كتب : أمير عبد الحليم
رشيدي ياكيني، إيمانويل أمونيكي، صنداي أوليسيه، دانييل أموكاشي، جاي جاي أوكوشا، ستيفان كيشي وسامسون سياسيا.. بعد كتابة تاريخ في تونس 1994 خسرت كأس الأمم مشاركة منتخب نيجيريا بكل نجومها هؤلاء في جنوب إفريقيا 1996.
جيل ذهبي لمنتخب نيجيريا كان بدأ حملته للسيطرة على حكم الكرة الإفريقية لسنوات، لكن هل تتخيل إن كل هذه الأسماء لم تحقق أكثر من التتويج ببطولة 94!
توج النسور الخضراء بكأس الأمم الإفريقية 1994 لأول مرة بعد غياب 14 عاما، وقدموا أنفسهم للعالم بأداء راق في المشاركة الأولى في مونديال 1994.
ومع كل الأسماء الكبيرة السابقة، قدم نجوم شباب مثل نوانكو كانو وسيلستين بابايارو أنفسهم كمستقبل للنسور الخضراء بعد التتويج بكأس العالم تحت 17 عاما في اليابان 1993.
الحاضر والمستقبل في إفريقيا يبدوان تحت سيطرة الأقدام النيجيرية، حتى أنهت السياسة كل شيء.
قبل أيام من إنطلاق بطولة كأس الأمم الإفريقية 1996، وتحديدا يوم الثلاثاء 9 يناير أعلن الجنرال ساني أباتشا الرئيس النيجيري صدمة كبيرة للكرة الإفريقية بعدم مشاركة بلاده في البطولة.
قرار مفاجئ وصادم بانسحاب منتخب النسور الذي كان يمتلك فريقا هو الأقوى في القارة وقادر على الجلوس على عرشها لسنوات.
وباتت البطولة رقم 20 في تاريخ كأس الأمم الإفريقية في أزمة حقيقية بعد انسحاب المنتخب الأقوى في القارة والمرشح الأول لاقتناص اللقب قبل انطلاقها بأيام.
قصة البطولة
وقع الاختيار على جنوب إفريقيا لاستضافة البطولة بدلا من كينيا، بعد قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بزيادة عدد المنتخبات المشاركة من 12 إلى 16 فريقا لأول مرة.
الاستعدادات في كينيا لم تسر بالسرعة المطلوبة، وهذا أشبه بما حدث في نسخة 2019 التي تشهد مشاركة 24 منتخبا لأول مرة ليُسند تنظيم البطولة لمصر بدلا من الكاميرون.
وكان اختيار جنوب إفريقيا بمثابة قبلة الحياة للرياضة في البلد التي عادت مؤخرا للمشاركات الدولية والقارية بعد سنوات من العزلة كرويا بسبب التمييز العنصري.
ورغم أن جنوب إفريقيا كانت من الدول الأربعة المؤسسة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، إلا أن سرعان ما تم تعليق عضويتها بسبب دستور البلد الذي كان يحظر الاختلاط في الفرق الرياضية، وبالتالي كان لا يُسمح للاعبين البيض والسود بالمشاركة في فريق واحد.
ابتعدت جنوب إفريقيا عن المشاركة في أي مناسبات كروية، حتى عام 1991 عندما سقط نظام الفصل العنصري الذي حُكمت به البلاد لعقود وتم تأسيس أول اتحاد كرة قدم متعدد الأعراق.
وشاركت جنوب إفريقيا في تصفيات كأس الأمم الإفريقية 1994، لكنها فشلت في الظفر ببطاقة الظهور الأول في البطولة القارية.
وتأجلت مشاركة البافانا بافانا في كأس الأمم إلى 1996، مع استضافة البلاد للبطولة.
لكل هذه الأسباب، حظت البطولة باهتمام غير مسبوق لدرجة أن جواو هافيلانج رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم وعد جنوب إفريقيا بدعم ملفها لتنظيم كأس العالم 2006 في حال نجاح تنظيم الحدث القاري.
