بطبيعة الحال كل أب يريد أن يرى ابنه أفضل منه بل الأفضل على الإطلاق من وجهة نظر الأبوة، لكن الأمر يأخذ منحنى آخر مع نيمار جونيور لاعب باريس سان جيرمان والذي كلما ذُكر اسمه في المشاكل التي تصاحبه منذ بداية مشواره الكروي ولابد أن يقترن معه "نيمار سانتوس الأب".
نيمار
النادي : الهلال
"هذا الشخص انتقل من ضابط المرور إلى واحد من أقوى الرجال في كرة القدم العالمية".. هكذا تحدث لويس ألفارو دي أوليفيرا رئيس سانتوس الراحل عن والد نيمار ضاحكا.
كيف أصبح نيمار سانتوس أو "والد نيمار" الاسم الأبرز في عالم الانتقالات والمُهمين على أحاديث الصحافة بعيدا عن اسم الوكلاء المتعارف عليه ولماذا صار صاحب الكلمة العليا؟ هذا ما تجيب عنه السطور التالية.
الاختبار الأول
لم تكن مسيرة نيمار سانتوس بالكبيرة إذ لعب لأندية في الدرجات الأدنى بالبرازيل، قبل اكتشاف إصابته بمرض السل اضطر على إثره للراحة لعام كامل.
هكذا قرر نيمار الأب العودة إلى العمل مع والده في مرآب سيارته، ثم وصلته دعوة من جابكوارا ليلعب لصفوفه لكن أسرته رفضت وفضلت له تحقيق الأمان الوظيفي بدلا من تجربة حظه كلاعب كرة قدم من جديد.
لكن نيمار الأب كان حبه لكرة القدم قويا فلعب دون الحصول على المال، وبسبب مباراة جيدة خاضها أمام فريق يونياو حصل على أول عقد في حياته، وبدأت مهارات التفاوض تظهر لديه.
نيمار سانتوس الأب شرح كيفية التفاوض مع فريقه الجديد من أجل مضاعفة راتبه قائلا: "في مارس 1989 عرضوا عليّ عقدا لمدة عام ومبلغا جيدا من المال، أعلى بكثير من توقعاتي. لكني حاولت عدم إظهار حماسي".
وتابع "كدت أموت من القلق راغبا في إتمام الصفقة، لكني عرفت كيف أتفاوض. فعندما حددوا الشروط أخبرتهم أنه علي التفكير في الأمر، سأعود إليهم مع إجابتي في وقت لاحق. لقد كانت مقامرة".
وواصل "عندما عدت للاجتماع الثاني كنت متوترا بشكل لا يصدق، لكنني حاولت أن أبقى هادئا. جلس الرئيس وبالفعل جاء بعقد أفضل، لقد ضاعف العرض تقريبا، واتممت الصفقة".
في ديسمبر عام 1989 اشترى 10 رجال أعمال حقوق نيمار الأب من أجل التحكم في انتقاله وبسببها جنى الكثير من المال لأول مرة في حياته، اشترى منزلا لوالديه في سانتوس.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها كرجل ثري على الرغم من أنها لم تكن هكذا بالفعل. شعر بالثراء، وليس هناك شعور أفضل في هذا العالم على حد وصفه. وهذه كلمة كاشفة في شخصيته.
اتفاقه الذي جعله يشعر بالثراء ساهم في تفاوضه لإضافة بند في عقده أتاح له الخروج على سبيل الإعارة طالما ناديه لا ينافس في أي المسابقات المحلية، فارتدى قمصان كورتيبا وليمنس وكاتاندوفيس.
وبسبب الإصابات أجبرته على إنهاء مسيرتي عندما وصل عمره إلى 32 عاما ومع أطفاله "نيمار جونيور ورافائيلا" أصبح من الصعب السفر بين الأندية ليتفرغ لهم ويترك عالم كرة القدم.
وفي مقابلة مع SportTV قال: "كرة القدم لم تكن جيدة بالنسبة لي، لم أكن رجلا سعيدا، لقد تركتها في الثانية والثلاثين دون فلس واحد".
