لا يتمحور الأمر فقط حول ركل الكرة في الملعب حتى هز شباك الخصوم، ولأن الأوضاع لا تكون بهذه السطحية قط، لذا دائما هناك جانب آخر من القصة لا نعرف عنه شيئا.
يقدم لكم FilGoal.com هذه السلسلة الأسبوعية التي تقدم جانبا مختلفا من كرة القدم.
حينما يعلن لاعب كرة القدم عن اعتزاله كرة القدم، نرى العديد من الرسائل الجميلة والكثير من الحب وحفل اعتزال ومباراة ودية، لكن ما الذي يحدث بعد ذلك؟ كيف تمر أيامه؟
هذه المرة رحلتنا ستكون ما بعد اعتزال اللاعب ونهاية مسيرته، لا بدايتها والمعاناة التي حدثت حتى لعب كرة القدم وصولا إلى نجوميته، بل عن نهاية مسيرته، والطريقة التي يتعامل بها مع اعتزاله اللعبة.
يقضي لاعب كرة القدم من 15 إلى 20 في الملاعب، يحصل على راتب ربما يصل إلى الملايين وربما لا يفعل لكنه يظل راتبا مرضيا للغاية، ثم في لحظة يجد نفسه توقف فجأة عما اعتاد عمله، ويستيقظ ذات صباح ولا يذهب للتدريبات ولا يمكنه الدخول للمستطيل الأخضر سوى كضيف لفترة وجيزة.
أحد المعتزلين حديثا ستيف سيدويل لاعب تشيلسي وأستون فيلا وفولهام السابق والذي اعتزل رسميا خلال تواجده في برنامج The Debate الخاص بشبكة "سكاي سبورتس" تحدث عن معاناة الاعتزال قائلا: "الأمر مخيف للغاية، مسيرتك تستمر من 15 إلى 20 عاما، إنها أمر اعتدت عليه، بناء وضعت كل حجر فيه، اعتدت على نظام معين، ويتم إخبارك ما يجب فعله، فجأة يتلاشى كل ذلك بين ليلة وضحاها".
وواصل "التوقف المفاجئ، اتخاذ القرار، لقد بكيت كثيرا وجلست في غرفة نومي كثيرا لم أخرج، لم يكن قرارا يمكن إيقافه أو التراجع عنه، لقد كانت إصابة قد تغلبت علي، ولم أرد أن تنتهي الأمور بهذا الشكل".
وتابع "إنه أمر صعب للغاية على أي لاعب اعتاد على هذا النظام، وجميع من كانوا حولك، أن تخرج من تلك الفقاعة فجأة إلى العالم، الأمر مخيف للغاية، يبدو الأمر جنونيا لمن هؤلاء في المنزل، لكن الأمر أنك كنت بعيدا تماما عن المجتمع لفترة كبيرة للغاية وتحاول الفوز بالمباريات والتدرب، وفجأة لا شيء وعليك الانخراط في حياتك الجديدة. الأمر كذلك".
وأكمل "اللاعبون يبنون حاجزا تجاه المجتمع، خاصة اللاعبين الكبار، الذين يضطرون لذلك، لأنهم لا يمكنهم الخروج بسهولة وسيكون هناك الكثير من التكهنات إن ذهبوا إلى نادي ليلي أو أي مناسبة".
واسترسل "إنهم يبنون حاجزا ويتدربون ويستمرون مع الأشخاص الذين يثقون فيهم، بعد انتهاء كل هذا، عليك ببناء علاقات اجتماعية جديدة والانخراط بشكل كبير فيما كنت بعيدا عنه طيلة تلك المدة، الأمر جنوني للغاية، لذلك يجن جنون البعض".
متوسط الراتب في الدوري الإنجليزي الممتاز حاليا يصل إلى 2.3 مليون جنيه إسترليني في العام، ما يصل إلى 43717 ألف جنيه إسترليني في الأسبوع، ويأتي الدوري الألماني في المرتبة الثانية فيما يخص متوسط الرواتب بـ1.46 مليون جنيه إسترليني في العام، والدوري الإيطالي الثالث بـ1.3 مليون ثم إسبانيا بـ1.2 مليون، كانت تلك الإحصائية منذ عامين ولم يختلف الأمر كثيرا حاليا.
يُجبر اللاعبون على نمط حياة معين بالإضافة لاستخدام حكيم تماما لحساباتهم على موقع التواصل الاجتماعي، ويختارون بحكمة شديدة كيف يصرفون أموالهم التي تبدو للجماهير ثروة لا تنتهي، لكن تلك ليست الحقيقة الكاملة.
نسبة 40% من اللاعبين المعتزلين يعلنون إفلاسهم بعد اعتزالهم بـ5 سنوات، وذلك حسب بحث أجرته منظمة xpro. بل إن بعضهم يطلب مساعدة قانونية ومالية، فور إعلان الاعتزال.
