كتب : عادل كُريّم
"لقد وجدت خليفتي، إسمه لوران بوكو. لديه عيب وحيد وهو أنه ليس برازيليا" .. بيليه
حتى عام 2008 كان الهداف التاريخي لبطولة كأس الأمم الإفريقية هو لاعب إيفواري إسمه لوران بوكو. سجل 14 هدفا في نسختين فقط، 1968 و1970 من البطولة الإفريقية ليعتلي قمة هدافيها عبر التاريخ حتى جاء الكاميروني صامويل إيتو ليكسر هذا الرقم بتسجيله هدفه الخامس عشر في النهائيات في بطولة غانا 2008. رقم قياسي آخر مازال بإسم بوكو، فهو اللاعب الوحيد في تاريخ كأس الأمم الأفريقية الذي سجل خمسة أهداف في مباراة واحدة.
لوران اندري بوكو .. ولد في منطقة تريشفيل بأكبر مدن كوت ديفوار أبيدجان يوم 10 أغسطس 1947. بدأ لعب الكرة في سن صغيرة للغاية بمنزله. هذا الشغف لم يرض والده، المدير بالخدمة المدنية في أبيدجان الذي وبخ لوران الصغير ومنعه من ممارسة الكرة. لكن توبيخ والده لم يمنعه من ممارة كرة القدم في المدرسة في المدرسة حيث تمت دائما مقارنته باللاعبين الأكير سنا. في سن العاشرة التقطته أعين نادي أسيك أبيدجان ليضمه لناشئيه دون علم والده.
في سبتمبر 1963 انتقل والده للعمل في بواكيه، ليجبر بوكو على ترك أسيك. واصل اللعب في المدرسة، ومارس أيضا ألعاب القوى، كرة السلة والتنس. بعدها بعام عادت الأسرة إلى أبيدجان لكن لوران استمر في بواكيه بناء على رغبة والده الذي أراد أن يواصل ابنه تعليمه هناك.
في سن الـ17 انضم بوران بوكو لفريق هواة في بواكيه، ولفت أدائه أنظار الأندية لينضم لفريق USFRAN بواكيه الذي منحه أول حذاء كرة في حياته. وصل لنهائي البطولة الوطنية مع فريقه أمام ستاد أبيدجان، وبالرغم من خسارة فريقه 8-0 إلا أن بوكو لفت انتباه أندية العاصمة الكبرى. والده رفض مرة أخرى أن يحترف ابنه كرة القدم وأصر على مواصلته دراسته في بواكيه، لكن بعد تدخل رئيس نادي أسيك والذي كان أحد أصدقاء والده وافق أخيرا على انضمام لوران لأسيك.
بدأ المشوار مع ناشئي أسيك في 1966، واحتاج لعدة أشهر حتى اقتنع مدرب الفريق الأول بمستواه، ليضمه لأول مباراة رسمية بالدوري في نوفمبر 1966، وسجل يومها هاتريك. سجل 13 هدفا في أول 7 مباريات له بقميص الفريق الأول لأسيك.
مدرب المنتخب بول جيفودان ضمه للمنتخب لأول مرة في فبراير 1967 لخوض ودية أمام غانا في أكرا، ليصنع هدف التعادل قبل النهاية بدقيقتين وفور دخوله لأرض الملعب. بعدها بشهر سجل أول هدف دولي له في مرمى فولتا العليا (بوركينا فاسو حاليا).
ضمه جيفودان لقائمة كوت ديفوار في كأس الأمم 1968 بإثيوبيا. سجل هدفين في أول مباراة بمرمى الجزائر في فوز كوت ديفوار 3-0، وأجبر الهدف الثاني امبراطور إثيوبيا هايله سيلاسي على الوقوف من مقعده لتحيته. بعد الخسارة من إثيوبيا سجل هدفا في الفوز على أوغندا 2-1 ليقود الأفيال لبلوغ الدور نصف النهائي.
