حكايات في رمضان – دريس ميرتينز.. "درس أرغب من الناس أن تتعلمه"

"لم يكن طولي هو المشكلة، لكنني لم أكن مستعدا للعب كرة القدم".

كتب : إسلام مجدي

الإثنين، 06 مايو 2019 - 16:48
دريس ميرتينز

"لم يكن طولي هو المشكلة، لكنني لم أكن مستعدا للعب كرة القدم".

أن تنشأ في عائلة محبة لكرة القدم فمن الغريب ألا تمتلك مثلا أعلى من لاعبي الكرة وأنت طفل، بل ولا تشاهد التلفاز مطلقا، حينما كان يلعب الكرة لم يختره أحد بسبب قصر قامته الشديد، الأمر الذي كاد أن ينهي مسيرته. ذلك هو دريس ميرتينز.

"لم يكن لدي أي مثل أعلى حينما كنت طفلا، لأنني دائما كنت في الخارج ألعب، وفي منزلنا التلفاز كان يعمل فقط من أجل كأس العالم وبضع حالات خاصة، كان لدي شقيقان أكبر لذا كنا دائما في الشارع، والدي قام بعمل ملعب خاص لنا في منزلنا لذا كنا نتواجد فيه طيلة الوقت".

في منتصف التسعينيات شهدت بلجيكا موجة جديدة من الاهتمام الشديد بكرة القدم، وتغير الكثير بعد توديع المنتخب البلجيكي من دور المجموعات لبطولة كأس العالم 1998.

"افتقارنا للرؤية الخاصة بتطوير الشباب تسبب في ذلك الفشل". بوب بروايس مدرب لمنتخبات شباب بلجيكا.

اجتمع 30 مدربا في الاتحاد البلجيكي لكرة القدم لمناقشة لتغيير الذي تحتاجه الدولة فيما يخص كرة القدم، وأحد تلك الأشياء التي قرروها، كان أن هناك تركيز كبير على الفوز وليس التطوير، قاد ذلك لثورة كبيرة في بلجيكا لقبول عدد كبير من الأطفال في مدارس كرة القدم المختلفة بالأمر. أحد هؤلاء المنتفعين كان الفتى دريس ميرتينز.

انضم الفتى الصغير إلى ستاد لوفان فريق مدينته التي ولد بها، وتألق كثيرا لكن قصر قامته وضعف بنيته الجسمانية كان محل قلق. ذلك عام 1996 قبل عامين من الشرارة التي أشعلت ثورة التغيير في عالم كرة القدم البلجيكي وتطوير مواهبها.

تم ضخ الكثير من الأموال في قطاعات تطوير الناشئين، ما دفع الأندية الكبيرة مثل أندرلخت وستاندر ليج بتوجيه كشافيها إلى الأندية الصغيرة لضم المواهب الشابة الصغيرة.

كشافو أندرلخت لاحظوا مهارة ميرتينز، حماسه الكبير ورغبته المتواصلة في التسجيل مهما كلفه الأمر، كلما طٌرح أرضا ينهض ويحاول مرة أخرى.

لم تدم فترة تواجده مع أندرلخت كثيرا، قرر النادي بعد ما يقرب من 5 أعوام أن يستغني عن عدد من اللاعبين كان من ضمنها ميرتينز، وقالت التقارير إن السبب الرئيسي وراء استبعاده هو قصر قامته الشديد والذي يبلغ 1.69 متر وضعف بنيانه.

"الأمر ليس لأنني قصير للغاية، لكنني لم أكن مستعدا، حتى حينما أصبح عمري 18 عاما، كان جسدي مثل فتى في الـ15 أو أقل عمرا، الناس كانوا يكتبون أشياء عني مثل، نعم إنه غاضب لأن أندرلخت تركه يرحل، لكنني لست كذلك، لم أكن جيدا كفاية لكي ألعب له".

سرعان ما تحولت وجهته من أندرلخت إلى جينت، وتطلب منه الأمر عامين حتى ينضم إلى الفريق الأول للنادي، وعوضا عن المشاركة معه خرج في فترتي إعارة، الأولى لفريق إندراخت ألاست، ثم أجوف أبيلدورن.

مع أبيلدورن في دوري الدرجة الثانية الهولندي، وبكل هدوء وصبر طور نفسه كثيرا، ليصبح لاعبا أفضل مما كان عليه واستمر مع أجوف حتى 2009. قرر نادي أوترخت الهولندي ضمه.

في كل خطوة وكل مباراة كان عازما على إثبات ذاته وأنه موهبة تستحق الاهتمام بل وتمثيل المنتخب البلجيكي.

"إنه شيء أرغب في أن أعلمه للناس، في عمر الـ18 كنت ألعب مع زملاء أفضل مني بكثير، ولديهم موهبة أكثر مني، لكنني أعتقد أنهم كانوا فخورين بذلك للغاية لدرجة أنهم عادوا خطوة للخلف".

"في بعض الأحيان تفضل الاستمرار مع أندرلخت لعامين أو 3 وتفكر أن بإمكانك تمثيله واللعب معه، وأنك لن تلعب في الدرجة الثانية".

"لكن في بعض الأحيان أنت بحاجة لخطوة للخلف، أن تلعب مباريات أكثر وأن تكون مهما لفريق آخر، ذلك سيعني أنك ستأخذ خطوة للأمام لتشعر أنك أقوى، هذا ما يجب أن يفعله الجميع".

