كوسوفو.. كل شيء كبير بدأ بحلم

عندما يتعلق الأمر بكرة القدم فبإمكاننا أن نسهب في الشرح والتوضيح وتتبع التفاصيل، وعندما تكون وسيلة أمة لنسيان آلام الماضي فحينها تكتسب معنى أكبر من هدفها الرئيس.. عندها فقط تصبح قضية وبارقة نور تأتي من نهاية نفق مظلم.

كتب : لؤي هشام

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019 - 22:38
منتخب كوسوفو

ربما ليس باستطاعتنا أن نتحدث عن سيكولوجية الحروب: أرواح تزهق هنا وهناك، أطفال تفقد معاني المستقبل، وأناس يتخلون عن إيمانهم بينما يتمسك به آخرون. مجموعة معقدة من المشاعر والأحاسيس التي يصعب معها انسياب الكلمات.

لكن عندما يتعلق الأمر بكرة القدم فبإمكاننا أن نسهب في الشرح وتتبع التفاصيل، وعندما تكون وسيلة أمة لنسيان آلام الماضي فحينها تكتسب معنى أكبر من هدفها الرئيس.

عندها فقط تصبح قضية وبارقة نور تأتي من نهاية نفق مظلم.

في جنوب شرق أوروبا، تحديدا في منطقة البلقان، كانت كوسوفو بحاجة لأعوام طويلة للتعافي من ويلات الحروب وانتزاع استقلالها باعتراف المجتمع الدولي، أما في الكرة فكانت القصة تحتاج لأعوام أقل بكثير.

هذه قصة منتخب استطاع أن يصنع المفاجأة ويتخطى ويلات الحرب في طريقه نحو بطولة أمم أوروبا "يورو 2020".. قصة منتخب كان بإمكانه أن يحلم.

حينها نزل اللاعبون إلى أرضية ملعب "فاضل فكري" وقبل ضربة البداية شاهدوا الجماهير ترفع تلك اللافتة الكبيرة: "الحلم متاح أيها الدردانيون"، ولمن لا يعلم فالدردانيون هم العرق الذي تنحدر منه أصول الكوسوفيين.

لم يتخيل أحد من اللاعبين أن تلك المسيرة يمكن أن تجعل الحلم متاحا بالفعل، وأن يصبح أمل الوصول إلى البطولة الأوروبية أقرب من أي وقت مضى.

بينما في الجانب المقابل لم يتخيل أحد من متابعي اللعبة أن هذا المنتخب الذي نشأ قبل 4 سنوات فقط سيصبح من أفضل المنتخبات الصاعدة في أوروبا حاليا.

خلال فترة التسعينيات وقت الحرب والرغبة في الانفصال عن صربيا كان لعب الكرة يبدوا خطيرا في شوارع بريشتينا العاصمة، أما الآن فإن المنتخب البلقاني قد وصل إلى 15 مباراة متتالية بلا هزيمة.

"سأقول للمنتخب الإنجليزي إن مواجهة كوسوفو لن تكون سهلة".. هكذا تحدث كريستيان إريكسن نجم الدنمارك بعد تعادل بلاده مع كوسوفو 2-2 في مارس الماضي.

المنتخب الكوسوفوي أصبح الحصان الأسود في التصفيات، بعدما حصد 8 نقاط من 5 مباريات في المجموعة الأولى، مكنته من احتلال الصدارة ولو بشكل مؤقت قبل أن تستعيدها إنجلترا.

هزيمته الأولى بعد 15 مباراة جاءت على يد إنجلترا يوم الثلاثاء بنتيجة 5-3 في الجولة الخامسة من التصفيات.

لكن من أين أتت البداية؟ "تجمعنا معا دون أن نعرف أسماء بعضنا البعض"

يتذكر سمير أوكجاني حارس وقائد المنتخب البدايات.

أوكجاني الوحيد المتبقي من الجيل الحالي من اللاعبين الذين شاركوا في أول مباراة دولية أمام هاييتي في مارس 2014.

ويقول: "ملأت الدموع عيناي عندما شاهدت كل هذه الجماهير في الملعب. تجمعنا معا لكننا لم نكن نعرف بعضنا البعض".

"قبل المباراة خضنا حصتين تدريبيتين فقط، ولم نكن حتى نعرف أسماء بعضنا البعض. كان الأمر وكأنه: أهلا، هل تقول لي اسمك مرة أخرى؟، لكن شعور الأخوة سيطر علينا".

ويضيف صاحب الـ30 عاما "ملعبنا لم يكن عظيما، كان يمكن أن يتسبب لك في إصابة بالكاحل أو الركبة (..) كانت بعض اللحظات صعبة للغاية".

