كتب : زكي السعيد
موهبة خارقة منتظرة، أو لاعب لم يحقق التوقعات. بطل شعبي، أو مريض غير قادر على ممارسة كرة القدم.. أو ماريو جوتزه بكل بساطة.
لاعب بوروسيا دورتموند الذي خلّد اسمه في تاريخ كرة القدم بتسجيله هدف فوز ألمانيا بكأس العالم 2014، اختبر الكثير من النجاحات والإخفاقات بالفعل في مسيرته التي لم تنته بعد.
جوتزه يعتلي منبر The Players Tribune ويروي قصته من منظوره الخاص، يتحدث عن فكاهة يورجن كلوب، وكيف ساهم بيب جوارديولا في القرار الصعب للغاية.
يتحدث عن هدفه التاريخي في شباك الأرجنتين، وكيف لعب الحظ دورا كبيرا في تسجيله، وكيف تسبب هذا الهدف في نسيان العديدين لما سبقه من إخفاقاته الشخصية.
دعونا نعيش رحلة على لسان جوتزه نفسه.
"بالنسبة لي، الجحيم هو عدم مقدرتي على ممارسة كرة القدم، الأمر بهذه البساطة.
في الجزء الأكبر من حياتي، لم أواجه أي صعوبات، كل الأمور سارت بسلاسة، وقد استطعت أن أعيش حلمي في سن صغيرة للغاية. سرت أمام الجدار الأصفر في عمر السابعة عشر. لعبت تحت قيادة اثنين من أعظم مدربي كرة القدم، وسجلت في نهائي كأس العالم بحلول الثانية والعشرين.
حتى أكون صريحا، كنت شابا، ولم أُقدِر حقا ما أمتلكه.. وبعدها مرضت، وفقدت كل شيء تقريبا.
ولكن دعونا لا نبدأ من تلك النقطة، دعونا نبدأ بذكرى مميزة، سأبدأ مع السيد كلوب.
كان مدربي الأول، وكان الشخص الذي آمن بقدراتي وأعطاني فرصة الظهور الأول في عمر السابعة عشر. من المضحك رؤيته الآن في ليفربول، لأنه رجل طبيعي أمام وسائل الإعلام.
إنه شخص طبيعي، يقول ما يخطر على باله. ولكن أعتقد أن أغلب الناس يعرفون فقط نسخته التي تقف على خط الملعب.
إنه يمتلك جانبا جادا أيضا. عندما كان عمري 17 أو 18 عاما، ولا أعطي 100% في التدريبات، كان يتوعدني. اعتاد الحضور نحوي ركضا حتى يبدأ الصياح مباشرةً في وجهي.
لا أستطيع ترجمة ذلك من الألمانية بشكل دقيق، ولكنكم تعرفون كيف يتحدث، مع صرير أسنانه: "عليك أن تمتلك مزيدا من الشغف. عليك أن تعطي كل شيء. اللعنة!".
ثم بعد التدريبات، يهدأ تماما، ربما حتى يصطحبك خارجا ويقول: "ماريو، كيف حالك؟ دعنا نتحدث عن الحياة".
عرف كيف يتعامل معي، كان مدربا رائعا، ولكن شخصيته كانت الأمر الأكثر أهمية للاعب شاب مثلي.
لم أقابل أبدا مدربا فكاهيا بشكل طبيعي مثله، لن أنسى أبدا عندما ركضت نحوه في دوسلدورف خلال الصيف، كان في طريقه نحو إخصائي
زراعة شعر.
انتشر هذا النبأ في ألمانيا، وهو تعامل مع الأمر بفكاهية كبيرة، كان يبتسم، ويصرخ علي ويتخيل كيف سيبدو وسيما بعد زراعة الشعر.
وبعدها عندما هَم بالمغادرة، غمزني وقال لي: "لا تقلق يا ماريو، سأحتفظ برقم الهاتف".
فقلت له: "ماذا تقصد؟".
فرد قائلا: "رقم الطبيب، سأحتفظ به لأجلك، في ظرف عدة سنوات ربما تحتاج إليه".
بعدها ضحك وسار مبتعدا. أغلب الناس سيشعرون بالإحراج أو لن يفصحون عن أي شيء، ولكن لم يهتم على الإطلاق. كان شخصا مرحا وصاحب تأثير إيجابي على كل من حوله.