نيمار الأب المثقف
جواو هنريك ماركيز، مراسل UOL البرازيلية أفصح عن علاقة نيمار ووالده وتأثيره عليه في تقرير Bleacher قائلا: "لا تزال حتى اليوم طلبات مقابلة نيمار تُقدم إلى والده. إنه يتحكم في أصدقائه ويعطي رأيه أيضا حول علاقاته".
وعن والده، قال مراسل UOL: "لقد لاحظ نيمار الأب موهبة نيمار الصغير في سن مبكرة للغاية، وباعتباره لاعب كرة قدم سابق رأى تلك الإمكانات الهائلة وبدأ فجأة في سماع أشخاص يتحدثون عن ابنه".
وفسر جواو الاستفسار المُحيط بوالد نيمار الدائم "كان مدركا أن عالم كرة القدم يمكن أن يكون قاسيا، لذا فقد أحاط بنفسه بعدد قليل من الناس وصنع العديد من الأعداء".
ماركيز أكمل: "على الرغم من سمعته، فإن أي شخص يتحدث إليه عن الإدارة الرياضية يشعر بالغباء من مقدار المعرفة التي اكتسبها".
وفسر "أحاط نفسه بأفضل المهنيين واستمع إليهم، وشاهدهم وأصبح لديه الآن القدرة على التحكم في علامة تجارية مثل نيمار".
عميل
"اللعنة، أنا أعامل ابني كعمل تجاري حسنا بالطبع إلى حد ما نيمار هو ابني لكن منذ اللحظة التي يغادر فيها المنزل، يصبح عميلا".. والد نيمار في مقابلة مع جازيتا برس عام 2011.
يقضي نيمار الأب معظم وقته في البرازيل، ويصف ابنه أكثر من مرة بأنه "عميل"، وهو ما يجعلك تشعر بالغرابة عن كيفية التعامل بين أب وابنه كعميل.
وأكمل "أحد الأشياء الأولى التي يقوم بها نيمار كلما دخل إلى غرفة خلع الملابس بعد أي مباراة معاينة هاتفه بحثا عن أي رسائل من والده. إذا رأى نيمار الأب أي خطأ من ابنه على أرض الملعب فلن يحملها لنفسه سيوجه له حديثه حول هذا الموضوع".
علاقة نيمار الوثيقة مع والده لم تظهر أي علامات على التراجع على مر السنين، فيلعب دورا أكبر كمحفز لنيمار ولكن أيضا ناقده الرئيسي.
وأتم جواو"يخشى والده دائما من أن يستفيد الآخرون من ابنه".
برشلونة.. أصابع الاتهام الأولى
حاول نيمار الأب تقديم نيمار الابن عام 2005 إلى ريال مدريد، لكن نادي سانتوس أجهض تلك الصفقة، وأرضى اللاعب برفع أجره من 150 دولارا شهريا إلى 6000 دولار، إضافة إلى مكافأة.
وفي 2011 تغير مسار والد نيمار إلى برشلونة.
وذكرت شبكة UOL أن والد نيمار حصل على 6 مليون يورو قبل نهائي كأس العالم للأندية 2011 من أجل الالتزام بانتقال نيمار الابن إلى برشلونة في المستقبل.
هل تتذكرون من كان في طرفي نهائي كأس العالم للأندية 2011؟ برشلونة ضد سانتوس.
لويس ألفارو رئيس سانتوس الراحل عام 2016 كتب رسالة ينتقد فيها ما حدث، وجاء نصها "لعبنا المباراة النهائية يقودنا لاعب تلقى أموالا من خصمه".
وأضاف "طبعا أثر هذا على أداء نيمار جونيور مع نادي سانتوس في مباراة برشلونة".
وتابع "لم يكن اللاعب ذاته الذي تجاوز الخصوم. ظهر أن نيمار الابن لا يطيق صبرا لحظة المغادرة ويعد الدقائق. للأسف هذه حقيقة".
نيمار الأب رد سريعا على ذلك، وأظهر رسالة من نادي سانتوس تمنحه حق التفاوض مع أي ناد مع شرط وحيد، ألا تتم أي صفقة قبل عام 2014.
