كتب : زكي السعيد
تجلس قبالة طاولة تُطالِع "المونيتور"، تلزم مقعدك تارة، وتقف في حين أخرى لتفتح مجال رؤية بين الجموع المحتشدة، تنشغل بلعبة فنية على العشب الأخضر، أو بمتطفل يدس صوته في مايكرفونك بدعوات واحتفالات، الزملاء الناطقين بالفرنسية والإنجليزية ينتشرون من حولك.. مرحبًا بك، أنت معلِّق على مباريات كأس الأمم الإفريقية.
ليس هذا الحال الدائم لمعلقي المباريات بالطبع، ولكنه كان مشهدا كلاسيكيا للواصفين الذين خلّدوا أصواتهم في تاريخ أمم إفريقيا.
FilGoal.com يقدّم سلسلة "مايكروفون إفريقيا" بشكل غير اعتيادي، عن المعلقين وكلماتهم أو من جواروهم من أصحاب الهويات المجهولة، أو أمور أخرى.
طالع: مايكروفون إفريقيا – "براااافو يا ثابت" التي سلبت القائم حقه
في هذه الحلقة، سنطالع تجربة غريبة عاشها المواطن المصري الكادح قبل 11 عاما، عندما اضطر إلى مشاهدة مباريات كأس الأمم الإفريقية بتعليق فرنسي.
يتميّز المشاهِد المصري بارتباطه الوثيق بمعلقي المباريات، قد لا ينجح في تمييزهم بالضرورة، لكنه يولي اهتماما خاصا لألفاظهم، ويحرص على تكوين مشاعر سريعة تجاه المعلّق، أغلبها متطرف في كثير من الأحيان.
قد يتهمه بالتحيز، أو بضحالة المعلومات، أو قد لا يتقبله دون سبب ملموس.
وفي المقابل، يمكن للمشاهِد المصري أن يدافع عن معلّقه المفضل حتى الموت لو حاول البعض الانتقاص منه.
هذه العلاقة العاطفية المميزة بين الناقل والمتلقي، شهدت منعرجا مختلفا خلال كأس الأمم الإفريقية 2008، عندما فشل المشاهِد المصري في الاستقرار على انطباع حقيقي بشأن الكلمات التي وقعت على أذنيه.. لأنها قيلت بالفرنسية!
كانت تلك البطولة الإفريقية هي الأخيرة التي تنقلها شبكة راديو وتليفزيون العرب (ART) بشكل حصري في منطقة الشرق الأوسط، وإن لم تقدر على إيصال هذه القنوات إلى شاشتك –بطرق شرعية كانت أو غير شرعية-، فملجأك الآخر والأخير سيكون البث الأرضي للتليفزيون المصري لا محالة.
طارق الأدور الذي يتميّز بقدرته على نقل عدة ألعاب رياضية بصوته وليس كرة القدم فقط، اضطر خلال هذه البطولة إلى تغيير لغة الوصف، وحدّث سامعيه بالفرنسية.
يقول الأدور لـ FilGoal.com عن كواليس الساعات الأخيرة قبل انطلاق البطولة:
"حدث الأمر قبل المباراة الافتتاحية بأيام، بل حتى بساعات".
ويستفيض: "أحد المحامين الجزائريين عثر على ثغرة في العقد الذي يسمح للجهة الحاصلة على الحقوق في الشرق الأول ببث المباريات باللغتين العربية والإنجليزية؛ هذا يعني إمكانية نقل المباريات بأي لغة أخرى".
التليفزيون المصري تفطّن سريعا لتلك الثغرة، وتحرك لجمع أصحاب اللسان الفرنسي في وقت ضيق قبل بداية المسابقة.
أحد الأصوات التي أطلت على المستمع المصري خلال تلك البطولة، يرجع لـ أمنية الحمزاوي المذيعة في محطة "نايل تي في".
تقول الحمزاوي في تصريحات سابقة للأهرام: "كان من المفترض ترشيح 4 معلقين رجال، ولكني فوجئت باختياري".
وتضيف صاحبة أول صوت أنثوي في التعليق على مباريات كرة القدم بالتليفزيون المصري: "بدأت بمطالعة المصطلحات الخاصة بكرة القدم وكل ما يتعلق بالفرق المشاركة في البطولة".
خلال أمم إفريقيا 2008، علّقت أمنية الحمزاوي على 11 مباراة، منها 5 بمفردها، و6 بالاشتراك مع آخرين من زملائها.
