كتب : إسلام مجدي
"بعد 10 دقائق من رؤية ذلك الطفل يلعب لاحظت شيئا لا يصدق، الكرة ملتصقة بقدمه، يلعب بكل أريحية في نفس الوقت الذي يفكر فيه كيف يتصرف بها، كان فتى موهوبا للغاية بالنسبة لعمره". توما ميليشيفيتش مكتشف لوكا يوفيتش.
لا تكون هناك توقعات كبيرة إن ولدت في مدينة مثل بيه لينا، تلك التي تقع في البوسنة، خاصة في فترة التسعينيات، مع بداية حرب البوسنة والمذبحة الكبيرة، مرورا لإعلان الاستقلال واتخاذ الصرب لها كعاصمة، بين كل تلك الاضطرابات لم يكن هناك مجال للعب كرة القدم على صعيد احترافي، فقط للهواة.
ميلان يوفيتش كان يحب كرة القدم كثيرا وفي تلك الفترة حاول أن يلعب على صعيد المحترفين لكن لم تسنح له الفرصة قط، فكان يلعب مع فريق بارتيزان بلجراد في مستوى الهواة براتب ضئيل للغاية.
حتى حظي بمولود جديد، لوكا، بعدما تمكن من الابتعاد عن مدينه بيه لينا، ولم يكن هناك سوى الفقر وبعض المعاناة للحصول على الأموال.
نشأ لوكا ولم يكن لديه أن ينوع من الألعاب التي حظي بها أبناء جيله، فقط كرة قدم تلك التي يحبها ويعشقها والده، لذا منذ نعومة أظافره كان يلعب بها مع والده معظم الوقت، وفي مرحلة ما قرر ميلان أن يحقق حلمه من خلال لوكا الصغير.
في عمر السابعة وتحديدا خلال عام 2004 حصل لوكا على عرض للعب في "ميني ماكس" وهو دوري صغير للأطفال من عمر 4 إلى 12 عاما.
قبل خوض مباراته الأولى، استمر معه والده يدربه ويعلمه كيف يلعب بكلتي القدمين، لكنه كان يفضل اللعب باليمنى أكثر، ثم تعلم كيف يلعب بثبات وثقة بقدمه اليسرى.
لم يتطلب الأمر منه سوى مباراة وحيدة لإثبات مهارته، سجل 3 أهداف وأعلن للجميع أنهم أمام موهبة واعدة، ليتم منح والده 50 يورو على كل مباراة يلعبها لوكا بجانب مصاريف الانتقالات من باتار إلى بلجراد.
وخلال واحدة من تلك المباريات بعد ما يقرب من عام، كان توميسلاف ميليشيفيتش كشاف فريق النجم الأحمر الصربي ومدرب فريق تحت 12 عاما بالنادي، حاضرا للمشاهدة.
لم تدم مشاهدة ميليشيفيتش للمباراة سوى 10 دقائق فقط، ليفتح دفتره وقلب الصفحة التي كتب فيها تشكيل الفريقين، كان يستخدم قلمه الأحمر، ثم وضع دائرة حول اسم ذلك الفتى الذي لا يهدأ حتى يسجل.. "لوكا يوفيتش".
"10 دقائق كانت كافية، شاهدت اللعب ولاحظت شيئا لا يصدق".
"الكرة كانت ملتصقة بالصمغ في قدمه، كان مرتاحا للغاية حينما تكون معه ويفكر فيما سيفعله، سواء يمررها أو يحتفظ بها، وجدت الأمر رائعا بالنسبة لفتى في مثل عمره، أن يلعب بهذا النضج ويحتفظ بالكرة ببراعة".
"حينما أتته الكرة في مواجهة المرمى ذكرني بجيرد مولر أسطورة ألمانيا، تحركاته الجسدية كانت مشابهة له".
