"نزلت إلى الملعب بدلا من يوهان كرويف، سجلت في منتصف الشوط الثاني، كان شعورا رائعا خاصة وأنت في الـ١٨ من عمرك، كنت لازلت طالبا لكن فجأة أصبحت مشهورا". ماركو فان باستن يحكي عن بدايته كلاعب كرة قدم محترف.
تخيل أنك تمتلك مهاجما طويل القامة قوي البنية ومع ذلك يمتلك سرعة لا مثيل لها، مرونة تمكنه من التحرك وتغيير حركته في أي وقت، وروح تجعله متحمسا وجاهز للقضاء على خصمه فور استفزازه.
جوب فان باستن والد ماركو لعب كرة القدم لكن مرحلة ما قبل الاحتراف، لطالما كان يرغب في أن يصبح لاعبا محترفا مشهورا لكنه لم يحقق ذلك الحلم أبدا، وحينما أصبح لديه ماركو رغب بشدة في تحقيق ذلك الحلم.
ماركو الصغير أظهر علامات تدل على أنه أحد أبرز المواهب الواعدة في عالم كرة القدم، كان فقط في عمر الـ٦ أعوام حينما انضم لفريقه في المدينة التي ولد بها، أوتريخت، والذي كان يسمى إيدو، بعد عام وحيد انضم إلى يو في في أوتريخت أكبر نادي في المدينة وقضى ٩ أعوام في فئات الشباب بين صفوفه.
جيرارد نيلسون معلمه في المدرسة قال عنه :"في إحدى الدورات المدرسية، امتلك تقنية مذهلة في التحكم بالكرة والتسجيل حتى أنني اعتبرته مجنونا لأنه سجل من وسط الملعب". كان ذلك جزء من حوار أجراه المعلم مع مجلة "بانوراما" في هولندا في التسعينيات.
خسر فريق المدرسة تلك البطولة في الدور ربع النهائي رغم مجهود الفتى ماركو الكبير، وطوال رحلة العودة إلى مدينته ظل يبكي في الحافلة للخسارة لم يكن بيده أي شيء يفعله في هذه المرحلة سوى البكاء.
وعلى الرغم من أنه تعرض نوعا ما للتنمر نظرا لأن لقب "التافه" ظل ملتصقا به لفترة، إلا أن زميله برونو كلابرز كان يرى أنه يوهان كرويف الجديد.
سرعان ما لاحظ أياكس تألقه الشديد فضمه عام ١٩٨١، ولم يستمر في فئات الشباب سوى لمدة عام وحيد إذ تم تصعيده في العام التالي وهو لم يتمم الـ١٨ بعد.
٣ أبريل ١٩٨٢ مباراة ربما حفرت في تاريخ كرة القدم في ذلك الوقت وفي مخيلة كل عاشق لنادي أياكس وربما كل عاشق لماركو فان باستن. مواجهة إن إي سي نيميخن التي فاز بها أياكس ٥-٠ أمام ٢١ ألف متفرج في الاستاد.
دخوله بدلا من كرويف في تلك المباراة ربما كان إشارة لمستقبل فان باستن اللامع الذي سيضعه في مصاف الأساطير بما لا يدع مجالا للشك.
"كان ذلك اليوم الذي أصبحت فيه لاعبا محترفا، ومع نادي أياكس، يمكنك تخيل الأمر، النادي الذي لطالما أردت أن ألعب له، شاركت بدلا من يوهان كرويف بعد ٤٥ دقيقة، وسجلت في منتصف الشوط الثاني، كان شعورا لا يوصف خاصة وأنت في الـ١٨ من عمرك. كنت ما زلت في المدرسة، لكن فجأة أصبحت مشهورا نوعا ما حول هولندا، تغير كل شيء في هذه اللحظة".
يا لها من بداية، تخيل أن تكون احتياطيا للثنائي ويم كيفيت ويوهان كرويف وتلعب ٢٠ مباراة في أول مواسمك كمحترف.
فيما بعد شكل انطلاقة نارية ولم يكن يلعب حتى كل مباراة، بمعدل متميز للغاية، هدف كل مباراتين.
