جوزيف بيكان.. الرجل الذي لم تسمع عنه سوى مع إنجاز كريستيانو
الخميس، 17 أكتوبر 2019 - 00:27
كتب : لؤي هشام
مع إنجاز النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بالوصول إلى 700 هدف في مسيرته الكروية سواء مع الأندية أو المنتخبات، سرعان ما ظهرت قائمة أكثر المسجلين في تاريخ اللعبة.
قائمة تواجد فيه أسماء قدمت الكثير والكثير في الساحرة المستديرة، كفرينتس بوشكاش وبيليه وروماريو وجيرد مولر وغيرهم ممن لا يغيب ذكرهم.
لكن اسما واحدا فقط لم ينل القدر الكافي من الاهتمام أو المعرفة، والأدعى أنه كان الاسم الأول في تلك القائمة: جوزيف بيكان.
في 14 أكتوبر 2019 انتظر الجميع وصول رونالدو لهدفه الـ700 وهو ما تحقق في شباك أوكرانيا رغم الهزيمة، وما هي إلا دقائق حتى استعرض الجميع أسماء أكثر المسجلين، وبيكان كان يملك 805 هدفا بفارق 26 هدفا عن أقرب منافسيه بيليه.
من هو بيكان وكيف قادته مسيرته لتسجيل هذا الكم من الأهداف؟ هذا ما يستعرضه FilGoal.com لكم.
"هو لاعب من زمن آخر ولولا الظروف لما حُرم من اعتراف مستحق في اللعبة".. هكذا تحدث موقع colgadosporelfutbol عن اللاعب النمساوي.
وقبل الخوض في التفاصيل والحديث بشكل مستفيض يجب أن تعرف أن عدد أهدافه الذي تخطى 800 لم يكن سوى ما احُتسب في المباريات الرسمية.
أما العدد الحقيقي فبلغ 1420 هدفا طوال 25 عاما من ركل الجلد المدور، ولولا الحرب العالمية الأولى التي سرقت 7 أعواما جيدة من مسيرته لكان قادرا على منافسة بيليه، كما قال.
ولد جوزيف عام 1913 في مدينة فيينا النمساوية.. وحياته القصيرة ستتغير بشكل جذري مع اندلاع الحرب العالمية.
كان والده لاعب كرة قدم ولكنه لم يتمتع بكفايته من الحظ إذ تسببت إصابته في إحدى المباريات في وفاته، مع رفضه إجراء عملية جراحية لكليٍته تاركا زوجته ترعى 3 أطفال من بينهم بطل قصتنا.
والأم بذلت كل جهدها، رغم ذلك لم تنجح في إنقاذ عائلتها من الفقر، أما جوزيف الصغير فلم يهتم سوى بلعب كرة القدم حافي القدمين كما اعتاد مع عدم قدرته على شراء حذاء.
وفي عمر الـ12 انضم جوزيف إلى نادي والده الراحل: هيرتا فيينا، ورغم سنه الصغير إلا أنه كان قادرا على إظهار اختلافه وانتزاع آهات الإعجاب.. وعندها بدأت حياته في التحول.
مع قدرات بيكان الرائعة قرر أحد رعاة النادي رفع الحافز ووعده بشلن نمساوي مع كل هدف يسجله، وبإمكانك تخيل كم كان هذا الحافز كبيرا مع أسرة تقبع بين جدران الفقر.
تطورت مسيرة بيكان سريعا وفي عمر الـ15 شارك مع الفريق الأول، رغم مخاوف أمه التي لم تنس ذكرى والده الراحل، وتنامى قلقها على ابنها.
حتى أنها في إحدى المباريات اقتحمت أرض الملعب حاملة شمسيتها لتضرب أحد المدافعين الذي تجرأ وحاول إيقاف جوزيف بقوة، ولم تتوقف سوى بعد أن تقطعت أنفاسها من الركض خلفه.. عليك تخيل المشهد :D.
مع ذلك فأن محاولاتها لإثناء بيكان عن اللعب ذهبت أدراج الرياح، لتتنازل عن حضور المباريات مع مرور الوقت.
أما بيكان ومع مقوماته فلم يكن بحاجة لكثير من الوقت حتى يأتي إليه النادي الأكبر النمسا: رابيد فيينا.. كان ذلك قبل إتمامه 18 عاما.
عرض النادي عليه في البداية راتب 150 شلن، ومع انفجار قدراته التهديفية كانوا مجبرين على زيادته إلى 600 شلن كاملة.
لم يكن لعب الكرة وظيفة لائقة في ذلك الزمان لكن أجرا كبيرا كهذا لم يكن معتادا كذلك.
لم يتوقف بيكان عن التسجيل في كل مباراة تقريبا، وسريعا كان لزاما أن ينضم إلى منتخب الجيل الأعظم في تاريخ النمسا تحت قيادة الأسطورة هوجو ميسل، ويصبح عنصرا أساسيا في مونديال 1934 الذي لم يتواصل فيه المشوار مع اتهامات بالتلاعب من قبل الدوتشي موسوليني.
انتقل جوزيف بعد المونديال إلى منافس رابيد فيينا، أدميرا، ليقضي موسم وحيد كان الأخير له مع الكرة النمساوية.
الاضطرابات السياسية المتزايدة في وسط أوروبا جعلته يبحث خارج النمسا عن ناد جديد للمرة الأولى في حياته المهنية، وسرعان ما توجه إلى تشيكوسلوفاكيا مسقط رأس والده.
وسلافيا براج كان النادي المحظوظ بالحصول على خدماته.
