كتب : إسلام مجدي
"خسر والده في سن صغيرة للغاية، وكنتيجة انهار كل شيء". عزيز ذو الفقار الدولي المغربي السابق متحدثا عن حكيم زياش.
ما إمكانية أن يعود فتى مراهق من غياهب التدخين والإدمان والانهيار إلى قمة النجاح؟ ما نسبة حدوث ذلك الأمر سوى في السينما مع الأفلام المتقنة بعناية شديدة لتخرج لنا عبرة ما أو حكمة أراد الكاتب والمخرج تلقينها للمشاهد.
لكن مع حكيم زياش كان الأمر مختلفا، انهار كل شيء وفجأة وجد يد العون، ليقرر تغيير نمط حياته ويسير في قصة نجاح نحو القمة، ليتحول من مراهق طائش كاد أن يفقد كل شيء، لهدف كبار أوروبا يرغبون في ضمه وهو يختار حاليا وجهته المقبلة.
"أنا من يختار طريقي، لن أدع الطريق هو من يخبرني كيف أسير، أنا من سيسير أموره، كل شيء هو قراري في النهاية وأنا من يتحمل تبعاته". حكيم زياش.
ابن بلدية درونتن في هولندا ولد في أسرة مكونة من ٨ أبناء، كان هو التاسع، والده كان لحاما، لم تكن الحياة وردية أبدا.
والده أصبح طريح الفراش بعد ولادته بوقت قليل وصارع المرض طويلا ثم حينما بلغ الـ١٠ من عمره، توفي والده، لتكون تلك هي نقطة التحول في حياة الفتى الصغير.
انهار زياش تماما.. "المرض دمرني تماما كنت عاجزا عن مساعدته، لم يتمكن من فعل أي شيء، لم يكن يقوى حتى على السير أو تناول الطعام أو الحديث".
لم يمر وقت طويل حتى يلتقى الفتى حكيم صدمة أخرى، اثنان من أشقائه دخلا إلى السجن بسبب السطو والخطف.
٤ أعوام في غياهب الضياع كانت كافية لتحويل الفتى الصغير الذي لفت أنظار عدد من الكشافين في طريقته بلعب كرة القدم منذ أن كان في السادسة من عمره.
في عمر الـ١٤ قرر زياش الاتجاه للعب كرة القدم في أكاديمية هيرنفين، والدته لم تكن تقو على العمل والأسرة كانت تحت رعاية المساعدات.
مع تزايد الضغوط انهار الفتى حكيم، المخدرات والكحول بجانب التدخين وأعمال العنف، ثم ترك المدرسة كل تلك الأحداث وهو في عمر الـ١٦.
لذا يمكننا أن نرى أن حكيم خلال فترة مراهقته كان متهما في ٥ قضايا، مقاومة السلطات والعنف المتعمد وتهديدات بالسكين وحيازة مخدرات بشكل غير قانوني والتخطيط للجريمة.
في مرحلة ما قرر عزيز ذو الفقار أول لاعب مغربي يلعب في تاريخ الدوري الهولندي أن يتولى رعاية ذلك الفتى الطائش الذي لا يتدرب ولا يلعب كما يجب بجانب عاداته السيئة.
ذو الفقار أصبح بمثابة والد لحكيم، ليتولى تدريبه وكأنه يلعب كرة القدم للمرة الأولى، بل وسيجلعه فيما بعد يستمتع بلعب الكرة وليس فقط ممارستها، وعانى مرارا وتكرارا من إبعاده عن عاداته السيئة وسجله الحافل في ذلك الوقت.
"وفاة والده حطمته تماما جعلته يعود للجريمة، لكنني قررت مساعدته وفعلت ذلك قدر المستطاع لكي أضعه على الطريق الصحيح".
"بطريقة ما أصبحت معلمه، بل وكوالد له، ثم مدربه، كنا نتواصل بشكل دائم طيلة الوقت، كانت لديه موهبة كبيرة للغاية لم أرغب في إهدارها".
"ساعدته لكي يلعب كرة القدم بشكل احترافي، إنه يعرف جيدا كيف يستمع، قرر في لحظة ما أن يهتم بنفسه وبكل شيء وأن يتحكم في زمام الأمور، أن يتوقف عن البحث عن أعذار لحالة الضياع التي عاش فيها، وأن يغدوا لاعبا محترفا".
الشاب الصغير كان قوي البنية وحاد الطباع، وبسبب ذلك الأمر لم يكن يحترم زملائه في الفريق بل ومدربيه، النادي أنذره أكثر من مرة، ثم طرده لكن تدخل ذو الفقار مع موهبة حكيم كانت تقنع هيرنفين بإعادته.
قضى زياش فترة طويلة في الأكاديمية، لصقل موهبته وشخصيته، ربما كان ذلك وقتا طويلا مقارنة بموهبته التي تغنى بها ذو الفقار أمام إدارة النادي، وآمن بها النادي لكن كان لازما لكي يصبح ما أصبح عليه بعد ذلك.
