العقل الذي دفع دولة غارقة في الحرب الأهلية إلى قهر الفراعنة
الخميس، 07 نوفمبر 2019 - 11:47
كتب : زكي السعيد
ليس مِن وسيلةٍ لدولة نامية غارقة لسنوات في فاجعة الحرب الأهلية حتى تتغلب على مصر سوى امتلاكها أفضل لاعب في العالم.. لحسن حظ ليبيريا، فقد امتلكته بالفعل!
مساء اليوم الخميس يلعب منتخب مصر وديًا أمام نظيره الليبيري على استاد برج العرب، مواجهة تعيدنا حتما 22 عاما إلى الوراء.
في 6 أبريل 1997، فازت ليبيريا بهدف دون رد على مصر ضمن تصفيات مونديال فرنسا، مفاجأة مدوية هزت الكرة المصرية وكانت عنوانا لأحد فصول الفشل الطويلة في التأهل إلى كأس العالم.
ليبيريا، تلك الدولة الضئيلة الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي غرب القارة الإفريقية، مساحتها العُشر تقريبا إلى مساحة مصر، وتعدادها السكاني أقل من قاطني الإسكندرية، حققت المعجزة في ذاك اليوم المشمس من أبريل 1997.
بتاريخ كروي هزيل، وأندية مجهولة تعكف على توديع المنافسات القارية قبل أن يكتمل الزفير، وبلد مزقته الحرب الأهلية، لعبت ليبيريا أمام مصر في ثالث جولات التصفيات، وأقصى آمالها ألا تُنكَل.
ولم تقدر ليبيريا على استضافة المباراة من الأساس في أراضيها، إذ كانت الحرب الأهلية الأولى تدخل عامها الثامن –والأخير-، مما جعل غانا الدولة المضيفة في مهمة باتت أسهل للفراعنة مع لعبهم على أرض محايدة.
حربٌ أهلية دموية خلّفت أكثر من ربع مليون قتيل، لن يهنأ الليبيريون بانتهائها في أغسطس من العام 1997، حتى يُفجعوا بقيام حرب أهلية ثانية بعد عامين.
لتكون فترة التسعينيات كافية حتى ينسى الشعب الليبيري هيئة الكُرة وقوانينها، فقط حالة فريدة غير اعتيادية منعتهم من رميها خلف ظهورهم: جورج ويا.
الرئيس الحالي لدولة ليبيريا، اللاعب الأفضل في العالم عام 1995، سيكسر كل التقاليد، سيصنع المستحيل، وسيذكّر شعبه لسنوات أن حمل السلاح ليس اهتمامهم الأوحد.
حضر أرسين فينجر إلى إفريقيا خصيصا لانتشاله إلى أوروبا عام 1988، و7 سنوات في القارة العجوز كانت كافية لـ ويا حتى يكون على هرم لاعبي العالم.
"عندما رأيت ويا للمرة الأولى، شعرت كالطفل الذي وجد قطعة حلوة في حديقته يوم عيد الفصح، لم أر لاعبا مثله أبدا".. يسترجع فينجر ذكراه الأولى مع ويا.
ويا لم يكتف بتصرفات خارقة على أرض الملعب كتجاوز 7 لاعبين من فيرونا ذات مرة مثلا، بل أتبعها بما جعله ملكا متوجا في بلاده، قبل أعوام طويلة حتى من انتخابه رئيسا رسميا في 2017.
الرجل الذي لعب لأندية موناكو، وباريس سان جيرمان، وميلان، وتشيلسي، ومرسيليا، تكفّل تماما بمنتخب بلاده ليبيريا طوال التسعينيات.
من أمواله الخاصة، حرص على شراء ملابس للفريق، وحجز رحلات الطيران والإقامة في الفنادق، بل خصص مكافآت لتحفيز زملائه على تحسين نتائجهم.
هذه المجهودات أسفرت عن الإنجاز الكروي الأول في تاريخ ليبيريا بالتأهل إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية 1996، هناك في جنوب إفريقيا حيث ودعوا من الدور الأول.
بالعودة إلى الطرف الآخر في هذه المباراة: مصر، فقد خسر منتخبها في الجولة الثانية للتصفيات بهدف على أرض تونس، بعد الفوز العريض على ناميبيا في أول جولة.
هذه الهزيمة أمام تونس فرضت حسابيا على مصر الفوز في كل مبارياتها الاربع التالية، حتى تتساوى مع نسور قرطاج في النقاط بنهاية المطاف.
ومنتخب مصر لن يطيل ترقب جماهيره، وسيودع السباق سريعا بخسارة ثانية متتالية في ثالث جولة أمام ليبيريا في مباراتنا المنشودة.
هذه الهزيمة أمام ليبيريا جورج ويا، كانت مباراة محمود الجوهري الأولى في ولايته الثالثة كمدرب لمنتخب مصر، لكن.. من جاء الجوهري ليعوضه في مارس 1997؟
حسنا، تضاربت الأقاويل، ربما فاروق جعفر، أو ربما محمود الخطيب، أو ربما فاروق جعفر ومحمود الخطيب.
هذه المباراة الداخلية في الجهاز الفني المصري لمدة عام تقريبا كانت حديث الشارع وقتها، فاتحاد الكرة عجز عن تحديد مهام ومسؤوليات واضحة لقامة الزمالك ورمز الأهلي، ونهايتهما جاءت بعد الهزيمة الودية أمام الكويت والتعادل الصادم على أرض إثيوبيا في تصفيات كأس الأمم الإفريقية.
رحل جعفر والخطيب، واستنجدت مصر بالجوهري الذي لم يكن متفرغا، بل أشرف وقتها على تدريب سلطنة عُمان، لكنه لبّى النداء.