ويقارِن الأدور بينه وبين زملائه من العاملين في نايل تي في الذين شاركوه التعليق على مباريات أمم إفريقيا 2008: "كانوا محترفين ومتقنين للغة الفرنسية ولديهم دراية كاملة بها، ولكنهم لم يكونوا متخصصين في كرة القدم. على النقيض، أنا كنت متخصصا في كرة القدم، ولكني لا أجيد الفرنسية بنفس درجة براعتهم".
وصحيح أن الحمزاوي لم تكن متخصصة في كرة القدم، لكنها لم تكن في منأى عن الرياضة عموما.
تذكر في حوارها مع الأهرام أنها اعتادت تقديم النشرة الرياضة في نايل تي في وتغطية ألعاب أخرى مثل الاسكواش والتنس وكرة الماء، قبل أن تحتك بكرة القدم في كأس العالم العسكرية 2001 عندما قامت بتغطيتها من أرض الملعب.
مصر تقهر السودان بطابع فرنسي
واحدة من المباريات التي يتذكرها الأدور أكثر من غيرها، كانت تلك التي علّق عليها في الجولة الثانية بين مصر والسودان.
المُشاهِد المصري استمع في هذه المباراة إلى نطق مصري لأسماء لاعبيه، يتخلله ألفاظ فرنسية عابرة غير مفهومة.
يسترجع الأدور هذه المباراة التي انتهت بانتصار مصري ثلاثي: "كانت أكثر مباراة انفعلت في التعليق عليها، بالطبع نطقت الأسماء المصرية كما هي، لو كان المعلق فرنسيا فإنه سيقول: (هاداري) و(أبد رابوو)".
ويمزح الأدور قائلا: "كثير من الناس قالوا لي: أنت الوحيد الذي علّق بالفرنساوي كأنه عربي".
ويشتهر الأدور في تعليقه عموما بالمعلومات الغزيرة، لكنه يعترف أن تعليقه بلغة غير لغته الأم تركه مجبرا على "الاكتفاء بذكر الأحداث الرئيسة في المباراة"، ودفعه "للاتزام بنبرة هادئة تتماشى مع طابع اللغات الأوروبية في التعليق".
رغم ذلك، لم يكن الأدور ليجعل لغته الفرنسية عائقا أمام استعراضه واحدة من معلوماته المفضلة التي ذكرها كثيرا في العربية، وهي المتعلقة بـ سالمون كالو لاعب كوت ديفوار السابق.
يسترجع الأدور: "خلال تعليقي على مباراة كوت ديفوار ونيجيريا التي سجل كالو هدفها الوحيد، أردت التطرق لمحاولة تجنيسه الفاشلة حتى يلعب مع منتخب هولندا في كأس العالم 2006، وتمكنت بالفعل من رواية هذه الواقعة وكيف وقف عدم إلمامه باللغة الهولندية أو بثقافة البلد عائقا أمام تجنيسه".
خدعة الراديو
يتميز المصريون بحسن استغلال مواردهم على قلتها، وكيف يقدرون على التوفيق بينها.
تجلى ذلك خلال أمم إفريقيا 2008، عندما ضجر بعضهم من الاستماع إلى الفرنسية التي لا يفهمها، فلجأوا إلى "حيلة الراديو".
ستشاهد المباراة على التلفاز مع إبقاء الصوت صامتا، وستضع مذياعا إلى جانبه، مستغلا نقل المباريات عبر إذاعة الشباب والرياضة باللغة العربية، حتى تحقق المزيج المثالي.. ستشاهد المباراة بتعليق عربي!
يضحك الأدور عند تذكيره بهذا السلوك، ولكنه يدحضه في ثقة: "عرفت أن بعض الناس لجأوا إلى هذا الأسلوب، لكن التليفزيون يبث متأخرا عن الراديو بحوالي 3 ثوانٍ، هذا كفيل بإرباك المشاهِد، ستستمع للعبة قبل أن تراها عينيك".
في نهاية الأمر، فَك صالح كامل مالك شبكة (ART) الاشتباك بين التلفاز والمذياع، وأهدى ماسبيرو بثا من قنواته في المباراة النهائية ومباراة المركز الثالث.
اختر التشكيل التاريخي المثالي لكأس الأمم الإفريقية
اقرأ أيضا:
رسميا – ميدو مديرا فنيا لـ المقاصة
مصدر من الزمالك لـ في الجول: لا مجال للتفكير في حل استكمال الدوري قبل أمم إفريقيا
تفاصيل اجتماع لجنة التخطيط للكرة في الأهلي مع الجهاز الفني "لتطلعات الموسم الجديد"
رئيس الزمالك في اتحاد الكرة: نرفض استكمال الدوري دون دوليين