كتب : إسلام مجدي
"كنت في الـ12 من عمري حينما قطعت ذلك الوعد لأختي، كانت ترقد بلا حراك في المستشفى والمال كاد ينفذ، لذا قررت أن أصبح لاعب كرة قدم". دييجو فورلان.
في مرحلة ما من الحياة تسير الأمور على ما يرام كل شيء مستقر حتى تأتي موجة عاتية إما أن تدفعك إلى حافة الانهيار أو الإنجاز، الاختيار دوما لك.
بعيدا عن قصص صعود اللاعبين من قاع الفقر الشديد إلى قمة النجومية والثراء، هناك الكثير من القصص الإنسانية، مسيرة قد تأتي بالصدفة بسبب الاحتياج الشديد للمال.
---
ينحدر فورلان من عائلة كروية لها تاريخها وباع طويل في ملاعب كرة القدم، والده بابلو فورلان لاعب منتخب أوروجواي السابقن وجده خوان كوراتزو الذي قاد كمدرب للمنتخب، أوروجواي للفوز بلقب كوبا أمريكا، كلاهما كان نجما.
الفتى الصغير دييجو لم يحب كرة القدم، لم يكن يقلق من الأحاديث الكثيرة التي كان يسمعها حول كونه سيصبح لاعبا مثل والده وجده ويتبع نفس المصير، لم يفكر قط في أنه سيخلفهما في الملاعب.
رفض دييجو كثيرا لعب كرة القدم، وقرر أن يستغل ثراء عائلته ويتجه للعبة أخرى، كان يرغب بشدة في أن يصبح لاعب تنس محترف.
لكن ذلك لم يكن سهلا أبدا، أصدقاؤه طالبوه بلعب كرة القدم، والده وجده أخبروه أن الأمر حتما في جيناته، وأنه سيصبح لاعبا، لكنه فضل التنس.
كان يدرس في مدرسة خاصة، لم ينحدر من عائلة فقيرة مثل بعض أسر أوروجواي واللاعبين من هناك، وبجانب التنس أحب الجولف كذلك.
"الحياة كانت هادئة للغاية واستمتع بها مع عائلته وأخوته، حتى جاءت تلك الحادثة المروعة". ألفارو مينديز صديق الطفولة لدييجو.
دييجو كان في الـ13 من عمره، شقيقته كانت مع صديقها في السيارة وقت وقوع حادثة مرورية قوية تسببت في وفاة الأخيرة وشلل شقيقته ليس هذا فقط، اضطرت عائلته لبيع كل ما هو غالي ونفيس من أجل العلاج.
صاحب الـ13 عاما أصيب بحزن وخوف كبيرين، لم يكن يعلم ماذا يفعل ليساعد شقيقته أليخاندرا، أراد تقديم المساعدة، فدخل غاضبا إلى غرفتها في المستشفى وقطعا وعدا لم ينسه قط.
"أخبرتها حينما كانت في المستشفى، كانت ترقد على السرير، قلت لها إنني سأصبح نجما كبيرا وسأتأكد من أنها ستحظى بحياة جيدة وكريمة دون تعب".
خرج دييجو الصغير والدموع يملأن عينيه في حزن شديد لم يدر ما يمكنه أن يفعله، قرر احتراف كرة القدم ولم يجد طريقا لفعل ذلك، لأنه كان يجب أن يلعب مبكرا، ما يعني أنه فاته الكثير.
عانت عائلته كثيرا في دفع فواتير علاج شقيقته، حتى قام دييجو مارادونا صديق بابلو فورلان بتبرع كبير لكي تتمكن عائلته من تحمل عبء تكاليف العلاج.
---
بدأ دييجو رحلته لكي يصبح لاعبا محترفا، لطالما قال له والده، بابلو أنه موهوب بالفطرة فقط عليه تجربة الكرة وهو لم يرغب حتى تم تحفيزه بواسطة الحادثة، انضم إلى مدرسة الكرة بنادي بينارول ثم دانبيو وأخيرا قرر السفر إلى الأرجنتين للانضمام إلى فريق إنديبيندينتي.
