نيكولاس ديبوي.. الرجل الذي لم يفقد ظله

قضى معظم مسيرته كلاعب في الدرجات الأدنى من الدوري الفرنسي. لم يكن هناك شيئا مميزا في رحلته كلاعب أو حتى كمدرب.. كان ذلك قبل أن يتولى تدريب منتخب دولة جزرية في المحيط الهندي.

كتب : لؤي هشام

الأربعاء، 03 يوليه 2019 - 17:13
نيكولاس ديبوي - مدرب مدغشقر

قضى معظم مسيرته كلاعب في الدرجات الأدنى من الدوري الفرنسي. لم يكن هناك شيئا مميزا في رحلته كلاعب أو حتى كمدرب.. كان ذلك قبل أن يتولى تدريب منتخب دولة جزرية في المحيط الهندي.

مسيرة لم تعرف الإنجازات أو الإبهار لوقت طويل ولكن القدر حمل له بعضا من التقدير بعد عقود من العمل المتواصل دون يأس.. هنا نتحدث عن نيكولاس ديبوي.

الرجل الفرنسي كان من كتب التاريخ رفقة منتخب مدغشقر بعدما قاده للمشاركة للمرة الأولى في كأس أمم إفريقيا، ولكنه لم يكتف بشرف المشاركة فقط.

مدغشقر حققت المفاجأة الأبرز في البطولة حتى الآن وتأهلت عن المجموعة الثانية كمتصدر بعدما أذهلت الجميع بالفوز على نيجيريا بهدفين نظيفين.

ديبوي صاحب الـ51 عاما، ارتبط طوال مسيرته بـ مولين يزير - القسم الرابع الفرنسي - فلعب في صفوفه لعدة سنوات خلال ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يشرف على تدريبه منذ 1996 وحتى 2011، ثم عاد لتدريبه مجددا من 2012 حتى 2017.

في عام رحيله عن مولين يزير، تولى تدريب مدغشقر، ليجعل نفسه الاسم التدريبي الأبرز في تاريخ منتخب الجزيرة بظرف عامين فقط.

في يناير الماضي، وسّع ديبوي من سلطاته التدريبية، وتعاقد مع فريق فلوري من القسم الرابع الفرنسي، ليشرف عليه جنبا إلى جنب مع منتخب مدغشقر.

"لا أترك شيئا للصدفة، هذا سر نجاحي مع مدغشقر". ديبوي.

طالع أيضا - (فيلم مدغشقر.. أندريانامبوينيميريناتومبوكويندريندرا)

قبل أيام وتحديدا في الـ30 من يونيو الماضي قال جيرنوت روهر المدير الفني للمنتخب النيجيري قبل مواجهة رجال ديبوي "مهارات مدغشقر تمنحهم الأفضلية في التهديف علينا".

تصريح أثار الاستغراب والدهشة في آن واحد، فالمدرب الألماني يتحدث عن فريق مغمور يشارك للمرة الأولى في البطولة، وأمام النسور الخضراء أصحاب الخبرة الطويلة بالقارة السمراء.

لكن ما حدث بعدها بعدة ساعات أثبت أن كلمات روهر لم تكن من قبيل المجاملة أو المصادفة. نبؤته تحققت ومنتخب باريا فاز على نيجيريا بهدفين ليضمن الصدارة.

"منتخب مدغشقر كان الأفضل اليوم، لم نستطع مجاراته.. لديهم دفاع قوي ومنظم، فريق مدغشقر صاحب حظ كبير لكنه يستحق الفوز".

"مدغشقر منتخب مميز، سيبلي حسنا في المباراة المقبلة، على الجميع أن يحذر من مدغشقر".. هكذا اعترف روهر ببساطة.

وللتعرف أكثر على شخصية الرجل صاحب الـ51 عاما يتحدث ديبوي عن قدرته على إدارة فريقين في ذات الوقت، ويظهر جانبا كبيرا من قدراته التنظيمية.

