كتب : علي أبو طبل
بطريقته المعتادة على مدار الموسم، يسجل الفنلندي الحاسم هدفا في شباك أستون فيلا، ليختتم فريق نورويتش سيتي موسما حافلا في الـ "شامبيونشيب" تصدر فيه الفريق المنافسات برصيد 94 نقطة بجانب بطاقة صعود مباشرة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز بعد سنوات من الغياب.
تيمو بوكي كان العلامة الأكثر بروزا في موسم رائع لطيور الكناري تحت قيادة المدير الفني الألماني دانيال فاركي. تصدر الفنلندي قائمة هدافي دوري الدرجة الأولى الإنجليزي برصيد 29 هدفا، بجانب 10 أهداف أخرى صنعها لزملائه.
بوكي بات الإسم الأكثر ترديدا في "كارو رود". قناعة المدير الفني الألماني بالمهاجم الفنلندي ظهرت منذ فكرة انضمامه في الصيف الماضي في صفقة انتقال حر بعد نهاية عقده مع بروندبي الدانماركي، واستمرت من خلال اعتماده كمهاجم أساسي للفريق.
قدرات تهديفية مبهرة ظهرت منذ الموسم الماضي، وتستمر بعد مرور 5 جولات من الموسم الجاري في الدوري الإنجليزي الممتاز.
انطلاقة متواضعة ضد ليفربول في "أنفيلد" كان المكسب الوحيد خلالها هو الهدف الشرفي للمهاجم الفنلندي. مر أسبوع قبل أن يثبت بوكي أن ما يقدمه خلال الأشهر الأخيرة بين منافسات "الشامبيونشيب" والدوري الممتاز ليس مجرد صدفة عابرة.
هاتريك في شباك نيوكاسل منح طيور الكناري انتصارهم الأول هذا الموسم، ووضع اسم بوكي بقوة في منافسات قائمة الهدافين المكتظة، والتي يحل الفنلندي ثانيا فيها برصيد 6 أهداف، فقط بفارق هدف واحد أقل من الإنجليزي الشاب تامي أبراهام مهاجم تشيلسي، والأرجنتيني المخضرم سيرجيو أجويرو مهاجم مانشستر سيتي.
خسارة من تشيلسي وأخرى من ويست هام ظهر خلالها بوكي بمستوى طيب، قبل أن ينفجر من جديد مساهما في انتصار نورويتش الثاني هذا الموسم، وهذه المرة على حامل اللقب مانشستر سيتي.
بعد كل جولة، الأكثر سعادة على الدوام هم هواة لعبة فانتازي الدوري الإنجليزي الممتاز الافتراضية، حيث يمنحهم المهاجم الفنلندي بهجة إضافية بعدد وافر من النقاط تقدم لهم العون في تلك المنافسات مع أصدقائهم.
ولكن بوكي، والذي كُللت مجهوداته بجائزة أفضل لاعب في الدوري الممتاز عن شهر أغسطس متفوقا على نجوم عملاقة في المسابقة الإنجليزية، ليس مجرد بطاقة رابحة في لعبة الـ "فانتازي"، فقصته تستحق مزيدا من التقدير.
"لقد كنت عملا رابحا حقا للفريق. أرقام خيالية يتم دفعها في سوق الانتقالات، بينما جئت إلى هنا في صفقة انتقال حر مع كل تلك الأرقام التهديفية لاحقا. لم أكلفهم شيئا".
بابتسامة ثقة، يبدأ بوكي حديثه مع مراسل صحيفة "تلجراف" البريطانية في حوار تم إجراءه في بداية الشهر الماضي، قبل انطلاقة الموسم للفريق الصاعد حديثا ضد ليفربول.
ويضيف: "ظننت أنني يمكن أن أبلي حسنا هنا، ولكن حقا لم أتوقع أن أسجل هذا القدر من الأهداف. الآن أنا لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز وأنا في الـ29 من عمري، لقد كانت رحلة طويلة نحو ذلك الهدف. كانت لدي التزامات أخرى بعيدا عن كرة القدم على مدار تلك السنوات. لعبت في بلدان عديدة ولكن في النهاية ينتابني شعور أنني حصلت على المقابل الذي أستحقه".
البداية من مدينة فنلندية ساحلية تدعى "كوتكا"، حيث نشأ تيمو وأحب كرة القدم فانضم لفريق المدينة KTP المنافس في الدوري الفنلندي الممتاز، وحقق ظهوره الأول مع الفريق الأساسي في عام 2006 بعمر 16 عاما و23 يوما.
