كتب : أحمد العريان
لم تكن بوابة استعادة مصر لأرضها المُغتصبة قاصرة على ميادين القتال فقط. فقبل 46 عاما من اليوم وقتما خاضت مصر أشرف معاركها، كانت لميادين الرياضة أيضا دور في ذاك.
صباح يوم السادس من أكتوبر في عام 1973 كان جنود مصر في الميدان يستعدون لمعركة استرداد الكرامة، في الوقت الذي كان الشعب المصري يقوم فيه بأكبر عملية خداع استراتيجي عرفها التاريخ حتى ولو عن دون قصد.
العامل في مصنعه، الفلاح في أرضه وحتى لاعب الكرة في ملعبه.
فوقتما كان الجنود المصريون يحاولون عبور قناة السويس لرفع العلم المصري كان لاعبو غزل المحلة والطيران يتبارون أيضا على أرض الملعب للحصول على نقاط الفوز في بطولة الدوري الممتاز.
قٌدر لتلك المباراة أن تكون الأخيرة في مسابقة هذا الموسم. فقد قرر الاتحاد المصري لكرة القدم بعد ذلك إلغاء الدوري والتفرغ للمشاركة في معركة الوطن، ففتحت الأندية أبوابها أمام "الفدائيين" للتدرب والمشاركة في الحرب.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، فهناك من اللاعبين من شاركوا بنفسهم في المعركة. منهم الشهيد عبده أبو حسين أحد لاعبي النادي المصري خلال فترة التهجير، الذي استشهد في الحرب ليكون بذلك شهيد كرة القدم المصرية في أكتوبر .
جمهور المحلة يهتف للطيران!
مباراة غزل المحلة والطيران كان مقررا لها أن تقام في القاهرة على ملعب الترسانة.
انطلقت في الساعة الثانية والنصف ظهرا، أي بعد موعد عبور القوات المصرية لخط القناة بنصف ساعة فقط.
كان اللقاء يسير بشكل طبيعي حتى لاحظ لاعبو المحلة أن جماهيرهم يهتفون لفريق الطيران ولاعبيه دون سبب يذكر خلال الشوط الأول.
الأمر لفت أنظار جميع من في أرض الملعب ودفعهم للسؤال عن السبب بين شوطي اللقاء، فالفريق لا يلعب بشكل سيء والنتيجة مازالت تشير للتعادل السلبي.. والإجابة كانت صادمة.
جمهور المحلة سمع في "الراديو" خبر بداية المعركة وعبور الجنود المصريين خط القناة بعد أن أذيع البيان الأول، فهتفوا لنادي الطيران تحية لدور الطيران الحربي في الحرب.
لم يتحدث لاعبو الفريقين عما سيفعلونه في الشوط الثاني إنما تفرغوا فقط للدعاء للجنود في المعركة، واتفق حكم المباراة إبراهيم الجويني مع لاعبي الفريقين على استكمال المباراة احتراما للحضور من الجماهير.
أدى الفريقان الشوط الثاني بطابع ودي وانتهى اللقاء بالتعادل السلبي بدون أهداف، لتهتف الجماهير الحاضرة في المدرجات للفريقين.
في مساء هذا اليوم اجتمع اتحاد الكرة وقرر إلغاء المسابقة ووقف النشاط الكروي في مصر للتفرغ للمعركة، ولم يستأنف الدوري المصري إلا في الموسم التالي.
اليوم السابق للمباراة وللعبور في الخامس من أكتوبر، كانت الصحف المصرية تطبق خطة الخداع بحذافيرها.
المعلم
أعطى رؤساء التحرير أوامرهم بفرد مساحات أكبر لصفحات الرياضة وذكر تفاصيل أكبر عن المباريات، فتغزل الجميع في النجم الجديد حينها حسن شحاتة الذي لعب أول مباراة في تاريخه بالدوري مع الزمالك في 5 أكتوبر 1973، فيما أبرزوا أيضا رغبة المصري في استقدام مدرب إنجليزي لم يصل أبدا حتى يومنا الحالي.
أما في اليوم التالي للمباراة فقد اختفى بكل تأكيد ذلك الاهتمام بكرة القدم ولم يهتم أحد بذكر حتى نتيجة المباراة إلا جريدة "المساء" التي ذكرت نتيجتها في فقرة صغيرة، فوقت الخداع قد انتهى وحان وقت الوقوف بجانب أبنائنا على الحدود.
لم يكن اتحاد الكرة والأندية، وربما أيضا رؤساء الصحف على علم بخطة مصر للعبور، لكنها بالتأكيد كانوا جزء منها وإن لم يكونوا على دراية بذلك.
اليوم وقد مضى 46 عاما على ذلك اليوم العظيم في تاريخ الأمة المصرية، مازال التاريخ وسيظل للأبد متذكرا مباراة المحلة والطيران، لا لأحداثها أو أهميتها، لكن فقط لتزامنها مع أعظم أيام مصر في تاريخها الحديث.
طالع أيضا
الأهلي: فايلر لن يسافر بسبب الزمالك
مطاردة مستمرة بين أزارو وأجايي
كارتيرون: أريد مواجهة الترجي مجددا
حلم إفريقيا - الرجاء البيضاوي.. كارتيرون مسلوبا من تميمة الحظ
ماذا قال زيدان عن خطأ حارسه أمام غرناطة
كلوب يفتح النار: صلاح مُلقى في غرفة خلع الملابس.. كيف يكون بخير