كان المنتخب في ذلك التوقيت تحت قيادة المدرب ألبير بونجاكي، الرجل الذي زرع بذور النجاح لاحقا مكتفيا بـ600 يورو كراتب شهري يدفع منه أحيانا رواتب مساعديه، خلال الفترة من 2009 حتى 2016.

وصل المدرب الوطني المولود في السويد رفقة بلاده إلى تصفيات كأس العالم 2018 لأول مرة بعدما اعترف فيفا أخيرا بعضوية المنتخب في مايو 2016.

تعادلت كوسوفو في أولى مباريتها خارج الديار أمام فنلندا قبل أن تتلقى 9 هزائم متتالية في مجموعة ضمت أيسلندا وتركيا وكرواتيا.

وبونجاكي استقال إذ لم يكن الصبر حاضرا في تلك الأيام المبكرة، والحارس أوكجاني أشار إلى الدور الكبير الذي لعبه ألبير لتكوين هذا المنتخب.

"ألبير صنع هذا الفريق، لقد جلبنا معا ولم يكن هذا سهلا إذ لم نملك حتى ملاعب للتدرب أو استاد مناسب، كنا نسافر لساعات إلى مدينة شكودر في ألبانيا من أجل لعب مباريتنا بالتصفيات".

"الآن باتت المنظومة الكروية مثالية. كوسوفو تحتاج دائما إلى شكر بونجاكي".

"خسرنا تلك المباريات لكننا تتطورنا بقوة معا، وكنا نعرف أن هذا الطريق الوحيد للخروج من الأوقات السيئة. كانت بداية لكن كان علينا تخطيها وإصلاح الوضع بكل ما نملك".

"قاتلنا وتطورنا وأصبحت عقليتنا أقوى".

انتهت رحلة بونجاكي وبدأت رحلة جديدة.. برنارد شالانديس

عُيّن المدرب السويسري في مارس 2018 في محاولة لخلق مسار أفضل، وأولى كلماته كانت: "قبلت هذه المهمة لأنه تملكني شعور أن هناك الكثير من الإمكانيات".

وأضاف "نحن مثل الأطفال الصغار وعلينا تعلم الكثير من الأشياء".

مع شالانديس تحسنت نتائج كوسوفو إذ سجلوا 15 هدفا خلال 6 مباريات في دوري الأمم الأوروبية لكن الشكوك ظلت تحوم حول الحاجة للتوازن الدفاعي.

والمدرب دافع عن فلسفته "وجدنا التوازن المناسب بين الدفاع والهجوم. اللاعبون عقليتهم هجومية بعض الشيء وأحيانا علي محاربة ذلك ولكن علينا أيضا الاستفادة من جودة لاعبينا واستخدام هويتنا.. علينا دائما محاولة لعب الكرة".

ربما كانت تلك الشجاعة الهجومية سببا خلف هزيمة قاسية أمام إنجلترا، لكن كوسوفو ظهرت كمنتخب شجاع وظلت متمسكة بأسلوبها (طالع التفاصيل).

يعترف شالانديس بأنه اضطر إلى تجاهل السيطرة على بعض الأشياء منذ وصوله، في بعض الأحيان كان يثير غضب عائلات اللاعبين ووسائل الإعلام داخل وخارج المنتخب، لكنه أدرك صعوبة المطالبة بإغلاق الأبواب على لاعبيه مثلما تفرض منتخبات كبيرة كإنجلترا أو ألمانيا.

العديد من اللاعبين ولدوا خارج كوسوفو بسبب فرار آبائهم من الحرب، والفترة بين المباريات والتدريبات كانت فرصة للاعبين من أجل التواصل بشكل أقوى مع جذورهم في هذا البلد.

أربير زينيلي جناح ستاد ريمس الفرنسي اتفق مع النظرية الأخيرة "من الجيد رؤية الجميع، أن تلتقي مع عائلتك فهذا يعطيك الحافز والطاقة".

على ذكر زينيلي فإن كوسوفو تدين بالكثير من قوتها الهجومية إلى هذا اللاعب الذي سجل 7 أهداف دولية خلال 15 مباراة.

رفقة ميلوت راشيكا لاعب فيردير بريمن الألماني صنعا ثنائية قوية على الأطراف. هما طليعة هذا المنتخب الشاب الذي تكوّن من عدة مواهب من شتى أنحاء أوروبا.

الحارس أريجانيت موريك لاعب مانشستر سيتي الواعد مولود في سويسرا، فالون بيريشا صانع ألعاب لاتسيو ولد في السويد. ثنائي فريق زيوريخ بنيامين كولولي وهيكوران كريزيو ولدا في سويسرا كذلك.