"لوكا كان جيدا للغاية بقدميه الاثنين، لديه حس جيد في بناء اللعب والعمل الجماعي، ورأيت هدفا سُجل بغريزة لا تصدق، لا يمكنك أن تتعلم أن تفعل هذا وأنت في هذه السن، لقد وُلد هكذا، ولا يزال يتمتع بهذه الغريزة حتى يومنا هذا".
في عام 2005 كان لوكا على وشك الانضمام إلى بارتيزان، والده اصطحبه بالقطار إلى هناك، لكن لوكا رفض، ليأتي فريق جديد مهتم هذه المرة من ألمانيا.
أتى فريدي بوبيتش وميكي ستيفيتش كممثلين عن شتوتجارت وبوروسيا دورتموند على الترتيب، كلاهما أرادا أن يحصلا على خدماته، وكانت هناك الكثير من المغريات مثل الجنسية الألمانية للعائلة بالكامل، لكن ميلان يوفيتش لم يرغب في ذلك ولم يفكر لوكا في الأمر. لينضم في نهاية المطاف إلى النجم الأحمر.
لم يكن الأمر سهلا أبدا على لوكا في بداياته، بسبب المسافة الكبيرة التي كان يقطعها حتى بلجراد، كان يعاني من التعب كثيرا لكن عائلته كانت تسانده خاصة والده.
قال توميسلاف :"لقد نشأ في منزل فقير، حينما رأيت ذلك، أصبحت مقتنعا أكثر أنه سيصبح نجما كبيرا".
استمر لوكا في فئات الشباب لدى فريق النجم الأحمر حتى بلغ الـ16، في موسم 2013-2014، وشارك لأول مرة في مسيرته على الإطلاق ضد فويفودينا، لم يكتف بذلك فقط، بل كسر رقم ديان ستانكوفيتش كأصغر لاعب يسجل في مباراة تنافسية في تاريخ ناديه، فقط بعد دقيقتين من مشاركته كبديل، وانتهى اللقاء بنتيجة 3-3، ليحصد النجم الأحمر لقب الدوري.
سلافيسا ستويانوفيتش تولى تدريب النجم الأحمر في 2013، ومنذ وصوله طالبه مسؤولو النادي بالانتباه ومنح الفرصة للفتى الشاب الذي ينصح بمشاركته ضمن الفريق الأول.
وفي شهر أكتوبر 2014 أصبح أصغر لاعب يشارك في تاريخ دربي بلجراد، أهدر العديد من الفرص في تلك المواجهة، لكن بعد مرور منتصف الموسم كان قد سجل 6 أهداف.
ليقول زفيزدان تيرزيتش المدير العام للنادي عنه :"لوكا يوفيتش سيصبح أفضل مهاجم في أوروبا".
إلا أن ذلك الموسم لم ينته على خير بالنسبة له، تعرض للإصابة وغاب عن كأس العالم للشباب ومعظم فترات الموسم، لكن النجم الأحمر وقع معه على عقد يمتد لثلاثة سنوات.
قال ستويانوفيتش :"كان لاعبا موهوبا للغاية، كان يعلم كيف يسجل، موهبته فطرية".
"لكنني كنت أغضب منه في بعض الأوقات، لأنه كان يبدو كسولا في التدريبات، في ذلك الوقت كان شعره أطول وفي بعض التدريبات كان يركز على شعره أكثر من التدريبات نفسها".
كان ذلك في أعقاب بدايات تألقه وتركيز الصحف معه، أصبح الفتى مولعا بتناول الشوكولاتة ورقائق البطاطس والدوناتس، شعر المسؤولون في النادي ببعض القلق والخوف من زيادة وزنه، لذا قرروا منح اللاعبين الكبار وقادة الفريق مفاتيح غرفته لتفتشيها إن وجدت أي من تلك الأشياء.
"كان يحب الكثير من تلك الأشياء، وحينما يقوم اللاعبون بإخراجها من غرفته لم يكن سعيدا أبدا".