يجب أن أشكره، لأنه كتب بدايتي، وقد حققنا أمورا رائعة معا في دورتموند خلال هذه السنوات.
عشت مع أبي وأمي في نفس المنزل من عمر العاشرة حتى العشرين، ولعبت لفريق مدينتي، ولم أواجه أي مشاكل حقا.
وعندما بلغت عشرين عاما، قررت الرحيل.
هذه خطوة أدرك أن أغلب الناس لا يقدرون على فهمها، فهي خطوة لم تتم في منتصف الليل، بل كانت القرار الأصعب في حياتي، وقد استغرقت وقتا طويلا لاتخاذ هذا القرار.
بايرن كان قد تفاوض معي في العام السابق، وقد قررت ألا أنتقل إليه. ولكن عندما أعلنوا عن بيب جوارديولا كمدرب جديد، وقاموا بالتواصل معي مجددا، لم أعرف ما يتوجب علي فعله.
عليكم أن تفهموا كيف يفكر شخص في العشرين من عمره، هل تذكرون عندما كنتم في العشرين؟ وقتها لا تدركون حقا الطريقة التي يسير بها العالم.
على المستوى الشخصي، لم أمتلك فرصة الخروج واستكشاف العالم، لم أعش بمفردي أبدا، ولذا شعرت وكأني في حاجة إلى تغيير في حياتي. وعلى المستوى الكروي، شعرت أن اللعب تحت قيادة جوارديولا سيكون تحديا لي وسيساهم في تطوري كلاعب.
اتخذت قرار الرحيل، ولم أفهم العواقب.
بعد عدة أسابيع، اضطرت الشرطة إلى حراسة منزل أبي وأمي.
لا أدري هوية من أفشى الأسرار، ولكنه ليس أنا بكل تأكيد. هذا آخر شيء كنت أريده، التوقيت كان مريعا، قبل يومين فقط من مواجهة ريال مدريد في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، سُربت أنباء رحيلي في الصيف.
أتفهم رد الفعل الآن، أتفهم ذلك، لأن كرة القدم أكثر من مجرد لعبة لكثير من الناس.
ولكن وقتها شعرت بالصدمة بسبب صافرات الاستهجان واللافتات التي رفعتها جماهيرنا، يمكن أن أتقبل ذلك على شخصي. ولكن شقيقي الأصغر الذي بلغ 14 عاما وقتها، تعرض لمضايقات في مدرسته.
الناس أخبروا أمي ببعض الأمور السيئة، عائلتي تلقت التهديدات عبر الإنترنت، كان وضعا لا يمكن احتماله، خصوصا أن هذا كان منزلنا، وأنا توجب علي الرحيل في الصيف، بينما عائلتي ستظل مقيمة في دورتموند.
ولذا كان الوضع أسوأ لهم، كان الوقت الأكثر صعوبة في حياتنا، ولكني لست نادما على ذلك حقا.
تعلمت شيئا من الحياة، هو أنني لا أستطيع توقع ما هو آت، لأن واحدة من أعظم لحظاتي مع كرة القدم جاءت مباشرة من بين الظلمات، والعكس صحيح.
إن استمعت إلى الإعلام، فقد صوروني كـ يهوذا، ثم كبطل، ثم كمخيب للآمال، ثم كشخص خارج عالم كرة القدم تماما، وهذا في ظرف 4 سنوات فقط.
من الصعب أن أقول إن الانتقال إلى بايرن ميونيخ كان خطأ، لأني تعلمت الكثير من كرة القدم على يد بيب. يمكنه أن يحدثك عن تكتيكات كرة القدم لساعات، وقد استطعت رؤية كرة القدم من منظور جديد.
كل الحصص التدريبية كانت مكثفة ودقيقة بشكل لم أختبره من قبل، كان من المميز أن أتعامل معه كمدرب وكشخص، تماما كما حدث مع كلوب.
ولذا أشعر بالتناقض عندما أفكر في هذه الفترة، مغادرة دورتموند كانت صعبة للغاية علي، ولكن إن لم أقم بهذا التغيير ولم أتخذ هذا القرار، هل كان لكأس العالم أن يحدث بنفس الصورة؟
الحياة غريبة، الناس يتحدثون عن كأس العالم، وعن هدفي في المباراة النهائية، وأعتقد أنهم يتناسون كيف قدّمت بطولة مريعة حتى اللحظات الأخيرة منها.
