حكايات في رمضان – فان دير مايده.. "كنت لويس فيجو الثاني وهذا درس للجميع لا تكونوا مثلي"
الثلاثاء، 21 مايو 2019 - 23:19
كتب : إسلام مجدي
"لم أكن ألعب في إيطاليا، من هنا بدأ كل شيء، بالنسبة لي كان الكحول والمخدرات هما مهربي، خرجت وشربت ولم أكن أفكر في كرة القدم". أندي فان دير مايده
ما التحول الكبير الذي من الممكن أن يحدث لمسيرة لاعب بدأ من القمة، أن تكون أحد أبرز المواهب الواعدة في هولندا ثم رحلة مع إنتر ميلان، الأمر الذي يقول إننا أمام نجم صاعد واعد، لكن مع كل الضغوط التي تصاحب تلك الصفقات والتوقعات يأتي الكثير من الإحباط والفيصل هي العقلية التي تتعامل مع هذه المتغيرات.
في نهاية التسعينيات ظهرت مجموعة من الشباب الواعد في هولندا بقيادة كو أدريانسي مدير منظومة الشباب في أياكس ومدرب الفريق والذراع الأيمن له يان أولدي ريكيرينك.
اثنان فقط من اللاعبين هما من أثبتا موهبة كبيرة وتطورا سريعا من بين الأطفال الصغار، أندي فان دير مايده وسيدريك فان دير جان. الأول جناح متميز للغاية يمتلك أسلوبا مميزا خاصا به والثاني لاعب وسط ملعب يمكنه تسجيل الأهداف ببراعة.
فان دير مايده الفتى الصغير الذي لفت الأنظار في بدايات التسعينيات ليقرر أياكس ضمه إلى أكاديميته بعدما بدأ في سن صغيرة للغاية مع أكاديمية فيتسه 1892، لكن أسلوبه دفع أياكس للحصول على خدماته سريعا.
والدته كانت تدعمه بكل الطرق، على الرغم من أنه أتى من عائلة فقيرة للغاية، إلا أنها كانت تشتري له احتياجاته للذهاب للتدريبات في أرنهيم.
والده كان مدمنا على المراهنات بل ووصل الأمر إلى أنه راهن على منزلهم، في حين أن الفتى أندي كان يبحث عن سبيلا للخروج من كل هذا ووجد الطريق في كرة القدم.
في كثير من الليالي لم يكن فان دير مايده يجد الطعام مساء، اضطر للتنفيس عن إحباطه في كرة القدم، أحب كثيرا البقاء خارج المنزل، لأنه دائما ما كان يواجه مشاكل حينما يظل بداخله.
انهار زواج والده ووالدته، وبعد عدة أعوام من انفصالهما، انضم صاحب الـ١٤ عاما لأياكس، وفجأة أصبح متاحا له كل منتجات شركة "نايكي".
"لم أدرك الأمر، لم أكن أعلم كيف هي منتجات أديداس ونايكي، ثم فجأة أصبح لدي عقد مع أياكس وراتب شهري وأمامي كل أنواع الأزياء المتاحة من نايكي لأنني لاعب شاب لأياكس".
والده كان يأخذ منه راتبه الشهري، كان يصطحبه إلى التدريبات بل وكان يحاول أن يحصل على المال من الآباء الآخرين في التدريبات.
"بقليل من الشجاعة وربما الشعور بالخزي صرخت".
أدريانسي لفت نظره ذلك الفتى الذي يستخدم إحباطه في لعب كرة القدم، كان يمتلك أسلوبه الفريد في لعب الكرة.
قال كو أدريانسي: "طلبت منه وضع قميصه داخل سرواله وهندمة شعره".
ليسجل أندي في ذلك التدريب ويصبح واحدا من أهم الناشئين في الفريق الذين ظهر عليهم التطور فور الاعتناء به عن كثب وسرعان ما لفت أنظار جميع من في أياكس.