بداية من موسم 2015-2016 أصبح يوفيتش الخيار الأول في هجوم النجم الأحمر بجانب هوجو فييرا وسجل 3 أهداف في أول 5 مواجهات، مع استمرار تألقه أرسلت إحدى المنظمات الإجرامية في نوفمبر تهديدا له ولعائلته بكسر قدميه وجعله عاجزا إن لم يدفعوا أموالا، القلق أصاب العائلة وتزامن ذلك مع قرب نافذة الانتقالات الشتوية.
كان النجم الأحمر يعاني من مشاكل مادية في ذلك الوقت، وجاء بنفيكا للحصول على خدماته ليحل أزمة القلق بجانب أزمة ناديه، ليرحل في الشتاء إلى بنفيكا.
على الرغم من أن تلك كان من المفترض أن تصبح خطوة للأمام، لكن مسيرته تعطلت كثيرا هناك.
كانت هناك منافسة قوية للغاية بالنسبة للشاب الصربي، كوستاس ميتروجلو وجوناس وراؤول خيمينز.
"كانت هناك منافسة قوية، لكنني لم أحصل على فرصة بسبب أخطائي".
"رحلت صغيرا للغاية عن النجم الأحمر، وهذا كان سببا رئيسيا، ولم تكن تلك رغبتي، وبمجرد رحيلي كنت أرى فريقي يفوز بسهولة والأجواء الرائعة، لم يكن الأمر سهلا علي".
"لم أنضج على صعيد العقلية وقتها، المبدأ كان أنني رحلت مبكرا جدا".
"لم أكن محترفا، لطالما اعترفت بأخطائي، كانت لدي مشاكل في رأسي، ارتكبت أخطاء كبير".
على الرغم من لعبه مع الفريق الثاني، حينما فكر الفريق الأول في ضمه أفسد فرصته بنفسه، حينما سهر ليلا في ملهى ليلي عشية مباراة.
"قضيت ساعة ونصف في حمام السباحة، لم ألحظ أو أشعر بأي شيء، حينما خرجت قدمي كانت تنزف وذهبت للمستشفى، تم تجميدي في النادي لـ40 يوما".
على الجانب الآخر كان روي كوستا يرى فيه موهبة كبيرة وأحبه كثيرا، كان من ضغط على الإدارة لضمه، وحينما سجل في ودية لصالح بنفيكا كان حزينا لم يحتفل، رغب بشدة في العودة لصربيا، لكنه وجد دعما كبيرا من روي.
تواصل معه روي كوستا كثيرا من أجل تطوير عقليته وجعله يندمج مع الفريق ويشارك ويتألق. لكن ذلك لم يحدث.
رحل لوكا يوفيتش في صيف 2017 إلى إينتراخت فرانكفورت معارا لمدة عامين مع أحقية الشراء. كان لديه مشاركتين مع بنفيكا في آخر 12 شهرا ولم يشارك مع منتخب صربيا.
قال بوبيتش :"لوكا وجد طريقه هنا معنا، كان مختفيا في بنفيكا لكننا ذكرناه من يكون وكيف كان يلعب".
"لم يكن هناك أي أحد في فريقنا يعرفه حينما وصل، لكن في التدريبات كان يمكنك أن ترى سريعا كم هو رائع أمام المرمى، لديه كل شيء، الرأسيات والتسديدة والقدمين".
"داخل منطقة الجزاء يعلم جيدا أين ستكون الكرة وكيف سيلاقيها، مازال صغيرا للغاية لكنه هادئ وواثق من نفسه، يمكنك أن ترى ذلك فيه".
غاب عن المباريات الأولى لكنه سجل في ظهوره الأول ضد أوجسبورج، ثم تعرض للإصابة ومع ابتعاده في بداياته عن مستواه كانت مشاركاته متقطعة، حتى عاد للمشاركة ضد شالكه في الجولة الـ17 حينما سجل ثم أضاف هدفا آخر ضد فولسفبورج.
