في يناير الماضي أبرم الأهلي العديد من الصفقات القوية سعيا لدعم صفوف الفريق، أسماء مثل حسين الشحات ورمضان صبحي وجيرالدو وياسر إبراهيم احتفى بها الجمهور كثيرا.
فقط صفقة واحدة لم تلفت الكثير من الأنظار ولم تحدث دويا جماهيريا مستحقا في ظل الاحتفاء الأكبر بالعناصر الهجومية.
لكن الآن وبعد مضي القليل من الوقت كان تلك الصفقة تنال نصيبها المستحق من المديح.. عن حمدي فتحي وميزانه الذي لم يختل.
من صفات برج الجدي أنه شخص منظم ومسؤول وعاشق. عقلاني في نظرته للأمور، ومستقل بشخصيته ولديه قراراته الخاصة ونظرته الثاقبة والدقيقة للأمور.
ولا عجب أن اللاعب المولود في الأول من يناير حمل تلك الصفات معه ليشق مشواره سريعا في كرة القدم، محققا حلمه بارتداء القميص الأحمر ثم بالتبعية قميص المنتخب الوطني.
والتألق السريع كانت السمة الأبرز أينما حل.
منذ انتقاله إلى صفوف الأهلي قادما من إنبي في يناير 2018 نجح حمدي في حجز مكانه الأساسي سريعا متحملا عبء الحماية الدفاعية لوسط الفريق، وحاملا لراية حسام عاشور.
ومع اختلاف المقومات والمهام الفنية في الكرة الحديثة أتى حمدي فتحي بما يتمناه جمهور الأهلي.. الكثير من الصفات الشخصية لقائدهم عاشور، مع قدرة أكبر على تأدية المهام الهجومية.
منذ تصعيد عاشور إلى صفوف الفريق الأول عام 2003 نُظر إليه نظرة اللاعب الوفي القادر على تأدية مهامه الدفاعية بالشكل الأمثل أو كما عُرف "المسمار"، ولكن في الأعوام الأخيرة ومع تطور اللعبة الخططي والفني افتقد الأهلي للاعب الوسط المدافع بالمفهوم الحديث.. حتى جاء حمدي فتحي.
يستخلص الكرة بذكاء، يمررها بإتقان في المساحة المناسبة، ويقدم الزيادة الهجومية ويسدد من بعيد، ويسجل الأهداف.
أو ما بدا وكأنه ميزانا حساسا يُدرك متى يتراجع ويستخلص ليبدأ الهجمة، ومتى يتقدم ويدعم لينهي الهجمة.
هذا على ذكر الميزان الفني، أما فيما يتعلق بميزان الجماهير فلم يختل كذلك: كان اللاعب الذي تمسك بالانتقال إلى الأهلي بكل ما أوتي من قوة رغم الصعوبات والمعوقات، ورغم ما اعتبره ناديه السابق إنبي تمردا للضغط من أجل الرحيل.
إلا أن كلمات صاحب الـ25 عاما بعد إتمام انتقاله للأحمر تشرح الكثير عما يمثله له هذا النادي.
"منذ كنت صغيرا حلمت وعائلتي بالانتقال إلى الأهلي. في صغري دائما ما أخبرت الناس أنني سألعب في الأهلي (..) قلت لخالي إنني سأذهب هناك في يوم من الأيام ولكنه لم يصدقني، فقلت له: سأدع الأيام تثبت لك. حتى أنه راهنني على شراء سيارة لي حال تم الأمر. ولكنه لم يجلبها لي حتى الآن :D".
ولكي تصبح في الصورة بشكل أكبر عما مثلته تلك الصفقة في البداية وما تمثله الآن، فربما لا توجد كلمات أفضل مما قالها أحمد فتحي.
"في البداية لم أكن محبذا تعاقد النادي معه، لدينا العديد من اللاعبين في مركزه لكنه أثبت قيمته وأنه من أفضل لاعبي الفريق وإضافة كبيرة للنادي".
هكذا ببساطة كانت الحسبة، قبل أن يجبر الجميع على الالتفات لدوره.
يشير مارتن لاسارتي المدير الفني السابق للفريق الأحمر، وأول من لعب حمدي تحت قيادته إلى عدم احتياج اللاعب للكثير من الوقت وتأقلمه السريع مع الأجواء.
ويقول عقب ظهوره الأول أمام مصر للمقاصة "حمدي فتحي لعب منذ الدقائق الأولى وكأنه موجود معنا منذ فترة طويلة".
