الجانب الآخر من كرة القدم – "فيسكا برسا.. فيسكا كتالونيا"
الخميس، 12 سبتمبر 2019 - 17:46
كتب : إسلام مجدي
لا يتمحور الأمر فقط حول ركل الكرة في الملعب حتى هز شباك الخصوم، ولأن الأوضاع لا تكون بهذه السطحية قط، لذا دائما هناك جانب آخر من القصة لا نعرف عنه شيئا.
يقدم لكم FilGoal.com هذه السلسلة الأسبوعية التي تقدم جانبا مختلفا من كرة القدم.
كثيرا ما نسمع أو نقرأ جملة: "كرة القدم يجب فصلها عن السياسة" أو "كرة القدم لا علاقة لها بالسياسة"، وغيرها من العبارات المتشابهة.
لكن هل يفكر مشجع كرة القدم في السياسة حينما يدعم فريقه؟ هل يمكنك في أي يوم وتحت أي ظرف أن تدعم فريقا لأنه يخدم توجهاتك السياسية؟
حينما تناقش القضية نفسها فسيجول بخاطرك عددا من الأندية الأوروبية: بايرن ميونيخ عانى بسبب النازية، وبالطبع ستفكر في إسبانيا، إقليم الباسك.. وكتالونيا، أو برشلونة، أليس كذلك؟
طالع أيضا - (الجانب الآخر من كرة القدم - 4 حكايات عن اكتئاب اللاعبين)
"أكثر من مجرد ناد"، ذلك شعار برشلونة Més que un Club.
ملعب كامب نو يتواجد في وسط المدينة، ملعب يتسع لـ120 ألف مشجعا ومدينة شغوفة وبكل تأكيد مواجهة النادي على هذا الملعب جحيم من الصعب للغاية الهروب منه.
جلس نيكولاو كاساوس أول نائب رئيس نادي في تاريخ برشلونة في مكتبه وهو ينفخ دخان سيجاره أمام سايمون كوبر الصحفي البريطاني الذي كان يبحث حول العلاقة الوثيقة بين السياسة وكرة القدم، وبالطبع علاقة ذلك ببرشلونة.
خلفه كانت اللافتة الشهيرة "أكثر من مجرد ناد".
كان ينفخ دخان السيجار وهو يبتسم لكوبر، حتى باغته الصحفي البريطاني بسؤاله: هل أشير إلى برشلونة كرمز سياسي لكتالونيا؟
أخذ كاساوس نفسا عميقا من سيجاره، قبل أن ينكر "نحن مجرد فريق كرة قدم يشجعه الكثيرون باختلاف دياناتهم ودولاتهم وسياستهم".
لماذا إذا أكثر من مجرد ناد؟ "البرشلونية تعني الشغف الكبير".
فضل كاساوس، الذي توتر للغاية من ذلك السؤال وأخذ يدخن سيجاره بشراهة، ألا يتحدث بأي شكل سياسي عن برشلونة، فقط مجرد فريق كرة القدم، لكن في قرارة نفسه كان يعلم كيف يفكر اللاعبون والإدارة في ماهية برشلونة، وأنه ليس فعلا مجرد ناد.
ساد الصمت المكان، لكن كاساوس تذكر قصة فضّل أن يقصها.
"كتالونيا قاتلت كثيرا في عدة حروب وأزعجت مدريد، حتى أوقات حديثة في التاريخ، لكنها دائما ما تخسر".
"على سبيل المثال، خلال القرن الحالي، خلال الحرب الأهلية في الثلاثينيات، كتالونيا قادت أطول نزاع لها ضد الجنرال فرانكو".
ظهرت لمحة من الحزن والأسى على وجهه، وكأنه يتذكر ما حدث، كان في العشرين من عمره وقتها.
"لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ عانينا من غضبه الشديد حتى مات عام 1975!".
تغير الأمر بعض الشيء بعد رحيل فرانكو، أصبح لكتالونيا حكومتها المحلية الخاصة، لكن الشعب الكتالوني أراد المزيد.. ولاية باسمهم تخصهم.
"كتالونيا أقوى أمة في أوروبا بدون دولة".
"لا يمكنك أن تقارن وضع كتالونيا بأي وضع شبيه، نحن ندعم إسبانيا بكل الأشكال حتى ماديا، عكس اسكتلندا في بريطانيا على سبيل المثال لا الحصر".
"على مدار التاريخ تجاهل أصحاب الدراسات الأكاديمية إصدار كتب أو دراسات حول نادي برشلونة، أتعرف لماذا؟".
"توجد بعض المواضيع، التي نجدها مخيفة للغاية لأن تكتب عنها، وهناك موضوعات أخرى سيئة جدا".
طالع أيضا - (الجانب الآخر من كرة القدم – تجربة روبسون في ايندهوفن.. كيف تفوز ولا تعتبر ناجحا)
مازال فريق برشلونة خائفا، مازالت المدينة خائفة لم يتغير أي شيء رغم النزاعات المتكررة.
