ذهبت إلى البرازيل وعدت منها قبل أن أدرك ذلك، عبرت المحيط وتنقّلت بين 3 قارات في ظرف 5 أيام، وقررت أن أسرد فصولا من هذه الرحلة التي يجب توثيقها.
أواجه في هذه اللحظات تحديا شرسا بألا أصيبكم بالملل، سأختبر قدرتي على إرسالكم إلى ساوباولو، فقط بقراءة هذه الأسطر، وآمل ألا يتملككم التثاؤب.
بدأ الأمر عندما استيقظت في أحد الأيام على رسالة من جورج صبري رئيس قسم المحتوى في سرمدي، يداعبني فيها قائلا: "اذهب إلى ماراكانا".
كانت كناية عن تكليفي بالسفر إلى البرازيل، لأني لن أزور ملعب ماراكانا أبدا، ولن أرى ريو دي جانيرو من الأساس إلا جوًا عبر زجاج الطائرة التي حملتني إلى ساوباولو.
وعلى الرغم من استضافة البرازيل لأهم حدث كروي في أمريكا الجنوبية خلال فترة إنهائي إجراءات السفر، لكن لا، لم أكن ذاهبا لتغطية كوبا أمريكا.
أما سبب قطعي مسافة تتجاوز 15 ألف كيلو متر في الهواء، فكانت بطولة RED BULL NEYMAR JR’S FIVE لكرة القدم الخماسية.
البطولة من تنظيم RED BULL، ولم أتوقع أن أستمتع حقا بالمباريات، فأنا لست عاشقا كبيرا لكرة القدم الخماسية.. ولكن.
عند ذهابي إلى سفارة البرازيل لأول مرة في القاهرة، قابلت حسن محسن، مسؤول التسويق الالكتروني في RED BULL Egypt، والذي كان أول من حدثني عن قوانين اللعبة غير الاعتيادية.
المرمى أصغر من المعتاد، ولا يوجد مركز حارس مرمى في الفريق، قبل أن يُطلعني على نظرية "الموت وخراب الديار".
إذا تلقت شباكك هدفا، فأنت لا تتأخر في النتيجة فحسب، بل تتأخر في العدد كذلك.
مع كل هداف تتلقاه، تكون مجبرا على إخراج أحد لاعبيك من أرض الملعب، وبالتالي اللعب بنقص عددي أثناء محاولتك العودة في النتيجة، مما يجعل الفريق الذي يسجل أولا في المباراة هو صاحب الحظ الأوفر للفوز عمليًا.
مدة المباراة 10 دقائق أو حتى يتلقى أي من الفريقين 5 أهداف.
أغلب المباريات تنتهي 5-0، وهي نتيجة لا تعكس بالضرورة مستوى التنافس، بل هي نتيجة منطقية للتناقص العددي لأحد الفريقين الذي تتلقى شباكه هدفا تلو الآخر.
بدت القوانين مثيرة، لكني لم أستوعبها بدقة، أو لم تتملكني المشاعر المحيطة بها إلا في النصف الآخر من العالم، داخل مؤسسة Neymar Jr Project Institute التابعة لـ نيمار جونيور نجم باريس سان جيرمان.
هي مؤسسة خيرية غير هادفة للربح، أقامها نيمار في منطقة برايا جراندي التي لعب كرة القدم في جنباتها خلال طفولته.
منطقة تبعد بحاولي ساعة وربع عن "جواروجا" حيث أقمنا، ولم تبد مكانا ودودا يقصده السياح، إذ تكدّس العشرات من الأطفال المعدمين طلبًا للقمصان والقبعات والأحذية الرياضية أو أي ما تطاله أيديهم.
المنظمون حذرونا من الاستجابة لطلباتهم، خصوصا أن هؤلاء الأطفال قاموا بابتزازنا عاطفيا بنظرات ماكرة.. حسنا، نيمار يتكفل برعايتهم، وستُفتَح الأبواب لهم في اليوم الأخير للبطولة حتى يحتلوا مقاعد المشاهدين ويطربونا بصيحاتهم.
----------------------------
في فندق الإقامة، أمكن مشاهدة أكثر من 40 جنسية مختلفة من لاعبي كرة القدم يتشاركون اللهو والمرح مساءً، بعد أن يتصادمون على أرض الملعب صباحا.
