عندما قرر خيسوس خيل رئيس أتليتكو مدريد إغلاق أكاديمية النادي توفيرا للنفقات، لم يدر أنه يقدّم لعدوه ريال مدريد 323 هدفا و741 مباراة و16 لقبا على طبق من ذهب.
وعندما اشمأزت جماهير ريال مدريد من إزاحة أسطورتها إيميليو بوتراجينيو لصالح طفل في السابعة عشر، لم تدر أنها تستهجن قائدها التاريخي المقبل.
في مثل هذا اليوم قبل 25 عاما، لعب راؤول جونزاليس للمرة الأولى بقميص ريال مدريد.
29 أكتوبر 1994، ريال مدريد يرتحل إلى مقاطعة آراجون لمواجهة ريال سرقسطة في ملعب لا روماريدا، وبعد 15 عاما، سيرتحل ريال مدريد لمواجهة سرقسطة في لا روماريدا مجددا يوم 24 أبريل 2010.. والعامل المشترَك: راؤول.
على لا روماريدا، لعب راؤول مباراته الأولى على الإطلاق بقميص ريال مدريد، وكذلك مباراته الأخيرة مع الميرنجي.
إشراكه في عمر الـ 17 عاما و124 يوما كان قرارا جريئا مسجلا باسم خورخي فالدانو الذي لم يكن مدربا مكتفيا بمهامه في الفريق الأول لـ ريال مدريد، بل عكف على متابعة فرق الشباب والناشئين حتى أنه كان يشاهد تدريباتهم.
في تلك الفترة، سجل راؤول أهدافا غزيرة مع ناشئي ريال مدريد أسالت لُعاب فالدانو الذي لم يصعّده فحسب، بل نصّبه على عرش بوتراجينيو، ودفع به أساسيا في رحلة خارجية صعبة لمواجهة جيل سرقسطة الذهبي.
كان جيلا ذهبيا بحق، وهذا ما يبرر تأخُر ريال مدريد بهدفين دون رد بعد 52 دقيقة، نتيجة يتحملها حتى اللحظة شخص أكثر من غيره: راؤول!
سرقسطة ضم في صفوفه جوس بويت، وخوان إسنايدر، وثلاثي ريال مدريد السابق سانتياجو أراجون، وميجيل بارديزا، وخيسوس سولانا، بالإضافة إلى نعيم قاهر أرسنال الشهير.
أمامهم، بدا راؤول قزما، بسبب بنيته الجسدية الضئيلة، وتاريخه الحديث في ملاعب كرة القدم، وربما حتى رعونته أمام المرمى.
راؤول اتخذ كل القرارات الخاطئة في لمسته الأخيرة أمام المرمى يومها، تفنن في إهدار الفرص والإطاحة بالكرات.
واحدة من الصور الفوتوغرافية الخالدة لـ راؤول من تلك المباراة، التقطها له أحد المصورين أثناء مراوغته أندوني سيردون حارس مرمى سرقسطة.
الواقع أن الصورة خادعة، فـ راؤول وبعد تلقيه تمريرة رائعة من كيكي سانشيز فلوريس، أقدم على مراوغته الشهيرة (التي حسم بها دوري الأبطال بعد 6 سنوات)، لكنه أطاح بالكرة أعلى المرمى الخالي بغرابة شديدة.
ريال مدريد خسر بثلاثة أهداف مقابل هدفين يومها، أحدهما من صناعة راؤول على رأس إيفان زامورانو، لكن الانطباع الأولي: هذا الفتى نشيط، لكنه يفتقد للمسة الأخيرة.
هل تصدقون أن هذا "المُفتقِد للمسة الأخيرة" سيسجل 448 هدفا في مسيرته؟
أول هذه الأهداف كان في المباراة التالية بالمناسبة، تمريرة من مايكل لاودروب، وتسديدة من لمسة واحدة عانقت شباك أتليتكو مدريد في دربي ساخن قهر فيه راؤول فريقه السابق.
15 عاما لاحقة
ريال مدريد في ضيافة سرقسطة مجددا، قبل 5 جولات على نهاية دوري 2009\2010 هذه المرة، أسبوعين فقط بعد الهزيمة أمام برشلونة وفقدان الصدارة.
راؤول العائد من الإصابة ظل على مقاعد البدلاء، حالٌ لم يكن غريبا عليه في أغلب فترات موسمه الأخير مع ريال مدريد.
