ماذا لو وطئت قدم بيليه أوروبا؟ ماذا كان ليحقق هذا النادي المحظوظ لو حصل على خدماته؟ 10 سنوات من السيطرة على القارة؟ 15 عاما؟ أرقام قياسية لا يقهرها الزمان؟
وحتى مقارنته السرمدية بـ دييجو مارادونا التي يستدل فيها أنصار الأرجنتيني على تفوقه بلعبه في أوروبا حيث التنافسية الأعلى وكرة القدم الحقيقية، كانت لتشهد أرضية مشتركة أكبر.
بيليه ترك كل هذه التساؤلات دون إجابة، لأنه قرر قضاء مسيرته بأكملها في سانتوس، وعندما تركه قضى العامين الأخيرين في الولايات المتحدة.
«لدي أسبابي، أحببت الأرز والفاصولياء التي تعدها أمي».
هكذا برر بيليه رفضه الانتقال إلى ريال مدريد عندما تحرّك لأجله النادي الإسباني عام 1959.
يُظهِر هذا التصريح أن بيليه لم يشعر بضرورة مُلحة تدفعه لترك البرازيل واللعب في أوروبا بعد عام واحد من امتلاكه العالم بين يديه عقب تتويجه بمونديال السويد.
لكن ماذا لو أتته فرصة أوروبا في سن صغيرة، قبل أن يشتهر، هل كان ليفوّت هذا العرض الذهبي؟
في الواقع، بيليه كان قريبا من اللعب لـ فالنسيا، احتاج فقط إلى قرار إداري واحد صائب.. وشجاع.. قرار لم يُتخَذ قط.
كتاب «25 قصة قد لا تعرفها عن فالنسيا» للصحفي الإسباني خوسيه ريكاردو مارتش، يكشف كيف كان بيليه قريبا من الخفافيش عام 1957.
الأجواء كانت مشتعلة في فالنسيا وقتها بعد أن أنهى الفريق الدوري الإسباني لموسم 1956\1957 في المركز 11 الأسوأ في تاريخه وقتها.
فبعد أن حقق فالنسيا الدوري 3 مرات في الأربعينيات، فوّت قطار الانتفاضة، واكتفى بمشاهدة ريال مدريد وبرشلونة وحتى إشبيلية ينجحون محليا ويلعبون في أوروبا.
ريال مدريد انتفض وقتها بعد تعاقده مع الأرجنتيني ألفريدو دي ستيفانو، وبرشلونة شهد نقلة مع انتداب المجري لازلو كوبالا، عندها أدرك لويس كاسانوفا رئيس فالنسيا أن النجاح مرتبط بإحضار نجم لامع إلى ملعب المستايا.
خصوصا أن فالنسيا عانى في موسم 1957 من آثار رحيل هدافه الهولندي فاس فيلكس، وبدا في أمس الحاجة إلى تدعيم هجومي بارز.
المهمة الحساسة أوكلت إلى إدواردو كوبيّس.
كوبيّس شغل وقتها منصب سكرتير عام النادي، وهو أحد الأساطير الكروية في تاريخ النادي الإسباني، وواحد من أهم رجالات الخفافيش في النصف الأول من القرن العشرين.
كاسانوفا أخبر كوبيّس –وفقا لما جاء في الكتاب-: «أحضر لي أفضل لاعب في البرازيل، ولا تهتم بالنفقات».
ليتجه كوبيس إلى البرازيل في أغسطس 1957 حتى يحضر لاعبا بمواصفات محددة: هداف، نجم، دولي، مسيرته مستقرة، والأهم أنه قادر على إرضاء الجماهير الثائرة للغاية بعد الموسم الماضي السيئ.
أول لاعب على أجندة كوبيس كان ديدي النجم البرازيلي الأول في تلك الفترة، والذي سيفوز بكأسي عالم مع راقصي السامبا من أصل 3 سيشارك فيها.
ديدي كان مهاجما ثوريًا، اخترع طريقة جديدة في تنفيذ الركلات الحرة أسميت «فوليا سيكا». كما ابتدع أسلوبا في تسديد ركلات الجزاء أُطلق عليه «لا بارادينيا».
كوبيس تناول الغداء مع ديدي وعائلته، أغراهم بفكرة الانتقال إلى أوروبا، قبل أن يتلقى الصدمة من نادي بوتافوجو الذي أغلق الباب في وجه أي مفاوضات، ورفض عرض الـ 5 ملايين كروزيرو (عملة البرازيل ما بين 1942 و1986).