كل شيء كان يسير في طريق تنظيم بطولة تاريخية، فماذا حدث؟
بالعودة لنوفمبر 1995 أي قبل انطلاق البطولة بـ3 أشهر، وقع خلاف كبير بين نيلسون مانديلا رئيس جنوب إفريقيا والجنرال ساني أباتشا رئيس نيجيريا الذي تولى منصبه بعد انقلاب عسكري.
الشق الأخير من الجملة السابقة ربما يكشف لك كيف وقع الخلاف بين المناضل الأبرز في قارة إفريقيا وأول رئيس أسود في تاريخ بلاده، والجنرال النيجيري الذي أعدم الصحفي المعارض كين سارو ويوا مع 8 معارضين آخرين رغم المطالبات الدولية بإطلاق سراحهم.
وبعد إعدام المعارضين، شن مانديلا حملة شرسة على الرئيس النيجيري ودعا العالم لوقف شراء النفط من نيجيريا التي تعتمد على البترول كمصدر أساسي للدخل.
ومع مرور الأيام واقتراب انطلاق البطولة، لم يهدأ الخلاف بين الزعيمين بل ازداد التوتر وخرجت التصريحات الهجومية من كل طرف في حق الآخر، حتى ألقى أباتشا بقنبلته وأعلن انسحاب منتخب بلاده من البطولة خشية على سلامة أفراد البعثة.
وماهية القرار كانت واضحة للجميع، أباتشا يريد إحراج مانديلا وجنوب إفريقيا أمام العالم.
جنون في الكاف
غياب أفضل فريق في القارة وحامل لقب البطولة بعد مشاركة تاريخية ورائعة في مونديال 1994 سبب جنونا كبيرا بين جدران الكاف.
وخرج مصطفى فهمي الأمين العام للكاف بتهديدات واضحة: "إذا لم تشارك نيجيريا سيتم تعليق مشاركاتهم في البطولة لمدة 6 سنوات، وسيكون ذلك ضارا جدا لكرة القدم النيجيرية والإفريقية".
وتبدو حالة الغضب التي انتابت مسؤولي كاف بعد القرار النيجيري منطقية، فغياب حامل اللقب والفريق الأقوى قاريا يضر بالبطولة اقتصاديا قبل فنيا.
وهذا بالإضافة للمشاكل الاقتصادية التي تواجه المنتخبات المشاركة، فمنتخب الكاميرون أول فريق إفريقي يتأهل لربع نهائي كأس العالم في مونديال 90 تأخر في السفر إلى جنوب إفريقيا لمدة أسبوع رغم أنه طرف في مباراة الافتتاح بسبب عدم وجود أموال كافية لشراء تذاكر الطيران.
ويضطر جورج ويا نجم ليبيريا وأول إفريقي يفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم للصرف على منتخب بلاده من جيبه الخاص، وصرح "مع غياب نيجيريا ستخسر البطولة كثيرا من رونقها والاهتمام الإعلامي بها، مع تأثير سلبي كبير على إفريقيا كلها".
وهاجم ستيف تشويتي وزير الرياضة في جنوب إفريقيا قرار نيجيريا وتوقيته أيضا وقال: "لا ينبغي السماح لأي دولة بتشويه صورة كرة القدم الأفريقية".
وحاول كاف تدارك الموقف بتوجيه دعوة لغينيا للمشاركة بدلا من نيجيريا، إلا أن غينيا رفضت في رد غير متوقع فسرته التقارير الصحفية بأنه جاء بضغط من الجنرال ساني أباتشا.
وفي نيجيريا، عززت قوات الأمن من تواجدها أمام مقر وزارة الرياضة مع خروج مظاهرات جماهيرية غاضبة من قرار الانسحاب.
اجتماع حاسم
مع تزايد الغضب بين الجماهير النيجيرية وتهديد كاف، اضطر الرئيس النيجيري للاجتماع بلاعبي المنتخب لشرح أسباب قراره.
