كتب : لؤي هشام
في ذلك اليوم وقفوا على منصة التتويج غير مصدقين.. الإنجاز الذي فشلوا في الإمساك بتلابيبه مرتين تروض اليوم بين أقدامهم وبات سهلا لينا.. السودان بطل إفريقيا.
في عام 1970 نجح صقور الجديان في تتويج أعوام من الجهد والتألق على الساحة الإفريقية ليكتبوا تاريخا مبهرا على أرضهم وبين جماهيرهم.
كان ذلك بمثابة حبة الكرز التي نقصت كعكة جيل من الموهوبين المتفردين بالقارة السمراء.
ظن البعض أن تلك كانت بداية أعوام مستمرة من التألق والانتصارات على الساحة الكروية، ولكنها كانت في الحقيقة النهاية.. نهاية تألق وإنجاز لن يتكرر مجددا وسيتوارى سريعا خلف عقود مستمرة من التراجع والهزال..
تأسس الاتحاد السوداني 1936. انضم للاتحاد الدولي 1948، والإفريقي 1956. استضاف أول بطولة لكأس أمم إفريقيا 1957. أحرز المركز الثالث تلك النسخة والمركز الثاني عامي 1959 و1963 وفاز بالكأس عام 1970. تأهل لأولمبياد ميونيخ 1972.
لخص ذلك ببساطة العصر الذهبي كرويا للبلد العربي المتجاورة مع مصر شمالا وإثيوبيا شرقا ليصبحوا من رواد الكرة الإفريقية آنذاك.
وعلى مدى حوالي عقدين ما بين الخمسينيات والسبعينيات كانت للكرة السودانية بصماتها على الكرة الإفريقية، لكن بعد ذلك بدأ التلاشي والتراجع، وظلت نسخة 70 خالدة في أذهان الجماهير، تارة للتفاخر والتباهي وتارة للتحسر والتأمل.
FilGoal.com حاول أن يضعكم في الصورة كما لم يضعكم أحد من قبل، وعاش معكم أجواء تلك الفترة التاريخية.
أجواء البطولة
كانت النسخة السابعة من البطولة الأولى لكرة القدم في إفريقيا. حظى السودان بشرف استضافة المسابقة للمرة الثانية بعد تنظيمها نسخة 57.
وكما حدث في البطولة السابقة في 1968، شهدت المنافسة ثمانية فرق تم تقسيمها إلى مجموعتين من أربعة.
السودان برفقة كوت ديفوار والكاميرون وإثيوبيا في المجموعة الأولى بالخرطوم، بينما مصر (الجمهورية العربية المتحدة آنذاك) وغانا وغينيا وكونغو كينشاسا (الكونغو الديمقراطية حاليا) في المجموعة الثانية بود مدني.
كانت العودة للبطولة من جديد بعد غياب في نسخة 68 متنفسا للجماهير السودانية التي طمحت في تحقيق إنجاز طالما عاندهم القدر في تحقيقه. ولاعبو المنتخب لم يخيبوا آمال جماهيرهم رغم المشوار الصعب.
تكونت أغلب قائمة المدرب الوطني عبد الفتاح حمد أبو زيد من لاعبي الهلال، إذ كان محمد زغبير في حراسة المرمى والقائد محمد أمين زكي في الدفاع، ونصر الدين عباس "جكسا" في وسط الملعب، إضافة إلى نجم الدين حسن "نجمو" من نادي النيل، وحسب الرسول عمر "حسبو الصغير" من نادي بري، بجانب أسماء أخرى كسمير محمد صالح وعز الدين الدحيش ومحمد البشير عباس وعبد الكافي أبو القاسم.
استهل المنتخب العربي مبارياته بمواجهة الجار إثيوبيا، وضربها بثلاثية نظيفة بتوقيع علي جاجارين ونصر الدين "جكسا" وحسبو الصغير.
كان ذلك إعلان تحدي وإبراز للإمكانيات مع بداية المشوار.
لكن الأداء لم يكن على المستوى نفسه في المباراة الثانية أمام كوت ديفوار وسقط أصحاب الأرض بهدف قاتل سجله فرانسوا تاهي قبل دقيقة من النهاية.