في نصف النهائي الذي أقيم في أسمرة أمام غانا تقدمت غانا 2-0 قبل أن تقلب كوت ديفوار النتيجة وتتقدم 3-2 بفضل هدفين (الثاني والثالث) من بوكو وسط إشادة كبيرة من كل من كان في الملعب. لكن غانا ردت بهدفين لتخسر كوت ديفوار 4-3. بوكو عاد في مباراة المركز الثالث ليسجل الهدف الوحيد في الفوز على إثيوبيا 1-0 والذي كان هدفه السادس في البطولة ليتوج هدافا لها. بفضل أدائه المبهر في مباراة غانا، أطلقت عليه الصحافة "رجل أسمرة" ، اللقب الذي التصق به طيلة مشواره.
عقب البطولة تلقى بوكو عرضين من ناديي أولمبيك مارسيليا وسانت إتيان الفرنسيين ونانت لكنه رفض الاحتراف خوفا من سوء المعاملة في فرنسا. عاد إلى كوت ديفوار وواصل حصد البطولات مع أسيك، لكن الصحافة الإيفوارية انتقدته واتهمته بالأنانية وكثرة الاعتراض على الحكام. في أغسطس 1969 أوقف لأربعة مباريات بسبب اعتراضه على حكم إحدى المباريات في حضور رئيس البلاد فيليكس هوفويه بواني. لكنه عاد وقاد كوت ديفوار للتأهل لنهائيات كأس الأمم 1970 حين سجل هاتريك في مرمى مالي في المباراة الأخيرة بالتصفيات.
في كأس الأمم 1970 بالسودان، سجل هدفين في مرمى الكاميرون رغم خسارة فريقه 3-2. الفوز على السودان في المباراة الثانية 1-0 جعل كوت ديفوار تدخل المباراة الأخيرة بحاجة للفوز على إثيوبيا بأكبر عدد ممكن من الأهداف. بوكو سجل خمسة أهداف منها أربعة في آخر نصف ساعة لتفوز كوت ديفوار 6-1 وتبلغ نصف النهائي، وهو الرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف للاعب في مباراة واحدة تاريخ البطولة حتى يومنا هذا.
في نصف النهائي تعرض لرقابة لصيقة لتخسر كوت ديفوار أمام غانا 2-1. وفي مباراة المركز الثالث سجل في الخسارة من مصر 3-1 ليحصد لقب هداف البطولة للمرة الثانية في تاريخه بـ8 أهداف، وكان في هذا الوقت أكبر عدد من الأهداف يسجله لاعب في نسخة واحدة من تاريخ النهائيات، حتى كسره الكونجولي نداي مولامبا في نسخة مصر 1974 حين سجل تسعة أهداف. رفع بوكو رصيده في النهائيات إلى 14 هدف ليصبح صاحب الرقم القياسي في البطولة، رقم استمر 38 عاما حتى كسره الكاميروني صامويل إيتو في 2008.
عقب البطولة تلقى عرضا مباشرا من الأمير رينيه أمير موناكو لكي ينضم لفريق موناكو الفرنسي، لكن بوكو ظل مترددا بسبب الأزمات التي لاحقت لاعبين أفارقة آخرين في فرنسا مثل ساليف كيتا وجون بيير توكو.
في مايو 1972 شارك ضمن منتخب أفريقيا في كأس الاستقلال بالبرازيل، ولفتت موهبته أنظار الأسطورة البرازيلية بيليه بعدما كان قد رآن من قبل خلال مباراة ودية لفريقه سانتوس البرازيلي أمام منتخب كوت ديفوار عام 1967. عقب المباراة أشاد به بيليه كثيرا وقال عنه "لقد وجدت خليفتي، إسمه لوران بوكو. لديه عيب وحيد وهو أنه ليس برازيليا". وفي نهاية 1973 حل ثالثا في استفتاء فرانس فوتبول لأفضل لاعب إفريقي خلف الثنائي الكونجولي تشيمين بوانجا وموامبا كازادي ..