ما تبع تلك اللحظة الرائعة كان ٣ ألقاب دوري هولندي منها اثنين على التوالي، و٣ بطولات كأس وفوزه بلقب الهداف ٤ مرات.
ربما تجلت موهبته التسجيلية الرائعة وبدا واضحا للعالم أجمع أنه أمام هداف من طراز رفيع حينما واجه سبارتا روتردام في ٨ ديسمبر عام ١٩٨٥، مباراة فاز بها أياكس بنتيجة ٩-٠ وسجل فان باستن ٦ أهداف في هذا اللقاء.
"سجلت ٦ في هذه المباراة، بدا الأمر وكأن كل محاولة لي على المرمى بهدف إذ أنني كان لي ٦ محاولات، كان لدي سجل رائع في هولندا، كان الأمر أسهل من اللعب في إيطاليا، كان يمكنني تسجيل كل فرصة، ترى الآن ميسي ورونالدو يسجلان في إسبانيا ٤٠-٥٠ هدفا في الموسم. كان لدي رقما رائعا أيضا، كان يمكنني اللعب ٢٦ مباراة وأسجل ٢٧ هدفا، لكن الإصابات حالت دون امتلاكي سجلا كبيرا، إن كنت لعبت كل مباراة، لكنت سجلت ٤٠ أو ٥٠ هدفا كل موسم مثلهما".
توج فان باستن بجائزة أفضل لاعب في هولندا لعام ١٩٨٥، وودع أياكس في موسم ١٩٨٦-١٩٨٧.
ماركو كان عليه التعامل مع إصابة في كاحله نغصت عليه أحلامه، الألم كان متواصلا، واضطر للخضوع لجراحة.
وفي مواجهة جرونينجين، من سيء لأسوأ، وفي تدخل قوي تعرض فان باستن لكسر في كاحله الأيمن.
رغبته في القتال والعودة للملاعب وتسجيل المزيد من الأهداف كانوا دافعه الأكبر للتعافي من تلك الإصابة الصعبة ناهيك عن أن العلم والطب لم يكونوا بمثل التقدم الذي تم التوصل له حاليا.
لكن فان باستن وسط تلك الرغبة وذلك الشعور بأنه يجب أن يعود بسرعة إلى عالم كرة القدم، ذلك التسرع الشديد ربما كان السبب الأبرز في تفاقم مشكلته وربما لاحظ ذلك بنفسه.
في كتاب زيجلر فان هيرواردن عن ماركو فان باستن، اللاعب تحدث عما فعله بعد الإصابة.
"كل لاعب يبدأ بشكل مبكر للغاية بعد إصابته، هناك فارق جوهري في الفترة التي يجب أن تعود خلالها للملاعب بعد الإصابة، البداية المبكرة قد تمنحك فترة للتعافي بشكل جيد إنها رياضة، لكن التسرع في العودة، يمكنني أن أرى ذلك الآن مع معاناتي الشديدة في الإصابة بكاحلي، لم أكن سأستمر في اللعب، وقتها كان يجب أن يفحصني طبيب كلما شعرت بالألم وتحاملت ولعبت ويخبرني ماذا أفعل ثم نفكر في كرة القدم بعد ذلك لكن هذا لم يكن متوفرا وقتها".
خلال عام ١٩٨٧، كان سيلفيو بيرلسكوني رئيس نادي ميلان الذي كان يبني فريقا كبيرا للغاية، وبالطبع لم يكن هناك معرفة كبيرة بأبعاد مشكلة فان باستن مع الإصابة.
ماركو كان على وشك الانضمام لكتيبة تذخر بالنجوم والأساطير، بجانب زميله في المنتخب رود خولييت الذي انضم لميلان قادما من بي إس في أيندهوفن.
لم يكن ماركو ليحلم ببداية أفضل من بدايته مع ميلان في ١٣ سبتمبر ١٩٨٧، خلال مواجهة بيزا، الروسونيري متقدم بنتيجة ٢-١ بقيادة مدربه آرييجو ساكي، ومع تبقي ١٠ دقائق على نهاية اللقاء، الحكم يمنح ميلان ركلة جزاء يسددها فان باستن بكل قوته في أعلى الزاوية اليمني وينطلق للاحتفال مع زملائه والجماهير.