لذا كان لزاما على صقور الجديان تحقيق الفوز في المباراة الأخيرة أمام الكاميرون، الذي انتصر كوت ديفوار وإثيوبيا وبدا كأن لا أحد قادر على إيقافه.
20 دقيقة مرت قبل أن يسجل جكسا هدف التقدم، لكن بعدها بربع ساعة كان جان ماري تسيبو يسجل التعادل، ومع الدقيقة 60 عاد حسبو من جديد ليتألق ويسجل هدف الانتصار.
كان ذلك الهدف الذي منحهم التأهل بفارق الأهداف عن ضيفهم، في الوقت الذي كان يُحتسب فيه الفوز بنقطتين.
وهنا كان لزاما عليهم خوض التحدي الأصعب على الإطلاق في مواجهة مصر، التي سبق وانتصرت عليهم في أكثر من مناسبة.
الحظ يعاندهم والإصابات تضرب صفوف 3 لاعبين في الشوط الأول.
البعض ظن أن الأمر في طريقه للحسم مثل سابقيه لصالح الفراعنة لكن الإصرار والتمسك كانا واضحين في أعين ذلك الجيل الموهوب.
7 دقائق على النهاية والتعادل السلبي لا يزال مسيطرا قبل أن يفعلها محمد بشير "الأسيد"، ويهز الشباك المصرية.
لكن بينما تعتري الاحتفالات الجميع كان حسن الشاذلي يدرك التعادل بعد دقيقة واحدة فقط من ركلة حرة مباشرة من خارج منطقة الجزاء.
رغم ذلك لم ينو لاعبو السودان على الاستسلام. المباراة تتجه للأشواط الإضافية والأسيد يفعلها مجددا ليظفر ببطاقة العبور إلى النهائي الحلم.
السودان في مواجهة غانا، وهدف حسبو المبكر أنهى الأمور سريعا للصقور على استاد الخرطوم لتتحقق اللحظة المنشودة والمأمولة.
نجم الدين حسن "نجمو" وعلي جاجارين.. من مصر أدركنا ماذا نحن بفاعلين.
ربما إن تساءلت عن حسن حيدر الصديق فلن تحصل على إجابة لكن ما إن تذكر علي جاجارين فستنهال الكثير من كلمات الثناء على واحد من أعظم هدافي الصقور عبر تاريخهم إن لم يكن الأعظم.
اللاعب، الذي اشتهر بلقب الرمح المشتعل وسجل 350 هدفا على مدار 12 عاما في جميع المسابقات، كان شاهد عيان على تلك الفترة الذهبية، وأحد أبرز نجوم هذا الجيل، وFilGoal.com كان محظوظا بالتحاور معه.
(جاجارين يحمل كأس البطولة)
ويحكي جاجارين عن تلك الفترة قائلا: "الجماهير كانت تواقة للتتويج بهذه البطولة بعد نسخة 57 التي كانت على أرضنا وفازت بها مصر. لذا كان لابد أن نحرز هذه الكأس إذ كانت الفترة الأعظم لجيل كروي في تاريخ السودان".
"كانت تلك الفترة ذهبية أيضا للمنتخب المصري الذي ضم قامات عظيمة مثل طه بصري ومحمود الجوهري وحسن الشاذلي وميمي درويش وهاني مصطفى، وشحتة الإسكندراني وعلي أبو جريشة، لكن القرعة أوقعتهم في مجموعة أخرى".
"المباراة الافتتاحية أمام إثيوبيا كانت واحدة من أجمل مبارياتنا إذ فزنا بثلاثية كان لي شرف تسجيل أول الأهداف، ثم التقينا بـ كوت ديفوار وقد كان (لوران) بوكو مهاجمهم واحدا من أعظم الهدافين في إفريقيا وهداف البطولة، وخسرنا منهم بهدف نظيف، وكان التحدي أمام الكاميرون للانتصار وهو ما حققناه".
"لم أشارك أمام الكاميرون ومصر بسبب الإصابة لكن عندما قابلنا مصر في نصف النهائي تغلبنا عليها 2-1 بجهد كبير وكانت من أعظم مبارياتنا من حيث الإثارة والقوة البدنية وكانت مليئة بمستوى عال من المهارات الفردية والفنية. كان ذلك أول فوز على الفراعنة في مباراة رسمية".