الكثير من العمل الشاق ورحلة طويلة خاضها الفتى الصغير لتحقيق وعده إلى شقيقته، وفي عام 1995 خضع لفترة معايشة مع نانسي الفرنسي لكن تم رفضه نهائيا بعد عدة أشهر من التجريب.
لم يظهر ذلك له سوى أنه بحاجة للمزيد من العمل، بل وقال له النادي إنه لم يستحق فترة المعايشة قط في تلك الفترة من مسيرته، لكن قوة المعارف لدى عائلته ساعدت في سفره مبكرا إلى أوروبا عام 1995، لكنه عاد مجددا إلى الأرجنتين.
مع إندبيندينتي بدأ فورلان في اكتشاف قدراته وتطوير نفسه على أكمل وجه، ليقرر سيزار لويس مينوتي تصعيده للفريق الأول بعد تطوره بشكل كبير إلى الفريق الأول وهو في عمر الـ18 وقدم مستوى متميزا خلال 4 مواسم قضاها مع النادي الأرجنتيني سجل 40 هدفا في 91 مباراة، ولفت أنظار عددا من أندية أوروبا أبرزها وقتها ميدلسبره.
بعد 7 أعوام تقريبا من رفضه في نادي نانسي وابتعاده عن أوروبا، عاد فورلان مرة أخرى إلى أوروبا خلال نافذة سوق الانتقالات الشتوية مع تقارير تشير إلى أن الصفقة ليست إلى ميدلسبره لكن لفريق أكبر.
فاقت رحلته إلى أوروبا التوقعات وانضم لواحد من أكبر الأندية في العالم، مانشستر يونايتد نظرا لأن ميدلسبره لم يتمكن من دفع مبلغ 6.9 مليون جنيه إسترليني لضمه لكن الشياطين الحمر؟ بكل سهولة فعلوا.
سرعان ما أصبح فورلان محبوبا لدى جماهير يونايتد، بل وحصل على لقب لم يتركه قط Cachavacha أو كاتشافاتشا، كلمة تخص مدينة ريو دي لا بلاتا ومعناها غريب للغاية "تلك الكلمة تعني أنك تصف سيدة عجوز بطريقة لطيفة وطفولية".
ولماذا اكتسب فورلان ذلك اللقب؟ بالطبع لأنه يبدو مثل السيدة العجوز المسنة بشعره الذهبي، ليس هذا فقط الكلمة أيضا تحتمل معنى آخر وهي :"الساحرة".
لكن مسيرته مع يونايتد بدأت بطريقة غريبة للغاية، حتى حينما كان يسدد كان يطلق الكرة إلى السماء بعيدا كليا عن المرمى، ناهيك عن التمركز بشكل سيء للغاية.
لم يسجل فورلان خلال شهر أغسطس وحتى منتصف سبتمبر، حينما واجه يونايتد الشياطين الحمر مكابي حيفا في دور المجموعات من دوري الأبطال، سجل هدفا في انتصار يونايتد بنتيجة 5-2.
عاد ليسجل هدفا ضد أستون فيلا في أكتوبر وآخر ضد ساوثامبتن ثم هدفين في الانتصار ضد ليفربول في ديسمبر 2002 بنتيجة 2-1.
سجل مجددا ضد بيرمنجهام وتشيلسي وأصبحت الصحافة الإنجليزية تناقش كم الأهداف الحاسمة التي سجلها لصالح الشياطين الحمر، وأصبح ضيفا للمقابلات التلفزيونية.
الكثير من النكات حول تسديداته التي كانت بعيدة كل البعد عن المرمى لمدة وصلت إلى 8 أشهر، إلا أنه نال الإعجاب لإصراره الشديد ومجهوده الذي لا ينتهي قط في الملعب، بعض أهدافه ساهمت في فوز يونايتد باللقب، وامتلك فورلان سلوكا لقبه سير أليكس فيرجسون :"لم أجد كلمة الاستسلام في قاموسه، لطالما كانت لديه عزيمة ومجهودا لا ينتهيان".