نيكو كوفاتش علم جيدا كيف يستخرج أفضل ما لديه ويعيده لحساسية المباريات والتهديف ويبعد عنه فكرة الحنين للعب للنجم الأحمر، ليسجل بعد ذلك في 4 مباريات متتالية ضد دورتموند وماينز وبريمن وهوفنهايم. 9 أهداف في 27 مباراة.
"نيكو كوفاتش مدرب رائع، إنه يستخرج أفضل ما لديك، إنه قوي للغاية ويفضل الكمال، أتذكر تلك المباراة ضد ماينز، سجلت هدفا، وكنا متقدمين ونلعب جيدا، ثم صرخ في وقال هيا يا لوكا أنت لا تركض، استمررت في الركض وقتلت نفسي في تلك المباراة".
الموسم التالي كان أفضل لصاحب الـ20 عاما، إذ أنه أصبح أصغر لاعب يسجل 5 أهداف في مباراة واحدة بالدوري الألماني، وذلك ضد فورتونا دوسلدورف في شهر أكتوبر 2018 في مباراة انتهت بنتيجة 7-1.
بحلول شهر مارس كان قد قاد فريقه للانتصار ضد إنتر ميلان في دور الـ16 من الدوري الأوروبي، ليصبح أول فريق ألماني يفوز بـ8 مباريات في المسابقة في موسم وحيد، وسجل في هذه الانتصارات الثمانية 7 أهداف.
لم يهدر فرانكفورت الوقت، دفع قيمة شراء عقده من بنفيكا في أبريل ووقع معه على عقد يمتد حتى صيف 2023، لكن يوفيتش الصغير كان قد لفت أنظار ريال مدريد وبرشلونة وكل كبار أوروبا، بعد موسم سجل فيه 27 هدفا في 48 مباراة بكل المسابقات وصنع 7 اهداف أخرى. لينضم في نهاية المطاف للنادي الملكي.
مازالت قصة يوفيتش في بدايتها، ربما مر بتعثر كبير في بنفيكا لكن بمساعدة نيكو كوفاتش وفرانكفورت كان ذلك كفيلا بأن يعيده للطريق الصحيح ويستمر في تطوره وتقديم مستواه المتميز، ومازال في الـ21 من عمره وأمامه الكثير.
"في بعض الأحيان سترى لاعبا ما يسجل هدفا رائعا وستقول لنفسك نعم هذا بعض الحظ، لكن مع لوكا يوفيتش فتراه يفعل ذلك في التدريبات 10 مرات في الأسبوع وستقول حسنا إنه يوفيتش وهذا أسلوبه". أليكسندر ماير زميله السابق في فرانكفورت.
"مازال أمامه الكثير ليتطور إنه موهبة كبيرة للغاية، كلما سيكبر في السن كلما سيصبح مستقرا وثابتا أكثر، إنه قوي للغاية بالنسبة لعمره، ولا يوجد أي حدود لما يمكنه أن يصل إليه".
**المصادر (جارديان – بليتشر ريبورت – موزارت سبورت – سبورتس كيدا – DW - blic.rs – الموقع الرسمي لنادي إينتراخت فرانكفورت – موقع رابطة الدوري الألماني)
اقرأ أيضا:
لقجع: كنت على علم أن المغرب سيتعرض لحرب مباشرة من المصريين والتونسيين
تنزانيا.. دولة واحدة ومنتخبان مختلفان بقيادة هداف الزمالك
تأسيس أمم إفريقيا.. العدوان الثلاثي هددها والسودان يحتضن أحلام عبد العزيز سالم
لتخطي أحزانه في مدريد.. رسميا – لوبيتيجي مدربا جديدا لـ إشبيلية
رئيس الزمالك: رأسية بوطيب في مرمى الحدود ستجلب الدوري لنا.. ما حدث اليوم بسبب جروس