عندما أدرك كوبيس أن شراء ديدي سيكون مستحيلا، تحوّل إلى الخطة «ب»: والتر مارسيانو دي كيروش.
لم يكن والتر بنفس نجومية ديدي، لكنه امتلك أغلب المعايير التي وضعتها إدارة فالنسيا.
يشغل مركز الوسط المهاجم لكنه هداف، وفالنسيا يعرفون هذا جيدا خصوصا بعد هدفي والتر التاريخيين في شباك ريال مدريد بنهائي بطولة باريس الودية قبل شهرين.
وقتها فاز فاسكو دا جاما –فريق والتر- على ريال مدريد 4-3، لينهوا أسطورة «الفريق الذي لا يُقهَر».
كان والتر لاعبا دوليا وقتها يبلغ 25 عاما، أُختير أفضل لاعب في البرازيل بالموسم المنتهي.
بدا أن والتر خيارا مثاليا لـ فالنسيا، حتى همس الوسيط البرازيلي بيريس في أذن كوبيس: يوجد لاعب آخر في سانتوس!
اسمه إدسون، يلقّبونه بـ «بيليه»، مشكلته فقط أنه لم يبلغ السابعة عشر من عمره بعد، لكنه لعب بالفعل لمنتخب البرازيل الأول.
الفضول انتاب كوبيس، فقرر مشاهدة هذا اللاعب، وذهب لمراقبته بالفعل في إحدى المباريات.. وذُهِل كوبيس!
صُدم مما رأته عيناه، فموهبة بيليه كانت جلية، لا تحتاج إلى أعتى الكشافين حتى يرصدها، هذا المراهق الذي يركل الكرة مختلف عن أي لاعب رآه كوبيس في حياته دون شك.
لكن كوبيس تراجع، قرر الاتجاه للخيار الآمن، وعاد إلى فالنسيا بعد التعاقد مع والتر.
كوبيس كان متخوّفا من صغر سن بيليه وتساءل عن قدرته على التأقلم في أوروبا.
وبخلاف ذلك، فمهمة كوبيس التي عبر من أجلها المحيط الأطلسي، كانت إحضار نجم لامع مستقر المستوى يُرضي الجماهير، وليس موهبة شابة يراهن عليها.
بل امتدت تخوفات كوبيس إلى خشيته من أن يتحوّل بيليه إلى نكتة ومادة للتهكم، بسبب أن «بيليه» كان اسما لإحدى شخصيات الرسوم المتحركة وقتها في إسبانيا.
عند عودته إلى فالنسيا، لم يستطع كوبيس أن يُخرج ما شاهده من لاعب سانتوس من رأسه، فاعترف لصديقه الصحفي خايمي هيرنانديز بيربينيا أن لاعبه البرازيلي المُفضل هو ذاك الفتى بيليه، وليس والتر.
كوبيس قال للمحيطين به: «لو ظهرت في فالنسيا بفتى صغير اسمه بيليه، لألقوني أنا وهو في البحر».
بعد أقل من عام، انفجر بيليه، وقاد البرازيل للتتويج بأول كأس عالم في تاريخها، ولن نحاول تخيُل حالة كوبيس عندما تلقى تلك الأنباء.
بيليه لعب على المستايا بالفعل لاحقا في صيف 1959 في مباراة ودية أمام فالنسيا انتهت بالتعادل 4-4، وسجل فيها هدفا، ولكن بقميص سانتوس بالطبع.
ولعل كوبيس أخبر أصدقاءه عشرات المرات يوميا أنه أول أوروبي لمس موهبة بيليه حتى وفاته عام 1964، فصحيح أن عمره لم يسعفه لمشاهدة نجاحات بيليه كاملةً، لكنه شاهد ما يكفي حتى يندم.
أما والتر، البرازيلي الذي فضّله كوبيس على بيليه، فسجل 13 هدفا في موسمه الأول واكتسب شعبية في ملعب المستايا.
وواصل الظهور بمستويات جيدة في الأعوام التالية، حتى لقي حتفه بشكل صادم في حادث سير عام 1961 بعد أن اصطدمت سيارته بشاحنة كانت سائرة في الاتجاه المعاكس.
اقرأ أيضا:
أنباء سارة لعشاق صلاح وليفربول
خطوة من الأهلي في أزمة مباراة الجونة
10 لاعبين حاليين خلف السعيد في قائمة الهدافين التاريخيين للدوري