ويقول: "أعتقد أنه شيئا عظيما أن تتمكن من مشاركة خبراتك ومعرفتك في مكانين مختلفين. التوازن بين الفريقين يحتاج فقط لتفهم طبيعة الموظفين المختلفين، لكن الأمر ليس سهلا لأنه يتعين عليك القيام بالكثير من التضحيات".

"عليك أن تقسم وقتك جيدا، وتمنح الاهتمام للتفاصيل. الفريقان محببان إلى قلبي، وهما مشروعان أود العمل عليهما.. جعلت الأمر واضحا بالنسبة لفلوري وأخبرتهما أنني سأمنح معظم وقتي لمدغشقر، تأهلنا لأول مرة لأمم إفريقيا ومن واجبي ضمان الاستعداد الجيد للبطولة".

كلمات ديبوي تحققت وتقسيم الوقت بين الفريقين منح فلوري فرصة البقاء في القسم الرابع الفرنسي بعد احتلال المركز العاشر.. أما مدغشقر فنعلم الآن كيف أصبح وضعها في البطولة.

تصريحاته قبل البطولة أظهرت ثقة كبيرة في فريقه "أدينا العديد من العمل هنا، نريد أن نقدم أداء جيدا ونكتب التاريخ، وأعتقد أن لدينا فرصة لتحقيق ذلك. لدي سند قوي رفقة هؤلاء اللاعبين، وسيكون رائعا استكمال تلك القصة".

حسنا، القصة باتت الآن أكثر روعة، وفصولها المثيرة قد تستمر لفترة أطول يا ديبوي.

لكن نيكولاس يصمم أن يظل على أرض الواقع ويرفض الذهاب بعيدا بخيالاته سعيا لمزيد من النتائج في الميدان وأملا في رفع الضغوط من على كاهل لاعبيه.

يتحدث المدرب الفرنسي بعد التأهل لدور الـ16 ليواجه الكونغو الديمقراطية "إنه قدر. كنا نأمل في التأهل للبطولة ثم في تحقيق الفوز الأول، الآن نحن في ثمن النهائي. شكرا لكل لاعبيني".

"لكننا مازلنا أقزام بالنسبة لباقي المنتخبات، وقول ذلك يساعدنا كثيرا. والآن سنحاول الذهاب إلى أبعد حد".

"أتينا إلى هنا دون ضغوط، وقوتنا أصبحت في تصاعد، لا يجب أن نخجل مما وصلنا له".

يضعنا الرجل الذي قصى معظم مسيرته كلاعب في مركز الظهير في الصورة أكثر عن كم الجهد المبذول رفقة منتخب باريا.. جهد شاق وتخطيط منظم ونتائج منتظرة.

"لا أود أن يلعب لاعبيني ضد الطبيعة. التمرير المتواصل والاستحواذ يجب أن يكونا علامتنا، وعلى الصعيد الدفاعي فإننا عكس جميع المنتخبات نستطيع اللعب بتماسك واضح، وهذا ما صنع الفارق معنا في الوقت الحالي".

"لا يوجد أسرار، نحن معا منذ شهر ونتدرب مرتين يوميا، شاهدنا العشرات من مقاطع الفيديو، والحصص التدريبية المختصرة، اللاعبون لديهم انتباه واضح، محظوظ لأنهم ملتزمون تكتيكيا".

"دائما ما أقول إن العمل يجني ثماره، عندما نستحق فإننا ننجح. اللاعبون يستحقون ما وصلنا له وأعتقد أنا أيضا استحق ذلك، وإن كان هناك بعضا من الحظ فإنه جزء من اللعبة . العمل تجني ثماره دائما، هذا ما أخبر به اللاعبين".