يتحدث بوكي في حوار أجراه مع أسطورة نوريتش سيتي "كريس سوتون" لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية: "عندما نشأت في فنلندا، كانت لعبة هوكي الجليد هي الأكثر شعبية في البلاد. لم أمارسها على الإطلاق. لقد ذهبت في اتجاه كرة القدم. كنت في مركز المهاجم دائما، لم أر نفسي في أي مركز آخر".
في موسمه الثاني مع الفريق الأول، ظهر بوكي بشكل أكبر ولعب عددا أكبر من المباريات، وأنهى الموسم بتسجيل 3 أهداف وصناعة 6، وهو ما أتاح له الانضمام لمنتخب فنلندا لأقل من 19 عاما، ومع المزيد من المستويات الملفتة، انضم لمنتخب أقل من 21 عاما، على الرغم من كونه لا يزال في الـ17 من عمره.
يتحدث بوكي عن نشأته لصحيفة "ديلي ميل": "الأجواء كانت صعبة في فنلندا. لا يمكن لعب كرة القدم في الخارج بسبب الطقس والثلوج، فقط يمكن ذلك في الملاعب المخصصة والمغطاة. مع انضمامي لمنتخب أقل من 17 عاما أحببت الأمر. قلت لنفسي يمكن أن أسير في ذلك الاتجاه وأن يصبح الأمر أكثر من مجرد هواية".
في يناير 2008، وبمقابل بلغ 1.35 مليون يورو، كانت النقلة الأكبر آنذاك في مسيرة تيمو، حيث انتقل إلى إشبيلية الإسباني أملا في انفجار موهبته التي آمنوا بها، ولكن الفنلندي الشاب وجد كثيرا من الصعوبات في التأقلم في المنافسات الإسبانية.
يقول بوكي عن تلك الفترة: "لقد كنت شابا يافعا، وقد كانت نقلة كبيرة بالنسبة لي. الأجواء كانت مختلفة تماما عن نظيرتها في فنلندا. الطقس كان دافئا جدا بالنسبة لي، احتجت إلى مكيف هواء ولم يكن ذلك متوفرا في محل سكني خلال الأسابيع الأولى".
ويضيف: "حصلت والدتي على إجازة من محل عملها لكي تنتقل وتعيش معي في إسبانيا خلال العام الأول. ساعدني ذلك بشكل كبير ولكن كانت هناك صعوبات كبيرة في اتقان اللغة. كنت شابا خجولا، أكثر خجلا مما أنا عليه الآن. الأمر كان صعبا ولم أفلح في تلك الفترة، ولكن لا يمكن تغيير ذلك الآن".
وعلى الرغم من تحقيق بوكي لظهوره الدولي الأول مع منتخب فنلندا في 2009، إلا أنه لم ينجح في إيجاد مكان له في قائمة الفريق الأول للنادي الأندلسي، ليقرر العودة في أغسطس 2010 إلى فنلندا من بوابة نادي هلسنكي، حيث سجل هدفين في 7 مشاركات خلال الأشهر الأولى من انضمامه.
في الموسم التالي، انفجر بوكي تماما في هلسنكي، حيث شارك في 17 مباراة مسجلا 11 هدفا بجانب صناعة 6 أهداف أخرى، ساهمت في تتويج الفريق بلقب الدوري المحلي، بجانب 5 أهداف أوروبية في نفس الموسم، منها ثلاثية في شباك العملاق الألماني شالكه خلال منافسات الدوري الأوروبي.
ذلك المستوى أعاده للأضواء من جديد ليصبح هدفا للنادي الذي عانى منه، الملكي الألماني. وبعكس ما حدث في إشبيلية، فقد وجد بوكي مكانا في شالكه عند انضمامه في 2011، وساهم ببعض الأهداف خلال مشاركات معدودة في موسمه الأول.
47 مشاركة بمختلف البطولات خلال ما يزيد عن الموسمين بقليل مع عدد محدود من دقائق المشاركة سجل خلالها 8 أهداف، هو وضع لم يمنح الراحة للمهاجم الفنلندي، الذي بحث عن الخروج في بداية موسم 2013/2014، ووجد طريقا نحو الفريق المسيطر في اسكتلندا خلال السنوات الأخيرة، سيلتك جلاسكو.