في فئة المختلط –الذكور عمليًا- تواجد 43 فريقا، 42 أبطالا عن بلدانهم، وفريق عالمي يضم عدة جنسيات بالطبع افتقد للتجانس بين أفراده الذين لم يحظوا بفرصة التدرب سويا سوى يومين قبل البطولة.
أما في فئة الإناث، فجاءت مشاركة 10 دول، من ضمنهن 5 فتيات تونسيات سأتمنى لو أكتب عنهن تقريرا خاصا في وقت لاحق.
زيكو
منذ أن لقّبوا أنفسهم باسم صديقهم المتوفي قبل 3 سنوات، لم يخسر فريق "زيكو" منافسات RED BULL داخل مصر أبدا.
3 تتويجات متتالية من أصل 4 مرات نُظمَت فيها البطولة إجمالا داخل مصر، وبالتالي ارتحالهم إلى البرازيل عام 2019 كان الثالث لهؤلاء الشبان الذين حظيتُ بفرصة مراقبتهم عن كثب.
قابلتهم أول مرة في مطار القاهرة الدولي، 6 أفراد حضروا تجاهنا مرتدين قميص منتخب مصر و"شورت" وفي أقدامهم كرة قدم، هيئتهم أعطت انبطاعا أنهم سيخوضون مباراة خلال دقائق، لكنهم كانوا على وشك السفر لـ20 ساعة حتى يصلون البرازيل.
في مساء اليوم الأول من إقامتنا بالبرازيل، تعرّفت عليهم بشكل أكثر دقة.
أعمارهم تتراوح ما بين 23 و24 عاما، أصدقاء منذ الطفولة، وعلاقتهم أقوى بكثير من ملعب كرة قدم.
ماجر بغدادي، زياد حسام، عمر الشريف، محمد طارق، محمد خالد، محمد إسماعيل "بوكس"، وسابعهم زياد طارق لم يتمكن من السفر.
زيكو قتلوا المنافسة في مصر، وبدا أنهم لا يُقهرون عند مواجهة أي فريق في المنافسة المحلية، وسجلوا ظهورا سنويا اعتياديا على أرض البرازيل.
القرعة أوقعتهم في المجموعة العاشرة –الأخيرة- رفقة: تشيلي، وقبرص، وباكستان، لكن تجربة العام الماضي منعتهم من التهاون.
بدأوا في إخباري كيف لعبوا في عامهم الأول بتركيز شديد واستطاعوا العبور حتى دور الـ16، قبل أن يدفعوا ثمنا باهظا لتهاونهم في العام الثاني بمواجهة الأردن، مباراة خسروها ويؤمنون للغاية أنها كانت في المتناول.
"اتخانقنا كلنا مع بعض".. هكذا استرجعوا كيف تملكهم الغضب بعد تلك الهزيمة قبل عام من الآن، وقتها ودعوا البطولة من دور المجموعات بفارق هدف.
في يوليو 2019، اجتمع الشبان في غرفة واحدة ليلة اليوم الأول من المباريات، وحثوا أنفسهم على استغلال الفرصة التي سنحتهم للمرة الثالثة.
لكن منافسات دور المجموعات لم تكن اعتيادية أبدا للفريق المصري.
في المباراة الأولى أمام باكستان، كان جليا أن المنافس أضعف بكثير من أن يصمد أمام نظرائه المصريين.. ولكن، دعونا نعود عدة ساعات إلى الوراء قبل مباراة الفريق المصري أمام نظيره الباكستاني.
في بهو الفندق ليلة المباراة، كنت واقفا رفقة حسن محسن الذي لعب دور مرافق فريق "زيكو" خلال الرحلة، عندما حصلنا على فرصة الحديث مع مرافق الفريق الباكستاني الذي أخبرنا أنهم فقدوا أمتعتهم، وأنه اضطر إلى شراء ملابس وأحذية جديدة للاعبيه وصلت لتوها.
مازحت أفراد الفريق المصري في هذا الشأن وأخبرتهم أنهم سيواجهون لاعبين يرتدون أحذية غير مريحة.
في المباراة، سجّل المصريون هدفين متتاليين، وعمليا عند التقدُم 2-0، فإنها مسألة وقت لا أكثر حتى تضيف مزيدا من الأهداف وتُقصي كل اللاعبين المنافسين المتبقيين من أرض الملعب، فأغلب المباريات تنتهي 5-0 كما ذكرت سابقا.
