بهذه السطحية قط، لذا دائما هناك جانب آخر من القصة لا نعرف عنه شيئا.

كتب : إسلام مجدي

الخميس، 07 نوفمبر 2019 - 16:35
الجانب الآخر من كرة القدم

لا يتمحور الأمر فقط حول ركل الكرة في الملعب حتى هز شباك الخصوم، ولأن الأوضاع لا تكون بهذه السطحية قط، لذا دائما هناك جانب آخر من القصة لا نعرف عنه شيئا.

يقدم لكم FilGoal.com هذه السلسلة الأسبوعية التي تقدم جانبا مختلفا من كرة القدم.

خلال حلقة هذا الأسبوع من السلسلة نتحدث عن أسطورة بيليه، لكن من زاوية مختلفة تماما، العلامة التجارية للاعب كرة القدم، كيف تكونت وكيف أصبح ما هو عليه الآن من أيقونة كروية.

كيف أصبحت العلامة التجارية للاعبي كرة القدم ذات أهمية سواء تجارية أو سياسية، كيف تحول الأمر لصناعة أيقونات كرة القدم التي يتحدث عنها العالم طيلة الوقت، وأبرز الأمثلة هو أولها دائما، بيليه.

لم يسأل أحد مطلقا عن اسمه بالكامل الكل عرفه ببيليه، إن قلت أمام أحد اسم إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو فلن يلتفت لكن لو قلت له بيليه سيعرف، وكما انتشر اسمه في العالم فقد ساهم كثيرا في استقرار ونجاح بلاده البرازيل.

"اسمي رونالد ريجان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أما أنت فلست بحاجة مطلقا لتقدم نفسك لأن الجميع يعلم من هو بيليه". كانت تلك كلمات التي وجهها رئيس الولايات المتحدة إلى أسطورة كرة القدم البرازيلية.

لعب بيليه دورا كبيرا فيما يخص استقرار الأوضاع السياسية في البرازيل، رفض حينما كان شابا صغيرا في الستينيات، وتم صدور قرار أمني بمنعه من الرحيل عن فريقه تماما.

حينما ظهر بيليه لأول مرة مع سانتوس خلال عام 1956 كانت البرازيل في وضع سياسي سيء للغاية.

جيتوليو فارجاس كان قد انتحر عام 1954 وتولى جوسيلينو كوبيتشيك رئاسة البرازيل في الفترة من 1956 إلى 1961 وتلك الفترة شهدت صراعات سياسية عديدة بين الأحزاب المختلفة هناك.

ساعد كوبيتشيك البرازيل كثيرا على النهوض سياسيا وأعاد تشكيل النظام الاقتصادي ووضع أسس معيشية للعامل البرازيلي محدود الدخل وفي نهاية فترته الرئاسية نمت الصناعة بمعدل 80%، لسوء حظه معدل التضخم كان يزيد في الجهة المقابلة ودائما ما كان يتم انتقاده.

وبعد رحيل جوسيلينو تولى جانيو كوادروس الرئاسة لفترة قصيرة استمرت 7 أشهر ومع وعوده الكثيرة لم يمتلك سوى لوم البرازيل واقتصادها طيلة الوقت ولم يحقق شيئا يذكر، ثم دعم الشيوعيين ليخسر كل من حوله وتعود القوى السياسية محدودة في البرازيل.

في تلك الفترة التي عانت خلالها البرازيل في الخمسينيات والستينيات كان المنتخب يتطور في الملعب ويمر بفترته الذهبية مع تواجد قائد مثل بيليه الذي فاز بكأس العالم 1958 ليلتفت العالم أجمع إلى تلك الدولة.

ومحليا أصبحت الدولة قادرة أخيرا على تخطي حالة الحزن التي اجتاحتها بعد خسارة نهائي 1950 من أوروجواي.

خارج البرازيل وفي كل الأنحاء كان الحديث دائما حول بيليه أصغر شاب شارك في كأس العالم على الإطلاق والهداف المحلي الرائع، ثم في 1960 التفتت كل أندية أوروبا إليه من أجل ضمه.

العديد من الصحف سواء في البرازيل أو أوروبا تحدثت عن اهتمام كبار الأندية به وحتى بيليه نفسه قال إنه رفض الانضمام إلى مانشستر يونايتد في تلك الفترة.

كان ذلك يحدث في وقت تسلم خلاله سانتوس عدة دعاوى ممتازة من كبار أندية أوروبا مثل ريال مدريد ويوفنتوس وإنتر ميلان ومانشستر يونايتد لمواجهتهم.

وفي 1961 قالت التقارير الصحفية حسبما أوضحت "تيليجراف" أن إنتر ميلان قدم عرضا بقيمة مليون دولار عام 1961 لضم بيليه وقتها.

والحديث في "شوار فيلا بيلميرو" معقل سانتوس كان حول رحيل بيليه عن النادي.

رفض سانتوس العرض سريعا لإرضاء جماهيره، لكن المخاوف كانت دوما قائمة إلى متى سيستمر بيليه في البرازيل؟

في عام 2005 قال بيليه لمجلة "فور فور تو" إن جياني أنيلي رئيس يوفنتوس تواصل معه شخصيا وعرض عليه كذلك حصص في شركة "فيات" لكي يغريه بالانضمام إلى النادي الإيطالي.

