كتب : إسلام مجدي
"الحصول على فرصة شيء، معرفة كيفية استغلالها هي مهارة مختلفة للغاية". خوسيه أنطونيو رييس.
هناك العديد من المواهب التي تمر على كرة القدم، بعضها يشعرك بالغضب لعدم قدرته على تقديم 1% من التوقعات، وبعضها حقق الكثير لكن هذا "الكثير" لم يكن حتى 50% من إمكانياتهم.
خوسيه أنطونيو رييس موهبة رائعة، حقق الكثير لكن هل كان ذلك يكفي؟ لن نعلم أبدا ولم يجب عن ذلك السؤال قط، وبكل تأكيد بعد رحيله المفاجئ يوم 1 يونيو 2019 عن عالمنا لن نعرف الإجابة قط عن هذا السؤال.
ابن مدينة إشبيلية انضم لفريقها وهو في عمر الـ10 ولقبه كان "اللؤلؤة" ولعب لكل فئات الشباب بالنادي الأندلسي حتى جاءت اللحظة الحاسمة له بعد 6 أعوام، لينضم إلى الفريق الأول، ووقع عقدا احترافيا عام 1999، وشارك لأول مرة ضد ريال سرقسطة. ليس هذا فقط تم استدعائه لمنتخب إسبانيا تحت 17 عاما من أجل بطولة اليورو، على الرغم من أن فريقه كان في الدرجة الثانية إلا أنه لفت الأنظار إليه بامتلاكه يسارية بديعة.
مع الوقت أصبح لاعبا أساسيا وقاد الفريق الأندلسي للعودة لدوري الدرجة الأولى بعد أن حقق لقب الدرجة الثانية، وفي عمر الـ21 قرر أرسين فينجر مدرب أرسنال أن يضمه في شتاء 2004.
كان فينجر قد راقبه في 40 مباراة قبل أن يتخذ خطوته لضمه،
في إسبانيا كانت هناك الكثير من الهتافات :"أرجوك لا ترحل، نحن نحبك يا رييس". لكن الشاب كان قد اختار مساره وفضل الرحيل.
فور رحيله بالسيارة جهة المطار، مشجعو إشبيلية كانوا يطاردونها ويحاوطونها محاولين إقناعه في اللحظة الأخيرة بالعدول عن قراره بالانضمام إلى أرسنال.
لم ينتظر رييس كثيرا ليعلن عن حضوره للملاعب الإنجليزية، على ملعب هايبوري ضمن منافسات الجولة الخامسة من كأس الاتحاد الإنجليزي في فبراير 2004، تأخر أرسنال بنتيجة 1-0 أمام جاره تشيلسي بهدف أدريان موتو، ثم سجل رييس هدفين أكثر من رائعين ليقود فريقه للفوز.
أرسنال كان يعاني في الهجوم بسبب غياب تييري هنري للإصابة، كانت هناك قطعة ناقصة أكملها الفتى الإسباني الجديد في صفوف الفريق.
"الأشهر القليلة الأولى لي هنا في أرسنال كانت سيئة للغاية، أردت العودة للمنزل لأنني شعرت بالكثير من الحنين له، الكثير من الناس لن يتفهموا هذا الأمر، لن يتفهموا لما رحلت عن إشبيلية، وأخبروني أنه من الصعب علي أن أتكيف هنا".
"في البداية كانوا محقين، لم أتمكن من التعايش مع الحياة في لندن لكن تغير ذلك الآن".
لكن ذلك لم يحدث قط، ظل يفكر كثيرا في العودة لإسبانيا، وربما تألق في موسمه الثاني وسجل هدفا لا ينسى ضد ميدلسبره، لكن مواجهة مانشستر يونايتد في 2005 على ملعب أولد ترافورد كانت نقطة التحول في مسيرته مع المدفعجية.
كان أرسنال بحاجة لتجنب الخسارة من الشياطين الحمر ليحقق مسيرة 50 مباراة دون خسارة، على الجانب الآخر يونايتد كان يرغب بشدة في إيقاف تلك المسيرة.
طوال المباراة حاول جاري وفيل نيفيل استفزازه ثم بول سكولز، حتى نجح الأمر، رييس خرج تماما عن تركيزه في المباراة.
قال جاري نيفيل :"كنت أعلم أنني يجب أن ألعب بقوة بدنية أكبر، كان علي أن أجعل رييس يخسر ثقته بنفسه، خاصة وأنني أعلم أنه ليس قويا كفاية ليتحمل الصدامات".
ربما في تلك المباراة وتلك اللحظة أدرك رييس وأرسنال أنه لن يصل إلى أبعد مما وصل إليه، خاصة وأنه لا يجيد اللعب في مثل تلك المواجهات وبالتالي سيعاني من عدم الثبات على مستواه.
بالفعل بعد تلك المباراة تذبذب مستواه لم يعد أبدا كما كان، ثم ظهرت تقارير عديدة تشير إلى أنه غير مستقر في لندن، ويشعر بحنين كبير إلى إسبانيا ويرغب في العودة.