وبالفعل لم يتوقف المصريون، وأضافوا هدفا ثالثا، لم يعقبوه باحتفال، بل ركضوا جماعة نحو شباك الخصم لإحضار الكرة سريعا تحت صيحات قائدهم ماجر "خمسة خمسة".
بدا جليا أنهم يريدون تسجيل أكبر عدد من الأهداف في هذه المباراة السهلة، حتى لا يواجهون مصيرا مشابها لما حدث العام الماضي، لكن هذا لم يحدث.
انتهت المباراة 3-0 فقط بعد أن أهدر المصريون آخر دقيقتين تقريبا دون أن يسجلوا رغم تفوقهم بـ3 لاعبين على الفريق الباكستاني، ليصب القائد ماجر غضبه على زملائه بعد المباراة.
كانت هذه المباراة هي الوحيدة التي سيفوز فيها الفريق المصري، ولكنهم لم يحظوا حتى بفرصة الاحتفال بالانتصار فيها بشكل لائق، وانشغلوا بلوم أنفسهم على عدم تسجيل هدفين إضافيين في شباك الفريق الباكستاني المتواضع.
المباراة الثانية كانت أمام تشيلي، وقد شاهدت انتصارهم في المباراة الأولى على قبرص 3-0، لم يتمتعوا بمهارات عالية، لكن أسلوبهم في اللعب يستفز الخصوم بصورة كبيرة.
في مباراة مليئة بالندية والعنف، لم يقدر أي من الطرفين على التسجيل، لتتعادل مصر 0-0 أمام تشيلي، مباراة كان فريق "زيكو" المهيمن عليها تماما.
قبل أن تحل الصدمة الكبرى في المباراة الثالثة أمام قبرص، سقوط مفاجئ ومدوٍ بخمسة أهداف نظيفة، المصريون لم يدركوا كيف لهذا الفريق القبرصي الضعيف الذي شاهدوه في المباراة الأولى أمام تشيلي، أن يجرّدهم من حلمهم!
بعد هذه الهزيمة الصادمة، صار "زيكو" في حاجة إلى معجزة حسابية.
قواعد البطولة تنص على تأهل المتصدر عن كل مجموعة إلى دور الـ16، أما أصحاب المركز الثاني فيلعبون الملحق، والآن مع الهزيمة أمام قبرص، تبخر حلم المركز الأول، وصار الأمل في المركز الثاني، وكانت أمنية شبه مستحيلة بدورها.
حتى تحتل مصر المركز الثاني، يجب أن تفوز تشيلي على باكستان، ثم تفوز باكستان على قبرص، والشرط الأخير تحديدا كان تعجيزيا.
قبل مباراتهم الأخيرة، حضر أفراد باكستان إلى المصريين الذين تملكهم الجزع، وسألوهم: "ماذا تحتاجون من مباراتنا؟".
فأتت الإجابة: "أن تفوزون".. ليأتي الرد الباكستاني الواثق: "سنفعل".. ضحكت شخصيا من تلك الثقة التي لا مبرر لها، ثقة صادرة من لاعبين بالكاد يتناقلون الكرة بشكل سليم.
لم أتمكن من التواجد عند انطلاق مباراة باكستان وقبرص، إذ اضطررت إلى العودة إلى حجرة الإعلاميين لشحن هاتفي، عندها وصلتني رسالة من زميلي في تلك الرحلة، عمر أشرف: "تعالى بسرعة، باكستان كسبانة 2-0".
هرولت كالبرق نحو ملعب "2" الذي أقيمت عليه المباراة، وعند وصولي كانت باكستان قد سجلت هدفين آخرين بالفعل، وجدت الفتية المصريين متراصين على جانب الملعب ويهتفون "باكستان باكستان"، وبدا أن الفريق الباكستاني يفي بوعده، ويحقق معجزة.
باكستان 5، قبرص 1، مصر 4 نقاط خلف تشيلي صاحبة الـ7 نقاط، إلى الملحق إذًا.. شكرا باكستان!
في الملحق، كانت رومانيا نصيب الفريق المصري بعد إجراء القرعة، فريق بدني يتمتع أفراده بأجساد صلبة وقامات فارعة وملامح قاسية.
على أرض الملعب، فرض الرومانيون هيمنتهم على المواجهة، وهزموا فريق "زيكو" بأربعة أهداف دون رد عن جدارة دفعت اللاعبين المصريين بعد المباراة إلى الاعتراف باستحقاق نظرائهم الفوز.