أخيرا وفي ديسمبر 1973 انتقل بوكو للدوري الفرنسي بعد خمس سنوات من العروض. بعد خمس سنوات من العروض التي شملت نانت، سانت إتيان، مارسليا، موناكو بالإضافة لعروض أخرى من ستاندار لييج البلجيكي وفلامنجو البرازيلي، كان تردد بوكو من ناحية ورفض القيادة السياسية في كوت ديفوار وفي مقدمتها الرئيس فيليكس هوفويه بواني من ناحية أخرى لفكرة رحيل اللاعب سببا في تأخر رحيله لأوروبا. وحتى حينما وافق بوكو في ديسمبر 1973 على الرحيل إلى نانت، أوقفته الشرطة في المطار بأوامر مباشرة من الرئاسة.
لكن رجل الأعمال الفرنسي فرانسوا بينو، والذي كان رائدا لاستيراد الخشب من كوت ديفوار وفي الوقت ذاته عضوا بمجلس إدارة نادي رين، تدخل ليجتمع بالرئيس بواني شخصيا للسماح لبوكو بالاحتراف. وفي نهاية ديسمبر 1973 انضم بوكو أخيرا لفريق رين.
بدايته مع رين كانت خيالية. سجل وصنع في أول مباراة له بالفريق أمام تروا، وسرعان ما أصبح اللاعب المفضل للجماهير التي أنشدت له أغاني بإسمه. يوم 16 مارس 1974 قدم بوكو أداء استثنائي في مباراة رين أمام سانت إتيان. سجل هدف المباراة الوحيد، الهدف الذي وصفه مدرب سانت إتيان روبير إيربان بأنه "واحد من أروع الأهداف التي رأيتها في حياتي".
"من هو اللاعب الذي أبهرني أكثر من أي لاعب آخر؟ لن أكون تقليديا وأذكر بلاتيني، بكنباور، بيليه أو جيريس، لكنني لم أر في حياتي شيئا مثل الذي قام به بوكو في مباراة رين وسانت إتيان" .. الحكم الفرنسي الأشهر ميشيل فوترو.
سجل بوكو 7 أهداف وصنع مثلها في أول نصف موسم له بقميص رين. شارك بعدها في كأس الأمم الأفريقية 1974 بمصر لكن دون أن يسجل أي هدف. في موسم 1974-1975 شكل بوكو ثنائيا مميزا مع المغربي حسين أنفال. لكن إصابات مختلفة ضربته في النصف الثاني من الموسم الذي شهد هبوط الفريق بنهايته. الإعلام والجمهور الإيفواري طالبا بوكو بالرحيل عن رين، خاصة مع تلقيه عروضا من نانت ومارسيليا، لكنه فضل الاستمرار. سجل 17 هدفا في أول موسم بالدرجة الثانية في موسم 1975-1976 قبل أن يتعرض لإصابة خطيرة بقطع في أربطة الركبة في نوفمبر 1975 اضطرته لإجراء أكثر من جراحة ولم يعد حتى يناير 1977، أي بعد 14 شهرا من الغياب.
في غيابه صعد رين مجددا للدرجة الأولى. بوكو سجل 6 أهداف في المباريات الـ11 التي خاضها بعد العودة من الإصابة لكن رين هبط من جديد متأثرا بأزمات مادية عنيفة. لينتقل بوكو إلى نانسي في يونيو 1977.
في نانسي شكل بوكو شراكة مع اللاعب الصاعد "ميشيل بلاتيني". لكن عودة الإصابات من جديد ضربت اللاعب الايفواري الذي شارك في 11 مباراة وسجل هدفين فقط في موسمه الأول مع نانسي.
مع معاناته في نانسي حاولت إدارة رين إعادته في سبتمبر 1978، لكن سوء الوضع المالي للفريق كاد يوقف الصفقة، لتقوم جماهير رين بالتبرع من أجل إعادة بوكو. وبالفعل عاد بوكو بعد أن جمعت الجماهير 70 ألف فرنك من أجل إتمام الصفقة. عودته سببت زيادة كبيرة في بيع التذاكر بين جماهير الفريق، وفي أول 12 مباراة له مع رين سجل بوكو 6 أهداف وصنع مثلها.