"مواجهة غانا في النهائي كانت ثأرية لنا أيضا بعدما فازوا علينا في نهائي 63 بثلاثية نظيفة، وقد حسم حسبو الأمور لصالحنا".
نجم الدين حسن كان واحدا من الجيل الذهبي لمنتخب السودان الذي أحرز الكأس الإفريقية وبرغم أنه لم يكن من ناديي الهلال أو المريخ صاحبي الشعبية الطاغية في السودان إلا أن تألقه في صفوف نادي النيل بالخرطوم فرض نفسه على الكرة السودانية واحتكر مركز قلب الدفاع في صفوف المنتخب السوداني منذ العام 1963 وحتي العام 1974.
ويقول في حوار سابق مع صحيفة البيان الإماراتية: "كنا رجالا بكل معني الكلمة. كان الخوف طبيعيا من أجواء البطولة منذ لحظتها الأولى، وصاحبه في نفس الوقت شعور بعظمة وأهمية الحدث".
"كان كل اللاعبين لديهم إحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم وجماهيرهم وكان الفوز بالبطولة لا يمثل حلما فقط إنما كان إصرارا وإرادة وتحديا. كانت تربطنا بكرة القدم علاقة عشق وحب طاهر وكانت الهواية دافعنا وملهمنا".
"لم تكن المعسكرات الخارجية في هذا الوقت معمولا بها كما إن المعسكرات الداخلية التي يقيمها المنتخب ذات تكلفة بسيطة مقارنة بما يحدث الآن، وفي 1970 أقام المنتخب السوداني معسكره الإعدادي للبطولة في إحدى المدارس ثم انتقلنا بعد ذلك للإقامة في الكلية الحربية لمدة 15 يوما بعيدا عن الضغوط الإعلامية والجماهيرية وكان الاهتمام من جانب المسؤولين بالسودان يمتد إلى رأس الدولة ذاتها ممثلة في رئيسها جعفر نميري".
(النميري يصافح نجمو)
أما أصعب المواقف التي واجهت منتخب السودان خلال تلك البطولة، حسبما يرى نجمو، فكانت خلال اللقاء الذي جمعه مع منتخب مصر في الدور قبل النهائي.
ويسترجع نجمو ذكرياتها "أصيب 3 مدافعين أساسيين خلال النصف ساعة الأولى من المباراة فاضطر مدرب الفريق إلى الاستعانة بمهاجم ولاعب خط وسط لسد النقص في عدد المدافعين، بل تم تغيير جميع مراكز اللاعبين وفقا للظرف الطارئ وقتها".
"كانت النتائج السابقة لنا مع مصر تميل لصاحبها واعتقدنا أنها ستكرر نفسها خلال هذا اللقاء بعد إصابات اللاعبين المفاجئة لكننا تمسكنا بالعزيمة والإصرار ونجحنا في تجاوز أهم عقبة لنا في البطولة وفزنا 2/1".
في تلك المباراة اصطدم نجم الدين مع زميله سمير صالح الذي لم يستطع إكمال المباراة لإصابته وغاب بسببها عن النهائي.
يضيف صاحب الـ105 مباراة دولية "بعد نهاية المباراة والوصول للنهائي تأكد لنا أن الفوز بالكأس بات وشيكا وأصبحنا أكثر ثقة في انتزاع أول كأس إفريقية للسودان". "في النهائي واجهنا غانا وفزنا بهدف نظيف في مباراة مرت علينا في سلام ودون أية أحداث مفاجئة".
"للأمانة أقول إن الجمهور السوداني كان وراء الفوز بالبطولة لوقوفه بقوة إلى جانبنا، وكانت الدولة كلها وراءنا سواء الحكومة كلها أو رئيس الجمهورية".
"حصلنا على مكافأة الفوز بالبطولة وكان مقدارها 200 جنيها سودانيا، ووقتها كان الجنيه يعادل 3 دولارات أمريكية وكان مبلغ المكافأة كبيرا بأسعار هذا الزمن لدرجة أن بعض اللاعبين اشتروا منازل بالمبلغ والبعض الآخر بنى منزلا بقيمة المكافأة على قطعة الأرض التي أهداها الرئيس السوداني لكل لاعب بالفريق".
