القوة الذهنية.. السبيل إلى المجد

"الأبطال لا يصنعون في الجيم. الأبطال يصنعون من شيء عميق داخلهم، رغبة، حلم، تصور. لديهم المقومات والرغبة في النجاح، إرادتهم أكبر من مهاراتهم" محمد علي كلاي.

كتب : نادر عيد

الجمعة، 05 أبريل 2019 - 00:08
جوارديولا

"الأبطال لا يصنعون في الجيم. الأبطال يصنعون من شيء عميق داخلهم، رغبة، حلم، تصور. لديهم المقومات والرغبة في النجاح، إرادتهم أكبر من مهاراتهم" محمد علي كلاي.

"القوة الذهنية"، لعلك قرأت أو سمعت هذا التعبير كثيرا، من لاعبين كبار ومدربين مخضرمين على وجه التحديد، ينسبون فيه النجاح إلى ذلك السلاح السحري الذي لا يرى بالعين المجردة لكنه قادهم للمجد.

القوة الذهنية ليست عاملا مهما أو مساعدا لأي رياضي يسعى خلف حلم ما، بل المحرك الذي بدونه ينهار الصمود سريعا، منبع الطاقة المتجددة التي تحفز اللاعب باستمرار وتعينه على قهر الشعور بالضعف والإحباط والخوف وتبقيه قويا صلبا لا يتأثر بالضغوط ولا يتهاون أبدا في سبيل ما يصبو إليه ولا تتزعزع ثقته بنفسه.

وفي عالم كرة القدم، القوة الذهنية هي أشد ما يحتاجه اللاعب لمواجهة الأمواج العاتية. يحتاجها للحفاظ على تفائله وقوته وثقته بنفسه واتزانه وتركيزه ليتجاوز تحديات صعبة ومصيرية، ولينهض مجددا وبأقصى سرعة حين يأتي الموعد الطبيعي لانحدار أدائه أو ساعة حظه العاثر.

جويل فيش مدير مركز علم النفس الرياضي في ولاية فيلادلفيا الأمريكية يبسط تعريف القوة الذهنية بالقول:"هي القدرة على مواصلة الأداء بالقدر الأعلى من المهارة بغض النظر عن الظروف التنافسية، أن يتحكم الشخص في مشاعره وليس العكس".

وبمعنى أبسط يمكننا القول إن القوة الذهنية هي القدرة على قهر الضغوط، سواء النفسية أو البدنية أو العصبية، أن يحافظ اللاعب على تركيزه واتزانه مهما كانت صعوبة اللحظة أو الموقف.

حين أصبح يورجن كلوب الرجل الأول في ليفربول في أكتوبر 2015 وجد القدرات البدنية للاعبين جيدة، لكن هناك شيء لا يقل أهمية ينقص الفريق، ألا وهو القوة الذهنية، فشدد على أن مهمته الأولى هي تقوية أذهان اللاعبين.

وهذا يفسر لماذا قال أندريا بيرلو:"كرة القدم تلعب بالعقل. قدماك أداة فقط".

مع التطور الهائل لعلم النفس الرياضي بات لزاما على اللاعبين ليس فقط تدريب أجسامهم وإنما عقولهم أيضا لتكون مرنة قوية لا تتأثر بالظروف العسيرة.

حسنا، اللاعب ذو القوة الذهنية، كيف يفكر؟

جوبيندر جيل، المحاضر الذي يدرب موظفين في شركات كبرى والمذيع ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعا في موقع amazon.com "تحقيق الازدهار من خلال التنوع" أو "Achieving Prosperity Through Diversity"، شرح مقومات القوة الذهنية في مقال نشره موقع Believeperform المختص في الصحة النفسية الرياضية.

قال جيل إن "اللاعبين والمدربين لابد أن يتمتعوا بقوة ذهنية لزيادة فرصة نجاحهم باستمرار".

وعدد سمات الذهن الفولاذي، التي تتصدرها الرغبة الشديدة في النجاح والإصرار على بلوغه (السمة 1). رغبة، يصفها ليونيل ميسي بالقول:"عليك القتال من أجل حلمك. عليك بالتضحية والعمل الجاد من أجل ذلك. بالجهد والسلوك الصحيح والرغبة، لا يوجد مستحيل".

رغبة، تعكسها نظرات ثقة وشموخ مثلما قال رود خوليت:"أعرف كيف أفوز. تحتاج لاعبا فريدا من نوعه لديه إصرار على الفوز. ترى ذلك في عينيه".

تعاظم الرغبة في النجاح يصاحبه بذل كبير للطاقة بالتدرب أكثر من المعتاد (السمة 2) ليصبح ذو الهدف المنشود أقدر من غيره على الوصول للمركز الأول.

يقول أرسين فينجر:"ما تستطيع تعلمه من شخص ناجح هو استعداده لبذل كل شيء ليكون جيدا".