في أغسطس ٢٠١٢ وفي عمر الـ١٩ خاض حكيم مباراته الأولى أمام إن إي سي نيميخن.
"شخصية حكيم طبيعية، إنه ليس ذلك اللاعب الذي يتبع تعليمات مدربه بالتفصيل، لكنه يرغب في بعض الحرية كذلك".
"حكيم تحول للاعب محترف في سن مناسبة وتعافى مما مر به بسبب كرة القدم، ويحترم قرارات مدربيه، بل وإن قرر مدرب ما استبعاده أو عدم إشراكه في مرحلة ما، فسيفعل كل شيء ممكن ليظهر أحقيته".
بطريقة أو بأخرى ما مر به حكيم جعله قويا، لا يستسلم ولا يكل أو يمل فيما يخص الاجتهاد، ربما مر بالكثير من العثرات لكنه كان يعرف جيدا الطريق إلى النجاح، المحاولة دائما حتى يصل إلى هدفه.
مدربه في ذلك الوقت كان الأسطورة الهولندية ماركو فان باستن، كان من المفترض أن يرشد زياش خلال بداية مسيرته ليتطور أكثر وبشكل أفضل، لكن على الرغم من ذلك مشاركات اللاعب كانت محدودة للغاية وعلى ما يبدو أن خلافهما كان قادما لا محالة.
"قام بإشراكي مرة وحيدة فقط خلال موسمي الأول، ثم بعد ذلك أغرقني بالكثير من الوعود، ولم ألعب بعد ذلك سوى ١١ دقيقة بعد ما يقرب من ٦ أشهر". حكيم زياش في ٢٠١٦.
"لم يشرح لي أي شيء، لم يتواصل معي قط".
بعد ذلك قرر زياش إثبات أن فان باستن قد أخطأ في حقه، وذلك عن طريق مستواه سواء في التدريبات أو الملعب.
أتى ذلك ثماره بشكل رائع مع زياش وفي الموسم التالي تألق وأصبح أحد أبرز لاعبي الفريق، سجل ١١ هدفا وصنع ١٠ في ٣٦ مباراة بكل المسابقات. وبالطبع اختير لاعب العام في النادي.
"كان يمكن أن أقدم أكثر من ذلك وعملية تطوري أسرع، فان باستن اسم كبير في عالم كرة القدم لكن ليس مدربا كبيرا، وظهر ذلك جليا حينما درب ألكمار، الآن أصبح مساعدا مرة أخرى في هولندا". حكيم في ٢٠١٦.
انضم زياش إلى تفنتي بعد منافسة قوية للغاية مع فينورد وأكثر من فريق آخر رغب في ضمه، وفي موسم ٢٠١٤-٢٠١٥ كان أكثر لاعب صنع أهدافا في الدوري الهولندي بـ١٥ هدفا في ٣٣ مباراة بل وسجل ١٣ هدفا.
في ذلك الوقت كان مدربه الهولندي ألفريد شرودر، كان منبهرا للغاية بقدرات حكيم، حتى أنه جعله قائدا للفريق في موسمه الثاني فقط بالنادي. لكن تلك العلاقة الرائعة في موسم ٢٠١٥-٢٠١٦ لم تستمر قرر النادي إقالة شرودر في شهر أغسطس وأصيب زياش بإحباط كبير.
لم تدم شارة القيادة كثيرا مع زياش ومع التقلبات الكثيرة قرر تيد فان ليوون أن يسحب شارة القيادة بسبب مقابلة لزياش مع مجلة "دي فولكسكرانت" الهولندية.
خلال تلك المقابلة قال :"في مباراتنا على ملعبنا في شهر أبريل علقت الجماهير لافتات ضد المدرب كلها إهانات ولم يفعل أحد شيئا".
ذلك بجانب نقله تفاصيل مثل شعور اللاعبين بعدم الأمان وأنهم أصبحوا يلعبون من أجل أنفسهم لتسويق أنفسهم للرحيل بعد تعدي الجماهير عليهم.
بجانب دفاعه عن ألفريد شرودر :"التوقعات كانت كبيرة للغاية، نحن أخطئنا كلاعبين، هناك الكثير ما يدور في تفنتي عما ينقل لكم، ألفريد كان يدربنا بشكل ممتاز، ونستعد بطريقة رائعة ويعرف كيف يتعامل معنا، الإدارة رفعت سقف التوقعات كثيرا، حتى مورينيو وجوارديولا لن يكونا قادرين على فعل المزيد معهم".
بنهاية الموسم انهارت علاقة زياش مع النادي كثيرا، بعد أن لعب ما يقرب من ٧٦ مباراة سجل خلالها ٣٤ هدفا وصنع ٣٠ آخرين.
