أن تلعب مثل بوبي تشارلتون.. الأقرب للكمال الذي امتلك رئتي حصان
الجمعة، 11 أكتوبر 2019 - 10:56
كتب : لؤي هشام
(إعادة نشر) هيئته لم تكن توحي بالكثير من الجاذبية. رجل أصلع الشعر من المقدمة لم ينل الصلع بعد من جانبي رأسه. إنه يشبه إلى حد كبير أبناء الطبقة العاملة الذين يكدون الباقي من عمرهم في أحد المصانع دون أن يتمكنوا يوما من إيجاد ما يكفيهم.
على الرغم من هيئته التي لم تكن توحي بالكثير من الجاذبية إلا أن الأمر كان ينقلب إلى النقيض تماما بمجرد ملامسة قدماه للعشب الأخضر، في زمن لم تكن فيه الموهبة تُحدد بمقياس الشكل والقدرة على أن تكون واجهة إعلانية.
في أرض الملعب كان يتحول ما يقدمه إلى عرض مسرحي أو لعبة في السيرك. قدرته على تنفيذ كل ما يجول ومالا يجول بذهنك في لعبة أو فرصة أو هجمة كانت مفاجئة دوما.
إن خطر في بالك أنه يجب أن يراوغ في هذه المناسبة فستجده يفعل ذلك، وإن خطر لك أنه يتعين عليه التسديد فستجده يفعل ذلك، وإن توجب المراوغة فسيفعل وإن توجب عليه التمرير فسيمرر.
ببساطة كان كل شيء يقدمه يبدو متكاملا. وقد كان كذلك بالفعل.. اسمي بوبي تشارلتون وأنا "الأقرب للكمال".
نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي يحتفل اليوم الجمعة بعيد ميلاده الـ82. وFilGoal.com يستعرض معكم "كيف تلعب مثل بوبي تشارلتون".
بطاقة روبرت "بوبي" تشارلتون التعريقية
الميلاد: 11 أكتوبر 1937، أشينجتون، نورثمبرلاند.
الأندية: مانشستر يونايتد، بريستون نوث إند، واترفورد يونايتد.
إنجلترا: 106 مباراة، 49 هدفا.
البطولات: كأس العالم 66، لقب دوري أبطال أوروبا، 3 ألقاب دوري إنجليزي، لقب كأس الاتحاد، 4 ألقاب الدرع الخيرية.
_ _ _
كان بوبي واحدا من أولئك الذين حملوا مانشستر يونايتد على عاتقهم نحو المجد بعد كارثة ميونيخالشهيرة عام 1958 تحت قيادة السير مات باسبي.
لاعب الوسط القوي والسريع لم يكن يشق له غبار. إسهاماته الهجومية كانت تصنع الفارق على طول الطريق وقوته البدنية لم تكن تسمح للخصوم بالمرور منه.
تسديداته عرفت طريقها إلى الشباك، ويمناه ماثلت يسراه لا تدري أيهما ستتخذ القرار. أما قوته فسمحت له باتخاذ المكان المناسب في الملعب.
كان بمثابة يد العون لكل زملائه والرجل الذي يمنحهم الثقة.
جيمي جريفز أحد أساطير إنجلترا وهدافيها التاريخيين والذي لعب معظم مسيرته الدولية إلى جوار تشارلتون ليشكلا معا ثنائي قاد الأسود الثلاثة للنجاح ومعانقة الذهب للمرة الوحيدة في تاريخهم، تحدث عن تلك الشراكة.
ويقول: "معظم مبارياتي الدولية كانت إلى جوار تشارلتون، ومنذ أول أيامي كان بوبي القطعة الرئيسية في المنتخب، الأمر لم يتعلق بالمهارة فقط وإنما بالاستمرارية كذلك".
"عندما تملك لاعبا بمثل هذا الثبات فإن هذا يساعد على صناعة النجاح في الفريق، ويعطي الآخرين الثقة".
بوبي كان محور الخطة والأداء سواء مع مانشستر يونايتد أو إنجلترا، وحوله كان يدور كل شيء.
يشرح مات باسبي التأثير الكبير لتشارلتون خلال فترته كلاعب مع الشياطين الحمر قائلا: "لم يكن هناك أبدا لاعب كرة أكثر شعبية منه. لقد كان أقرب للكمال كلاعب داخل للملعب وكرجل خارجه".
أما المدرب ألف رامسي الذي حقق المونديال الوحيد للأسود الثلاثة فيسهب في إشادته "كان واحدا من أعظم اللاعبين الذين رأيتهم في حياتي على الإطلاق، كان حجر الأساس لفريق 66".
ويتابع ذكر مقوماته "في بداية مسيرتي كمدرب للمنتخب علمت أنه يجب إيجاد دورا مناسبا لموهبة تشارلتون الفريدة".
"لم يكن فقط لاعبا هدافا يمتلك قدرة كبيرة على التسديد بكلتا قدميه وإنما كان لاعبا قادرا على المشاركة في الأعمال الصعبة بأرض الملعب كذلك".
ربما هذا ما يفسر مقولة باسبي بأنه أقرب للكمال كلاعب، فتفرده في المهام الهجومية ومهاراته الكبيرة لم تكن تعني تقصير في الواجبات الدفاعية أو عدم كفاءة في القيام بها.
وذلك حدث في زمن لم يكن يعرف مفاهيم الكرة الحديثة بعد أو ضرورة التزام لاعبي الهجوم بأدوار دفاعية أو التمكن من القيام بكلا الدورين بنفس الجودة والكفاءة.