هل يدرك ديبوي تمام الإدارك أن ما يفعله مع مدغشقر هو شيء مختلف وجديد تماما؟

يجيب ديبوي "نعم ولا في ذات الوقت، نحن دوما في روتيننا اليومي وفي دائرة مغلقة. حقيقة لا ندرك تماما ما فعلناه ولكننا نحصل على صور من العاصمة انتاناناريفو حيث يصيب الجنون الكامل البلاد. ندرك أن هناك الكثير من الجنون حولنا وأن ما نفعله يحرك البلد بأكملها".

"عندما بدأنا البطولة نظرنا إلى نيجيريا ووجدناها غير قابلة المساس، أما غينيا فمن الصعب التغلب عليها، لذا كان هدفنا احتلال مركز ثالث من أجل التأهل، لذا ما حققناه أفضل بكثير بالتأكيد".

صحيح أن الكثير من العمل يشكل حافزا كبيرا لكن هل جال بباله أنه قد يحقق تلك النتائج؟ يبدو الأمر ضبابيا حينها.

"كانت الاستعدادات تسير بشكل عادي ونتائجنا كانت مختلفة بالوديات لكن ما لفت نظري أن الخصوم كانوا يلعبون أمامنا بثقة كبيرا وببعض الاستخفاف. فقط حينما تعلم ما أنت قادر على فعله فحينها تكون أنت الوحيد المتأكد من قوتك".

"الأجواء كانت رائعة ومناسبة للعمل".

ويشير إلى دور لاعبيه في الحفاظ على تلك المنظومة المتناغمة "لاعبون مثل أنسينت أبيل وإبراهيم أمادا يدفعان المجموعة للأمام. لدي مجموعة جيدة من اللاعبين ولا يوجد نجم وهذه ميزة. قائد التدريبات هو باسكال رزاق، أما أبيل فهو قائد الفريق في الاحترام".

بعد الوصول إلى دور الـ16، هل وضع ديبوي هدفا مختلفا هذه المرة؟

"هدفنا تحقق بالفعل. الآن سنستمتع فقط ونظهرنا وجهنا الجميل، سنحاول الذهاب إلى أبعد مدى لأن اللاعبين يستحقون ذلك ولكن إن توقفنا اليوم فنحن حققنا هدفنا بالفعل".

أيا كان ما سوف يحدث بعد أيام قليلة فإن ديبوي نجح في حفر اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ القارة الكروي وفي تاريخ مدغشقر الذي سيدوم في الذاكرة طويلا.

أعوام من العمل الدؤوب دون حصد الثمار المستحقة لم تكن دافعا أبدا لديبوي للتخلي عن أفكاره التي لازمته وعما يؤمن به.

في رواية "الرجل الذي فقد ظله" للروائي فتحي غانم والتي تحولت إلى فيلم لاحقا بنفس العنوان، تناول الكاتب قصة شاب باع كل ما يؤمن به من أجل الوصول إلى أهدافه، لكن ديبوي نحسبه كان على النقيض.

وضوح في الرؤية وصراحة في التعامل وقدرة على الإدارة داخل الملعب وخارجه وقبلها تمسكه بما كان حقا يحبه، كلها أمور ساعدت الرجل الخمسيني على الوصول إلى المراد بعد عقود طويلة من الصبر والانتظار.. فكان الرجل الذي لم يفقد ظله.

المصادر:

https://bit.ly/2RRqmog

https://bit.ly/2XiYUkt

https://bit.ly/2Lxlyn2

https://bit.ly/2J9GMWH

https://bit.ly/2JkjThW

اقرأ أيضا:

الخطيب يكشف عن ثنائي يجب متابعته ولحظات خالدة في أمم إفريقيا وملعب لا ينساه

بلماضي المحب لما يقدمه جوارديولا.. لأن تحقيق الأمنيات يأتي بالطموح

بالفيديو - راموس يصل مصر لدعم السياحة

ميسي: الحكم اختار البرازيل.. ليس عذرا ولكن تلك الحقيقة

ألفيش: إذا أخفقنا سيكون خطأ الجميع لكن في الأرجنتين ميسي فقط.. هذا قدر الأفضل في العالم

كاف يرد على شكوى المغرب من الحكام