انتهى الحلم المصري في هذه البطولة، لكنهم لا ينون التفريط في لقبهم المحلي بالعام المقبل، على أمل زيارة رابعة على التوالي لأرض البرازيل.
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. في البرازيل
في فندق بمدينة جواروجا داخل ولاية ساوباولو البرازيلية، سمعت صوت حفيظ دراجي يتردد في الأنحاء!
كنت أدرك أن الجزائر تواجه كوت ديفوار في هذه الأثناء، ولعلها رغبتي الملحة في مشاهدة المباراة دون قدرتي على تنفيذ ذلك، هي ما أطلقت أصوات المعلّق الجزائري المحبوب في مؤخر رأسي كالسراب، لكن في الواقع، كان ذلك صوت الدراجي بحق وليس سرابا.
تحركت إلى بهو الفندق، لأجد أفرادا من عدة جنسيات يتكدسون أمام شاشة موصولة بلابتوب تعرض بثا للمباراة المصيرية تم التقاطه عبر الإنترنت.
أفراد الفريق الجزائري استحوذوا على مقاعد المقدمة الملاصقة للشاشة، ومن خلفهم جلس المصريون، كما اهتم الكنديون والبلجيكيون بمتابعة المباراة لأنهم ضموا في صفوفهم أفرادا ذوي أصول عربية.
صيحات الجزائريين كانت رنانة مع كل هجمة، تغطي على صرخات الدراجي، مما استدعى بقية الجنسيات في الفندق إلى التوقف والاستفهام حول المباراة ومناسبتها.
في غضون دقائق، كان هتاف 1,2,3 viva l’algerie يهز أنحاء الفندق، بواسطة ألسن غير عربية بالضرورة.
مع الإهدار الأخير في ركلات الجزاء التريجيحة والإعلان عن تأهل الجزائر إلى نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية، انقلب المكان رأسا على عقب وسط احتفالات صاخبة من الحاضرين.
حضرت صيحات الجزائريين الرائعة في استاد الدفاع الجوي في القاهرة، وبعد حوالي أسبوعين بالنصف الآخر من الكرة الأرضية، حضرت صيحاتهم مجددا، ورأيت كيف وحّدت شاشة تبث مباراة كرة قدم كل الحاضرين، كيف جعلتهم طينة واحدة يتشاركون الهتاف والاحتفال.
في ذلك اليوم، وقعت في حب كرة القدم مجددا بعد أن وقعت في حبها آلاف المرات السابقة.
ظهور عربي أليف.. والكويت
مصر، والأردن، وعمان، والجزائر، وتونس، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والكويت كانوا ممثلي العرب في هذه البطولة، لكن جميعهم فشلوا في العبور إلى دور الـ16، باستثناء الكويت.
بل على النقيض، كان الفريق الكويتي واحدا من أفضل المشاركين في البطولة عموما، وكسب احترام الجميع.
لعب المُلحق وتجاوزه، واصطدم بـ كندا في دور الـ16، واحدة من أشرس مباريات البطولة وأكثرها ندية بين فريقين متكافئين.
انبهرت كثيرا بالكويتيين في كل مشاهداتي لهم، كأنهم يحفظون قوانين هذه اللعبة عن ظهر قلب، يتحركون بشكل آلي ويتفاهمون للغاية، شاهدتهم يخسرون 0-3 أمام المكسيك في الدور الأول، وتعجّبت كيف كانوا قادرين على مجاراة خمسة لاعبين مكسيكيين بلاعبين اثنين فقط في نهاية اللقاء.
في دور الـ16 أمام كندا، انتهت المباراة على التعادل 0-0، فماذا يحدث في هذه الحالة.
1x1، لاعب في مواجهة آخر، مباراة فردية مثيرة تبدأ بإسقاط، وتشهد الكثير من التوتر، إن تعرضت للمراوغة فالمرمى خلفك خالٍ.
في النهاية، خسرت الكويت هذه المواجهة الفردية، وودعت البطولة بعد أن نالت احترام كل من شاهدوها.
تسميات غريبة
كل فريق يحمل اسمه الخاص، والذي قد لا يكون تقليديا بالضرورة.
فريق أنجولا حمل أفراده اسم "واكاندا"، أما فريق عُمان فيدعى “Family Team”، اسم يليق بهم، لأنهم عائلة بالفعل من جيلين مختلفين.