رئيس البرازيل في ذلك الوقت كوادروس علم باهتمام أندية أوروبا بضم بيليه، وكان يعلم جيدا أنه بلا أي دعم شعبي، خاصة وأن رحيل بيليه عن البرازيل قد يسبب له عدة عواقب على الصعيد السياسي؛ لأنه لم يكن مجرد لاعب كرة قدم.. إنه ساهم في فوز البرازيل بأول كأس عالم.

وخوفا على مستقبله السياسي جمع كوادروس ائتلاف من الشركاء الذين قرروا جعل بيليه كنزا وطنيا، ولم يكن ذلك أمرا لإرضاء بيليه، لكنه كان أشبه بقانون حكومي يمنعه من الرحيل عن البرازيل.

وبعد رحيل كوادروس لم يقم أحد بإلغاء القانون الذي يقول إن بيليه كنزا وطنيا، لأنه أصبح بمثابة رمز يشي بقوة علاقة الرئيس مع شعبه.

لكن كيف اكتسب بيليه أسطورته؟ "من الصعب للغاية أن تطلق على لاعب لقب الأعظم على الإطلاق وأنت لم تشاهده قط ونادرا ما تشاهد أهدافا له". جوناثان ليو صحفي تيليجراف.

في فيلم بيليه الوثائقي ظهر أنه سجل 1283 هدفا في مسيرته لكنها ليست الصورة الكاملة.

مثلا هناك 8 أهداف قيل إنها ضد بوتافوجو.. نعم الاسم واحد لكنه ليس نفس النادي بل نادي مشابه كان أكبر إنجازاته ظهور سقراط للكرة البرازيلية.

أيضا هناك 5 أهداف ضد فريق يدعى ناسيونال، ينتمي لمنطقة ساو باولو، والأمر ذاته مع 5 أهداف سجلها ضد نادي يُدعى يوفنتوس (لم يكن النادي الإيطالي).

لعب بيليه مع أساطير مثل هيلينو وجارينشا وجاريزينيو وزيزينيو وغيرهم لكن أسطورته ظلت أعلى من هؤلاء بكثير وما قام به بعد انتهاء مسيرته الكروية جعله في منزلة مختلفة تماما.

قال لويس فيليبي سكولاري عن بيليه في 2002: "أعتقد أن بيليه لا يعرف شيئا عن كرة القدم، لم يفعل أي شيء كمدرب وكل تحليلاته دائما خاطئة مثل توقعاته، إنه مثل أعلى لكل برازيلي لكن تحليلاته دائما خاطئة".

وكتب أليس بيليوس في كتابه "فوتبول": "يوجد مشاهد عديدة توضح أن بيليه ينتمي للعالم أكثر من البرازيل، إنه نقطة مهمة دوليا، شخص بسيط وكان فتى أسمر البشرة وفقيرا وأصبح أفضل لاعب في العالم من خلال موهبته، لكن البرازيليين لا يحبونه بنفس الطريقة التي يحبون بها جارينشا مثلا".

يعتمد إرث بيليه في كرة القدم على الفوز بكأس العالم مرتين الأولى في 1958 حينما كان أصغر لاعب في تاريخ البطولة وسجل ثلاثية في نصف النهائي ضد فرنسا وهدفين ضد السويد.

وفي 1970 حينما كان أشهر لاعب في البطولة وقتها ويلعب في أفضل فريق في تاريخ البطولة في ذلك الوقت.

وبعد ذلك بـ10 أعوام أُجري استفتاء في أوروبا أظهر أن بيليه كان ثاني أكبر علامة تجارية معروفة في أوروبا بعد كوكاكولا.

الخلفية التي أتى منها بيليه ساندته تجاريا كثيرا حسبما كتب بيليوس: "ذلك الفتى في الـ17 من عمره الذي شق طريقه من الفقر إلى القمة".

وأكمل "الكتب والأفلام والمقالات والصحف بدأت تستعمل تلك القصة، وفريقه سانتوس أصبح مشهورا به والعكس ولعب مباريات حول العالم، أما بيليه فلعب أكثر من 100 مباراة في عام 1959 منها 15 مباراة في 3 أسابيع خلال جولة في أوروبا".

وفي بداية الستينيات كان يلعب 3 مرات في الأسبوع، وساهمت تلك الجولات كثيرا في تعزيز أرقام بيليه سواء كانت المباريات ضد أندية كبيرة أو صغيرة أو حتى وديات غير مقيدة كلها ساهمت في تعزيز موقفه كأسطورة.

وكتب نيلسون رودريجيز أحد أشهر الكتاب الرياضيين في البرازيل: "مع انتصار المنتخب في 1958 بالبطولة تغير كل شيء".

وأضاف "بعد ذلك العام لم يعد البرازيليون مجرد شعب هجين وسط البشر أو دولة هجينة، أصبح هناك هوية وقوة".