معاناة صاحب الـ٢٢ عاما في ذلك الوقت مع مشاكل كاحله لم تغب طويلا، ولعب في موسمه الأول مع ميلان ١١ مباراة سجل خلالها ٣ أهداف وربح بها فريقه ٤ نقاط، رغم ذلك نتذكر الوصف الشهير الذي تعلق به من كتاب "مهاجمو الكرة الإيطالية" :"يحكى أن رجلا قتل مدينة بأكملها".
ذلك الرجل كان ماركو فان باستن، كتيبة ميلان كانت على موعد مع منافسة حامية الوطيس مع نابولي في موسم ٨٧-٨٨، كتيبة ساكي خاضت موسما طويلا بدا ناجحا وعلى الجانب الآخر فعلت كتيبة أوتافيو بيانكي.
مواجهة الفريقين في الجولة الـ٢٨ وقبل جولتين من نهاية المسابقة كانت معركة الفائز بها يتوج بلقب الدوري حتى مع تبقي مباراتين لكنها فرصة للحسم.
تقدم بييترو باولو فيرديس لميلان قبل أن يتعادل دييجو مارادونا، ثم تقدم بييترو باولو فيرديس مجددا، في الوقت الذي كانت كتيبة بيانكي تحاول جاهدة إدراك التعادل وربما الفوز أو حتى تأخير المصير المحتوم، أتت تلك المرتدة الهولندي القاتلة من اليسار، ما بين رود خولييت وماركو فان باستن ليسكن الأخير الكرة في سقف المرمى وسط صمت جماهير الفريق المضيف نابولي. الصمت عم أرجاء نابولي مصحوبا بالصدمة الكبير، وحتى هدف كاريكا بعد هدف فان باستن بدقيقتين في الدقيقة ٧٨ لم يكن كافيا، ميلان حسم المباراة وسباق الدوري لصالحه ليتوج بطلا بفارق ٣ نقاط عن نابولي.
صيف ١٩٨٨ لم يكن أقل أهمية بل ربما الأعظم في مسيرته، مع تحقيق مجد كبير لهولندا لا يمكن نسيانه، خاصة وإن كان المجد الوحيد.
بطولة يورو ١٩٨٨، هولندا كانت ضمن مجموعة ضمت الاتحاد السوفيتي وأيرلندا وإنجلترا، وخسرت المباراة الأولى بنتيجة ١-٠ من الاتحاد السوفيتي.
المباراة الثانية كان فان باستن وهولندا على موعد مع كتابة التاريخ ضد إنجلترا.
"كان ذلك يوما خاصا لي، سجلت هاتريك ضد إنجلترا، وكان جيدا لأنني كنت مصابا لفترة طويلة ومن الصعب دائما أن تعود بعد الإصابة، كنا قد خسرنا المباراة الأولى، لكن رينوس ميتشيلز دفع بي أمام إنجلترا وفزنا بنتيجة ٣-١ على الرغم من ذلك كان هناك بعض الحظ".
"انطلاقا من تلك المباراة سار كل شيء في اليورو على نحو جيد للغاية، هدفي في النهائي أمام الاتحاد السوفيتي هو الهدف الذي يتذكره الجميع، لكن كل مباراة كانت مهمة، إن لم نتقن عملنا أمام إنجلترا لم نكن لنصل النهائي أبدا".
فان باستن سجل هدف الفوز أمام ألمانيا الغربية ليتأهل المنتخب إلى النهائي ثم سجل الهدف الثاني التاريخي في النهائي بميونيخ.
"ذلك الهدف، كان تمريرة طولية من أرنولد موهرن، الكرة أخذت وقتا لتصل، وقلت لنفسي لأحاول تسجيل الهدف بشكل خاص".
بساطة الوصف من فان باستن قد يجعلك تعتقد أنه هدف سهل، لكن لننظر مرة أخر، موهرن اختل توازنه نوعا ما وهو يرسل الكرة لتصل أقصى الطرف الأيسر، فان باستن كان مراقبا من مدافع سوفيتي، ورود خوليت كان داخل المنطقة، ثم أتت التسديدة من فان باستن ورينات داساييف لم يمتلك أي فرصة أمامها.