الآن لا يتذكر الجميع أنه تم استبدالي بين الشوطين أمام الجزائر في دور الـ16، ولكني لا أنسى، لم أبدأ ربع النهائي أمام فرنسا، لم أشارك في نصف النهائي أمام البرازيل.
أتمنى القول إنني تعاملت مع الأمر بنضج، ولكني كنت حزينا للغاية بشأن ذلك، كما لم أكن من قبل في حياتي. لم أستطع العثور على إيجابيات، وقد شعرت بالاكتئاب قبل المباراة النهائية.
لم أكن قادرا على رؤية ما هو مقبل، الناس يتحدثون عن الهدف، الهدف، الهدف.
بالنسبة لي، الهدف هو الجزء الأقل أهمية في ذلك، تسديد الكرة.. فعلت ذلك ألف مرة، الهدف هو نتيجة طبيعية لقرار اتخذته في حجرة الفندق حتى أتخلص من اكتئابي وأتحوّل للتركيز على التدريب بكل جدية ممكنة قبل النهائي.
الهدف كان حظا بقدر ما.
المدرب كان يمكن أن يقرر عدم الدفع بي كبديل، كان قادرا على استعمال لاعبين آخرين.
لربما قرر أندري شورله ألا يرسل العرضية نحوي في هذا التمركز، لا أعتقد أنه رآني حتى.
كان من الممكن أن تسقط الكرة في منطقة الجزاء بشكل مختلف، متر أبعد نحو اليمين أو نحو اليسار.
حارس المرمى كان يمكن أن يتصدى لها.
ربما لم يكن ليحدث أي من ذلك، هناك مليون سيناريو مختلف لا أكون فيه الشخص الذي يسجل الهدف الذي تسبب في الفوز بكأس العالم من قلب الماراكانا.
الهدف أكثر من مجرد حلم، ولكن الشيء الممتع حقا، هو طريقتي في التعامل مع الأيام التي سبقت المباراة، كنت في أسوأ حالة بمسيرتي، وبعد 3 أيام، صرت بطلا فجأة، وبتنا أبطالا للعالم.
الطريقة التي عشت بها المحنة والتقدم الذي حققته هو ما يلهمني الآن، خصوصا بعد كل ما حدث منذ تلك اللحظة.
لم أحقق التوقعات، الصحافة تحدثت كثيرا عن تصريح "ميسي" الذي قاله يواكيم لوف عني. عندما دفع بي في النهائي، خمنوا ما أخبرني به.. "فلتدفع العالم لرؤية أنك أفضل من ميسي".. ولكن بصراحة، لم أستوعب ذلك، كنت مركزا للغاية على الجانب التكتيكي وما يتوجب علي فعله، لم أسمع ما قاله حقا.
عندما كرر ذلك في المؤتمر الصحفي بعد المباراة، تسبب التصريح في جلبة كبيرة.
كان هناك الكثير من الضغط على بايرن ميونيخ بالفعل، وهذه المقارنة لم تكن أفضل شيء لي في عمر الثانية والعشرين، هذا لم يكن سهلا لي على الجانب الذهني، لقد قارنني الناس بـ ميسي.
نحن بشر، تذكروا ذلك. هذه حقيقة يسهل تناسيها، ولكن تم تذكيري بها بشكل قاسٍ بعد كأس العالم.
فعلى مدار العامين التاليين، واجهتني مشاكل بدنية كثيرة، كنت أتدرب بجدية كبيرة حتى أقابل التوقعات، وقد شعرت بكثير من الألم، لم أفهم ما يحدث لي.
شعرت بكثير من الانزعاجات العضلية، وجسدي خذلني باستمرار. لاحقا تم تشخيص حالتي باضطراب التمثيل الغذائي، والكثيرون توقعوا أنها نهاية مسيرتي.
احتجت إلى إعادة التأهيل وأن أتمهل لعدة أشهر حتى أتعافى، وقد كان هذا أمرا جيدا بشكل ما على المستوى الشخصي.