قال بيليه بعد كأس العالم 1958 حينما كان المنتخب البرازيلي هو أول منتخب يمتلك لاعبين أصحاب لون بشرة مختلفة في ذلك الوقت: "كل المنتخبات الأخرى كانت تملتك لاعبين بشرتهم بيضاء فقط، رأيت ذلك غريبا. أتذكر أنني سألت زملائي هل البرازيل فقط التي تمتلك لاعبين سمر البشرة؟".

الشاب الصغير كان وجه البرازيل في تلك الفترة وشهرته ساعدت الدولة والعكس، وبحلول عام 1964 كانت أسطورة بيليه في قمتها في الدولة.

في ذلك العام عرفته الصحافة الإنجليزية عن قرب بعدما ذهب منتخب إنجلترا لمواجهة البرازيل في "ماركانا" حينها خسرت بنتيجة 5-1 وسجل بيليه 4 أهداف.

وكتبت صحيفة تايمز: "الجوهرة السمراء سحرت إنجلترا".

كان ذلك أشبه بالتحول الكبير في أسطورة بيليه والخروج الحقيقي للعالم، الصحافة الإنجليزية ساهمت بشكل كبير في نسج باقي أسطورته.

في عام 1970 تم بث كأس العالم بصورة ملونة عبر شاشات التلفزيون حول العالم، ووقتها كانت الصحافة فعليا تعرف بيليه، وأصبح هناك لقطات كثيرة له لعرضها سواء بالأبيض والأسود أو الألوان عكس هيلينو الذي ليس له تسجيلات موجودة تقريبا.

وصرح بيليه في وقت سابق قائلا: "ليس أنا من بدأ الأمر، الناس بدأوا في القول إنني أفضل لاعب في العالم".

وأضاف "ليس لدي أي شيء حيال ذلك الأمر، أعتقد أن أفضل لاعب في العالم لم يولد بعد، عليه أن يكون الأفضل في كل مركز دفاعيا وهجوميا وعلى الصعيد التهديفي".

بيليه كان يعي جيدا حقيقة أنه يجب عليه تسويق نفسه جيدا ووكل بيبي جوردو، رجل أعمال إسباني، للتفاوض من أجل حقوقه الشخصية لكنه فشل وكاد أن يفلس خلال عام 1966.

ولكي يتعامل بيليه مع تلك الخسارة تفاوض مع سانتوس لكي يرفع من عقده ويجدده.

ثم وقع على عقد بقيمة 120 ألف دولار مع شركة بوما ليرتدي حذائها وخلال كأس العالم 1970 كان دائما يحاول ربط أحذيته أما الكاميرات كجزء من الاتفاق.

في تلك الفترة كانت البداية الحقيقة لما عرف بعد ذلك بالعلامة التجارية "بيليه".

في العقود التالية استعمل بيليه وجهه واسمه للدعاية لكل شيء تقريبا من الساعات إلى الوجبات الخفيفة وغيرها من المنتجات، وفي عام 2014 وصلت عوائد علامته التجارية إلى 25 مليون دولار.

صرح بيليه في وقت سابق قائلا: "في أمريكا هناك معارض تذكارية رائعة لإلفيس بريسلي ومارتن لوثر كينج، لكن في البرازيل لا يوجد معرض لبيليه، هناك شيء خاطئ في هذا الأمر كما يبدو لي".

هكذا يرى بيليه نفسه.. أيقونة ثقافية مثل إلفيس أو شخصية سياسية محررة مثل مارتن لوثر كينج لهذا دائما كان مهتما بأن يظهر دوما كأسطورة، ولهذا أصبح هناك متحفا لبيليه في سانتوس.

كتب بيليوس: "بيليه معشوق لكن جارينشا هو العشق نفسه، جارينشا عاند المؤسسة وجادلها أما بيليه أصبح المؤسسة نفسها".

ما فشل فيه جارينشا كان تسويقه لنفسه وذلك لأنه لم يكن يمتلك الوقت للدخول إلى عالم المؤسسات التجارية والإعلانات ولم يكن يجر أية حوارات ولم يتواجد مع العامة سوى نادرا ولم يتواجد أمام الجميع ليبني شخصية مثلما فعل بيليه.

هل تنتهي أسطورة بيليه مستقبلا خاصة مع تواجد علامات تجارية مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو نجمي برشلونة ويوفنتوس على الترتيب؟ لا نعلم بعد.

*المصادر: (كتاب "فوتبول" – كتاب "جولازو" – صحيفة "تيليجراف" – السيرة الذاتية لـ بيليه – كتاب "جارينشا" – كتاب "الهرم المقلوب").

اقرأ أيضا

العقل الذي دفع دولة غارقة في الحرب الأهلية إلى قهر الفراعنة

حلم طوكيو 2020 – مؤتمر غريب: الدولة وفرت كل احتياجاتنا.. كل منتخبات البطولة كبيرة

بودكاست في الجول - ألف ليلة وليلة من أبو تريكة

حلم طوكيو 2020 – عبد السلام لـ في الجول: التأهل للأولمبياد هو الخطوة قبل الأخيرة

حلم طوكيو 2020 – مالي.. إعادة بث الحلم