وعندما جاء موعد مغادرة نيمار لسانتوس متوجها إلى برشلونة، حقق النادي البرازيلي فقط 17.1 مليون يورو من صفقة اتضح لاحقا أن تكلفتها الحقيقية 86.2 مليون يورو.
حصلت عائلة نيمار على مبلغ 40 مليون يورو جراء مفاوضات والده وهو ما وضعه في قفص الاتهام أمام عديد رجال الأعمال الذين امتلكوا جزء من أسهم بيع نيمار وقتها وحصدوا نسبة قليلة من بيع اللاعب.
عندما يتعلق الأمر ببناء مهنة ابنه، كان نيمار الأب قويا طوال الوقت. من يعرفه يصر على أنه لم يتغير. يقاتل المشجعين في المدرجات لانتقاد ولده أثناء مباريات الشباب ويفعل الشيء نفسه أمام الكاميرا.
باريس سان جيرمان.. لا أحد يصدق
في 2016 أعاد نيمار الأب التفاوض بشأن عقد ابنه مع برشلونة وحصل على عمولة بقيمة 26 مليون يورو وضمان بقاءه في النادي.
بعد عام احد فقط انتقل نيمار جونيور إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، "حقق نجاحا مضاعفا في عام واحد" ثم تنافس مجلس إدارة برشلونة بلا جدوى على العمولة التي حصل عليها سابقا.
آيتور لاجوناس محرر مجلة بانيكا يقول إن مجلس برشلونة يجب أن يُنتقد "عندما جددوا عقد نيمار، ضاعفوا راتبه. كان ذلك نجاحا لوالد نيمار وفشل لبرشلونة، خاصة عندما عرفوا أن العائلة تتحدث إلى باريس سان جيرمان ومانشستر يونايتد".
عقب الانتقال قال نيمار جونيور إنه تعارض مع رغبات والده، وأنها كانت المرة الثانية فقط في حياته التي يقوم فيها بذلك. وأضاف: "والدي تفهّم رأيي وأحترمه، لكن قراري اُتخذ وأطلب منه أن يدعمني كما يفعل دائم".
يقول جواكيم بيرا، الصحفي الكاتالوني المقيم في ساو باولو والذي أجرى مقابلة مع نيمار الأب في دياريو سبورت: "لا أعتقد أن أي شخص من كرة القدم صدق ذلك".
وأكمل "عقد نيمار مع باريس سان جيرمان والمفاوضات التي دارت حوله تم الحديث عنها منذ شهور، هذه ليست عقودا تقوم بها في 10 أيام. الأب والابن عرفا بالضبط ما كانا يفعلانه، أعتقد أنه قال ذلك على إنستجرام لإرضاء رئيس باريس سان جيرمان".
وأفصح بييرا "يقول نيمار جونيور دائما أن الأب هو الأب. لا يتلاعب أبدا بابنه". هكذا يترك نيمار جونيور نفسه لوالده خاصة وأن قصتهما لم تبدأ بعد النجومية، بل قبلها بكثير.
"أخبرته إذا كنت تريد السيارة، يجب أن تفوز ببطولة أمريكا الجنوبية لأقل من 20 عاما وأن تكون أفضل هداف" فعلها نيمار في عمر الـ 18 ليحصل على سيارة في عيد ميلاده على عكس أقرانه بعد تنفيذ ما طلبه والده.
وقال نيمار الأب في ذلك الوقت: "لمجرد أننا نستطيع تحمل تكاليف الأشياء الآن، فلن أسمح له ببساطة بحرق أمواله، إنه يحتاج إلى معرفة قيمة الأشياء".
دائما ما تشير أصابع الاتهام لنيمار الأب لكن الثابت أن اللاعب صاحب الـ27 عاما ليس ضحية شخصية "غبية أو لا تعرف ما تفعله".
نيمار الابن يلعب تحت تأثير "أب" بكل ما تحوي تلك الكلمة من معان تجعلك تترك حياتك له، تحت تأثير شخصية تمتلك الثقافة وهدفها واضح منذ بداية الرحلة.
هنا يجب العودة للوراء قليلا وقراءة كلمات نيمار الأب والتي تشير في النهاية لعقليته في التفاوض "إنها الكلمة التي سمعها أطفالي كثيرا. يجب أن يعرفوا قيمة المال".