كتب : لؤي هشام
عشرات الآلاف من الجماهير داخل الملعب ومئات الآلاف خارجها.. الكل ينتظر اللحظة التي حلم المصريون بها كثيرا و4 دقائق فقط كانت كافية لتحقيق ذلك الحلم.
رأسية حسام حسن ذهبت بمصر إلى المونديال لأول مرة منذ عام 1934، وفي الطريق إلى إيطاليا تجربة لا يتذكرها البعض ويتناساها البعض الآخر.. تجربة مرت بالجزائر.
تاريخ طويل من المشاركات القارية والإنجازات بالقارة السمراء، 7 ألقاب تربعت بالفراعنة على عرش إفريقيا، لكن الطريق عرف الانكسارات كما عرف الإنجازات، عرف الخسائر المدوية كما عرف الانتصارات الكبيرة.
وتجربة وحيدة ظلت تمثل علامة استفهام على مشوار الفراعنة في بطولة أمم إفريقيا الذي امتد منذ 1957 وحتى 2017 ليشهد 23 مشاركة من أصل 31.. المشاركة في نسخة 90 بالجزائر.
ربما لا تلتفت الذاكرة الشعبية لمشجعي الكرة المصرية كثيرا إلى تلك البطولة في ظل الاهتمام بالمشاركة المونديالية نفس العام، إضافة إلى تلافي الحديث عنها من قبل الإعلام وعدم تسليط الضوء عليها بشكل كاف.
تتعدد الأسباب خلف ذلك ويتداعى إلى الذاكرة أننا مررنا مرور الكرام.. دون أي انتصار ودون لحظة نتفاخر بها، ولكل ذلك دوافعه وتبريراته.
قرار اُتخذ ونتائج لم يتحملها أحد
قرر محمود الجوهري مدرب المنتخب الوطني عدم مشاركة الفريق الأول في البطولة الإفريقية، سعيا لمزيد من الاستعدادات والتركيز للمونديال، وخوفا من تقديم نتائج سلبية وتعرض لاعبيه لإصابات.
وجاء القرار بمشاركة المنتخب الأولمبي بقيادة هاني مصطفى مطعما ببعض العناصر من المنتخب الأول، وضمت القائمة ثلاثي الكبار ثابت البطل (الأهلي) وطارق يحيى (الزمالك) وحمادة صدقي (غزل المحلة) إضافة لعادل عبد الرحمن (الأهلي).
بينما انضم أسماء أخرى فوزي جمال (الإسماعيلي)، هشام إبراهيم (الزمالك)، محمد سعد (الأهلي)، طلعت منصور (الزمالك)، مشير حنفي (الأهلي)، طه السيد (المقاولون)، ياسر ريان (المنصورة)، محمد سعد شحاتة (المقاولون)، عماد صلاح (الزمالك)، عبد العظيم الشورى (غزل المحلة).
بالتأكيد لم تكن المهمة سهلة مع هذه الأسماء الشابة التي ربما تلعب جميعها لأول مرة مع بعضهم البعض، وفي غياب الاستعداد والالتفات لهذا المنتخب كان الطبيعي أن يكون الأداء كارثيا إذا ما أضفنا عامل اللعب على أرض الجزائر، البلد التي ودعت فرصة الوصول للمونديال بسبب مصر، ولذا الوضع الجماهيري لم يكن ليصبح سهلا.
وقعت مصر في المجموعة الأولى رفقة الجزائر، صاحب الأرض، وكوت ديفوار ونيجيريا.
لُعبت المباراة الأولى في الثالث من مارس أمام الإيفواريين، ودخل هاني مصطفى اللقاء بتشكيل مكون من: ثابت البطل في حراسة المرمى، فوزي جمال وحمادة صدقي وهشام إبراهيم ومحمد سعد وطلعت منصور في الدفاع، أما في الوسط فتواجد طه السيد ومحمد سعد شحاتة وطارق يحيى، وبالهجوم الثنائي عبد العظيم الشورى وعادل عبد الرحمن.
انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي، لكن مع الشوط الثاني انقلبت الأوضاع تماما.
الإيفواريون سجلوا 3 أهداف متتالية. عبدلاي تراوري سجل هدفين في ظرف 7 دقائق (ق53 و60) قبل أن يتبعه سيرجي ماجي بهدف ثالث مع الدقيقة 73.
وبعدها بدقيقتين فقط نجح عادل عبد الرحمن في تسجيل هدف حفظ ماء الوجه.. هدف سيكون الوحيد للفراعنة في مشوار البطولة القصير.
في المباراة الثانية لعبت مصر بنفس التشكيل، وهدف وحيد من رشيدي ياكيني في الدقيقة الثامنة من رأسية إثر عرضية من ركنية كان كفيلا لحصد الثلاث نقاط من قبل النسور، الذين سيصلون للنهائي لاحقا.
في اللقاء الأخير بلغ الضغط أوجه. الجزائر صاحبة الأرض والجمهور، والتي كانت علاقاتها متوترة مع مصر جماهيريا بعد خطف الفراعنة لبطاقة المونديال، ستواجه فريقا شابا يفتقد للخبرات.