على النقيض، حمل اسم الفريق الأردني الحد الأدنى من الابتكار: علي الشيخ، اسم قائدهم.
الرد الياباني
أثناء إجراء القرعة في شاطئ جواروجا، رأيت فتيات فريق اليابان للمرة الأولى.
تعجّبت، فقوانين البطولة تقول أن المشاركين والمشاركات تبدأ أعمارهم من 16 عاما، وهؤلاء الفتيات صاحبات القامات القصيرة والأجساد الهزيلة، لا تُنبئ هيئاتهن عن وصولهن لهذا العمر قط.
زادت حيرتي عندما رأيت البنية الجسدية لفتيات الفرق الأخرى المشاركة، وانتظرت أن تُمنى فتيات اليابان بهزائم ثقيلة، لكن على أرض الملعب رأيت العجب.
بالكاد لا يُقهَرن، أقول بالكاد لأن اليابانيات خسرن مباراتين فقط، الأولى والأخيرة أمام نفس المنافس: سلوفاكيا.
بدأوا البطولة بالهزيمة أمام سلوفاكيا، لكنهم تماسكوا وشقوا طريقهم حتى المباراة النهائية، مطيحين في طريقهن بالبرازيليات، والإيطاليات، والإنجليزيات، والكنديات.
في النهائي توجب عليهن الاصطدام بـ سلوفاكيا مجددا، وتلك المباراة كانت الأفضل في البطولة كلها بين مختلف الفئات.
اليابان تقدمت بهدف أول، لكن السلوفاكيات عدن في المباراة وسجلن هدفين.
وما أعجبني للغاية في أداء اليابانيات، أنهن لا يتأثرن بأي نقص عددي، فبعد تبقي 3 أفراد منهن فقط على أرض الملعب، واصلن اللعب بشكل متماسك، وهاجمن السلوفاكيات العملاقات بشراسة.
فتاة يابانية أستبعد أن يتجاوز طولها 150 سم، ولا يتجاوز وزنها 40 كيلوجراما على الأرجح، انطلقت بالكرة مطيحة بفتيات أقوى منها بدنيا بشكل مُبهر.
في الثواني العشرين الأخيرة، أهدرت اليابانيات 4 فرص محققة للتسجيل في مواجهة المرمى لمعادلة النتيجة، وخسرن المباراة بكثير من المرارة.
سلوفاكيا بطلة لفئة الإناث.
حادثة
ظهر نيمار جونيور أخيرا، النجم المرتقب أطل علينا قبل المباراتين النهائيتين، وجلس ليشاهد صدامي تحديد البطلين.
بعد تتويج فتيات سلوفاكيا، هبط نيمار إلى أرض الملعب لتسليمهن الكأس شخصيا، وفي تلك اللحظة أشحت بنظري لثانية واحدة، وعندما نظرت مجددا إلى الملعب، وجدت فتاة سلوفاكية ملقاة على الأرض تتألم بشدة.
هل انهارت غير مصدقة فوزهن بالكأس الغالية؟ أمر مستبعَد.
لحسن حظي كنت أقف مباشرة إلى جوار مرافقهن السلوفاكي، وعندما سألته عما حدث أجابني: "لا أعرف، لكن الفتيات يضحكن".
بعد لحظات حضرت تجاهنا إحدى الفتيات، اعتقدنا أنها بصدد إطلاع المرافق على حالة زميلتها، لكنها كانت قادمة لأخذ هاتفها حتى تلتقط "سيلفي" مع نيمار.
المرافق سألها عما حدث، وتبيّن أن الكأس صدمت زميلتها وتسببت في فقدانها 3 أسنان.
رُفعَت الفتاة المصابة على ناقلة لأجل إسعافها، ورَفعت زميلاتها الكأس.
*لحظات قبل الكارثة
نيمار سليم مُعافى
لم يكن من المفترض أن تقام المسابقة في مؤسسة نيمار فحسب، بل توقعنا ظهوره شخصيا أيضا، وهوما حدث.
البرنامج الأولي للبطولة، ذكر أن النجم البرازيلي سيكوّن فريقه الخاص من أصدقائه، ويواجه الفائزين في مباراة استعراضية، كان ذلك قبل أن يخرج باكيا أمام قطر في مباراة ودية غيّبته عن تتويج بلاده بكوبا أمريكا 2019.