قهر الانكسار

يمر أي لاعب بفترات عصيبة يجد نفسه فيها وحيدا محاطا بجمهور غاضب ونقاد قساة ومدرب غير راض، ويصبح الضغط على كاهله أثقل ما يكون خاصة إن كان نجما.

أو يضع شعبه آماله عليه قبل مباراة حاسمة فيشعر وكأن جبلا فوق رأسه يجمد عقله ويكبل قدميه.

فتأتي القوة الذهنية، لتخلصه من قيوده، ولتعيد إليه ثقته بنفسه، وتجعله يركض في الميدان وكأنه يلعب مباراة استعراضية، فينتهي به المطاف بطل الليلة.

يقول أيقونة مصر محمد أبو تريكة عن خليله محمد صلاح:"مر بفترة صعبة من قبل لكن استطاع العودة لتسجيل الأهداف لأن ثقته بنفسه كبيرة. لابد أن يكون تفكيره سريعا مثل سرعة ركضه في الميدان، عليه بتصفية ذهنه ولا يشغل باله بأي شيء سوى كرة القدم".

ويفسر شابي هيرنانديز سرعة التفكير بأنها تجعل الأضعف هو الأقوى بالقول:"معظم اللاعبين الذين واجهتهم كانوا أسرع وأقوى مني. اتخاذ القرار هو ما يحدد حركة جسمنا. بعض اللاعبين لديهم عقلية تصل سرعتها إلى 80 بينما آخرين قادرين على الوصول إلى 200. دائما حاولت الوصول إلى 200".

وأسطورة مثل كريستيانو رونالدو قوة عقله تصور له النقد حقدا فيقول:"كرهكم يجعلني غير قابل للإيقاف".

وسط هذه الرياح العاتية لابد أن يقف اللاعب ثابتا راسخا لا يحزنه نقد ولا تتسلل هواجس إلى رأسه ولا تنال الضغوط أبدا من تفكيره (السمة 3). وألا يتوانى للحظة عن مواصلة العمل.

يقول أسطورة كرة السلة مايكل جوردان:"الأمر منوط بأن تكون شجاعا ولا تخاف الفشل، لا تنكسر حين تكون محطما، تجمع كل ما جنيته وتقوم بشيء أفضل، الأمر منوط بالعمل قبل المجد، وما يكمن في داخلك، أن تفعل ما يقولون إنه غير ممكن".

القضاء على الخوف من الفشل لا تحققه سوى القوة الذهنية مثلما تقول ريتشل فوكسويل الطبيبة النفسية البريطانية والتي شددت "أن على اللاعبين التركيز على هدفهم وإزالة الجمهور والتعب من أفكارهم".

الشجاعة والإقدام صفة ملازمة للاعب ذو القوة الذهنية، صفة القادة التي تجعلهم قدوة (السمة 4) يتقدمون الصفوف ليكونوا أول من يتحمل المسؤولية جاذبين خلفهم زملائهم. لا يخشون فشلا مثلما يقول إيدين هازارد:"خذ المخاطرة وإلا ستفقد الفرصة".

مقومات القوة الذهنية فسر جيل كيف يحصل اللاعب عليها بالقول:"لابد من حديث إيجابي مع النفس وأن يتفائل بتخيل النجاح وأن يحافظ على تركيزه باستمرار وأن يسترخي ليمنح ذهنه راحة يحتاجها بين الحين والآخر وأن تكون ردة فعله مناسبة في كل الأوقات".

بينما إيمي مورين المعالجة النفسية ومدربة القوة الذهنية سردت ببساطة في كتابها "13 شيئا لا يفعلها الأقوياء ذهنيا" صفات من يمتلكون عقلا صلبا يجعلهم يشقون درب حياتهم بسهولة.

أولئك الذين لا يشعرون بالأسى - يحافظون على قوتهم - لا يخافون التغيير - لا يركزون على أشياء لا يتحكمون فيها - لا يهتمون بإرضاء الجميع - لا يخشون المخاطرة - لا يفكرون في الماضي - لا يكررون أخطائهم - لا يزعجهم نجاح الآخرين - لا يستسلمون بعد أول فشل - لا يخشون الوقت الذي يمكثونه بمفردهم - لا يشعرون أن العالم مدين لهم بشيء - لا يتوقعون نتائج سريعة.

القوة الذهنية تحول اللاعب إلى آلة لا تكل، قطار لا يتوقف، تجعله يصدق ما يراه غيره مستحيلا، لا يبرح إلا ببلوغ الهدف، والعبقري جوسيب جوارديولا ينسب إليها الفضل إلى ما وصل إليه مانشستر سيتي بطل إنجلترا.

فهي الدافع للفوز بكل شيء إذ يقول بيب:"ما حدث الموسم الماضي وما يحدث في الموسم الحالي يثبت مدى قوتنا الذهنية والتي جعلتنا نفوز ببطولتين وأمامنا 3 أخرى ولازلنا في بداية إبريل".

قبل المهارة واللياقة، القوة الذهنية هي السلاح الأهم في سبيل الوصول إلى المجد.