لكن بوكو تعرض لضربة عنيفة في ديسمبر 1978. في مباراة بكأس فرنسا أمام فريق الهواة سان بول دي ليون ووسط أجواء ملتهبة احتسب الحكم ركلة جزاء اعترض عليها بوكو بضراوة ليطرده الحكم، لكن بوكو قام بركل الحكم لتندلع اشتباكات عنيفة. الاتحاد الفرنسي قرر إيقاف بوكو لمدة عامين، وبعد تظلم النادي تقرر إيقافه لمدة ستة أشهر و18 شهرا أخرى مع إيقاف التنفيذ. ليقرر اللاعب العودة لكوت ديفوار وتحديدا إلى أسيك أبيدجان، منهيا رحلة مع رين على فترتين سجل خلالها 52 هدفا في 82 مباراة بالقميص الأحمر والأسود.
مع عودته لأسيك كان لاعبا ومدربا مساعدا في نفس الوقت، وحقق مع الفريق لقب الدوري الإيفواري 1980. لكن مستواه مع المنتخب الإيفواري تراجع وسط انتقادات من الجماهير بعدما فشلت الأفيال في بلوغ كأس الأمم 1980 بنيجيريا.
في نوفمبر 1980 عين مدربا مؤقتا لأسيك مع كونه لاعبا بالفريق، لكنه لم يستمر في هذه المهمة طويلا ليتفرغ لدوره كلاعب. انتقل بعدها في 1982 لفريق ريو سبور أنياما بالدرجة الثانية ليقوده للصعود لأول مرة في تاريخه. وفي عام 1983 عاد لأسيك كمدرب مساعد قبل أن يعلن نهاية مشواره كمدرب في عام 1989.
في عام 2001 وأثناء احتفال نادي رين بمئويته، أختير بوكو ضمن الفريق التاريخي للنادي، بل واعتبرته الجماهير "أفضل لاعب في تاريخ رين". وخلال الاحتفالات أطلقت إدارة رين إسمه على أحد صالونات الاجتماعات بمقر النادي، ليصبح "صالون لوران بوكو" هو الأشهر في النادي.
في إبريل 2008 تعرض بوكو للضرب من ستة رجال شرطة أثناء تفتيش دوري، ليقوم رئيس كوت ديفوار لوران جباجبو بزيارة شخصية للاعتذار له واصفا إياه "برمز الجمهورية الذي لا تجوز إهانته".. وتم الحكم على رجال الشرطة الستة بالحبس لمدة 3 أشهر.
عمل بوكو سفيرا للاتحاد الإفريقي في بطولات كأس الأمم الأفريقية، وأطلق نادي أسيك إسمه على الملعب الرئيسي لأكاديميته الشهيرة.
وبعد صراع طويل مع المرض توفي لوران بوكو يوم 13 نوفمبر 2016 بمستشفى سانت آن ماري بمنطقة كوكودي في أبيدجان.
"سمعت عن بوكو من عمي. دائما ما كان المثل الأعلى بالنسبة لي. خلال طفولتي سواء في أبيدجان أو في فرنسا كان دائما موضوع الحديث. كان حامل رايتنا وبطلنا ورمز كرة القدم في بلادنا" .. ديدييه دروجبا
اقرأ أيضا
أحمد حسن.. الصقر الذي احتل عرش إفريقيا
موريتانيا.. كابتن بسام "الشنقيط" يحمل آمال المرابطين
قوائم أمم إفريقيا - أجيري يعلن القائمة النهائية لمنتخب مصر.. استبعاد ثنائي سموحة
ملاعب أمم إفريقيا - الدفاع الجوي.. 7 سنوات من الذكريات الحزينة وتتويج وحيد
قوائم أمم إفريقيا – بوطيب ضمن خط هجوم ناري في الأسماء النهائية للمغرب