ليون ماكينزي لاعب كريستال بالاس ونوروتيش سيتي السابق صرح لمجلة "جيف مي سبورت" قائلا: "حينما تعلن اعتزالك كلاعب كرة قدم محترف، يقوم اتحاد اللاعبين المحترفين بنسيان أمرك تماما، وهو أمر حزين، اتحاد اللاعبين المحترفين يجب عليه أن يضع بعض الأموال في نطاقها الصحيح ويعتني بهؤلاء الذين مارسوا كرة القدم لفترة طويلة، إنهم بحاجة لاتحاد كرة عما أصبح عليه الأمر كإدارة أعمال للاعبين الموجودين فقط".
عادة ما يمر اللاعبون المعتزلون ببعض المشاكل المتشابهة، الإصابة التي تجبره على الاعتزال ولا يجد من يدفع ثمنا لعلاجها، الطلاق، والاستثمار السيء وبالطبع إدمان الخمر.
ماكينزي على سبيل المثال مر باستثمار سيء قبل أن يتحول إلى الملاكمة، لهذا السبب أظهرت دراسة أن عددا يتخطى الـ100 لاعب من نجوم الدوري الإنجليزي الممتاز الذين اعتزلوا أو شارفوا على الاعتزال منذ عام 2014 يواجهون خطر الإفلاس السريع وحتى التشرد بسبب الضرائب كذلك والتي قد تصل إلى 300 مليون جنيه إسترليني أحيانا.
صحيفة "جارديان" البريطانية أوضحت أن عددا من النجوم المعتزلين والمعروفين سيخسرون كل شيء بعدما رفعت دعوى قضائية ضدهم بسبب ما أسمته بـ"تجنب دفع الضرائب"، وتعرض لها نجوم معروفين مثل جاري لينيكر وستيفن جيرارد لكنهم أثرياء كفاية للتعامل مع أزمات الضرائب عكس اللاعبين الآخرين كما أن لهم مصادر دخل قوية تعوضهم.
في نفس تقرير جارديان تحدث لاعب رفض ذكر اسمه وقال: "أنا في مشكلة كبيرة، لا يمكنني دفع المبلغ المطلوب في الدعوى القضائية، إنها فترة عصيبة أحياها، لقد كلفني ذلك زواجي كذلك بسبب الضغط الكبير، أنا لم أعد لاعب كرة، مسيرتي أصبحت سوداء فجأة، إن لم أفلس بسببها فسأكون قريبا من ذلك".
"زملائي السابقين يجتمعون ونرغب بالحديث عن الأيام الخوالي، لا أبحث عن التعاطف، ألوم نفسي على السماع لنصائح أضاعت علي الكثير، وكان علي التفكير أكثر، ربما كنت طماعا ومهملا في بعض الأحيان".
لا يمتلك كل اللاعبين عقلا مثل كريستيانو رونالدو نجم يوفنتوس ويمكنهم فتح أكثر من شركة، هناك لاعبون آخرون يمكنهم أن يتربحوا على سبيل المثال مبلغ 20 مليون جنيه إسترليني، وحينما يتم الطلاق يخسر الكثير.
ستان كوليمور لاعب ليفربول السابق كتب عن الأمر قائلا: "بعض اللاعبين إن اشتروا سيارة وخدشوها خدشا صغيرا، يقومون بشراء سيارة جديدة، لذا كان يمكنك أن ترى 5 سيارات في مرأبه، إن اشترى حذاء جديدا، وأصيب ببعض الغبار لن ينظفه، لكنه سيلقيه في خزانة ويشتري اثنين جدد، هناك الكثير من الأموال التي تصرف بلا طائل، من السهل بالنسبة للاعب صرف الأموال لأنه يكسب الكثير ويظن أن ذلك سيستمر طيلة حياته".
"لا يعلم أبدا أنه سيأتي في لحظة ويتوقف كل شيء، لا يوجد أمامه سوى الاستثمار، ويتحرك بجنون ثم يخسر كل شيء، ويعيش مأساة حتى وفاته وربما يعاقر الخمر أكثر وأكثر لتزداد متاعبه بمشكلة أكبر".
وكلاء اللاعبين يتخلون عنهم بمجرد انتهاء مسيرتهم، ونادرا ما يقدمون لهم أي دعم، ما يجعل اللاعب الذي لم يكن يقرر أي شيء طيلة حياته ولا يفكر سوى نادرا أن يتولى زمام الأمور لذا، يفسد كل شيء.
قال جوردون تايلور رئيس اتحاد اللاعبين المحترفين عام 2013: "يجب أن أكون حريصا فيما سأقوله عن وكلاء اللاعبين، لكنهم يتواجدون دائما في الأوقات الجيدة، وحينما تسوء الأمور فهم كالفراشات".
"كل اللاعبين يأتون طلبا للنصيحة بعد أن يسوء كل شيء، الأمر حول العقلانية والادخار والحرص، ليس حول نمط المعيشة المتوقع الذي كان فيه، لا يتكيف كافة اللاعبين المعتزلين على الوضع الجديد، طريقة التعامل مع الوضع وتوديع اللعبة أمر مهم".