هذه التوليفة من اللاعبين كانت نتاج مجهود كبير من المدرب بوجانكي الذي سافر في جولة إلى أوروبا، على حسابه الشخصي، من أجل جمع المواهب.

وتشالاندس واصل العمل على نهج سابقه ساعيا لضمان التزام لاعبين آخرين أصغر سنا في أماكن أخرى مثل ميريتان شعباني من بايرن ميونيخ ونجم برشلونة الشاب لابينوت كباشي.

وقائمة المواهب قد تزداد أكثر وأكثر مع تنامي قوة منتخب بلادهم.

يتحدث زينيلي عن سبب تفضيله كوسفو، رغم تتويجه ببطولة أمم أوروبا تحت 21 عاما رفقة السويد، قائلا: "اتخذت القرار بقلبي.. في رأيي لدينا اسم كمنتخب الآن".

"الناس باتوا يعرفون أننا لسنا هنا للعب المباريات فقط بل أننا نسعى لتحقيق الانتصار في كل مباراة. احتجنا بعض الوقت من أجل الإنسجام معا".

"في البداية كنا نبدوا منتخبا فرديا، لكني أعتقد أننا بتنا كعائلة حاليا، والكل يلعب من أجل الفريق وأظن أن هذا الفارق الأكبر عن منتخب البدايات".

"ربما لا يعرف كثيرون تاريخ الحرب في كوسوفو، لكننا فقط نريد إعادة كل شيء إلى الشعب.. المشاعر والدعم الذي نحظى به من كل الناس ضخم للغاية، وحينها تشعر في داخلك أنك ترغب في إعطاء كل شيء للناس".

"أشعر بسعادة كبيرة في كل مرة آتي إلى هنا، والأمر أصبح فطريا داخلي".

يتحدث إيرول ساليهو الأمين العام لاتحاد كوسوفو للعبة عن فضل "فاضل فكري" الرجل الذي كان رئيسا لاتحاد اللعبة وبذل جهدا كبيرا للحصول على اعتراف دولي، وعلى اسمه سُمي ملعب المنتخب.

ويستذكر بأسى فكري الذي رحل عن عالمنا فجأة في يونيو من العام الماضي "في كثير من الأحيان بكيت وحاولت إخفاء ذلك، حتى الآن يبدو الأمر صعبا بالنسبة لي كلما ذكرت اسمه. تلك الرحلة كانت قبل 10 سنوات، تعلمون كم أن الانتماء أصبح صعبا".

ويتفق معه المدرب السابق أوكجاني "مات كبطل.. لقد صنع المعجزة".

وأضاف "أتذكر المواجهة الأولى على الملعب الذي أصبح باسمه، لقد أتى قائد منتخب جزر فاروه وقال لي: أشكرك لأنها واحدة من أكثر المباريات عاطفة التي خضتها في حياتي، يالها من جماهير وأجواء".

مع الوقت أصبح هذا الاستاد رمزا لقوة كوسوفو الوليدة.

وساليهو تداخل في الحوار مجددا "سرنا خطوة بخطوة لكننا لم نتوقع صراحة هذا التطور السريع. استفدنا من عضوية فيفا ويويفا وبإمكاننا الاستثمار في المواهب الشابة. النتائج دوما مشجعة".

الأوضاع بالفعل اختلفت كثيرا عن ذي قبل، فستة من أندية الدوري المحلية تمتلك ملاعبا، والمستوى كمنظومة أصبح أفضل كثيرا عن الأيام التي سبقت الانضمام لعضوية فيفا.

الأندية تدفع رواتب لاعبيها نقدا في نفس الأماكن التي اعتاد الكوسوفيون لعب الكرة فيها سرا خوفا من القوات الصربية.. الآن منتخب كوسوفو يواجه العالم بفخر أكبر من ذي قبل.

"يمكننا أن نحلم. علينا أن نحلم. لطالما قلت إن كل شيء كبير بدأ بحلم. لذا لم لا؟".

هكذا اختتم المدرب برنارد شالانديس حديثه بكلمات لا يمكن أن تجد أفضل منها.

اقرأ أيضا

مدافع جينيراسيون لـ في الجول: الزمالك مثل برشلونة وريال مدريد ولكن التاريخ لا يحدد النتيجة

فيديو في الجول – علي ماهر يوضح مميزات المرشحين لتدريب مصر.. وفكرة جديدة يفضلها

الأهلي يتلقى 2.4 مليون جنيه من فيفا

بالفيديو - لابد أن تشاهد الهدف.. مقصية يمنية رائعة تهز شباك السعودية

فيديو في الجول - إيهاب جلال الهجومي.. ماذا يميزه عن باقي المرشحين لتدريب مصر؟