الوقت كان ضيقا للغاية قبل إعلان القائمة الأولى للجوهري يوم 24 مارس، بل لم يكن الجوهري متواجدا في مصر لمتابعة اختيارته عن كثب.
البعثة المصرية توجهت إلى أكرا عبر الخطوط الجوية السويسرية بعد التوقف أولا في زيوريخ كما يسترجع هيثم فاروق في حديثه لـ FilGoal.com.
فاروق كان واحدا من 11 لاعبا بدأوا هذه المباراة في تشكيل مصر، وذاكرته أسعفته على تذكُر زملائه العشرة عندما توجهنا إليه بالسؤال عن ذلك اليوم.
أما تشكيل الفراعنة الذي خسر من ليبيريا فكان:
حراسة المرمى: عصام الحضري
الدفاع: إبراهيم حسن – سمير كمونة – هاني رمزي – هيثم فاروق – ياسر رضوان
الوسط: إسماعيل يوسف – طارق مصطفى – أحمد الكاس
الهجوم: حسام حسن – علي ماهر
"محاضرة ليلة المباراة بأكملها كانت عن جورج ويا ودراسة تحركاته وكيفية التعامل معه وأدوار كل لاعب في دفاعنا لإيقافه".. يعترف فاروق بتركيز الجوهري الكامل على نجم ميلان العالمي حينها.
ويكمل حديثه: "لكن عندما بدأت المباراة، حدثت الخدعة الكبرى.. لم ندر ما يجب علينا فعله".
في حديث صحفي سابق لـ إبراهيم حسن بعد الهزيمة بأسابيع قليلة، يكشف ظهير الأهلي وقتها: "الجوهري أعدني خلال التدريبات لمراقبة جورج ويا، لكن منتخب ليبيريا خدعنا.. فوجئنا بـ ويا يلعب كظهير أيسر".
ويا الهداف العالمي، المهاجم الذي يكون قريبا للغاية إلى المرمى، لم يلعب في أيٍ من مراكز الهجوم أو الوسط، بل شارك في مركز لا تطاله الأيدي المصرية.
في الدقيقة 29، فهم المصريون لماذا وُظف ويا في هذا المركز العجيب، عندما تسلم كرة من الجهة اليسرى، وبدلا من إرسالها عرضية، سدد مباشرة في الزاوية الضيقة للحضري.
انطلق ويا مشيرا إلى رأسه، بالطبع فقد سجل هدفه الشهير بالعقل، هدف سيُخلَد في ذاكرة المشجع المصري، وسيضفي كآبة على مسيرة الحضري الدولية منذ بدايتها.
في عمر الرابعة والعشرين وقتها خاض الحضري مباراته الرسمية الأولى على الإطلاق مع منتخب مصر، وسيحتاج إلى الانتظار حتى الثالثة والثلاثين ليبدأ صناعة ما جعله الحارس الأفضل والأنجح في تاريخ الكرة المصرية.
لكن في 1997، كان الحضري صيدا لخدعة ويا، ولعب على التوقع، فسكنت الكرة شباكه معلنة عن هدف لن يقدر المهاجمون المصريون على تعويضه رغم كثرة الفرص المهدرة في ذلك اليوم.
"كان يجب أن نفوز بهذه المباراة بنتيجة عريضة، وصلنا إلى مرماهم بكثير من الفرص".. يوضح هيثم فاروق في حديثه لـ FilGoal.com.
"أرض الملعب كانت سيئة للغاية".. يوضح فاروق.
ويتفق معه إبراهيم حسن: "الرطوبة كانت شديدة والحر أشد، والملعب سيئ للغاية، لو لعب عليه منتخب البرازيل لما ظهر بالشكل المناسب، لا أبحث عن مبررات أو حجج، وإنما هي الحقيقة".
هل أصاب الجوهري عندما صب كامل تركيزه على إيقاف ويا؟ "هذا ليس خطأ، في نهاية الأمر هو من سجل الهدف".. يجيب ياسر رضوان لـ FilGoal.com.
ويكمل: "تفكيرنا بالكامل كان منصبا على ويا، كان اللاعب الأفضل في أوروبا".
انتفاضة الجوهري
يُعتقَد أن هذه المباراة كانت الحد الفاصل بين الجيل الذهبي المونديالي، والسنوات التالية في الكرة المصرية.
أحمد الكاس وإسماعيل يوسف لم يتلقيا الاستدعاء الدولي مجددا، كما قام الجوهري باستبعاد كل المحترفين في التوقف الدولي التالي لمواجهة ناميبيا.
عوّل الجوهري على مجموعة من الشبان أمثال حازم إمام وعبد الستار صبري وعبد الظاهر السقا وأحمد حسن بشكلٍ أكبر ومستمر، فكانت المفاجأة التي أدهشت الجماهير المصرية بالتتويج بكأس الأمم الإفريقية 1998.
أما ملعب أكرا الذي أقيمت عليه مباراة ليبيريا، فسيعود إليه المنتخب المصري بعد 11 عاما، لكن للفوز بكأس الأمم الإفريقية هذه المرة.
*ساهم في التقرير: أحمد العريان وبسام أبو بكر.
اقرأ أيضا
جوارديولا يوضح تفاصيل إصابة إيدرسون.. وسبب مشاركة ووكر كحارس مرمى
سكاي: إدارة بايرن تواصلت مع فينجر.. والمفاوضات قد تصبح جدية بعد مواجهة دورتموند
النقاز: لا توجد أزمة بين الزمالك وفرجاني.. وأناقش بعض العروض التي وصلتني مع النادي
بودكاست في الجول - ألف ليلة وليلة من أبو تريكة
حلم طوكيو 2020 - صلاح محسن: المنتخب الأوليمبي لا يخاف أحدا في كأس الأمم