كتب : زكي السعيد
تجلس قبالة طاولة تُطالِع "المونيتور"، تلزم مقعدك تارة، وتقف في حين أخرى لتفتح مجال رؤية بين الجموع المحتشدة، تنشغل بلعبة فنية على العشب الأخضر، أو بمتطفل يدس صوته في مايكرفونك بدعوات واحتفالات، الزملاء الناطقين بالفرنسية والإنجليزية ينتشرون من حولك.. مرحبًا بك، أنت معلِّق على مباريات كأس الأمم الإفريقية.
ليس هذا الحال الدائم لمعلقي المباريات بالطبع، ولكنه كان مشهدا كلاسيكيا للواصفين الذين خلّدوا أصواتهم في تاريخ أمم إفريقيا.
FilGoal.com يقدّم سلسلة "مايكروفون إفريقيا" بشكل غير اعتيادي، عن المعلقين وكلماتهم أو من جواروهم من أصحاب الهويات المجهولة، أو أمور أخرى.
في هذه الحلقة، سنحاول إعادة الحق لأصحابه، سنكرّم القائم الذي سلبه حسين مدكور شرف الإنجاز قبل 33 عاما.
يرتبط صوت المعلّق حسين مدكور لدى أذن المشجع المصري بإنجازين تاريخيين خلال حقبة الثمانينيات، الثاني هو مباراة التأهل إلى مونديال 1990 يوم التفوق على الجزائر في 17 نوفمبر 1989.
أما الأول، والذي هو محط حديثنا، فيوافق عيد الأم وقهْر الكاميرون بركلات الجزاء الترجيحية في نهائي كأس الأمم الإفريقية يوم 21 مارس 1986.
كانت مصر تبحث عن ثالث ألقابها القارية والأول منذ 27 عاما، وهو أطول صيام عن التتويج بأمم إفريقيا في تاريخ الفراعنة.
بعد أقل من شهر على أحداث الأمن المركزي، احتشد 95 ألف مشجع في استاد القاهرة –وفقا للتقديرات الرسمية-، واحتشد ملايين آخرون أمام الشاشات، واستعانوا في مشاهدتهم بصوت مدكور الذي تقلّد شرف وصف اللقاء الختامي.
كان مدكور متوترا، حاله حال أي مواطن مصري في تلك المباراة العصيبة أمام رفاق روجيه ميلا.
يستبق مدكور الأحداث في إحدى هجمات مصر الخطيرة في الشوط الثاني ويصيح "جوول"، لكن توماس نكونو الحارس الأسطوري للكاميرون أبقى النتيجة سلبية.
"حسبها ايه أنا عايز أفهم؟؟ حسبها فاول! مش معقوول مش معقول اللي بيعمله الحكم النهارده! مش معقول! وفي واحد ضرب طاهر أبو زيد والكورة مش معاه.
نشوفها تاني، هانشوفها مع بعض تاني أهو، لوحده، أهو ماعملش حاجة، الكورة في الجول أهي، بإيييده!".
هكذا يعترض مدكور بسخط في إحدى الهجمات المصرية الخطيرة التي احتسبها حكم المباراة مخالفةً لـ نكونو حارس مرمى الكاميرون.
الطريف، أن عبارة "مش معقول اللي بيعمله الحكم النهارده"، قد تكون مناسبة أكثر لأداء نفس الحكم بعد 3 أشهر في ملعب أزتيكا بالمكسيك بين الأرجنتين وإنجلترا.. الحكم هو التونسي علي بن ناصر واحد من بطلين لواقعة "يد الإله".
توتر مدكور يزداد حدة عندما تسنح فرصة التتويج في وقت متأخر لـ محمود الخطيب الذي يُخطىء الشباك في مواجهة المرمى: "جوااهااااااااااع (أصوات متحشرجة) يااا راجل! يا راجل مش معقولة! يا ساتر يا رب! بص الكورة! والخطييييب وبيحطها بوش الجزمة، إنما بعيد عن القائم الشمال بره آوت".
في ركلات الجزاء الترجيحية، أهدر القائد مصطفى عبده الركلة الثالثة لـ مصر، وأدخل الحاضرين في حالة شك، قبل أن يعيد ثابت البطل المصريين إلى صوابهم سريعا، ويتصدى لركلة جريجوار مبيدا، ليحترق مايكروفون حسين مدكور بصرخات: "برافو يا ثابت.. برااافوو يا ثااابت.. براافو يا ثاابت.. برافو برافو برافو".
مرت الركلات التالية بسلام، ليلجأ المنتخبان إلى ركلات الموت المفاجئ، والشجاع الأول كان أشرف قاسم الذي سدد الركلة السادسة لمصر بنجاح.
وبينما عاد قاسم إلى موضعه في دائرة المنتصف، وأثناء استقبال زملائه له، غلب السهو مخرج المباراة في أهم لحظات البطولة، وأبقى "الكادر" مركزا على لاعبي مصر في وسط الميدان، دون أن يعرض ركلة الكاميرون التالية التي تقدّم لتسديدها أندري كانا بييك.
لو تابعت المباراة على التلفاز في ذلك اليوم، فسترى أمامك في تلك اللحظة، صراخا هستيريا يهب من شاشتك مصدره أصوات متفرقة، ولاعبون يرتدون الأبيض يركضون في شتى الأنحاء ويحتضنون ذويهم، ومعلق المباراة يصرخ: "برااافو يا ثااابت، برافو يا ثااابت، برافو يا ثااابت، برااافو يا ثابت يا بطل".
مع هذه الكلمات لن يكون عسيرا أن تستنتج أمرين، الأول أن ثابت البطل تصدى للركلة الكاميرونية، والثاني أن مصر توجت بكأس الأمم الإفريقية.
الاستنتاج الثاني هو حق، أما الأول فظلمٌ للقائم الأيمن لمرمى استاد القاهرة الذي كان من تصدى لكرة وليس حارس الأهلي التاريخي.
طالع أيضا
فرمان من الاتحاد الدولي في قضية التحرش الجنسي
الدوري الإنجليزي يفقد أسطورة.. هازارد تفوق على هنري ورونالدو
منافس مصر - شكوك حول مشاركة نجم الكونغو في أمم إفريقيا
الأهلي في مذكرة لاتحاد الكرة: متمسكون بكافة حقوقنا في الدوري
كوت ديفوار.. حتى لا تنقرض الأفيال مرتين