بداية موسم 2003-2004 لم تكن جيدة على الإطلاق وفشل في التسجيل لـ10 مباريات في الدوري، ساءت الأمور وقرر يونايتد بيعه خلال الصيف التالي بعد وصول مهاجم شاب هو واين روني، ولم يعد هناك مجالا لتواجد المهاجم المحبوب للغاية وغير المستقر على مستواه بشكل غريب.
---
في هذه المرحلة وبعد الخروج بمثل هذه الطريقة كان من المفترض ألا يتمكن فورلان من العودة والرد في الملعب ليصبح نجما، اختار وجهته التالية وهي نادي فياريال، مختلف كليا عن مانشستر يونايتد ووضعه وفي منطقة سكانها يبلغ 50 ألف نسمة.
"لم أكن فاشلا في مانشستر يونايتد كما يقول البعض، إن لم تشارك فأنت لن ترتقي لحجم التوقعات".
"المدرب فيرجسون وضعني على مقاعد البدلاء وعادة كنت أشارك كبديل، وافتقرت للاستمرارية".
كعادته عقد العزم على أن يثبت أقدامه ويفي بوعده لشقيقته، مازال يركض في الملعب محاولا أن يصبح ذلك النجم الكبير الذي يطمح في الوصول إليه. خاصة وأنه لم يلمس سماء النجوم سوى مرة وحيدة ضد ليفربول مع يونايتد.
لم يتطلب الأمر منه وقتا لينسجم مع فريق فياريال، سجل هدفا في الدربي ضد فالنسيا في الخسارة بنتيجة 2-1، ثم 3 أهداف على التوالي ضد سرقسطة ومايوركا ونومانسيا، ثم 7 أهداف في 5 مواجهات ضد خيتافي ومالاجا وألباسيتي، بجانب هدفين ضد برشلونة واثنين مثلهما ضد ليفانتي.
أنهى فورلان موسمه الأول مسجلا 25 هدفا في 38 مباراة كما صنع هدفا. في فترة 9 أشهر تحول من صفقة فاشلة في إنجلترا إلى منافس قوي على جائزة البيتشيتشي، وفاز بالحذاء الذهبي لعام 2005 مع تييري هنري.
بعد 3 أعوام مع فياريال والوصول إلى نصف نهائي دوري الأبطال قبل توديع البطولة ضد أرسنال في 2005-2006، استمر تسجيل فورلان للأهداف حتى موسمه الأخير، قبل أن يرحل إلى أتليتكو مدريد ليبدأ فصلا جديدا في قصته نحو سماء النجوم.
كان فورلان قد أتى لتعويض رحيل القائد فيرناندو توريس إلى ليفربول، وساعد الروخيبلانكوس على التأهل لأول مرة لدوري الأبطال منذ 10 أعوام، مشكلا شراكة متميزة مع الموهبة الواعدة سيرخيو أجويرو في ذلك الوقت.
في موسم 2008-2009 فاز بالحذاء الذهبي بعد تسجيله 32 هدفا في 33 مباراة بجانب جائزة البيتشيتشي. لكن في موسم 2009-2010 كان أتلتيكو يعاني وفي المقابل بداية فورلان لم تكن قوية لكن مع المدرب الجديد كيكي فلوريس تألق مرة أخرى وقدم نصف موسم ممتاز.
لعل أبرز لمحاته في ذلك الموسم كان نهائي الدوري الأوروبي حينما حطم فولام وسجل هدفين ليتوج أتليتكو باللقب بعد الفوز بنتيجة 2-1.
"حينما تنتهي مرحلة في حياتي أقوم بمجهود كبير نفسيا لكي اتخطاها، ولا أحاول التفكير في أي لحظات عاطفية، من الأفضل أن تبعد الأمر عن عقلك لأنك بكل وضوح ستفتقد إلى أي شيء مررت به".
"لطالما كان لدي الحماس والرغبة، يدفعونني للاستمرار ومن الصعب التوقف في وجودهما، دائما ترغب في المزيد، خاصة إن شعرت بأنك جيد، لكن المشكلة أن الأمر قد يقودك لقرارات في أوقات خاطئة، وينتهي بك الأمر تلعب لفترة طويلة".
"أتمنى أن أتوقف عن اللعب في التوقيت الصحيح".