(محمد أمين زكي قائد الفريق يحمل كأس البطولة)
أسباب النجاح والتتويج ببطولة 70
لم يكن التتويج وليد الصدفة كما ذكر سابقا، فقد كان ذلك نتاج محاولات متتالية وخطى متناسقة وثابتة.
مجدي شمس الدين أمين عام الاتحاد السوداني سابقا، حاول أن يضع المشجعين في الصورة وشرح الأسباب التي دفعت دفعا نحو منصة البطولة.
ويقول عن فترة العصر الذهبي لصقور الجديان في حوار سابق مع الإعلامي أيمن جادة على قناة الجزيرة: "إذا أردنا أن نتحدث عن هذه الفترة الزاهية من عمد الرياضة في السودان نستطيع أن نقول إنه كان هنالك وعي إداري مبكر لدى السودانيين، وكانت لديهم مقدرة على صنع الأحداث".
"وضح ذلك من خلال تأسيس الاتحاد الإفريقي، وأول بطولة لكأس الأمم الإفريقية أقيمت في الخرطوم، تمت استضافتها باستاد الخرطوم، فالإداري السوداني كان له وعي مبكر".
"في ذات الوقت نحن كسودانيين مفطورين بحب الرياضة، هناك دول كثيرة صنعت الرياضة من خلال سياسة، ومن خلال استغلال إمكانيات، لكن في السودان الرياضة صنعت نفسها بنفسها واعتمدت على الجهد الأهلي فكرا وتخطيطا ومالا، هذه الفترة ساعدت السودان على التفوق، يمكن في ذلك الوقت كان السودان من أوائل الدول التي نالت استقلالها".
"كان هنالك أيضا وعيا سياسيا مبكرا ميزه عن غيره من أقرانه في القارة الإفريقية، فنعتقد بأن الفترة كانت زاهية وخصبة جدا جدا، والسودان قدم فيها إسهامات وإنجازات كبيرة تعدت ذلك إلى أنه ساهم مساهمة كبيرة في تقدم الرياضة في الدول العربية".
محمد عبد الله مازدا المدرب التاريخي لصقور الجديان كان شاهدا أيضا على نفس الإنجاز ولكن كناشئ خلال تلك الفترة قبل أن يتدرج كلاعب ثم مدرب وقد أحيط علما بخبايا إدارة الأمور وتفاصيل المنظومة.
ويضيف لنفس البرنامج "ظروف كرة القدم في السودان كانت تاريخيا سباقة في هذا، كرة القدم بدأت في السودان بتواجد من أيام الاحتلال. الأندية في السودان تأسست تاريخيا قديما من العشرينيات، في أواخر العشرينيات كان هناك المريخ والهلال وخلافه".
"دخول كرة القدم ونشأتها في السودان كانت قديما، ومع تأسيس الاتحاد الإفريقي كان هناك نقلة كروية كبيرة. اللاعبين السودانيين احترفوا في مصر وفي الخليج وفي السعودية وفي قطر، بداية النهضة في الخليج كان أساسها لاعبين سودانيين احترفوا".
"كان عدد الدول الإفريقية صغيرا في أول دورة إفريقية شارك فيها السودان، لكن بعدها كان هناك تواصل. الفريق القومي السوداني في أواخر الخمسينيات زار عدة دول أوروبية وشارك في مباريات ودية".
"كان هناك زيارات كبيرة وكثيرة لفرق أوروبية لعبت في السودان في كل الأوقات. في الشتاء في أوروبا كانت الفرق تزورنا أيضا، وكانت هذه عوامل احتكاك، والاحتكاك يرفع المستوى، فنيا ظهر الاصطدام بمستوى جيد في تلك الحقبة من الزمان".
