عندما كان على أرض الملعب، كان لاعب الكرة الأغرب على وجه البسيطة نظرا لطلائه وجهه.
وعندما تم إيقافه عن لعب الكرة نهائيا، كان بالمقابل يلعب في فرق لموسيقى الروك ويثير جدلا خارج الملعب مثلما أثاره بالدخل، كان لـ داريو دبواه كاريزما طاغية في محيط كرة القدم في بوينس آيرس خلال التسعينيات، قبل أن تنتهي مسيرته بموت الفجأة!
في إحدى حفلات الروك الخاصة بـ داريو في مدينة روساريو، سُئل على المسرح بعد أن انتهى من صرخاته حول الطلاء المميز لوجهه.. في هذه المرة أجاب بطريقة تبدو عقلانية على الرغم من عدوانية الكلمات: "إنها تمنحني الطاقة، أنا ألعب كرة القدم لأذهب إلى الحرب ولأتفنن في قتل خصومي".
لا شك أن كرة القدم في بعض الأوقات هى البديل الحضاري الذي أوجدته الإنسانية عن الحروب.
لفترة من الوقت، قام داريو دبواه، وهو أحد المدافعين متوسطي المستوى الذين قاموا بجولات الدرجات السفلى من الدوريات بالأرجنتين لنحو عقد تقريبا، بتغطية وجهه ورقبته بمكياج أبيض وأسود قبل الذهاب إلى الملعب.
وفي إحدى المرات، كان عليه أن يطرق باب الحكم قبل انطلاق المباراة ويسأل عما إذا كان من المناسب استخدام المرآة لوضع الطلاء، لأن غرفة تبديل ملابس الفريق الضيف لم يكن لديها واحدة.
وجد أن الطلاء الحربي الخاص به كان له فائدة ثلاثية تتمثل في جعله أكثر قوة، وجعل المهاجمين أكثر رعبا منه، وكسب المزيد من الاعتراف. وقال "أنا مجرد مهرج ذو وجه ملون - لكنني مستعد للموت من أجل قميص فريقي".
وعلى نحو مضاد خارج الملعب، كان دبواه ملك الروك الأبرز في بيوينس آيرس، حيث ملأ بعض أوقات فراغه من خلال العزف ليس في فرقة واحدة فقط بل لثلاث.
لكن فرقة واحدة كانت تقدره بشكل كبير، إذ تشارك مع مغني الروك الأرجنتيني الشهير فوكس دي في ألبوم حمل اسم الثنائي (دبواه دي)، إذ كان للألبوم صدى واسع في أمريكا الجنوبية كلها.. ملأت صخبا في منتصف التسعينيات.
ما سبق كان كافيا لوصف دبواه بأنه شخصية مثيرة للجدل. في الأيام الأولى للطلاء الخاص به، روي عنه قصة محاولة رشوة قبل مباراة من قبل مدير الكرة بخصم فريقه، عندما أبلغه أن دبواه سيحصل على مكافأة نقدية كبيرة إذا سمح لهم بالفوز.
بصق دبواه في وجه الرجل وأمسك برأسه محاولا أن يجعله ينزل للملعب ليأكل العشب، ووصفه في وقت لاحق بأنه "فأر نذل" في وسائل الإعلام المحلية.
في مناسبة أخرى ، حيث لعب لنادي ميدلاند، وعد أحد رعاة النادي الفريق بدفع مكافأة الفوز على نادي أرجينتينوس ساندرز، وبعد الفوز تنصل الراعي من المكافأة بحجة أن اللعب كان سيئا، وهو ما دفع داريو لتغطية شعار النادي بشريط لاصق أسود حتى نهاية الموسم وملأ الأشرطة على معظم قميصه وعلى كل ما يخص العلامات التجارية بقميص النادي ثم غمسه في الوحل وارتداه قبل بدء مباراتهم التالية.
ثم كانت بعد الواقعة مباشرة مباراة أمام فريق سانديل بدوري القسم الرابع، تم طرده متعمدا ببطاقة حمراء مباشرة من قبل الحكم، وانتزع داريو البطاقة منه وذهب نحو المسؤول بالمدرجات مشهرا بها نحوه.
"هذه البطاقة الحمراء ثمنا للـ 500 بيزو التي أدخرتها عن مكافآت الفريق".. وحاول أن يندفع نحوه للمدرج محاولا ضربه، قبل أن يصده عن ذلك باقي لاعبي الفريق.
داريو لجريدة البايس الإسبانية عام 2002:
"لا أحب كرة القدم. لم أحب اللعب إطلاقا أمام أدائي للروك، أنا أفعل ذلك لأنها تنافسية وأقضي وقتي في التدريب من أجل الصبر والجلد فحسب.
"لا آكل اللحم الأحمر، ولا أشرب الكحوليات أو المخدرات. لم أفعل أي شيء من هذه الأشياء. ولذلك انا ألعب كرة القدم التي على الرغم من أنها توفر لي القليل من الأموال التي تجعل البعض ينظر لوضعي الاقتصادي بأنه كارثي، إلا أن البنسات القليلة التي أحصل عليها للعب أصبحت في متناول يدي وتحت سيطرتي أنا فقط، لا تحت سيطرة شهواتي التي نجحت في كبحها".