حينها، لم يكن رحيله رسميا، لكنه كان وشيكا ومتوقعا، كان أمرا يتجنب الجميع مناقشته بجدية، فـ راؤول بدا لوهلة أنه سيلعب في ريال مدريد للأبد، أو هكذا ظن البعض...
وصحيح أن ثقة مانويل بيليجريني في راؤول الثلاثيني لم تضاه ثقة فالدانو في راؤول المراهق، لكن 16 دقيقة فقط من عمر المباراة كانت كافية لإشراكه.
رافاييل فان دير فارت يتعرض لإصابة، ومن بين دكة تضم ريكاردو كاكا وكريم بنزيمة، اختار المدرب أن يدفع بالقائد راؤول.
لسوء حظه، لن يعمّر راؤول كثيرا على أرض الملعب.. في بداية الشوط الثاني تعرض لتدخل من البرازيلي إدميلسون، وطلب التغيير.
بنزيمة أجرى الإحماء في تعجُل، فـ راؤول توقف تقريبا عن الركض وظل متمركزا في وسط الملعب.
ركلة مرمى لـ ريال مدريد، وإيكر كاسياس يلاحظ بوضوح رفيق كفاحه يسير عرجا بالقرب من دائرة المنتصف، وبالتالي يتلكأ في التنفيذ.
مخرج المباراة يصطاد رد فعل كريستيانو رونالدو الذي طالب كاسياس بسرعة التنفيذ، فالنتيجة 0-0 وريال مدريد يحتاج إلى التسجيل.
من جانبه، كان بنزيمة هادئا للغاية ولم يكن قد استعد للدخول بعد، ليضطر كاسياس إلى ركل الكرة بعيدا حيث استقبلها رونالدو برأسه وهيأها نحو تشابي ألونسو.
وبينما استعد بنزيمة بالفعل وبات جاهزا للدخول على الخط الجانبي للملعب، تدخّل أندر هيريرا على ألونسو وعرقله مرتكبا مخالفة كانت الإعلان عن نهاية قصة راؤول مع ريال مدريد.. أو هكذا كانت النهاية المفترضة!
راؤول بدأ السير تجاه الخط الجانبي لمغادرة الملعب مشيرا إلى زملائه بالتمهُل وعدم تنفيذ المخالفة، لكن رونالدو كعادته كان متعجلا جدا، صرخ على ألونسو الذي مرر لا إراديا إلى خوسيه ماريا جوتي، ليطول عُمر راؤول في مدريد لدقيقة إضافية، كانت ثمينة للغاية.
راؤول إلى رونالدو، رونالدو إلى جونزالو إيجوايين، والأرجنتيني يسدد كرة أرضية تصدى لها روبيرتو حارس مرمى سرقسطة، رونالدو ظل في المشهد وتابع الكرة وسددها، لكن روبيرتو أقدم على تصدٍ مزدوج، لتصل الكرة إلى رونالدو مجددا.
في هذه الأثناء، وبينما هاجم ريال مدريد مرمى أصحاب الأرض بشراسة لـ 10 ثوانٍ متتالية، كان راؤول صاحب الكاحل المصاب يستنشق نفسه الأخير كلاعب لـ ريال مدريد، ويركض بسرعة كبيرة إلى منطقة الجزاء مُلبيًا نداء لا يعرف مصدره.
بالتأكيد هو لا يعرف حتى الآن كيف حدث ذلك، لكن راؤول وجد الكرة أمامه على بُعد أمتار قليلة من مرمى سرقسطة نفسه الذي أهدر أمامه قبل 15 عاما.
هذه المرة، لا يمكن لـ راؤول أن يهدرها، فهي لمسته الأخيرة على الإطلاق مع ريال مدريد، وهدفه الأخير بقميصهم، هذه المرة سجل راؤول ولم يطح بالكرة كما فعل وقت مراهقته.
بعد المباراة، خرج التقرير الطبي معلنا عن إصابة راؤول بالتواء في الكاحل من الدرجة الثانية، سيبعده شهرا عن الملاعب، والموسم لم يتبق فيه سوى 20 يوما.. وداعا راؤول.
"في ملعب لا روماريدا، بدأت وختمت مسيرتي مع ريال مدريد. في الأولى حظيت بالعديد من الفرص ولم أسجل أي منها، وفي الأخيرة، وبكاحل مصاب، تمكنت من التسجيل".
_راؤول جونزاليس بلانكو
اقرأ أيضا
الحلقة الأولى من حكايات ملك النص
آل الشيخ يتحدث عن الأهلي ويجيب عن "هل يدعم الزمالك؟"