"كان لذلك أثر كبير في أن الفريق القومي السوداني يظهر بمستوى طيب ويفوز، كان نتائج هذا تحقيق البطولة الإفريقية في عام 70، وبعدها واصل وشارك في الدورة الأولمبية في ميونيخ 72 ثم كان آخر ظهور للسودان في البطولة الإفريقية عام 76، قبل أن توقف الظروف السياسية والاقتصادية في السودان مواصلة المشوار".
(منتخب السودان بطل دورة الجلاء 70)
يتفق عبد القادر موسى وهو صحفي متخصص في الرياضة السودانية مع رؤية مازدا ومجدي شمس الدين، في أن الدور الريادي واستباق الخطوات في ذلك التوقيت كان لاعبا أساسيا.
ويقول لـ FilGoal.com "المنتخب في ذلك الوقت كان قويا وبه لاعبين مهاريين ومميزين جدا صنعوا الفارق مثل جكسا وعلي جاجرين و حسبو الصغير. البطولة كانت في السودان وعامل الأرض و الجمهور كان مؤثرا مع جيل مميز وقوي صعب أن يتكرر".
"السودان كدولة عامة كانت لها هيبة كبيرة على كل المستويات ليس فقط الرياضة، وكانت من الدول التي أسست الاتحاد الإفريقي. آنذاك كانت بقية الدول تحاول تكوين فريق والمنافسة به لكن السودان رفقة مصر وإثيوبيا وغانا كانوا دائما في المقدمة، على عكس الوضع الحالي".
"العديد من الدول نجحت في التطور لكن السودان فشل في المواكبة وفشل في التطوير مثل باقي الدول الأخرى.. في ذلك الزمن كان هناك اهتمام، واللاعب السوداني بطبيعته مهاري وعندما يجد الاهتمام والتركيز الجيد يصبح قادرا على تحقيق إنجاز".
"بعض اللاعبين خاضوا تجارب احتراف في ذلك الوقت، حتى وإن كانت بسيطة ولكنها دليل على أنهم كانوا في مستويات مميزة وقادرين على الاحتراف عكس الفترة الحالية".
أسباب التراجع
يرى شمس الدين أن الأوضاع السياسية – محاولات انقلاب عسكرية متعددة – كانت العنصر الأبرز خلف التراجع في الجانب الرياضي خاصة أن الأخير أقيم على أُسس العمل الأهلي بالأساس، بحسب تعبيره.
ويقول: "بالطبع لعبت التغييرات السياسية التي مرت بها البلاد دورا واضحا جدا في هذه الحقبة من التراجع في منتصف السبعينيات والتي كانت الفترة الأضعف في تاريخ الرياضة في السودان".
"حدثت ظروف سياسية معروفة وتدهور اقتصادي وتضخم، أثر بطريقة مباشرة حتى على المواطنين، ومثل ما ذكرت في البداية بأن الرياضة في السودان تميزت بأنها قامت على الجهد الأهلي، ولم تكن رياضة حكومية".
"وبينما نتراجع بدأت الرياضة في الدول من حولنا يدخلها المفهوم الجديد للتسويق الرياضي والفكر الاحترافي وغيره، وأصبحت تعتمد على الاقتصاد بشكل مباشر، واهتمام الدول بالرياضة. هذه الفترة التي شهدت عدم اهتمام واضح من الدولة بالرياضة".
"لم يوجد دعم كافي، لم تتوفر للرياضة أي إمكانيات، حتى الاستادات الموجودة في السودان يمكن حوالي 50 استاد كلها بنيت بالجهد الأهلي، وهذه البنية الأساسية، والبنية التحتية التي نعتمد عليه، في ظل غياب الدعم الحكومي المتواصل وميزانيات مخصصة لوزارة الشباب والرياضة التي ظلت مرة مجلس ومرة وزار".
"يمكن أن هذه النواحي أثرت تأثيرا سلبيا على كرة القدم بالسودان إضافة إلى الأسباب الخاصة، وبالطبع هذه الأمور أثرت على الاستقرار الإداري كذلك".
"لم تكن الرياضة من الأولويات وظلت الأندية والاتحادات تعتمد على إمكانيات ضئيلة جدا، في ذات الوقت الذي شهد انغلاقا عن الاتحادات الأخرى بعدما كان هناك تواصل وتبادل للخبرات ومدربين أجانب، لذا كان طبيعيا أن تقف في مكانك بينما تقدم الآخرون من حولنا بفضل الانفتاح والاحتكاك مع المدارس المختلفة".