وللتعرف أكثر على مقدار الموهبة التي مُنح تشارلتون إياها فإن الحديث من لاعب جاوره في نفس المركز بالملعب وكان على بُعد عدة أمتار أو سنتيمترات منه قد يبدو أكثر إقناعا.
تيري فينابلز لاعب وسط توتنام والمنتخب الإنجليزي حظى بتلك الفرصة، وأشار إلى عامل آخر مساعد في مسيرة تشارلتون التي امتدت لما يقارب 24 عاما كان منها 17 عاما برفقة يونايتد.
ويوضح "تشارلتون كان يملك هبة.. قدرة على تغيير سرعته، وضربة خاطفة كالبرق. كلا من تغيير سرعته والقوة الكبيرة التي كان يحملها في أقدامه بالتسديد منحاه تأثيرا هائلا".
هنا يؤكد أسطورة أخرى ما قاله فينابلز.. جورج بيست لم يكن يصدق السرعة الكبيرة التي امتلكها تشارلتون وكان ينظر إليه دوما بعين الإعجاب والانبهار.
يقول بيست عن ذلك: "سعادتي كبيرة لأنني تمكن من اللعب إلى جواره، لا أعتقد أني رأيت في حياتي لاعب قادر على تجاوز الخصوم بكل تلك السهولة بما فيهم أنا شخصيا".
"لطالما اعتدت على استخدام سرعتي ولكن بوبي كان يجعل الأمر يبدو لي وكأنه بلا طائل. في أحد المرات سجل هدفا من على بُعد 30 ياردة، كان قاتلا بكلتا قدميه".
ويُظهر بيست حيرته بشأن أي قدم طبيعية اعتمد عليها تشارلتون "لأنه كان يلعب كثيرا بيسراه افترض الناس أنه لاعب أعسر ولكني لا أعتقد ذلك. فقط ما أعرفه كان جيدا في استخدام كلتا القدمين".
نحن هنا نتحدث عن لاعب بصفات قيادية يمتلك السرعة والمهارة وقوة التسديد واستمرارية الأداء، ولكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لبوبي.
والمجهود الوفير أضافه إلى قائمة إمكانياته.
يتحدث إيزيبيو أيقونة الكرة البرتغالية وأبرز نجومها بكثير من الألم عن المعاناة الكبيرة التي تعرض لها بسبب بوبي في مونديال 66 وبطولة كأس أوروبا 68.
ويقول: "تشارلتون كان يغطي كل أرجاء الملعب، تجده في اليمين تارة وعلى اليسار تارة أخرى وفي الوسط كذلك. لم يتوقف أبدا عن الركض".
ويضيف "تسديداته أيضا كان قوية ودقيقة جدا، بعض ذكرياتي السيئة كانت بسببه، لقد كان هو من حطم يومي في نصف نهائي مونديال 66 ثم بعد ذلك في نهائي كأس أوروبا - دوري الأبطال) في 68".
في مواجهة نصف نهائي المونديال قدم بوبي مقطوعة موسيقية رائعة، إذ كان بمثابة المايسترو لمنتخب بلاده. يتحكم في إيقاع المباراة ويوزع اللعب بين زملائه ويرسل تمريراته الطولية الدقيقة، وينطلق بالكرة لمسافات طويلة.
ويدعم الأسطورة الألمانية فرانتس بيكنباور حديث إيزيبيو إذ قال بعد مواجهته في نهائي 66: "لقد عُرف دائما بإبداعه، ولكنه كان يتحرك بشكل مستمر طوال 90 دقيقة، حقيقة كان يمتلك رئتي حصان".
يؤكد دينيس لو أنه كان يعرف أن تشارلتون سيسدد حتى لو كان على بعد 30 ياردة من المرمى لذا فإنه كان يتحرك إلى جوار حارس المرمى ليتابع الكرة إن تصدى لها، ويذكر "هكذا سجلت العديد من الأهداف بفضل تشارلتون".
ورغم المسيرة الطويلة والتقدم في العمر إلا أن بوبي لم يفقد بريقه مع الشياطين الحمر حتى عندما وصل إلى عمر 35، وهو سن متقدم بالنسبة إلى لاعب وسط يبذل الكثير من الجهد.
وهو ما يتحدث عنه الأسكتلندي لوي ماكاري الذي جاوره في يونايتد بأخر أيامه بملعب أولد ترافولد.
"كان من المفاجئ مشاهدته في هذا العمر مليئا بالحماس واللياقة كشخص يبلغ عامه الـ25. حقق الكثير ورغم ذلك لم يختف شغفه أبدا، ومعدل عمله أبقاه على القمة، ورغم ذلك كان يحاول التطور دوما".
مات باسبي لخص أسلوب لعب بوبي تشارلتون بكلمات بسيطة ومعبرة، ترسم صورة الرجل الذي اُعتبر أفضل لاعب إنجليزي على الإطلاق.
"بسبب سرعته وقدرته الكبيرة على التحكم في الكرة، دقة تمريراته وقدرته المذهلة على الهجوم من الوسط فإنه يذكرني إلى حد كبير بألفريدو دي ستيفانو".
في النهاية صنع بوبي أسطورته الشخصية ليصبح الهداف التاريخي للمنتخب الإنجليزي - لأعوام طويلة قبل أن يتخطاه واين روني - رغم كونه لاعب وسط بالأساس.
ولكن "لن ينجح أبدا أحد في تجاوزه" مثلما يقول زميله الأسبق جورج كوهين.
طالع أيضا
أول منتخب يتأهل لأمم أوروبا 2020