لم ينجح ميلان خلال الموسم التالي محليا، ساكي ركز كل قوته على الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، وبالفعل وصل للنهائي ليواجه ستيوا بوخارست.
"كنت متوترا للغاية، كان أول نهائي أوروبي لي، الشيء الجيد أننا وصلنا للملعب بالحافلة في كامب نو وكان هناك بحر من الجماهير المشجعة لميلان، كان الأمر حميميا وجميلا لم أشعر أنني بعيد، نظرنا لبعضنا البعض وفكرنا في شيء واحد معا، لا يمكننا أن نخسر هنا".
"كل شيء داخل الملعب كان أحمر وأسود، سجلت مرتين ورود خوليت كذلك، لم تكن لدينا أي مشكلة في هذه المباراة، كانت أمسية رائعة للغاية".
كان ذلك هو أول لقب دوري أبطال له قبل أن يكرر نجاحه في العام التالي على التوالي، ثم لقب كأس السوبر الأوروبي وكأس الانتركونتيننتال، ولقبي دوري إيطالي.
مشاكل كاحله هذه المرة كانت لا تحتمل، خلال موسم ١٩٩٢-١٩٩٣ بدا وكأنها النهاية، غاب ما يقرب من ٤ أشهر ونصف الشهر، وعاد ليلعب نهائي دوري أبطال أوروبا هذه المرة كان بمسمى جديد ضد مارسيليا وخسر بنتيجة ١-٠، وآخر مباراة تقريبا للنجم الهولندي في الملاعب.
"لم أكن أعلم حينها. لكن تلك كانت آخر مباراة لي، لم أكن صبورا أبدا، أردت العودة ومساعدة فريقي، لكن كاحلي كان مازال يؤلمني، لم تسر الأمور على خير ولم أكن سعيدا أبدا، كان الأمر سيئا على كل الأصعدة ولم أتمكن من تغيير أي شيء، الآن أنا أكبر بـ٢٤ عاما وأكثر حكمة في ذلك الوقت كان الأمر صعبا ومؤلما، لكن الآن هو شيء يجب أن أتقبله".
الذكاء والقدرة على التمركز والقدرة الرائعة في إنهاء الكرة داخل الشباك، فتى شاب مهووس بالفوز وتحقيقه مهما كلفه الأمر حتى لو عانى من آلام ومشاكل.
جوب فان باستن قال :"فاز بكل شيء فعليا مع مسيرته القصيرة ليستمر إرثه للأبد ولتظل أسورته حية".
للأسف لا يمكننا التنبوء بما قد يحدث لو أن فان باستن عالج كاحله واستمر في لعب الكرة بدلا من الاعتزال مبكرا، لكننا متأكدون من أنه مهاجم أسطوري موهوب أضاف الكثير لمستقبل ذلك المركز واللعبة، وجمع بين البنية الجسدية القوية والسرعة والذكاء ومميزات عديدة استحق بسببها لقب بجعة أوترخت.
"بالنسبة للاعب أحب دوما الهجوم وتسجيل الأهداف، لا أرى نفسي ضحية، بل مثال على كيف من الممكن أن تنتهي مسيرة رائعة، أكثر شيء محبط بالنسبة لي ليس الطريقة التي أذيت بها كاحلي، لكن الطريقة التي تعاملت بها مع بعض الأطباء، لأن الشخص الذي أذى كاحلي لم يكن لاعبا بل جراحا".
المصادر: (كتاب مهاجمو الكرة الإيطالية - كتاب ماركو فان باستن: عصر ميلان والبرتقالي - مجلة فور فور تو - These football times - بعض المواقع الإخبارية)
اقرأ أيضا:
بالفيديو – قنبلة كومباني تُفجر ليستر.. سيتي يقترب من لقب الدوري
كومباني عن هدفه الرائع: لم أصل في مسيرتي لكل ذلك لأسمع الصغار يقولون "لا تسدد"
بالفيديو – أجويرو لكومباني: صرخت كثيرا حتى لا تسدد هدفك في ليستر
سواريز: غياب صلاح وفيرمينيو؟ لن تتغير خطتنا.. يمتلكون غيرهما
بسبب الإنذارات.. 8 لاعبين في الزمالك عليهم توخي الحذر في المغرب