لا يبتعد مازدا عن ذلك السياق كثيرا، ويشير "المواهب موجودة لا تنحسر بدليل أنه كلما نكوّن منتخب للناشئين يبرز ويصعد بمستوى جيد، لكن تواصل هذه العملية يحتاج لاحتكاك مستمر، ويحتاج لتنظيم منافسات قوية لترعى هذه المواهب، تحتاج لرعاية مستمرة، وتحتاج لتدريب جيد، وحتى المدربون يحتاجون لتأهيل جيد".
"يمكن هذه العوامل كلها ما توفرت، والدليل على هذا حينما جاءت فترة انقطع فيها هذا بقرار سياسي أيضا، سميت فترة الرياضة الجماهيرية ولعام كامل ألغيت الأندية، تشتت اللاعبون ذوي الخبرة في الدول العربية وفي دول الخليج وخلافه وحصل انقطاع بين الأجيال".
"الكرة هي تبادل خبرات وتواصل أجيال. في عام 76 أغلب اللاعبين الدوليين هاجروا لدول الخليج والسعودية وقطر وخلافه، وحصل انقطاع وبدأنا من جديد فيما بعد عام 76 في تكوين الأندية وفي المنافسات نفسها، لكن بنفس الظروف".
"برامج التبادل الفني التي كان يعتمد عليها السودان في تأهيل المدربين ما كانت جيدة في ذلك الوقت بسبب العلاقات المتدهورة، وتوقفت لفترة طويلة جدا".
"الاتحاد السوداني لا يملك المقدرة المالية الكبيرة في تأهيل ودعم البنية الفنية للفرق، وإقامة وإرسال الفرق ابتعاثها للخارج في معسكرات وتشغيل برامج الفرق الفنية في خارج السودان في إعداد جيد".
منذ نسخة 76 لم يشارك المنتخب العربي في البطولة الإفريقية سوى في مناسبتين (2008-2012) وهدف محمد أحمد بشير في شباك أنجولا بالنسخة الأخيرة كان أول هدف لصقور الجديان منذ 32 عاما.
لم يضف كمال شداد رئيس الاتحاد السوداني جديدا لهذه النظرة، لكنه أيضا ألقى باللوم على اللاعب السوداني في ذلك الحوار الذي ربما تندهش حين تعلم أنه مر عليه أكثر من 14 عاما.
لكنه بدا صالحا حتى اللحظة، فيما قد يُشخّص أنه عدم قدرة على التحرك خطوة واحدة حتى للأمام.
وقال شداد وقتها: "التركيبة الاجتماعية أيضا لها المؤثرات السلبية على الكرة السودانية في سلوك اللاعبين، لدينا عدد من اللاعبين عندهم مواهب وقدرات طيبة لكنهم عندما اختبروا للاحتراف خارج السودان لم تكن المشكلة قدراتهم الفنية، وإنما استعدادهم النفسي لسلوك اللاعب المحترف".
"التركيبة الاجتماعية بكل أسف تفرض واقع على اللاعب السوداني وتجعله في النهاية ضعيف المردود. أما الكلام عن دعم الدولة فهذا موضوع عشناه طويلا، والدولة عندما تكون هناك نتائج تتقدم الصفوف، وعندما نفقد النتائج الجيدة تنحسر وترتفع أصوات تقول: هذه الأموال أحق بها الصحة وأحق بها ذاك، وهي أموال ضائعة".
يلفت الصحافي عبد القادر موسى الأنظار إلى غياب التجديد واستمرار الوجوه القديمة في الصورة، ما خلق نوعا من الترهل واختفاء روح الابتكار القادرة على دفع العجلة للأمام.
وينبه "الآن ليس هناك اهتمام ولا تكوين والإمكانيات ضعيفة، المستويات هبطت منذ زمن كدولة رائدة أسست الكاف، والآن لا يوجد لنا مكان في خارطة الكرة الإفريقية".