11 عاما سيقضيها بيكان بين صفوف هذا النادي، لكن اشتعال الحرب العالمية الثانية مع صعود نازية هتلر لكن تكون كافية لحمايته وحماية موهبته.
مع تزايد الخطابات القومية، قبل الحرب العالمية، كان لزاما على جوزيف التعامل مع جذوره النمساوية.
في البداية دافع عنها بالشكل الأمثل بالطريقة الوحيدة التي عرفها: تسجيل الأهداف. 534 هدفا محصلته مع سلافيا من بينها موسم استثنائي وصل فيه رصيده إلى 57 هدفا في 24 مباراة!
لكن ذلك لم يحمه كفاية ليقرر التنازل عن جنسيته النمساوية وتقديم طلب للحصول على جنسية تشيكوسلوفاكيا، ولم يسعفه الوقت للانضمام إلى منتخبهم المشارك في مونديال 1938.
في العام التالي كان النازيون يحتلون أوروبا وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عرفت أوروبا أفكارا جديدة كان من نتائجها صعود الشيوعية حيث يعيش.
أيام بيكان في لعب التنس والغداء مع نجوم السينما قد ولت إذ بات الآن يلعب لسلافيا براج، النادي المرتبط إلى حد كبير بالطبقة الوسطى في ظل الشيوعية.
عُرض عليه أن يصبح وجها للحزب الشيوعي الحاكم KSC وزعيمه كليمنت جوتوالد، لكن رفض ذلك العرض.
وفي عام 1949 قرر الرحيل متجها صوب "فيتكوفيتس جيليزارني" النادي الذي كان مرادفا للطبقة العاملة التي ولدت من رحم صناعة الحديد والصلب، ويديره العمال.
تواصلت الأهداف مسجلا 74 هدفا في 58 مباراة رسمية لناديه الجديد، وصورته ترخست أكثر كبطل بين الطبقة العاملة، رغم ذلك لم يسترح بيكان وحزم حقائبه مرة أخرى منضما إلى فريق الدرجة الثانية "سكودا هراديك كرالوف" في 1952.
لعب 9 مرات فقط لكنه تمكن من تسجيل 19 هدفا! ووضعه ذلك في مصاف الأبطال بين الطبقة العاملة لدرجة أن شعبيته ستسبب له المشاكل وتنهي رحلته مع النادي مبكرا.
في الأول من مايو 1953، نُظم موكب دعاية شيوعي روتيني والسيارات العسكرية دارت بمكبرات الصوت التي تصدح "عاش الرئيس زابوتوكي".
ورد الفعل لم يكن محسوبا. قابلها الناس بهتافات "عاش بيكان"، وبالطبع لم يكن ذلك ليمر مرور الكرام.. بيكان وعائلته أُجبروا على مغادرة المدينة خلال ساعات.
يُقال إنه في طريقه إلى محطة القطار برفقة رجلين يرتدون بذلات، صادف مجموعة من العمال عائدين إلى منازلهم، قلق العمال سريعا بشأن سلامة نجمهم ومستقبل النادي الذي أحبوه، وهددوا بالإضراب.
لكن بيكان تمكن من التحدث معهم وإقناعهم بالتراجع قبل أن يتلقى هو عقوبة بالحبس 20 عاما على تحريضه.
وهنا عاد الابن الضال من جديد مجبرا إلى مدينة براج حيث عاش واحدة من أزهى فتراته مرة أخرى من ناديه الذي تحول اسمه إلى دينامو براج تحت الحكم الشيوعي.
في العامين الأخيرين من مسيرته اللامعة والمشوهة، سجل 57 هدفا إضافيا وأصبح مدربا ولاعبا في نفس الوقت، قبل أن يعتزل اللعب في سن 42 عامًا.
والحياة بعد كرة القدم لم تكن سهلة على جوزيف.
درب العديد من الفرق في جميع أنحاء البلاد لكنه لم يستفد من ثروته الطائلة بعدما انتزعت الحكومة الشيوعية العديد من ممتلكاته لينتهي به المطاف كعامل على جانب الطريق.
وسوء الحظ سيتلاشى من جديد إذ قاده القدر لإقناع نادي تونجرين في الدرجة الرابعة البلجيكية بتدريبهم في عام 1968. سينال إعجابهم ويعرضوا عقدا عليه ثم سيقودهم للتأهل إلى الدرجة الثانية.
ستمر الأعوام حتى 1989 حين تعلن الثورة المخملية سقوط الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا ليعود بيكان إلى براج من جديد مستعيدا الكثير من ممتلكاته، ومستعيدا اسمه بين العظماء.
سيبقى في براج حتى وفاته عن عمر يناهز 88 عام 2001، ليسدل الستار على مسيرته التي عطلتها الحروب والحكومات عن حصد شهرة أكبر.
أو كما قال: "خلال مسيرتي سجلت أكثر من 5 آلاف هدف. سجل بيليه 1500 هدف وهذا جعلني أفكر أن الحرب العالمية سرقت أفضل سنوات مسيرتي ولولاها لكنت أيقونة تنال احترامها".
** المصادر:
- https://bit.ly/2IXlZVy
- https://bit.ly/2qkxlww
اقرأ أيضا:
رئيس المقاولون: منحنا بعض اللاعبين إجازة قبل لقاء الزمالك
لاسارتي: تفاجأت من عدم دعوة الأهلي لي في حفل تسلم الدوري
ليست المرة الأولى التي تُلغى فيها قمة الأهلي والزمالك قبل انطلاقها
بودكاست في الجول - الدوري ع الهادي (3) تأثير الدومينو.. أو الدومنة!