ثم جاءت مكالمة خادعة كان المقصود بها "مقلب" ضد اللاعب من إذاعة كادينا كوب الإسبانية، لكنه خلالها لم يعلم أنها كذلك، ليقول إنه "ليس سعيدا ويرغب في العودة لإسبانيا".
ثم تعقدت علاقته بزميله في الفريق تيري هنري بعد تصريحات عدائية من لويس أراجونيس مدرب منتخب إسبانيا ضد هنري، وقال خلالها إن "رييس أفضل من ذلك الفرنسي".
ثم ساءت الأمور أكثر في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي ضد مانشستر يونايتد فبدلا من البحث عن انتقامه المنشود، تعرض للطرد وفاز أرسنال بركلات الترجيح.
ليكون ذلك آخر مواسمه الجيدة مع أرسنال 45 مباراة سجل خلالها 12 هدفا وصنع مثلهم، ليعاني بعد ذلك، في الموسم التالي إما خارج التشكيل وإما يلعب بمستوى بعيد كل البعد عن مستواه المعهود، لا يسجل ولا يصنع كما كان يفعل.
في الصيف التالي طلب من أرسنال ألا يشارك في التصفيات المؤهلة لدوري الأبطال من أجل أن تتاح له الفرصة للمشاركة مع فريقه الذي سينضم إليه في الموسم التالي معارا.
كان أرسين فينجر محبطا للغاية من الطريقة التي تعامل بها ريال مدريد لكي يزعزع استقرار رييس، وفي النهاية وافق الفرنسي على الصفقة التبادلية، رييس إلى مدريد وجوليو بابتيستا إلى أرسنال.
"لعبت كل المباريات ومواجهات دوري الأبطال ثم في النهائي لعبت 5 دقائق فقط ضد برشلونة، كانت تلك ضربة قوية، غبت عن واحدة من أهم المباريات في مسيرتي، كان ذلك أمرا صعبا".
"سارت الأمور بشكل جيد معي في أرسنال لكن جاءت لي فرصة لكي أنضم إلى ريال مدريد ولم أرغب في تفويتها".
"التكيف على الأجواء في إنجلترا كان صعبا، الأشياء مثل الطقس واللغة كانت صعبة للغاية لعي، كان ذلك أمرا صعبا".
"عائلتي أهم شيء لي، ولم تكن سعيدة في لندن، كنت قلقا من حقيقة عدم تكيفهم هنا، لم يكونوا سعداء لكن حاليا في إسبانيا هم كذلك".
"لدي عام من العمل الشاق وأن أجعل رئيس النادي والمدرب والجماهير تثق بي، أرغب في التركيز على تقديم أفضل ما يمكنني فعله، يوما بعد يوم، سأحرص على الاستمرار في مدريد".
"لا أرغب حتى في التفكير في إمكانية العودة".
كان عليه منافسة لاعبين مثل روبينيو وأنطونيو كاسانو وراؤول جونزاليس، رييس بدأ في 17 مباراة فقط وسجل 7 أهداف، تأثيره مع الفريق كان شبه منسيا حتى جاءت آخر جولة في الموسم.
ريال مدريد كان عليه مواجهة مايوركا والفوز فقط سيضمن لقب الدوري، التعثر يعني تتويج برشلونة، كتيبة فابيو كابيللو تأخرت بهدف لفيرناندو فاريلا.
في الدقيقة 66 قرر المدرب الإيطالي الدفع برييس بدلا من ديفيد بيكام. وتأثيره كان سريعا للغاية، بعد دقيقتين سجل هدف التعادل بعد تمريرة من جونزالو إيجوايين، ثم أضاف مامادو ديارا الهدف الثاني، ثم سجل رييس الهدف الثالث.
كان من المفترض أن تكون تلك لحظة فارقة في مسيرة رييس، تأثيره كان كفيلا بجعله نجما وبطلا، لكن لم يرغب ريال مدريد في استمراره، ورحل خلال الصيف مرة أخرى، هذه المرة إلى أتليتكو مدريد.
موسمه الأول لم يكن جيدا في أتليتكو، خافيير أجيري مدرب الروخيبلانكوس في ذلك الوقت كان يفضل ماكسي رودريجيز وسيماو على الأطراف، في حين أن الثنائي سيرخيو أجويرو ودييجو فورلان هما مهاجميه الأساسيين.
فشل رييس في تسجيل هدف وحيد خلال موسمه الأول مع أتليتكو، وصنع 4 أهداف فقط في 37 مباراة بكل المسابقات.
"الأمر أساسي لأنه إن وثق بك المدرب وأظهر إيمانه بك، فلاعبون مثلي يتألقون، بعض الجماهير كانت ضدي في بدايتي لأنني كنت لاعبا لريال مدريد لكن لا يجب أن يتجاهل أحد جوهر كرة القدم وهو لعبها، أن أمتع الجماهير، ليس أن أركل اللاعبين وأؤذيهم".
كانت واحدة من أكبر الانتقادات ونقاط ضعفه هي التعامل مع العنف الجسدي في الملعب، مع الالتحامات، كان دائما ما يصبح فريسة سهلة لأي مدافع أو لاعب وسط قرر تحويل المواجهة للشق البدني.