لا شك أن برشلونة أشهر وأقوى من كتالونيا نفسها، حتى أنه المصدر الوحيد للفخر.
فرانكو قهر كتالونيا كليا، دمر فكرة الحكم الذاتي والاستقلال وقت أن كانت قد اقتربت منها كثيرا، وحظر التحدث باللغة الكتالونية، حتى أنه أشيع بأنه يضع تشكيل ريال مدريد بنفسه، وحينما كان النادي الملكي يزور برشلونة، كان يتم منع الأعلام الكتالونية في كامب نو.
لا يمكن للمشجع المتواجد في تلك المباراة أن يهتف ضد فرانكو، لذا الجماهير كانت تصرخ وتهاجم ريال مدريد ولاعبيه بدلا منه، كما يقول المثل: "إن لم تستطع الصراخ في وجه والدك، اصرخ في وجه أي شخص آخر".
وحتى رغم ما فعله فرانكو لقهر كل ما يمثل كتالونيا، لم يتمكن من القضاء على شيء واحد.. برشلونة.
وبطبيعة الحال إن تم إسكاتهم، كرة القدم كانت تتحدث، ومع رحيل فرانكو استمر برشلونة رمزا لا ينتهي.
الجانب الآخر من المدينة
نادي إسبانيول الفريق الثاني في كتالونيا، تأسس عام 1900 واسمه مقتبس من دولة إسبانيا، في محاولة للإسقاط ضد برشلونة وكونه يعتمد على الأجانب للفوز.
لكن ذلك في حد ذاته أمر تتميز به كتالونيا.
كتب خافيير توريباديا المحاضر في جامعة أوتونوما دي برشلونة: "بالطبع نفضل الفوز بدون مساعدة خارجية، لكن ذلك أيضا جزء من طابعنا: التحالفات".
وأضاف "نحن أمة بلا دولة، لذا علينا أن نعقد تحالفات إن أردنا الفوز أو تحقيق أي شيء على الإطلاق".
أصبح برشلونة رمزا لكتالونيا وفي المقابل إسبانيول رمزا لإسبانيا، ليس ذلك فقط، بل جذب الأخير عددا من العائلات الكتالونية لاعتماد الأول على الأجانب أكثر.
إسبانيول في بدايته وخلال فترة حكم فرانكو، جذب إليه المهاجرين الذين كانوا يشعرون بالانتماء إلى إسبانيا أكثر والجنود ورجال الشرطة الذين أرسلهم فرانكو لإدارة المدينة.
أصبح للنادي علاقات وثيقة مع ريال مدريد، ويوجه له دعوات في الصيف من أجل لعب دورات ودية، أصبح معروفا بين محبي القومية الكتالونية بـ"النادي الفاشي". والكتالونيون اختاروا برشلونة وبرسا فقط.
أفضل ناد في أوروبا
في عام 1989 نافس سيكستا كامبرا رجل الأعمال الكتالوني نظيره خوسيه لويس نونيز، ودائما انتخابات النادي تقلق الجميع، الجماهير داخل كتالونيا وخارجها ومجلس الإدارة والناخبون بالطبع.
لكن تلك كانت حيوية للغاية، لماذا؟ الحزب القومي الكتالوني أعلن دعمه الصريح لكامبرا في الانتخابات.
قرر الحزب الاشتراكي أن يدعم نونيز، وامتلأت المدينة عن آخرها بالدعاية السياسة، وخرج نونيز ليقول إن كامبرا متزوج امرأة من مدريد، وقاطع المناظرة التلفزيونية وزعم أن التلفزيون الكتالوني يناصره، ليفوز نونيز بالانتخابات.
ذلك العام كان محددا لتاريخ برشلونة الحديث، يوهان كرويف كان مدربا للنادي، وبعد نجاح نونيز، قال له: "غرفة الملابس لي وللاعبين فقط".
كان كرويف أول مدرب ينتصر على إدارة برشلونة، وكل محاولات نونيز للتسلل للفريق وللاعبين باءت بالفشل. بطبيعة الحال نجح المدرب الهولندي مع النادي الكتالوني، وبعد ذلك تمكن من النجاح ليصبح الأول بعد هيلينيو هيريرا.
حصد برشلونة لقب دوري الأبطال في موسم 1991-1992، وبالطبع تم استخدام ذلك كأداة سياسية.
كل الأحزاب هناك تستخدم برشلونة لمصلحتها، وحينما يفوز الفريق ببطولة، يستخدمون تلك الورقة فورا.
وحينما يفوز الفريق بأي لقب يتم عرضه في ميدان بلازا سانت جاوم، الذي يحتوي على مبنيين سياسيين: جيرياليتات مبنى الحكومة الكتالونية، ومبنى بلدية كتالونيا.
أثناء الاحتفالات بالفوز بدوري الأبطال، خرج جوردي بوجول رئيس الحكومة الكتالونية ببدلته الأنيقة للجماهير كان شخص دائم الصراخة من تلك الشرفة البارزة.
"فيسكا بارسا، فيسكا كتالونيا".