نيمار أصيب قبل 5 أسابيع تقريبا من البطولة التي تحمل اسمه، مما دفع المنظمين إلى إخبارنا أن نيمار لن يكون قادرا على اللعب كما كان مخططا، ولحسن الحظ هذا لم يكن صحيحا.
قبل سفري إلى البرازيل بيومين، اشتعلت أزمة في فرنسا، نيمار متغيب عن التدريبات الأولى لمعسكر إعداد فريقه باريس سان جيرمان، ومتواجد في بلاده البرازيل، مما دفع ناديه إلى إصدار بيان غاضب في حقه.
وقبل سفري بأقل من 24 ساعة، حررت خبرا على FilGoal.com، نقلت فيه تصريحات ليوناردو المدير الرياضي لـ باريس سان جيرمان، والتي صرّح فيها: "نيمار متغيب لأنه ملتزم تجاه مؤسسته وراعيه، ولكن نحن –باريس سان جيرمان- لم نوافق على هذه التواريخ، فقد لعب مباراته الأخيرة معنا يوم 6 يونيو، وإجازته كانت ممتدة حتى 8 يوليو فقط".
ضحكت أثناء ترجمتي لهذه الأسطر، فقد شعرت أنني متورط بشكل أو بآخر في هذه الأزمة، أنا مسافر غدا لتغطية هذا الحدث الذي فضّله نيمار على تدريبات فريقه.
أما المفاجأة، فكانت أن نيمار لعب مباراتين بالفعل أمام الفائزات عن فئة الإناث، والفائزين عن فئة المختلط.
نيمار لم يلعب فحسب، بل ركض وراوغ وقاتل ودافع وهاجم وصرخ ووجّه ولام واستعرض وسجل، لعب بكل قوته خلافا لما هو متعارف عليه بين النجوم الكبار في مثل هذه المناسبات.
على بُعد أمتار قليلة، كنت قادرا على إدراك أن نيمار جاهز 100% وأنه تعافى تماما من إصابته.
الندم والوحدة
كرة القدم لعبة تقبل دائما التعويض، تقبل العودة، تقبل "الريمونتادا"، هذه واحدة من صفاتها المجنونة، وهذه واحدة من الصفات التي تفتقدها كثيرا في منافسات RED BULL NEYMAR JR’S FIVE.
إذا تلقت شباك فريقك هدفا واحدا، فاستعد للموت البطيء، سيجلس أول المغادرين لا حول له ولا قوة، يشاهد أصدقائه ينكَل بهم بعد نقصهم العددي، سيدرك لا محالة أن الفرصة قد ولّت، وأنهم في حاجة إلى معجزة.
وعندما تتزايد أعداد المغادرين من الفريق المهزوم، ويتبقى آخرهم، يكون في صدام أمام 5 لاعبين آخرين.
في هذه الحالة رأيت ردود فعل متباينة، أذكر كيف حاولت اللاعبة التونسية الدفاع عن مرماها بشجاعة كبيرة أمام 5 فرنسيات حتى تلقت الطلقة القاضية.
وانبهرت للغاية باللاعب الكندي الأخير الذي حافظ على الكرة لمدة طويلة أمام 5 إسبان وراوغ 3 منهم بكثير من الإقدام، قبل أن يجرّدونه من الكرة ويسجلون في مرماه الخالي.
أما الروماني الأخير المتبقي في نصف النهائي أمام المجر –أبطال المسابقة بالمناسبة-، فعندما أيقن أن الحلم قد تبخّر، ركل الكرة إلى الخلف وتنازل عنها لمنافسيه، وبدأ في مصافحتهم، لم يعد مهما أي شيء، فقد خسرنا بالفعل.
وقد تأججت مشاعري للغاية في اللحظات التي يضطر فيها أحد الأفراد إلى مواجهة 5 لاعبين وحده، والوحدة التي تتلمكه بعد أن تناقص زملائه واحدا تلو الآخر.
لاعبو "زيكو" أخبروني أنهم يحرصون في هذه الحالة عند مواجهة لاعب واحد، على التسجيل في أسرع وقت، ويتجنبون تماما الاستعراض أمامه، وهذا ما لاحظت تطبيقه بواسطة أغلب الفرق في بطولة اتسمت بالروح الرياضية بشكل بالغ.
لا أدري إن كنت سأتحصل على فرصة زيارة البرازيل مجددا أم لا، لكني زرتها بالفعل على أي حال.