في الموسم التالي أعير رييس إلى فريق بنفيكا، ومدربه كان كيكي فلوريس.
قال فلوريس :"بإمكاني أن أعيد له قدراته وأعكس حظه السيء".
صاحب الـ25 عاما قدم موسما متميزا للغاية مع بنفيكا، وفي الموسم التالي عاد إلى أتليتكو ومعه كيكي فلوريس الذي أصبح مدربا له ويثق به كثيرا من عمله معه.
استعاد رييس أخيرا جزء من بريقه في الماضي وثبت على مستواه وسجل أول أهدافه مع أتليتكو مدريد ضد بلد الوليد، ثم سجل ضد ريال مدريد، ثم حصد جائزة رجل المباراة في انتصار أتليتكو ضد برشلونة بنتيجة 2-1.
مع رحيل فلوريس في 2011 بدا الأمر وكأنها النهاية لرييس مع الفريق، فشل رييس كليا في التعامل مع جريجوريو مانزانو لتنهار العلاقة كليا ثم ينتهي به المطاف للرحيل في شتاء موسم 2011-2012 إلى إشبيلية.
بعد 8 أعوام بعيدا عنه عاد إلى النقطة التي بدأ منها، وكان النادي قد حقق خلالها لقب الدوري الأوروبي وكأس الملك مرتين وحقق نجاحا ملحوظا في إسبانيا في أعقاب عودته من الدرجة الثانية.
لم يتمكن رييس من استعادة مستواه، ظل متذبذبا بل وكان يخسر الكرة مع الضغط بسهولة، لكن جماهير إشبيلية كانت تحبه للغاية وتتقبل أي شيء يقدمه، على الجانب الآخر أوناي إيمري مدربه وثق كثيرا في خبرته وإمكانيتها في مساعدة الفريق.
لم يخيب رييس ظن مدربه، سجل ضد بيتيس في دور الـ16 من الدوري الأوروبي من موسم 2013-2014، هدفا منح إشبيلية الأفضلية والفرصة للعب ركلات الترجيح والتأهل بعد ذلك ومن ثم التتويج بالبطولة.
وغاب عن الفوز بلقب الدوري الأوروبي للموسم الثالث على التوالي بسبب إصابته بالتهاب الزائدة الدودية، الأمر الذي جعل موسمه ينتهي سريعا ويشاهد تتويج الفريق الأندلسي من بعيد، أما إيمري فرحل في الصيف إلى باريس سان جيرمان وتولى خورخي سامباولي تدريب الفريق، ليطلب لاعبين شباب ويرحل رييس مجددا عن الفريق.
قرر كيكي فلوريس ضمه إليه في مغامرة قصيرة بإسبانيول وهو في الـ33 من عمره، لعب خلالها عددا من المباريات الجيدة منها انتصار إسبانيول بنتيجة 3-1 ضد إشبيلية وتسجيله هدفا وصناعته لآخر، لكن إصابة عضلية بجانب إصابة في الركبة جعلاه يغيب عن عدد لا بأس به من المواجهات.
بعد إسبانيول جاءت رحلة قصيرة مع قرطبة ثم فريق شينجيانج تيانشان ليوبارد الصيني ثم فريق إكستريمادورا الإسباني في الدرجة الثانية قبل وفاته في حادث سيارة.
مما لا شك فيه أن رييس امتلك موهبة رائعة لا يمكن إنكارها، والكثيرون اعتقدوا في الماضي أنه سيصبح واحدا من أعظم اللاعبين في التاريخ، لكن مشكلة افتقاره للتحكم في حالته المزاجية بجانب عدم قدرته على التعامل مع الالتحامات البدنية.
التفاصيل التي كانت قادرة على دفعه نحو تلك القمة التي لم يلمسها قط، كان بحاجة للكثير من الظروف أن تكون في صالحه وفي ذلك الوقت من كرة القدم لم يكن ذلك ممكنا أبدا، أنت من يطوع الظروف لصالحك.
"سيرخيو راموس هو الأفضل في العالم فيما يخص الشخصية التنافسية".
"ما يمكنني قوله، إن كنت فقط امتلكت تلك الشخصية بجانب مهاراتي، ربما كان بإمكاني أن أصبح الأفضل في العالم".
المصادر (صحيفة جارديان - صحيفة إندبندنت - وثائقي عن اللاعب - صحيفة ماركا - مجلة These Football times - موقع elmundo.es - موقع muchodeporte.com )
اقرأ أيضا:
بالفيديو - أفضل أيام حياتك يا صلاح.. ليفربول بطل أوروبا
صلاح عن هدفه في النهائي: سددت ركلة جزاء أوصلتنا لـ كأس العالم.. اعتدت على تلك الأمور
مورينيو: تتويج مصر بأمم إفريقيا = منافسة صلاح على الكرة الذهبية
ثنائي ليفربول يدخل قائمة ذهبية يتزعمها مدرب الكاميرون
صلاح بعد التتويج: ضحيت بالكثير من أجل مسيرتي.. أخيرا لعبت 90 دقيقة في النهائي