تميز أندي بقدرته على الركض نحو الظهير الذي يواجهه عاقدا العزم على مرواغته واستغلال جبهته لاختراق منطقة الجزاء ومن ثم التسجيل أو صناعة الفرصة، والتوقعات كانت تشير لدخوله إلى الفريق الأول سريعا، ليحدث ذلك فعلا وهو في الـ١٨ من عمره.
كان واحدا من أقوى مواهب النادي، حتى أن الصحف في هولندا وقتها وربما البعض في إسبانيا قارنوه بلويس فيجو.
في الفترة من ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠٠٣ كانت الأفضل له على الإطلاق في مسيرته، كان أحد أبرز لاعبي أياكس، مع فريق احتوى على لاعبين مثل زلاتان إبراهيموفيتش ومارتن ستيكيلنبرج وماكسويل وحاتم الطرابلسي وميدو وكريستيان كييفو وجون هيتينجا وفان دير فارت، كان الرقم ٧ يمتلك رونقا خاصا على الجناح.
"أتذكر مباراتي الأولى، كنت دائما أتخطى الظهير الأيسر كان جوريس ماتيسن، لم يتمكن حتى من اللحاق بي، لكنه جذب شعري".
"عدت إليه وطرحته أرضا، مدربي وقتها كان جونتر دي هان، أصابه الجنون، الجميع كان ينظر إلي، اعتقدوا أنني مجرد مزارع من أرنهيم".
"بعد ذلك طالبوني بقص شعري، لكنني قلت إن قوتي به".
لكن ظهرت بعض المشاكل لدى الفتى الشاب الجديد، مشاكل سلوكية وطريقته في التعامل مع الأموال واستعمالها وبعض السهر.
أفضل مواسمه على الإطلاق كانت في الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٣ بعد ٣ أعوام من تصعيده للفريق الأول، فاز بالثنائية المحلية في ٢٠٠٢، وبأسلوبه أصبح واحدا من أهم أعمدة أياكس خاصة لأن صناعته للأهداف كانت حيوية للغاية للفريق.
قرر ديك أدفوكات مدرب منتخب هولندا استدعائه للمنتخب في ٢٠٠٢، وظهوره الأول كان أكثر من ممتاز ضد أمريكا، استغل خطأ دفاعيا من ديفيد ريجيس ثم راوغ كايسي كيلر قبل أن يسجل في الشباك الخالية ليجعل النتيجة ٢-٠ لصالح هولندا.
كوّن فان دير مايده ثنائي رائع مع زلاتان إبراهيموفيتش، كلاهما كان يعرف كيف سيتحرك الآخر والتواصل بينهما كان أكثر من ممتاز، والجماهير كانت تتغنى بهما وبأسلوبهما في لعب الكرة.
قال إبراهيموفيتش: "كنا كمجموعة، كنا مجانين للغاية، أنا وميدو وفان دير مايده، شعرت وكأنه يفهمني جيدا وبكل سهولة كنت تعرفه، وكأنه جارك أو مثلي أنا وميدو".
"البعض كان يقول انظروا إنهم مختلفون، من الصعب الاعتناء بهم، حينما رأيت فان دير مايده، كان الأمر أشبه بأنه واحد منا بالطبع".
اكتسب صاحب الـ٢٤ عاما صيتا رائعا بقدرته على التسجيل والصناعة، ليقرر إنتر ميلان ضمه في صيف ٢٠٠٣ بمبلغ يقدر بـ٨ ملايين يورو.
كان من المفترض أن تكون تلك الخطوة هي الأهم له في مسيرته، فرصته لكي يلمع ويتجه نحو سماء النجوم في أوروبا، لكن عقليته التي ظهر بها هناك كانت مختلفة للغاية عما كان عليه الحال مع أياكس.
لم يعد فان دير مايده نجما وسط فريقه، بل مجرد لاعب جديد صغير في السن في تشكيل احتوى على لاعبين مثل كريستيان فييري وديان ستانكوفيتش وفابيو كانافارو وغيرهم.