لا ترغب أبدا في التعرض لمشاكل صحية، ولكن على الجانب الآخر، حياتي بأكملها تمحورت حول كرة القدم منذ أن كنت في الثامنة من عمري.
حتى بعد كأس العالم، ذهبت في إجازة لـ3 أسابيع، وبعدها عدت إلى بايرن ميونيخ وكأن الأمر لم يحدث، فالتوقعات ارتفعت بشأن الألقاب التي يجب أن أحققها والأهداف التي يجب أن أسجلها. في بايرن، كان الأمر قاسيا.
ولذا عندما سُلبت كرة القدم، استطعت أن أرى قصتي بأكملها للمرة الأولى، وأن أتذكر كل ما مررت به، الجيد والسيئ.
أما أفضل قرار اتخذته في تلك الفترة، فكان العودة لـ دورتموند.
عندما رحلت في عمر العشرين، لم أمتلك أي منظور لحياتي، قد يبدو الأمر سخيفا، ولكني نظرت إلى كرة القدم بصفتها لعبة أطفال. تركض على العشب والكرة بين قدميك، كانت مجرد رياضة بالنسبة لي، ولا أكثر.
ولكن عندما تختبر العديد من النجاحات والإخفاقات، وتكتشف ما تعنيه كرة القدم للناس، عندما ترى الكراهية، والحب، والضغط، وكل شيء، عندما تكوّن منظورك الخاص.
حسنا، منظور الكراهية هو شيء لم أفهمه حتى الآن، فأنا لا أزال قريبا من بعض لاعبي بايرن ميونيخ من فترتي هناك، لا أعتقد أنه يتوجب علي كره شخص من فريق آخر، خصوصا أن بعضنا جلب كأس العالم لبلادنا، هذه رابطة ستدوم إلى الأبد.
لكن، لدي منظور مختلف لـ دورتموند الآن، فالكثير من الذين غضبوا وقت رحيلي، رحبوا بي مجددا، وأنا أقدّر ذلك كثيرا.
21 نوفمبر 2009.
أعرف أن أغلب الناس لا يتذكرون ذلك اليوم، فهو لم يكن يوما مميزا، يومها تعادلنا 0-0 أمام ماينتس، ولكني لن أنسى ذلك اليوم أبدا، لأن يورجن كلوب أدخلني كبديل في الدقيقة 88، وكان ذلك ظهوري الأول.
دخلت الملعب وبدأت في الركض، ونظرت نحو المدرج الأصفر والجماهير، وبصراحة كنت متوترا للغاية، واعتقدت أنني سأتغوّط في سروالي قبل أن أطأ الملعب بقدمي.
أنا واثق أن الناس سيشاهدون هدف نهائي كأس العالم لـ100 عاما مقبلة، وهذا أمر مميز للغاية بالطبع. ولكن تلك الخطوة الأولى على العشب في فيستفالنشتاديون جديرة بالتذكر بالنسبة لي.
لذا، يجب أن أشكر كلوب على تلك الفرصة، كانت تلك بداية القصة.
ومن دواعي سعادتي القول إنني لم أحتج إلى رقم هاتف إخصائي زراعة الشعر.. حتى الآن.
ربما ذات يوم، بعد وقت طويل جدا جدا من الآن.
وأخيرا، الأمر الأكثر أهمية...
أريد أن أشكر جماهير دورتموند على دعمها لي طوال هذا الموسم، كانت بادرة مميزة، فقد مررنا بالكثير معا.
لقد كنت على القمة، وقد كنت أيضا في القاع. ولا أعرف أين ستأخذنا هذه الرحلة، ولكن أريد القول إن هذا النادي يمثل جزءا مميزا من حياتي، أنا سعيد للغاية بالاستمتاع بكرة القدم مجددا.
شكرا."
اقرأ أيضا:
عامر حسين لـ في الجول: مباراة المقاولون والأهلي في موعدها ولا صحة لتأجيلها
فوكس سبورت: رامون دياز مرشح للتدريب في باراجواي
سكاي: شيفيلد وينزداي حريص على ضم سام مرسي
"بانييه إف سي".. فريق كرة القدم الذي قهر الطبيعة
العناية الإلهية تنقذ ثلاثي الجونة من حادث سيارة مؤسف