حسب صحيفة "دي تليجراف" فإن أياكس لم يكن يفكر في ضم زياش ليدعم خط وسطه، ثم تحدث مارك أوفرمارس المدير الرياضي وقتها عن أن النادي لديه ما يكفي من لاعبين وزياش ليس ضمن القائمة التي يرغب النادي في ضمها إليه.
وقتها كان أياكس يعاني مما وصف بأزمة إبداع في خط الوسط، واحتاج لتجديد الدماء خاصة بعد بيع أركا ميليك وياسبر سيليسين ما يعني امتلاكه أموالا تكفي لضم بعض اللاعبين، ليضم العملاق الهولندي ديفيد نيرس وزياش ودافينسون سانشيز إلى صفوفه.
وقتها عبر زياش عن سعادته بهذه الخطوة نظرا لرغبته في أن يصبح لاعبا أكثر تكاملا مع أياكس وأن يحسن من مستواه الدفاعي في المباريات.
على الرغم من تسجيله ١٢ هدفا وصناعته لـ٢٠ في ٤٦ مباراة بكل المسابقات، إلا أنه لم يكن قادرا على مساعدة أياكس في مواجهة مانشستر يونايتد بنهائي الدوري الأوروبي لينتهي الموسم ببعض الدموع.
بجانب صراع آخر مع ماركو فان باستن، وقت الاختيار بين منتخبي هولندا والمغرب قرر زياش اختيار الأخير، ليصف فان باستن مساعد مدرب منتخب هولندا ذلك القرار بالغبي بسبب اللعب في كأس العالم، تشاء الأقدار فيما بعد أن ترد نيابة عن زياش، بأن تشارك المغرب في كأس العالم وهولندا لن تفعل.
موسمه الثاني كان نقطة الانطلاق الكبيرة، أصبح يخلق الكثير من الفرص ويظهر شخصية قوية في المباريات الكبيرة، وأصبح أكثر لاعب يصنع أهدافا في الدوري، لكن بجانب ذلك كان الأكثر خسارة للكرة لتتجه أسهم النقاد إليه بشأن مخاطرته الدائمة بجانب انتقادات من جماهير أياكس وما زاد من حدة الأمر كانت الركلات الحرة المهدرة.
زياش قرر الرد من خلال تطوير قدراته أكثر، من خلال زيادة قدراته في المراوغة، كما عبر عن رغبته في اللعب خارج هولندا، وبنهاية الموسم تم اختياره كأفضل لاعب في هولندا.
تفاجئ اللاعب من اختيار الجماهير له، لأنه تعرض مرارا للانتقاد، وعلى الرغم من الانتصار الفردي في معركته، إلا أنه كان يمر بأكثر من إحباط، لم يفز أياكس بشيء، واهتمام روما الكبير بضمه لم يتم، ثم انتهى الموسم بحادثة عبد الحق نوري.
هذا الموسم أصبح عشاق كرة القدم يتحدثون عن موهبة زياش، وحضوره في المواعيد الكبرى ومحاولاته الدائمة على المرمى، وجدد أياكس عقده بعدما حسن بنوده وراتبه، وشارك للمرة الأولى في دوري الأبطال وشارك في ١١ مباراة سجل ٣ أهداف وصنع ٣، الـ٣ الذين سجلهم، هدفان منهم أمام ريال مدريد وآخر أمام توتنام في نصف النهائي، والـ٣ الذين صنعهم كانوا أمام بنفيكا ويوفنتوس وتوتنام.
لا شك أن موهبة زياش كبيرة ومستواه تطور كثيرا، وأحد اللاعبين الذين ترغب عدة أندية في ضمهم خلال الصيف، مغامرته بدأت بالكثير من الدراما والانهيار والصدمات، حتى وصل نوعا ما إلى القمة والآن الأمر منوط به للحفاظ عليها.
"أتذكر يوم وفاة والدي جيدا جدا، الأطفال الآخرون كان لديهم والد بجوارهم، والدي اعتاد أن يكون معنا كذلك، استمتعت بوجوده لفترة قصيرة، الأمر أحبطني للغاية، كنت أرغب في معاقبة العالم وابتعدت عن كل شيء".
"تحولت فيما بعد تماما، أصبحت شخصا صادقا، أقاتل من أجل كل شيء، أتحمل تبعات أفعالي، لا ألوم أي شيء أو شخص لكنني أحاسب نفسي وأتحمل طبيعة قرارتي".
كل ما مر به زياش كان ضروريا ليجعله اللاعب والنجم الذي أصبح عليه، كل ما شعر به حوله فيما بعد للاعب يجيد التعامل مع الإحباط وربما يتحدى نفسه مرارا وتكرارا حتى يحصل على هدفه.
المصادر (مجلة دي فولكسكرانت – فوكس سبورتس هولندا – مجلة فوتبول انترناشيونال الهولندية – موقع total Dutch football – موقع Ajax daily – مجلة فوتبول زون – مجلة لو موند الفرنسية)