أكدت الأرقام ذلك بعدما كان أكثر لاعب استخلاصا للكرة في اللقاء، وأكثر من مرر للأمام لتنهال الأرقام الرائعة تباعا.. وهذا يقودنا إلى البدايات، كيف وصل حمدي إلى ذلك المستوى؟
يتحدث طارق عبد الله المدير الفني السابق لإنبي وأحد مدربي قطاع الناشئين عن اللاعب الذي عاصر بداياته، قائلا لـFilGoal.com: "منذ بدايته كان حمدي مميزا، فقط كان ينقصه خبرة المشاركة في المباريات".
وأشار "يتمتع حمدي بقدرة على المشاركة في أكثر من مكان سواء وسط المدافع أو المساك، الذي شارك فيه مع إيهاب جلال. لاعب عنده قلب ويلعب على قدر إمكانياته، أما سلوكيا وأخلاقيا فهو فوق الوصف".
"من أهم مميزاته القوة في التسديد، وتميزه في ضربات الرأس، لكن من سلبياته أنه يُعاب عليه أحيانا البطء بعض الشيء".
أما خالد متولي، المدير الفني السابق، والرجل الذي عرف معه حمدي الكثير من التوهج ليوصي بعدم رحيله، فيسهب في الإشادة باللاعب الذي بدأ مسيرته مع ألعاب دمنهور، ويتطرق إلى مميزاته الفنية.
"فتحي مميز في الضربات الثابتة خاصة في ضربات الرأس سواء دفاعيا أو هجوميا، قادر على منع استقبال هدف، وتسجيل هدف في ذات الوقت".. هل تتذكرون الميزان؟
يتابع متولي "بالإضافة إلى التسديد من المسافات البعيدة. قدمه قوية لكن المشكلة تنقصه بعض الدقة في التصويب، لكن تكنيك التصويب جيد للغاية لديه، كذلك من أهم مميزاته أنه مدافع جيد يصعب مراوغته وتحركاته العرضية على أعلى مستوى".
"الفترة التي لعبها مع الأهلي جعلته ينضج في الفكر المسبق بمعنى أنه عندما يتسلم الكرة، يعرف في الكرة الثانية ماذا يفعل بها. هو يحتاج بعض الحرية والثقة، ومع الخبرات سيزيد مستواه".
ويرى متولي أنه ربما لم تتم الاستفادة من القدرات الهجومية للاعب بالشكل الأمثل حتى الآن.
"لديه حذر دفاعي بعض الشيء خاصة أن الأهلي يلعب بطرفي ملعب هجوميين لذلك يغطيهما بشكل جيد إذ أن الأهلي في وضع هجومي دائما".
"حمدي قادر على تسجيل أهداف من الركلات الثابتة حتى أنه سجل أكثر من هدف من رأسية. كنت دائما ما أعطيه الحرية في الزيادة واستفاد منه في الكرات العرضية، إذ يتحرك في الناحية العكسية للمهاجم. كنت أعطية الثقة في هذا الجانب وهذا ساعده على الإضافة لي".
في الموسم الماضي سجل فتحي 5 أهداف خلال 33 مباراة، وفي الموسم الجاري سجل هدفا في شباك أسوان.
أما عن أبرز مميزاته فيوضح متولي لـFilGoal.com "التغطية في ظهر اللاعبين واحدة من أقوى مميزاته، وهذا ما جعلني اعتمد عليه كمدافع وهو ما يجيده. فقط يحتاج لحرية في النواحية الهجومية لأنه بدنيا جيد، ويملك قوة كبيرة في قدميه تساعده على إرسال تمريرات طولية لتغيير الملعب".
"مع كثرة المباريات واكتساب الخبرة سيتطور للغاية وسيكون له دور أكبر في الأهلي وكذلك منتخب مصر".
كانت تلك الكلمات قبل أن يسجل هدفه الدولي الأول في مشاركته الدولية الأولى مع الفراعنة في شباك بوتسوانا.
اسمان آخران عمل فتحي تحت قيادتهما واستفاد من خبرتهما الكبيرة في الدوري الممتاز: طارق العشري وطلعت يوسف.
العشري تابع اللاعب منذ كان في ألعاب دمنهور قبل أن يصبح أول من عمل معه فتحي عند القدوم إلى إنبي في صيف 2015.
ويقول مدرب حرس الحدود الحالي لـFilGoal.com: "كان خامة جيدة للغاية عندما كان في دمنهور. قوي بدنيا وتمريراته دقيقة، يؤدي دفاعه وهجومه على أكمل وجه، ويتمكن من السيطرة على وسط الملعب".