---
لم يكن التتويج بلقب الدوري الأوروبي هو أبرز لحظات فورلان في صيف 2010، كانت هناك فرصة أخرى للتألق في جنوب إفريقيا وبالتحديد كأس العالم 2010.
المنتخب الأوروجوياني كان قد فشل في التأهل لبطولة 2006 في ألمانيا، وتخطى المنتخب في نسخة 2010 كل التوقعات سواء بالمستوى الجماعي أو الفردي للاعبيه، تعادل سلبي ضد فرنسا في الافتتاح، ثم هدفين ضد جنوب إفريقيا وهو يلعب كصانع ألعاب.
فورلان صنع هدفا ضد كوريا الجنوبية في دور الـ16 ثم سجل 3 أهداف ضد غانا في ربع النهائي وآخر ضد هولندا في نصف النهائي وأخيرا ضد ألمانيا في مباراة تحديد المركز الثالث.
فاز دييجو بجائزة أفضل لاعب في البطولة في عمر الـ31 عاما، وأصبح في منزلة أفضل المهاجمين في العالم واسمه وسط الكبار.
في الصيف التالي وعلى خطى والده وجده، قاد فورلان منتخب أوروجواي للفوز بكوبا أمريكا، بعد أن سجل هدفين في النهائي ضد باراجواي ولعب كل مباريات البطولة.
"كان ذلك أكبر إنجازاتي، جدي فاز بها مرتين ووالدي مرة وأنا مرة، بجانب أنه أضفى قيمة لعدد المباريات التي لعبتها، منذ أن كنت طفلا كان والدي يطلب مني اللعب وأن أشعر بالحرية في الملعب، لهذا السبب أنا فخور لأنني لعبت أكثر من 100 مباراة لأوروجواي، خاصة حينما أفكر في كم اللاعبين الكبار الذين مروا على المنتخب، سعيد لكوني جزء من هذا".
تواصلت مشاركات فورلان المثمرة مع المنتخب في كأس القارات 2013 ثم كأس العالم 2014 قبل إعلانه الاعتزال الدولي.
على صعيد الأندية كان فورلان قد ترك أتليتكو في صيف 2011 إلى إنتر ميلان ولم يكن يلعب في مركزه ولم يستمر مع الفريق سوى لموسم وحيد ليرحل إلى البرازيل ليلعب إلى إنترناسيونال ثم سيريزو أوساكا الياباني وبينارول الأوروجوياني ومومباي سيتي الهندي وكيتشي الفريق الذي يقع في هونج كونج.
قرر فورلان إعلان اعتزاله، لينهي قصة لاعب مكافح لم يبخل قط بمجهوده وجل ما أراده كان المشاركة طيلة الوقت، وبالطبع أن يفي بوعده لشقيقته.
"كانت شقيقتي مصدر إلهامي، طيلة الوقت كانت صورتها أمامي في الملعب، إنها شخص خاص بروح خاصة، تساعدني دائما وأمثلها في الملعب، كلما ارتديت قميصي أتذكرها وألعب من أجلها، كل هذا المجهود والأهداف كل شيء من أجلها".
--
"رؤيته في الملعب كانت تصيبني بفرحة كبيرة، أعلم كم من العمل الصعب قام به ليصل إلى ما وصل إليه، وما تحمله، إنه يستحق كل النجاح الموجود في العالم، حينما يركض يفعل ذلك من أجلي، إنه يفعل كل شيء من أجلي، لقد عاش طيلة الفترة الماضية يفي بوعده لي".
المصادر :"جارديان - تيليجراف - فيلم فورلان - elcolombiano - سوكر أمريكا - These Football Times - السيرة الذاتية للاعب"
طالع أيضا:
فشل صفقة انتقال المحمدي إلى نيوكاسل؟
مصدر في الإسماعيلي لـ في الجول: سنفتح خطا للمفاوضات مع بهاء مجدي
تقرير: النني وافق على الانضمام لجالاتا سراي
سكاي: يونايتد أوقف مفاوضات إريكسن لأن اللاعب يرغب في الانضمام لفريق إسباني