خلال موسم واحد، وجد بوكي فرصة للمشاركة في مزيد من الدقائق، حيث شارك في 37 مباراة بمختلف البطولات، ولكنه سجل في 9 مناسبات فقط بسبب مشاركته في مركز الجناح، على عكس طبيعته التي يفضلها كرأس حربة حاسم، بجانب تأكيده على عدم تأقلمه مع أجواء كرة القدم في المسابقة الأسكتلندية.
مع بداية الموسم التالي، عاد بوكي خطوة للوراء وقرر الانضمام لبروندبي في الدنمارك، ليقدم 4 مواسم في قمة التوهج، كانت سببا في عودة اسمه بشكل كبير كنجم شباك مميز.
شارك بوكي مع فريقه الدنماركي في 164 مباراة بمختلف المسابقات مسجلا 71 هدفا، وساهم في تتويج الفريق بلقب الكأس المحلية في موسم 2017/2018، قبل رحيله بشكل حر عن الفريق بسبب عدم الوصول لاتفاق مع إدارة النادي، وربما بحثا عن فرصة أكبر في بلد مثل انجلترا مع حلول العام الـ28 من عمره.
يتحدث بوكي عن سنوات ما بعد فترته في إشبيلية: "لم تجري الأمور كما خططت لها. مع سيلتك تحديدا توقعوا أن أسجل عددا أكبر من الأهداف. لو تواجدت الآن هناك لربما أبليت بشكل أفضل. السنوات الأربعة الأخيرة –في الدانمارك- جعلوني لاعب كرة قدم أفضل، وبالتأكيد تجربتي في اسكتلندا كانت لها فضل هام فيما وصلت إليه الآن".
انتهى وهج كأس العالم في روسيا، وفي هدوء تام نجح دانيال فاركي في اقناع المهاجم الفنلندي بالانضمام لصفوف طيور الكناري، وباقي القصة نعرفها ونعيشها، ونجني ثمارها في لعبة الـ "فانتازي".
بداية قصة الانتقال لم تكن تدعو للتفاؤل، حيث تعطلت الطائرة التي كانت تقل رئيس كشافي النادي الإنجليزي "كيران سكوت" مع المدير الرياضي "ستيوارت ويبر" قبل اقلاعها نحو الدانمارك لمتابعة اللاعب عن قرب، ولكن في النهاية تمت الصفقة، وسجل اللاعب في ظهوره الأول مع الفريق في انتصار على حساب ويست بروميتش ألبيون بنتيجة 4-3، حيث كانت تلك بداية لقصة رائعة يعيشها بألوان طائر الكناري.
المهاجم الفنلندي كان تحت أنظار المدير الرياضي "ويبر" لمدة 6 سنوات، وتحديدا عندما كان يعمل ككشاف للمواهب مع نادي وولفرهامبتون، وفي النهاية تكونت القناعة بأن بوكي سيكون رائعا في منظومة دانيال فاركي.
يتحدث بوكي عن كواليس انتقاله لنورويتش: "كانت لدي خيارات أخرى، أحدها كانت نحو الدوري اليوناني مع فريق باوك، ولكن القرار كان متعلقا بالاختيار المناسب للمكان الذي ترغب أن تكون لاعب كرة قدم أفضل فيه".
ويتابع: "لقد تحسنت بنسبة 100% كلاعب كرة قدم في هذه المنظومة. أؤكد أنني لست لاعبا كسولا على الإطلاق، ولكن هيكل الفريق هنا يحفزني على المزيد من المساهمات تجاه زملائي. أحب أن أكون لاعبا مهاجما لهذا الفريق".
ما يميز بوكي حقا ليس فقط قدرته العالية على إنهاء الهجمات ورؤيته الثاقبة تجاه شباك المنافسين، بل تأتي كذلك ميزة هامة تتمركز نحو قدرته على دفع الفريق للأمام وتعاونه الهجومي بشكل كبير والميل بدرجة أقل نحو الأنانية.
شاهد هدف نورويتش سيتي الثاني في المباراة الأخيرة التي تحقق فيها الانتصار على حساب مانشستر سيتي. امتلك بوكي فرصة للتسديد مباشرة ولكنه فضل الحل الأمثل وهو تمرير الكرة نحو زميله كانتويل الذي سجل في الشباك الخالية. ويمكن إثبات ذلك الأمر رقميا بمتابعة عدد الأهداف التي يصنعها بوكي بجانب ما يسجله.