أما عن الدور الذي لعبه في تطويره، فيوضح العشري "طورت في إنبي نزعته الهجومية إضافة إلى التزامه وانضباطه التكتيكي. يحتاج في الأهلي إلى الانسجام أكثر من ذلك. لاسارتي اعتمد عليه بشكل كبير وأعتقد أنه هذا الموسم سوف يحصل على فرصة أكبر مع (ريني) فايلر".
وعما يحتاجه للتطور "يحتاج للتطور في التسديد بشكل أكبر على المرمى".
يتداخل طلعت يوسف مدربه الأسبق في بتروجت، والمدير الفني الحالي للاتحاد السكندري ليشير لـFilGoal.com "لاعب ملتزم تكيتيكا. أداؤه يتطور، وهذا المركز يحتاج إلى لاعب ملتزم أكثر من الموهبة".
"سيكون جيدا بجوار (عمرو) السولية فأداؤه متطور، كما أنه ملتزم أخلاقيا ولا شك أنه لاعب مريح لكل المدربين".
تتفق أحاديث المدربين الأربعة على حاجة فتحي للتطور على صعيد دقة التسديد، واللاعب لا يدخر جهدا سعيا لتحسين مستواه.
لعب محمود سليم محلل الأداء السابق في قسم التعاقدات بالأهلي دورا في لفت أنظار مسؤولي النادي للاعب، فما الذي جذب أنظاره؟
يشرح سليم "ما لفت نظري إلى حمدي فتحي كان مباراة الاتحاد وإنبي في 15 نوفمبر 2017، في تلك المباراة مرر 22 تمريرة طولية بدقة وصلت 68%. رقم مثل هذا من لاعب ارتكاز في الدوري المصري لا يحدث على الإطلاق".
وأشار لـFilGoal.com "متوسط التمرير الطولي الصحيح للاعبين يتراوح بين 30% حتى 40%، وهو ما لفت انتباهي بشدة. إجمالي دقة تمريراته وصل لـ63% وهذا يعني أن ذلك لم يكن طفرة".
والمقطع التالي يشرح إمكانيات اللاعب في هذا الصدد:
ويوضح محلل الأداء في فريق الوحدة السعودي رغبة لاعب الأهلي المتواصلة في التطور "دائما ما كان يرسل لي من أجل معرفة أرقامه وإحصائياته فيما يتعلق بكل شيء في المباراة".
"يقارن بين أرقامه وما تحسن فيه وما قل فيه.. وبعد فترة بدأت المقارنات بين أفضل لاعبي مركزه في مصر من أجل الوصول لأداء أفضل".
حديث الأرقام
لا تُخفي الأرقام تطورا ملحوظا على الصعيدين الدفاعي والهجومي.
في الموسم الماضي كان متوسط استرجاع الكرة في المباراة الواحدة 5.5، مع معدل ارتكاب أخطاء بلغ 2.56.
وفي الموسم الحالي وصل متوسط الفوز بالكرة ما يقرب من 5 مرات، فيما انخفض معدل ارتكاب الأخطاء إلى متوسط 1.33 في المباراة.
وفيما يتعلق بالميزة الأكبر: التمريرات الطولية، ارتفع متوسط دقتها من 56% إلى 57%، ولكن انخفض عددها ربما مع فلسفة المدرب ريني فايلر في الاستحواذ وتبادل التمريرات القصيرة لخلخلة الدفاعات.
وهنا ارتفع معدل التمريرات القصيرة، وكذلك دقتها. متوسط 41 تمريرة في الموسم الماضي بدقة 89%، ارتفع إلى 57 تمريرة قصيرة بدقة 92% في الموسم الحالي.
وبالتحول إلى المحاولات الهجومية فإن معدل النجاح تصاعد من 34% إلى 67%.. ميزان الأرقام لا يعرف الاختلال كذلك.
ومع أدائه الرائع رفقة الأهلي، ثم تميزه في المشاركة الدولية الأولى مع مصر يبدو أن مشوار حمدي فتحي سيذهب بعيدا إذا ما حافظ على عوامل نجاحه.
** أجرى الحوارات مع المدربين: أحمد شاكر - هاني العوضي - حامد وجدي - محمد يسري.
طالع أيضا
فيديو في الجول – العشري يكشف عن محاولتين فاشلتين للانتقال إلى الأهلي.. ومباراة تمنى لعبها أمامه
قبل القمة.. رسالة من الخطيب للجهاز الفني ولاعبي الأهلي
انظروا من عاد.. صلاح في تدريبات ليفربول استعدادا ليونايتد