بالنسبة للاعب كرة القدم فاعتزال اللعبة أشبه بالموت، والحديث عن بعض الصفوة من لاعبي كرة القدم، الذي يكرس حياته بالكامل للرياضة، يستمر فترة طويلة سواء في بدايات شبابه أو مراحل نضجه يضحي بالكثير من أجل مطاردة أحلامه والمجد، يرحل بعيدا عن عائلته ويتدرب طيلة الوقت حتى أن علاقته بزوجته تتأثر لانشغاله معظم الوقت، ثم فجأة يتوقف ذلك النمط وعليه أن ينخرط في نمط جديد كليا.
لاعب كرة القدم لديه نمط يومي محدد لسنوات، الاستيقاظ مبكرا في منزل به 9 غرف نوم ومسبح، وتمثال كبير في البهو، وتدريبات وسيارات فارهة واحتفالات خاصة ليلا، ثم ينتهي كل ذلك.
العديد من اللاعبين المعتزلين يبحث عن عمل في الإعلام فور اعتزاله، وإن لم يجد فيتجه إلى التدريب أو الإدارة الرياضية، وأيضا البعض يتجه للاستثمار.
بيت سميث لاعب برايتون السابق قال: "مسيرة لاعب كرة القدم لا تدوم للأبد، لكنك تظن أنها تفعل لأنك تستمر في فعل كل شيء لفترة طويلة وبيئة محددة، لكن اللاعبين بحاجة لإدراك أن حياتهم يجب أن تكون مستقرة ماديا ليس في فترة لعبهم الكرة لكن حينما يتوقفون عن ذلك".
"كل اللاعبين يظنون أن بإمكانهم اللعب للأبد، وفجأة يتوقف كل شيء، إن استمريت في الملعب حتى 35 عاما وهذا الحديث عن اللاعب العادي ومتوسط مدة اللعب فأنت محظوظ، هناك من يستمر من 35 إلى 40 لكن ذلك نادرا وليست حالة طبيعية".
يعود لاعب الكرة الذي كان نجما كبيرا إلى مجرد شخص يحاول الانخراط في المجتمع ويتخلى تماما عن حياة البذخ التي كان يحيا بها، عالما بأنه لن يتقاضى ذلك الراتب الضخم مرة أخرى.
يقول ليام روسينيور لاعب هال سيتي وفولهام السابق لشبكة "سكاي سبورتس": "بالنسبة للاعب كرة القدم فأثناء لعبه كل شيء منوط باللحظة التي يعيشها، الوكلاء يتحدثون عن عقود الرعاية وتذهب للتدريب وتفكر حول الفوز بالمباراة، لا يوجد تفكير على المدى البعيد، ما أقلق بشأنه فعلا تعريف اللاعب لنفسه بأنه لاعب كرة قدم محترف وليس إنسان، شخص يعرف كل شيء، كنت أحيا في فقاعة، أختبئ من كثير من الأشياء في الحياة".
"سافرت للعب العديد من المباريات، ولا أعلم أين أنا حتى، يخبرك الجميع طيلة الوقت كل شيء، متى تأكل وتنام وتسترح، فجأة يتوقف ذلك، وعليك أن تتسيد القرار، هنا لا تعلم حقا ماذا تفعل، نحن كنا محظوظين باللعب لمستوى أعلى لكن ماذا عن لاعبي الدرجة الثانية والثالثة؟ لم يكن لديهم ذلك الدعم المادي الكافي الذي لدينا ماذا يفعلون؟".
"عانيت كثيرا لأنني كنت أحب كرة القدم ولطالما أردت اللعب مهما تكلف الأمر، والدي ساعدني على تخطي الأمر لكن ماذا عن الآخرين الذين لا يفعلون ذلك؟".
بالنسبة للأساطير فالأمر أسهل بعض الشيء، ريو فيردناند نجم مانشستر يونايتد السابق مثلا امتلك عددا من المشاريع منها مجلة رياضية ومجلة لنمط الحياة وخط إنتاج ملابس ومطعم إيطالي، وبعضهم يعمل في الإعلام.
يتابع بيت سميث: "العمل في الإعلام يحافظ على وجود بعض اللاعبين في نفس الحلقة، يجعلهم نشطين، الكل يعلم أن بول سكولز مثلا لا يتحدث كثيرا، ولكن من الرائع رؤيته على شاشة التلفاز، إنه شخص يمتلك بعض الأموال الكافية ويحب كرة القدم بجنون فماذا سيفعله غيرها؟".
ما بين إهدار الأموال ونمط الحياة الفارهة وعدم التخطيط وصولا إلى الاعتزال وتوقف الأضواء عن العمل، تكمن معاناة لاعب كرة القدم بعد التوقف عن ممارسة اللعبة.
اقرأ أيضا
فايلر يعلق على قرعة دوري الأبطال
فرسان المعاناة.. مهد الكرة الشاملة