وخلال 4 دقائق فقط قبل نهاية الشوط الأول هز ثعالب الصحراء شباك ثابت البطل مرتين.
جمال عماني تقدم أولا في الدقيقة 39 من تسديدة قوية من خارج منطقة الجزاء، قبل أن يضيف موسى صايب الثاني سريعا مستغلا الضغط الكبير على لاعبينا من مهارة رائعة في السيطرة على الكرة قبل التسديد على يسار البطل الذي شاهد الكرة وهي تسكن مرماه.
3 هزائم متتالية كتبت لمصر احتلال المركز الأخير بترتيب المجموعة والعودة سريعا إلى القاهرة، دون حتى خُفي حنين.
يحاول طارق يحيى، الشاهد على تلك البطولة، أن يضع FilGoal.com في الصورة، ليشرح كيف مرت الرحلة على الفراعنة.
ويقول: "بعد الانتصار على الجزائر في التصفيات (المونديال) اتخذ المسؤولون قرارا بمشاركة منتخب هاني مصطفى (المدرب) في بطولة إفريقيا المقامة هناك، ولا أعرف إن كان ذلك بدافع الخوف أم القلق وقتها من لعب المنتخب الأول هناك".
"قرر الكابتن الجوهري أن ينضم إليهم 3 لاعبين من المنتخب الأول وكنت أنا من بينهم رفقة حمادة صدقي وثابت البطل. لكني أعتقد أنه كان يجب أن يُتخذ قرارا إما بمشاركة المنتخب الأول أو عدم اللعب في البطولة".
وعن كيفية استعداد المنتخب للبطولة، أوضح "لم نستعد للبطولة قبلها، ولم يكن هناك تأهيل نفسي. فجأة تكوّن المنتخب ثم سافرنا إذ اعتبروها مشاركة شرفية".
وأشار إلى الأوضاع هناك "الأجواء هناك كانت صعبة للغاية على الصعيد الجماهيري لأننا خطفنا منهم (الجزائر) بطاقة التأهل للمونديال، خسرنا من كوت ديفوار ونيجيريا، وفي مباراة الجزائر كان الضغط الجماهيري كبيرا للغاية. بعد المباراة عانينا للخروج من الملعب".
حمل يحيى نظرة سلبية لتلك المشاركة، لكن ذلك لم يكن الحال مع عادل عبد الرحمن مسجل هدف مصر الوحيد في البطولة، إذ يرى أن هناك جانبا إيجابيا رغم ذلك.
واستهل عبد الرحمن حديثه مع FilGoal.com ملفتا إلى الاستعدادات الغائبة: "الاستعداد للبطولة لم يكن قويا ولم يكن معلوما من سيشارك في هذا المنتخب".
"الجوهري فضل عدم مشاركة لاعبي الفريق الأول خوفا عليهم من التأثر النفسي أو التعرض لإصابات، وقرر أن يشارك بعض اللاعبين في الكأس الإفريقية من أجل رؤيتهم والتعرف على قدراتهم بشكل أفضل".
"كنت عائدا من إصابة والجوهري أخبرني بأنني سأشارك في تلك البطولة من أجل احتكاك أفضل. كان هناك استعدادا قبلها بأسبوع ولكن لم أتواجد به لأنني كنت ما أزال في مرحلة التعافي، ثم سافرت مع الفريق بعد ذلك".
"في تلك البطولة سافرنا بطائرة خاصة وعدنا بطائرة خاصة وقد كان ذلك جديدا على الكرة المصرية".
"المنتخب الأولمبي لم يشارك أغلب لاعبيه وإنما شارك لاعبين أمثال ثابت البطل ومحمد سعد من الأهلي وهشام إبراهيم وطلعت منصور وعماد صلاح من الزمالك، وطه السيد من المقاولون وعبد العظيم الشورى من غزل المحلة وفوزي جمال من الإسماعيلي".
"البطولة كانت صعبة للغاية ولم يكن هناك اهتماما جيدا إذ انضم عدة لاعبين لم يشاركوا مع بعض من قبل، والصغار منهم شعروا بالخوف".
واستدرك لافتا إلى المنظور الإيجابي من وجهة نظره "لكن القرار في النهاية أفرز عدة لاعبين انضموا للمنتخب الأول لاحقا ونالوا احتكاكا قويا واكتسبوا خبرات، لذا لم تكن المشاركة بهذه السلبية".
مهاجم الأهلي حينئذ حكى عن الواقعة الأطرف والأهم خلال البطولة.. الوصول قبل اللعب بخمس ساعات فقط !
"أصعب موقف تعرضنا له كان وصولنا إلى الجزائر في الثانية عشر ظهرا ثم مواجهة كوت ديفوار (في أول مباراة) بالخامسة مساءً، إذ كانوا يفكرون في الانسحاب وقتها لكنهم تراجعوا عن ذلك (بعدما كنا نحضر أنفسنا لمواجهة نيجيريا)".