وبالتأكيد لم يكن مفاجئا إعلان لاعبي المنتخب تأييدهم للقرار بعد هذا الاجتماع.
وبالفعل عقب الاجتماع، خرج أوستن إجوافوين قائد الفريق ليصرح "القرار مؤلم للغاية، لكننا ندعم الحكومة".
وقال بيتر روفاي حارس المرمى: "كنا قلقين قبل هذا الاجتماع، ولكن بعد اليوم تم توضيح الأمر لنا مرة أخرى، وبصورة معقولة اتفقنا تماما على قرار الحكومة إلى جنوب إفريقيا".
وحُسم الأمر، لن يشارك النسور الخضراء في كأس الأمم 1996.
وفي غياب حامل اللقب والمرشح الأول، توج منتخب جنوب إفريقيا بكأس البطولة في المشاركة الأولى له وكأن قرار ساني أباتشا كان في صالحهم، وقبل أشهر قليلة من تتويج نيجيريا بذهبية أوليمبياد أتلانتا.
تتويج منتخب جنوب إفريقيا بالتأكيد لا يأتي على هوى نجوم نيجيريا حتى الآن، وصرح نوانكو كانو نجم النسور لأول مرة في 2014 أن القرار كان عكس رغبة اللاعبين، عكس التصريحات التي خرجت وقتها.
وقال كانو: "جنوب إفريقيا فازت باللقب ولكنهم ليسوا أبطالا حقيقين، لتكون بطلا يجب أن تواجه البطل، فنيجيريا كانت تحكم القارة كرويا وكنا نطير بقوة".
وكشف "اللاعبون أرادوا الذهاب لجنوب إفريقيا واللعب وتكرار ما فعلناه في 1994، ولكن الرئيس لم يرغب في سفرنا ولم يكن في أيدينا شيء لنفعله".
ونفذ كاف تهديده، وحُرمت نيجيريا من المشاركة في كأس الأمم الإفريقية 1998 والتي توج بها منتخب مصر في بوركينا فاسو.
للصدفة، تزامن انتهاء عقوبة نيجيريا مع وفاة ساني أباتشا في 1998 وقبل أيام من المباراة الافتتاحية للنسور الخضراء في مونديال 98.
وقف اللاعبون دقيقة حداد على وفاة أباتشا في فرنسا، ثم تحرروا ليظهروا قدراتهم أمام العالم كله بفوز رائع على إسبانيا 3-2 والذي مهد لمشاركة أخرى رائعة بعد نسخة 1994.
وعادت نيجيريا لكأس الأمم 2000 باستضافة البطولة بالتعاون مع غانا، وواجهت جنوب إفريقيا في نصف النهائي وفازت عليها 2-0 بهدفي تيجاني بابانجيدا.
لكن تأخر التتويج بالكأس الثالثة حتى بطولة 2013 تحت قيادة ستيفن كيشي واحد ممن حرمهم ساني أباتشا من السيطرة على إفريقيا في التسعينات.
لا نعرف ماذا كان يستطيع الجيل الذهبي لنيجيريا أن يحقق لو كان شارك في البطولات التي حُرم من المشاركة فيها، لكن ربما كان ذلك أيضا في مصلحة منتخب مصر المتوج ببطولة 1998، ولاحقا في الألفينات أصبح أول منتخب يفوز بالبطولة في 3 نسخ متتالية.
اقرأ أيضا:
أوديون إيجالو.. "الله كان دائما معي وحلمي أمامي"
زياش يعتذر لوزير الرياضة المغربي بعد أزمة "الـ23 مكالمة"
سولشاير: رحيل بوجبا؟ لسنا مجبرين على بيع أي لاعب
تقرير: خليلوزيتش مرشح لخلافة رينار في المغرب
حكم لقاء البرازيل والأرجنتين يفسر سبب عدم احتسابه ركلتي جزاء
كوكا يعتذر لجماهير مصر: أمور كثيرة يجب توضيحها قريبا