"برشلونة يفوز، كتالونيا تفوز".
لكن في المقابل، باسكال مادراجال عمدة المدينة كان مهووسا بالاستقلال، لذا حينما كان ذلك المشهد يحدث، قرر أن يقول جملته الخاصة.
"برشلونة لم يعد أكثر من مجرد ناد، لقد أصبح أفضل فريق في أوروبا".
لم يكذب مادراجال. غيّر كرويف برشلونة كثيرا، لم تعد الجماهير تكتفي بالانتصار ضد ريال مدريد منذ توليه المهمة، بل أصبحت تطالب بالنجاح الكبير، وبتغيير النادي تغيّرت كتالونيا معه.
النادي أصبح أفضل بكثير وبطلا لأوروبا وأصبحت المدينة فجأة واثقة من نفسها، وقرر مادراجال أن يتقدم بشكل رسمي بأن تصبح إسبانيا دولة فيدرالية لها عاصمتين، مدريد وبرشلونة، كان ذلك عام 1992.
كان أمرا نادرا أن تتشجع برشلونة وتتقدم بطلب قوي لمدريد، ولعقد من الزمان قبل ذلك الطلب كانوا يقيمون فرص استقلالهم عن إسبانيا، حتى أن بوجول نفسه ليس واثقا من الأمر.
استمر نقاش الاستقلال حتى تفاقم الأمر في الألعاب الأوليمبية في إسبانيا عام 1992.
منذ بداية الألعاب حاول بوجول بكل الطرق أن يقول إن البطولة مقامة في كتالونيا وليس إسبانيا، وكانت الجماهير الكتالونية حاضرة بقوة من أجل تشجيع الدول الحديثة على الساحة مثل ليتوانيا وكرواتيا.. وحدثت حالة فزع لدى الساسة في مدريد.
وبالنسبة لكتالونيا، برشلونة المنتخب وليس إسبانيا، وعدُل الجدول لضمان أن يلعب منتخب إسبانيا في فالنسيا طالما يفوز، لكن النهائي ضد بولندا لُعب في كامب نو..
كانت هناك العديد من المخاوف، حول وجود ملعب خال من الجماهير، أو مظاهرات كتالونية كبيرة.
موندو ديبورتيفو كتبت: "أمام 95 ألف مشجع، بأعلام إسبانيا، فاز المنتخب".
والجماهير في المدينة كانت تغني: "بوجول يخدعنا، كتالونيا هي إسبانيا".
لم تكره الجماهير الكتالونيا إسبانيا دائما، في حالة الفوز مثل هذه الحالة كانوا يحتفلون.
على الرغم من ذلك، التلفزيون الكتالوني كان يذيع مباريات برشلونة الودية في الجولة التحضيرية للموسم أثناء المواجهات.
--
عاد كاساوس لينفخ دخان سيجاره وهو ينظر مبتسما وكأنما يرغب في الحديث عن حقيقة الأمر.
"بعض الناس هنا يرون أننا لسنا بحاجة لدولة، لكننا أكثر من مجرد منطقة، الأمر منوط أكثر بالرموز، وبرشلونة رمز".
الكتالونيون يرغبون في رموز تثبت أنهم مستقلون بذاتهم، وليسوا إسبانيين.
خلال الألعاب الأوليمبية تلك عام 1992 رُفعت الكثير من الأعلام الكتالونية، ورصُدت على أنها محاولة للاستقلال، لكن في الحقيقة أوضحت الصحف الكتالونية وقتها، أن تلك الأعلام رمز للأمة فقط وليست مطالبة بشيء وقتها.
"فيسكا بارسا، فيسكا كتالونيا".
"تلك العبارة ليست أي شيء أكثر من مجرد توضيح لرموز كتالونيا، الناس يحبون سماعها، تجعلهم يشعرون أنهم بخير، ولهذا السبب برشلونة واحد من أكبر الأندية في العالم، جماهيره أكثر من مجرد جماهير، إنهم بحاجة لرمز يعوضهم عن الدولة، وأحد الكتالونيين أخبرني: بعض الناس تشاهد برشلونة فقط لأنهم يحبون كرة القدم". سايمون كوبر.
المصادر: "كتاب كرة القدم ضد العدو لسايمون كوبر.
كتاب إرث برشلونة لجوناثان ويلسون.
صحيفة موندو ديبورتيفو، كتاب دوري: سيرتي الذاتية ليوهان كرويف.
أخبار في صحيفة إل كونفدينشيال".
طالع أيضا
قرعة الدوري - قمة "قاهرية سكندرية" في أولى جولات الدوري المصري
قرعة الدوري - قمة "قاهرية سكندرية" في أولى جولات الدوري المصري
اتحاد الكرة يوضح كيف يتعامل مع الأندية المشاركة في البطولات القارية
قرعة الدوري - تعرف على جولتي الدربي
حوار مطول مع ميسي: أردت انضمام نيمار لعدة أسباب.. ولا أعلم إن كان برشلونة قد حاول كفاية لضمه