"الفشل الآن في عدم الاهتمام وعدم وجود تخطيط. إدارة كرة القدم في السودان من المشاكل الكبيرة إذ تنعدم الكفاءات لإدارتها أو منافسة بقية الدول".
ويصر من جديد في تصريحاته لـ FilGoal.com: "السودان تواجه مشكلة كبيرة في إدارة اللعبة.. رئيس الاتحاد كمال شداد رجل كبير في السن، صحيح أنه يملك خبرة عريضة ومعلومات كثيرة ولكنه لم يعد يملك أفكارا جديدة، ولم نعد مواكبين في عصر الاحتراف".
"حاليا لا يوجد لاعب سوداني محترف، الكل يلعب في الدوري المحلي. في النهاية هو دوري لا بأس به ينافس في البطولات الإفريقية ولكنه غير قادر على المنافسة دوليا في ظل التطور الكبير للعبة".
"العديد من المنتخبات باتت أقوى وأكثر تنافسية عكس السودان التي فشلت في التأهل منذ 2012. الكرة السودانية لا تستطيع أن تواكب وهذا يعود لمشكلة الإدارة".
"حتى على مستوى الدوري هناك مواهب ولاعبين مميزين لكن إدارة المنتخبات غير قادرة على الاستفادة منهم وتوظيفها بالصورة المطلوبة، الأندية السودانية تنافس بصورة أفضل في البطولات الإفريقية أكثر من المنتخب الذي من المفترض أنه ركيزة أساسية لكن اللاعبين يركزون أكثر مع الأندية في ظل غياب الحوافز والاهتمام والمشاكل الإدارية بالمنتخب".
"أيضا عقلية اللاعب السوداني تسهم في الأمر إذ في الأندية هناك الكثير من الحوافز والمكافآت. اتحاد الكرة غير قادر على الاستفادة من اللاعبين بل هناك مجاملات في اختيار اللاعبين والمدربين".
"كذلك المنتخب السوداني لا يلعب في التوقف الدولي بانتظام، إضافة لغياب المعسكرات وغياب الاستعداد الجيد. الإدارة بحاجة لعقليات جديدة"
"النظام الإداري للأندية كذلك فاشل إذ يعتمد على رأس المال فقط من قبل رؤساء الأندية دون الاعتماد على هيكل إداري يفيد النادي لفترة طويلة. في أي لحظة إن ترك رؤساء الأندية مناصبهم سيعاني النادي فورا من التراجع".
يتفق معه جاجارين في تصريحاته لـ FilGoal.com، ويؤكد "اللاعبون في تلك الفترة (السبعينيات) كانوا موهوبين للغاية لكن قلت المواهب في الوقت الحاضر، وكرة القدم أصبحت صناعة ومدارس للتعليم في سن صغير".
"نحن لم نصل إلى هذه النقطة بعد، بينما تقدمت باقي الدول لأنها تطورت كثيرا، بينما نحن نفتقد للإداريين الجيدين القادرين على إدارة المنظومة بالشكل الأمثل".
لا يزال صقور الجديان غير قادرين على فرد أجنحتهم والطيران في سماء القارة فآخر مشاركة في البطولة الإفريقية ترجع إلى عام 2012.
مثل ذلك نهجا متواصلا من الترنح: فشل في التأهل إلى عدة نسخة، ثم مشاركة على استحياء، وهكذا وهكذا منذ عقود.
ربما كان إنجاز 1970 غير قابل للتكرار، لكن الأكيد أن أعوام التفرد والإبهار توارت سريعا خلف عقود من الخيبة.
اقرأ أيضا
حوار في الجول - قائد جنوب إفريقيا السابق: كأس الأمم 1996 ساعدنا في توحيد الدولة.. وطموحات نسخة 2019
في الجول ينشر - نص دعوى الأهلي ضد اتحاد الكرة.. 11 قرارا أضروا بالنادي و3 مطالب
المستشار القانوني بالأهلي: مركز التحكيم والتسوية يحدد الأربعاء لنظر شكوى النادي ضد اتحاد الكرة
بالفيديو - عبد الستار صبري يتوقع لـ في الجول طريق بطل أمم إفريقيا.. رباعي عربي في ربع النهائي
أنجولا.. وفن مراوغة ألغام البرتغال