وفوق كل شيء تعامله السيء مع الأموال جعله يتشتت كثيرا بعيدا عن كرة القدم.
زلاتان إبراهيموفيتش مر بتجربة مماثلة بعد تجربة فان دير مايده بأعوام لكنه كان أهلا لها.
في إنتر لم يكن الأمر سهلا عليه، كان يقضي الكثير من الوقت بعيدا عن الفريق، ووحيدا، وفي إحدى ليالي الإحباط ولأن لم يجد الملعب قرر أن يتجه للخروج ليلا والسهر لأنه في كل الأحوال "لن يشارك مع الفريق الأول".
تفاقم الأمر كثيرا في موسمه الثاني، فبعد موسم أول شارك فيه ٢٥ مباراة في كل المسابقات ما بين أساسي وبديل، سجل خلالها ٣ أهداف، في الموسم الثاني لم يكن بأفضل حال، ما بين أساسي وبديل في ١٨ مباراة في الدوري، حتى أصبح يبتعد لأكثر من ٥ جولات أو ٧ جولات متتالية.
"لم أخرج ليلا بكثرة سوى في موسمي الثاني في إيطاليا، لم أكن ألعب تم استبعادي تماما، بالنسبة لي بدا الأمر كمهرب، لذا خرجت وتعاطيت الكثير من الكحول لم أفكر قط في كرة القدم".
"كنت محبطا ولم أكن ألعب ولم أكن سألعب مجددا".
جناح المنتخب الهولندي لم يفكر سوى في المال، وحينما أتى عرض إيفرتون، لم يدرسه ديفيد مويس مدرب الفريق جيدا، ولم يدرسه اللاعب لذا يمكننا تخيل ما حدث تاليا.
"حصلت على أمول جيدة في ميلان، لكن عرض إيفرتون كان ٣٧ ألف يورو في الأسبوع، ضعف ما كنت أحصل عليه في إيطاليا".
"سرعان ما اشتريت سيارة فيراري واحتفلت في بار شهير في ليفربول، وبعد عدة ساعات، شربت الكثير من الكحول ثم فيما بعد خنت زوجتي".
يمكننا تخيل ما حدث بعد ذلك، زوجة فان دير مايده عادت إلى هولندا بعدما خانها، أصبح وحيدا، مدمنا على الخمور، الكثير من الأموال والكثير من السهر والعلاقات والصور المسربة.
"تم تسريب صور وحتى مقاطع فيديو لي، زوجتي سألتني بعدها بيوم واحد، واضطررت لتوديع أبنائي، كم كنت غبيا".
الجناح لعب تقريبا ١٠ مباريات فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز في ٣ مواسم مع إيفرتون، هل هذا فقط؟ العلاقات انهارت تماما ليحدث الكثير من التراشق بين الطرفين.
"كان علينا أن نتدرب بعد كل مباراة، ولم أشعر أن هذا يجب أن يحدث، مويس طالبني بالتدرب لكنني كنت قد ذهبت للاغتسال وقلت له لن أفعل".
"إن لمسني كنت سأذهب للإدارة وسأطلب الكثير من الأشياء، سأصبح كلبا إن عاملتني كذلك وسأعاملك بهذه الطريقة".
"هل كنت مخمورا؟ لا لم أكن كذلك، المدرب قال إن علي أن أدافع لكنني لم أكن مدافع".
الكثير من الإصابات والسهرات والشجار غير المبرر والمتكرر مع ديفيد مويس، والمشاكل الأسرية وغيرها.
"في غضون٦ أشهر انهار كل شيء، كان لك شيء سهلا للغاية، لم يكن هناك حدود ويمكنك أن تفعل ما تريده، كنت أخرج وأشرب الخمر ولم أفكر في الواقع".
مع مشاكل صحية ضربت ابنته والكحول، أصبح لديه حالة من الأرق لمدة عامين، ليسرق حبوب المنوم من مكتب طبيب إيفرتون.