"وقد تأخذ خطوة للخلف وتفشل، لكن على الأقل أنت حاولت، أن تستمر كما أنت ليس سهلا كما أعتقد".

تلك اللحظات الحاسمة في مسيرة ميرتينز وشجاعته في الابتعاد عن اللعب في الدرجات الأولى، جعله يطور شخصيته أكثر فضل أن يشارك كثيرا ويطور موهبته عوضا عن التواجد مع فريق كبير ويشارك لوقت قليل للغاية.

مع أوترتخت وفي موسمه الول سجل 6 أهداف وحصل على المركز الثاني في قائمة لاعب العام في هولندا بعد لويس سواريز لاعب أياكس في ذلك الوقت، كما فاز بجائزة دي توماسو كأفضل لاعب في الموسم مع أوترخت.

في الموسم التالي تألق ميرتينز أفضل مما كان عليه، وسجل 10 أهداف في 31 مباراة بالدوري، منها هاتريك في آخر مباراة بالموسم أمام ألكمار، بجانب 3 أهداف أخرى في الدوري الأوروبي، بمجموع 14 هدفا في كل المسابقات وصنع 24 هدفا.

كبار الدوري الهولندي لم يكونوا لينتظروا موسما آخر فهذه الموهبة قد وصلت لأفضل حالاتها خلال عامين فقط مع أوترخت، ليقرر بي إس في إيندهوفن ضمه في يونيو 2011 لتعويض رحيل بالاج دجودجاك بجانب ضم لاعب آخر من أوترخت هو كيفن ستروتمان بمبلغ 13 مليون يورو للصفقتين.

ولم يتطلب الأمر كثيرا من الوقت بالنسبة لميرتينز، سجل فور مشاركته في خسارة فريقه بنتيجة 3-1 أمام ألكمار، في نفس الشهر سجل هاتريك في انتصار فريقه بنتيجة 6-1 أمام إكسلسيور.

انطلاقة ميرتينز القوية برزت في تسجيله 11 هدفا في 7 مباريات. ولم يعكر صفو تألقه بنهاية الموسم سوى خسارته لواحدة من أسنانه في التحام مع ريمكو باسفير حارس هيراكليس لكن رغم تلك الإصابة سجل هدفا، والحارس أخرج السنة من رأسه.

مع مضاعفة ميرتينز لأرقامه وتألقه لفت أنظار نابولي، ليعلن سورين ليربي وكيله عن انضمامه إلى الفريق في صيف 2013 ليصبح أول صفقة يعقدها رافا بينيتيث مدرب الفريق الجديد بمبلغ 9.5 مليون يورو.

سرعان ما أثبت نفسه وقدراته مع نابولي بعد تعرفه على الكرة الإيطالية، ورغم قصر قامته لكنه ليس أقل موهبة من لورينزو إنسيني الذي كان في مثل قامته إن لم يكن أقصر.

استمر تألقه مع نابولي حتى أتت اللحظة التي عرف فيها الجميع حجم موهبته، أتى ذلك مع رحيل جونزالو إيجوايين إلى يوفنتوس، ثم إصابة أركا ميليك الصفقة التي كان من المفترض أن تحل أزمة رحيل الأرجنتيني.

لعب البلجيكي كقلب هجوم ليسجل هاتريك امام كالياري، ثم 4 أهداف أمام تورينو منها أسرع هاتريك في تاريخ الدوري الإيطالي، وكان أول لاعب يسجل هاتريك مرتين متتاليتين في الدوري الإيطالي منذ بيترو أناستاسي في 1974 مع يوفنتوس، وأول لاعب يسجل 7 أهداف في مباراتين منذ عام 1958. ليتوج مجهوده بأن يتم اختياره كأفضل لاعب في بلجيكا لعام 2016 متخطيا إدين هازارد وراجا ناينجولان.

"أعتقد أن الناس يرغبون في اختيار لفظ مهاجم وهمي لأنني لست مهاجما قوي البنية يحتفظ بالكرة ولا أعكس صورة المهاجم في عقول الناس، لكن كرة القدم تتغير، والطرق التي تلعب بها الفرق تتغير، أعتقد أن الأهداف التي سجلتها حتى الآن يمكننا أن ننسى كلمة وهمي ونحتفظ فقط بكلمة مهاجم".

"لم ألعب قط كمهاجم، مايكل أوين ولد كمهاجم لكنني لم أكن كذلك أبدا، لهذا السبب أرتكب أخطاء أحيانا أمام المرمى".

"حينما شكك الناس في وقالوا إن الدوري الإيطالي مختلف عن الهولندي لأنني لن ألعب أمام المدافعين الهولنديين، هذا يعني أنني سأكون في أفضل حالاتي".

ميرتينز شارك في كأس العالم مرتين مع بلجيكا أحدها توج بالمركز الثالث، بجانب المشاركة في اليورو وغيرها، ولم تكن بصمته سيئة أبدا، لطالما أثبت أنه جدير بالفرصة وإضافة قوية يحاول مهما كلفه الأمر لهز شباك الخصوم.

"قديما كنت أقول إن صناعتي لهدف مرضية للغاية لي مثل الهدف نفسه، لكن الآن أرى كمهاجم أنه حينما لا تسجل سيقول الناس أنك سيء للغاية، حينما تسجل وأنت تلعب بشكل جيد سيثنون عليك، هذا ما يراه الناس لذا من الآن وصاعد سأسجل الأهداف فقط".