الحدث الأهم لبوكي هذا الموسم حتى الآن هو الثلاثية التي سجلها في انتصار نوريتش سيتي على نيوكاسل يونايتد، وهو الأمر الذي استحق إشادة مديره الفني دانيال فاركي، وهو الرجل الذي آمن بفكرة انضمامه إلى مجموعته الكروية الحالمة وعرف قدراته جيدا.
وتحدث المدير الفني الألماني بعد تلك المباراة قائلا: "كان عرضا هائلا من تيمو اليوم، ليس فقط بسبب تسجيله للأهداف، ولكن لمجهوداته المميزة على مدار المباراة وركضه الدائم دون كلل وتحفيره لزملائه. إنه مجهود يستحق الاحترام".
ولا يترك الفنلندي أي فرصة سانحة دون الإشادة بمديره الفني الألماني: "هو شخص يعلم لاعبيه بشكل جيد للغاية. لقد عرفني بشكل جيد كلاعب وكشخص قبل انضمامي إلى الفريق. يمكنه أن يحفز الجميع وأن يجعلهم يقدمون أفضل ما لديهم، ويمكن أن تلاحظ كيف تطور كل شخص في القائمة هنا فرديا على حدى".
لا يمكن أن نستعجب من أين يأتي أسلوب بوكي الهجومي المميز حين نعلم من هو المثال الذي يحتذي به، حيث أجاب على سؤال كريس سوتون في حوار صحيفة "ديلي ميل": "في صغري أحببت لعب برشلونة للغاية. ولكن اللاعب الذي أثر بشكل كبير تجاهي حين كنت أتابعه هو البرازيلي رونالدو".
ويتابع بوكي: "ولكن بعد ذلك تابعت مسيرة ياري ليتمانين. إنه الأفضل على الإطلاق لدينا في فنلندا".
يعتبر ليتمانين من أبرز لاعبي كرة القدم على الإطلاق الذين أتوا إلى مسابقات القمة الأوروبية من دولة فنلندا، حيث سجل 32 هدفا في 137 مباراة دولية، ولعب لعديد من الأندية، وفي مقدمتها أندية برشلونة وليفربول وأياكس أمستردام الذي توج معه بلقب دوري أبطال أوروبا في 1995.
في فنلندا، يعتبر البعض تيمو بوكي هو "ياري ليتمانين" الجديد، حيث سجل مهاجم نورويتش سيتي 20 هدفا في 76 ظهورا دوليا، ويعتقد الكثيرون أنه قادر على كسر رقم ليتمانين التهديفي الدولي، لكن يستطيع بوكي تحقيق ما هو أفضل لبلاده، وهو التأهل لنهائيات الأمم الأوروبية في 2020.
منذ إعلان استقلال دولة فنلندا في 1917، لم يتأهل منتخبها لأي حدث قاري أو عالمي على المستوى الدولي لكرة القدم، وقد يتحقق ذلك للمرة الأولى في النسخة القادمة، وعن استحقاق تام.
تلعب فنلندا في المجموعة العاشرة من التصفيات، والتي تضم إيطاليا وأرمينيا ودولة البوسنة والهرسك واليونان وليختنشتاين، ويحل رفاق تيمو بوكي في وصافة المجموعة بعد مرور 6 جولات برصيد 12 نقطة من 4 انتصارات وهزيمتين، جاءت كلاهما ضد العملاقة إيطاليا.
يتصدر بوكي هدافي تلك المجموعة برصيد 5 أهداف، ومع تبقي 4 جولات فقط من عمر التصفيات، يمكن لفنلندا أن تحلم ببطاقة تأهل مباشر وتجنب سيناريوهات مباريات الملحق المؤهل، وهو أمر يجعل بوكي بطلا شعبيا في بلاده إن تحقق.
اقرأ أيضا
فيديو في الجول - مختار مختار يرشح إيهاب جلال لتدريب المنتخب.. تعرف على الأسباب
بالفيديو - هل ودع إيهاب جلال المصري تمهيدا لقيادة المنتخب؟
فتح الله يعلن اعتزاله كرة القدم.. "لم أكن متحمسا للعروض المقدمة"
خبر في الجول - ميتشو يحسم موقف مدرب حراس المرمى بعد السوبر.. ومحلل أداء في الصورة
تاريخ مواجهات الأهلي والزمالك في السوبر