"أما في مباراة الجزائر فكان الوضع صعبا كذلك بسبب تغلبنا عليهم في تصفيات المونديال ما جعل الضغط الجماهيري كبيرا. شعرت بالضغط أيضا بعد مواجهة كوت ديفوار إذ جلس معي 3 مندوبي أندية ترغب في ضمي وقد كنت صغيرا في وقتها وعمري 19 عاما ما شكل عبئا علي".
الترتيب من اليمين (ثابت البطل. عادل عبدالرحمن. طارق يحيى. طلعت منصور. عبد العظيم الشورى. محمد سعد. الجالسون: محمد سعد. فوزى جمال. حمادة صدقي. هشام ابراهيم. طه السيد)
يعود حمادة صدقي، أحد عناصر المنتخب الأول الذي انضم إلى المنتخب المشارك في هذه البطولة، ليضع إطارا سلبيا لتلك المشاركة، التي لا يعتقد أنها حققت أي إيجابيات.
ويعلن رأيه لـ FilGoal.com: "أعتقد أن قرار عدم المشاركة بالفريق الأول كان قرارا خاطئا، المنتخب المشارك في البطولة لم ينل استعدادا جيدا قبلها، والمشاركة كانت شرفية بشكل كبير، ومجرد تأدية واجب".
"كان هناك استياء من قبل اللجنة المنظمة للبطولة ومن الجانب الجزائري بسبب عدم مشاركتنا بالفريق الأول، كان لابد من المشاركة حتى وإن كنا نستعد للمونديال مثلما تفعل كل المنتخبات".
وكالعادة كانت المفاجآت دوما حاضرة في الاختيارات: "علمت بانضمامي إلى المنتخب في يوم السفر إلى الجزائر، وبعد الوصول خضنا تدريبا واحدا قبل أن نواجه ساحل العاج بعدها بساعات، الأجواء كانت صعبة في ذلك التوقيت، ولم نكن نخرج من الفندق المتواجدين به، لا أذكر مواقف طريفة أو مهمة من تلك البطولة".
"كابتن هاني مصطفى طالبنا باللعب بهدوء ودون توتر إذ لم يكن هناك ضغطا علينا لتحقيق نتائج إيجابية، حتى أن عبد الأحد جمال الدين (وزير الشباب والرياضة وقتها) كرمنا بعد البطولة على الأداء الذي قدمناه".
ويصر لاعب غزل المحلة في ذلك التوقيت على وجهة نظره "المشاركة المفاجئة وبدون استعداد خلقت شعورا بعدم الارتياح بين اللاعبين. الصورة لم تكن جيدة بالنسبة لنا وقتها. أعتقد أن القرار كان خاطئا من اتحاد الكرة والجوهري".
"لا أعتقد أنه كان هناك أي أثر إيجابي لتلك المشاركة، الجانب السلبي غلب عليها، والأداء كان تأدية واجب ببساطة".
لا يضيف ياسر ريان، اللاعب الصاعد في صفوف المنصورة وقتها، جديدا إذ أكد روايات المفاجآت المتتالية من قبل سابقيه، وأشار لمعرفته بانضمامه للمنتخب من خلال التلفاز.
وقال في تصريحات سابقة مع "أون سبورت": "كنا كلاعبي منتخب أوليمبي قد غادرنا معسكرنا الذي انتهى قبلها، وعدت إلى المنصورة إذ لم أكن انتقلت للأهلي بعد. فوجئت بعد ذلك بأسماء اللاعبين المنضمين للمنتخب في البطولة من خلال نشرة الأخبار، وقد كان ذلك قبل البطولة بأسبوع".
"اتخذ عبد الأحد جمال الدين (وزير الشباب والرياضة آنذاك) قرارا بالسفر بطائرة خاصة. خضنا 3 مباريات قوية أمام خصوم كبار وأدينا في المجمل بشكل جيد".
ويتم اللاعب الذي حضرت مشاركته الدولية أمام الجزائر "الأجواء لم تكن جيدة في ظل ضغط الجماهير الجزائرية، لعبنا الثلاث مباريات ثم عدنا من جديد، وأتذكر أن ثابت البطل قائد المنتخب وقتها، دفع عبد الأحد جمال الدين لتكريمنا عقب العودة".
غياب الاستعدادات ووصول قبل مباراة بعدة ساعات وتكريم بعد 3 هزائم.. ببساطة، كان ذلك ملخص مشاركة الفراعنة الخجولة والمتوارية في نسخة 90.
اقرأ أيضا:
أي منتخبات توجت بهذه النسخ في أمم إفريقيا؟
مصدر في الزمالك لـ في الجول: عبد الحميد بسيوني مرشح للعمل في جهاز خالد جلال
فيديو في الجول - الصقر أحمد حسن: لو كان احتفاظي بالكرة مشكلة لودعت المنتخب مبكرا
أبو زيد يقهر قرار الإيقاف وقفاز الزاكي في 86
حوار في الجول - دكتور كومالو: مواجهتا مصر وتونس كانتا الأفضل لي.. ومرشحان للفوز بلقب 2019