لقد كان طلاء الوجه هو الذي جعله سيئ السمعة حقا، على الأقل بين أتباع كرة القدم المحلية في بوينس آيرس. وقد شارك في 146 مباراة مع أندية صغيرة مثل يبانكي، لوجانو، ديبورتيفو لافاريل، ديبورتيفو ريسترا وأخيرا مع نادي ميدلاند، حيث كان مقرًا له عندما بلغ ذروته في عام 1999.
لم يكن ميدلاند معجبًا به. بعد أسبوعين من المقابلة الشهيرة ومحاولته ضرب أحد رعاة النادي، أخبروه بأن عليه أن يجد ناديا آخر. وأعلن رئيس النادي رودولفو مارشيوني:
"لا يمكن أن يستمر ذلك، علينا السيطرة على ذاك المهرج"، رد دبواه قائلاً إن مارشيوني كان "غيورا جدا لأنه على الرغم من أنه يلعب في أدنى الدرجات بالأرجنتين إلا أنه استحوذ وحده على كل انتباه الصحافة".
في صيف عام 1999 تحدث عن محاولة محتملة لبدء مسيرته الكروية في البرتغال، رغم أن دوافعه الرئيسية جاءت على ما يبدو من قراءة أن لاعبين مثل ماريو جارديل ولوبنكو درولوفيتش لاعبي بورتو البرتغالي قد تأثرا به ورسموا وجوههم باللونين الأزرق والأبيض قبل المباراة النهائية لناديهم بالموسم ضد إستريلا أمادورا دون معاقبة.
لا شيء جاء منه لتسويق تلك الخطوة من أجل اللعب في البرتغال. بدلا من ذلك، وبطريقة ما، أحيا حياته المهنية في ميدلاند مجددا، وبقي هناك حتى عام 2002.
أوائل 2002 قرر الاتحاد الآرجنتيني لكرة القدم أن دبواه وطلاء وجهه كانا سيئين بالنسبة لصورة التنافس في القسم الرابع، وعلاوة على ذلك، فقد يصعب على الحكام تحديد اللاعبين وبناء عليه تقرر منع طلاء وجهه قبل المباريات نهائيا.
وبما أنها كانت بداية النهاية، ففي مارس 2002 خلال مباراة ضد لينيرز، اصطدم دبواه مع أحد المنافسين وخرج عن الوعي. تم نقله إلى المستشفى مصابا بجروح في الرأس ونزيف في الأذن اليمنى، وبعد أسبوع من مغادرته المستشفى بعد ليلة دامية، اشتكى أن المسؤولين بالاتحاد الأرجنتيني كلهم مجموعة من الفئران لا توفر الحماية والتأمين الكامل للاعبي كرة القدم بالبلاد.
دبواه:
"لحسن الحظ، أنا على ما يرام، لكني كدت أموت على أرض الملعب ولم يفعلوا شيئا للمساعدة. أشكر هذه المؤسسة العظيمة لعدم وجودها عندما كنت في حاجة إليها ".
ربما لم يكن من الحكمة أن يتكلم كذلك عن الاتحاد. فبعد ذلك بعامين، بينما كان يلعب مع فريق فيكتوريانو، أصيب في الرباط الصليبي، وعلى الرغم من أنه كان من الممكن علاج المشكلة عن طريق الجراحة الروتينية التي تجعله يغيب لسبعة أشهر، لكنه لم يستطع تحمل نفقاتها. فتقدم بطلب للحصول على المساعدة، تم رفضه.
وبالتالي انتهت مسيرته.
في عام 1999، سئل عما إذا كان لديه خطط للتقاعد. وقال "أحب الجولف، لكنني لست غنيا، في الوقت الحالي أنا موسيقي ولاعب كرة قدم. إذا اضطررت في المستقبل إلى العمل كصبي إيجار في بيت عاهرة مثلي الجنس، فهذا ما سأفعله من أجل توفير المال فقط".
كان دبواه في طريقه إلى المنزل من العمل مع صديقته على أحد حفلات الروك في مارس 2008 عندما نُصب له كمين من قبل اللصوص الذين أخذوا دراجته وحقيبة ظهره وهاتفه المحمول وأطلقوا النار عليه في ساقه وبطنه.
توفي بعد أسبوعين تأثرا بجروحه، عن عمر يناهز 37 عاما. ومازال متابعي كرة القدم بالأرجنتين يتذكرون لاعبا قضى عمره في دوري الدرجة الرابعة بسبب تلك القصص الغريبة التي أضاءت مسيرته في اللعب والمأساة التي توفي بها قبل الأوان.
اقرأ أيضا:
الصفقة الـ 11 لـ الزمالك.. عاشور زملكاوي 5 سنوات
حوار في الجول بالفيديو - مورينتس عن مواجهة الأهلي واحتفاله بالتسجيل أمام ريال مدريد
بالفيديو - التكنولوجيا تواصل رفض ليفربول وصلاح .. سيتي بطلا للدرع الخيرية
بالفيديو - ووكر الخارق والقائم يبرزان في ملخص لمسات صلاح أمام سيتي في الدرع الخيرية