المخدرات والكحول أصبحوا علاجا بعد ذلك لحالة الأرق لديه، كان مدمنا للغاية، لم يلعب كرة القدم ووصل به الحال للحضيض.
انهارت الأمور تماما ليخرج اللاعب علنا ويطلب الرحيل عن إيفرتون، ثم بعد عام ينتهي تعاقده مع كتيبة المرسيسايد في ٢٠٠٩.
استمر في رحلته مع الإدمان والاحتفالات الليلية المتأخرة لتخرج الأمور عن السيطرة، وعلى ما يبدو أنه نسى كرة القدم حتى أن طريقته في الحياة كانت تقتله.
"استمريت لعام إضافي في ليفربول بدون نادي أتعاطى المخدرات".
"كنت أحيا وحيدا مع صديق وكنا نتعاطى المخدرات، في أيام الجمعة والسبت كنا نخرج لنقوم بأشياء غبية لأنك لا ترى الواقع، وكنت آمل أن استعيد علاقتي مع زوجتي السابقة".
بعد ليلة من الاحتفالات وجد فان دير مايده نفسه مازال صغيرا ربما في الـ٣٠ من عمره واعتقد أن حياته لم تكن جيدة على الإطلاق، أراد العودة إلى أمستردام، وأن يتواجد مع عائلته ومع والدته وشقيقاته وأن يلعب الكرة مجددا.
"تحدثت مع وكيلي وأخبرته أن يجد طريقة لعودتي لأنني كنت سأموت في ليفربول، أردت الذهاب لأمستردام ورتبت الأمر بان أتدرب مع أياكس، اتصل بي في اليوم التالي وعدت إلى أمستردام".
انضم إلى بي إس في أيندهوفن لكنها لم تكن فترة ناجحة، كانت تلك آخر فتراته كلاعب كرة قبل اعتزاله نهائيا وفي عام ٢٠١٢ قرر الاتجاه لمجال التدريب.
مسيرة فان دير مايده اتجهت إلى طريق سيء للغاية بسلسلة من القرارات الخاطئة والأسلوب السيء في التعامل مع الإحباط مرورا بالتعامل الأسوأ مع الأموال، الاتجاه المعاكس تماما لمسيرة إبراهيموفيتش الذي كان زميله في أياكس.
"أعتقد أنني وجهت اللوم كثيرا للمدرب، لكنني بعد التفكير في مسيرتي لا يمكنني أن ألوم ديفيد مويس أبدا".
"أظهر للجميع أن إيفرتون يمكنه اللعب والفوز، وحصد الكثير من النقاط ولعب كرة قدم جيدا".
"كنت غبيا، في بعض الأحيان أرقد في سريري وأفكر في الأمر، يا إلهي، ماذا حدث لك يا أندي؟ كنت لاعبا جيدا".
"في لحظة ما كنت لويس فيجو الثاني، أفضل جناح في أوروبا، وفي بعض الأحيان أفكر جديا أنني أهدرت ذلك، هذا درس للجميع، والآن أرغب في مساعدة اللاعبين لكيلا يرتكبون مثل غلطتي".
المصادر: (مجلة These Football times- السيرة الذاتية لأندري فان دير مايده – مجلة دي فولكسكرانت الهولندية – شبكة بي بي سي – صحيفة دايلي ميل – صحيفة جارديان – كتاب The Next Big Thing: How football’s wonderkids get left behind)
اقرأ أيضا:
حوار في الجول – هاني رمزي: كيف نجامل؟ اخترنا من ينفذ تفكيرنا.. انظروا لفرنسا وهذا رهاننا
المنتخب يكشف لـ في الجول تفاصيل برنامجه لأمم إفريقيا.. وموعد الإعلان عن القائمة النهائية
القائمة الأولية - قمر لـ في الجول: أنا أكثر مهاجم سجلت أهدافا في مصر ولم يختاروني بسبب المصالح
قوائم أمم إفريقيا – منافس مصر.. كاسونجو يقود هجوم الكونغو الديمقراطية