كتب : زكي السعيد
"توجَب علي الاستعانة بصديقي كلارك كينت، للقضاء على هذا الظلم".
- رجل أعمال في زي سوبرمان أمام إحدى المحاكم الإسبانية قبل عدة عقود من الزمان.
خوسيه ماريا رويز ماتيوس
صحيح أنه لم يكن قابضا على قدرات خارقة تمكّنه من الطيران أو استعمال عينه في إصدار إشعاع قاتِل؛ لكنه كان قابضًا على كثير من الأموال والثروات.
خوسيه ماريَا رويز ماتيوس، رجل أعمال إسباني فائق الذكاء، استفاد من دهائه الاقتصادي وشبكة علاقاته القوية بنظام الجنرال فرانكو الحاكم، حتى يكوّن "مجموعة روماسا"، أو في لفظ آخر: إمبراطوريته الاقتصادية الخارقة.
مجموعة روماسا كانت كيانًا اقتصاديًا متوحشًا، يُقال أنها استحوذت على 3 مصارف في يوم واحد ذات مرة.
بنهاية سبعينيات القرن الماضي، كانت روماسا مسيطرة بالفعل على أكثر من 700 شركة فرعية، بما في ذلك 18 مصرفًا.. قبل أن تحل الكارثة.
في 23 فبراير 1983، قامت الحكومة الإسبانية بتمزيق رويز ماتيوس، وصادرت مجموعة روماسا.
الحكومة الاشتراكية في ذلك التوقيت، اكتشفت مخالفات مالية جسيمة ارتكبتها المجموعة عبر نظام محاسبي معقد للغاية، بالإضافة إلى تهرُب ضريبي بلغ 20 مليار بيسيتا إسبانية.
رويز ماتيوس وفور تأكُده من أنهم نالوا منه، هرب سريعًا إلى لندن، ومنها إلى ألمانيا الغربية، هناك حيث تم القبض عليه. ليُحكَم عليه لاحقا بالسجن بعد إدانته بتهريب العملة والاحتيال والتهرب الضريبي.
"سوبرمان" لم يرفع الراية البيضاء، ودخل في حرب شرسة مع القضاء، مُجندًا جيشًا من المحامين، ليتقرر إطلاق سراحه عام 1986. لكنه ظل في مجموعة مشاكل قانونية وزيارات دائمة للمحاكم بشكل مستمر طوال السنوات اللاحقة.
وفي إحدى زياراته المتكررة للمحاكم في تلك الفترة، وبدلا من الخروج متخفيًا في شعر مستعار ونظارة شمس كما اعتاد، قرر الإطلال على الصحفيين بزي "سوبرمان".
بين ضحكات مصدومة واندهاش صامت، انهالت أصابع المصورين على أزرار كاميراتهم محاولين التقاط المشهد الذي لن يحضرون مثله مجددا.
رويز ماتيوس وقف في زيه الخارق، وصرَخ قائلا: "توجب علي الاستعانة بصديقي كلارك كينت، للقضاء على هذا الظلم".
عداوته كانت على أشدها مع ميجيل بوير الذي شغل منصب وزير الاقتصاد في وقت سابق، وهو المسؤول المباشر عن تدمير إمبراطوريته الاقتصادية.
في 1989، وأثناء مغادرة قاعة المحكمة، حاول رويز ماتيوس لكم بوير في مشهد كلاسيكي إسباني صار جزءا من التراث الشعبي.
لاحقا قرر رويز ماتيوس شراء منزل مواجه لقصر فيليبي جونزاليس رئيس الوزراء الإسباني الذي كان مساهما في القضاء على روماسا، وقام رجل الأعمال المجنون بإحضار تلسكوب عملاق بجودة عالية، وتعهّد بالتلصص على رئيس الوزراء في كل تحركاته داخل قصره.
في 1990 حاول رويز ماتيوس العودة، وأسس مجموعة "روماسا الجديدة" التي كان اهتمامها الأساسي منصبا على منتجات الطعام والشراب والفنادق.
بوفاته عام 2015، ترك رويز ماتيوس خلفه عددا هائلا من المواطنين الإسبان الذين استثمروا أموالهم لدى مجموعته ولم يستردوها قط.
رويز ماتيوس صرّح ذات يوم عندما أحاطت الشكوك بمستقبل أموال مستثمريه: "إن لم أرد الأموال لأيٍ من المستثمرين، فسأطلق النار على رأسي... ولكن معتقداتي الدينية لن تسمح لي (بالانتحار) على أي حال".
في 84 عاما قضاها على كوكب الأرض، تورّط رويز ماتيوس في أكثر من 1500 قضية.
رايو فايّكانو
في عام 1991 وبينما حارَب رويز ماتيوس للعودة إلى الساحة بكامل قوته، تلقى نصيحة من أحد مستشاريه بشراء نادي كرة قدم لكي يزيد من شعبيته ويحسّن السُمعة التي ألمت به.
اختيار رويز ماتيوس وقع على نادي رايو فايّكانو.. تولى رئاسته أولا، ثم حوّله إلى شركة مساهمة واشترى 95% من أسهمه في 1992.
رايو نادٍ صغير يقع في حي "فايّكاس" المزدحم للغاية بالعاصمة مدريد، صعد لدوري القسم الأول الإسباني للمرة الأولى عام 1977، ولم يتمتع أبدا باستقرار في الدرجة الممتازة.
النادي اجتذب قليلا من الأضواء عندما لعب له مارادونا في نهاية الثمانينيات، ليس "دييجو" بالطبع، بل شقيقه الأصغر أوجو.
وهو ليس أشهر "أوجو" يرتدي قميص رايو بالمناسبة، إذ يفوقه شهرة ونجاحًا المكسيكي أوجو سانشيز الذي كتب التاريخ بقميصي أتليتكو مدريد وريال مدريد حاصدا لقب هداف الدوري 5 مرات، ثم ظهر في موسم 1993\1994 بقميص رايو الفريق العاصمي الثالث.
في 1994، يقولون أن رويز ماتيوس سئم كرة القدم، فقرر التنازل عن رئاسة النادي لزوجته ماريا تيريسا ريفيرو.
ماريا تيريسا ريفيرو
أم لـ13 ابنًا وابنة، جدة لـ36 حفيدا وحفيدة، تلقت طلبًا مفاجئا من زوجها بإدارة شئون نادٍ في رياضة كرة القدم التي لا تفقه فيها شيئا، ولم ترفض!
ريفيرو المولودة في الأندلس عام 1935، وبتوليها رئاسة رايو في يناير 1994، صارت أول امرأة ترأس ناديًا في دوري القسم الأول الإسباني على الإطلاق.
لم تتوقع ريفيرو أنها ستواجه هذا النوع الغامض من التحدي في التاسعة والخمسين من عمرها، لكنها ستبلي حسنًا.
تقول ريفيرو: "كان من المستحيل أن أرفض طلب زوجي، ولكن يجب أن أعترف بأنني قبل رئاستي لـ رايو، حضرت مباراة كرة قدم واحدة طوال حياتي، كانت في مورسيا، ولا أتذكر حتى هوية الفريقين".
السيدة ريفيرو وقعت تدريجيًا في حب كرة القدم: "في بداية الأمر كنت أشعر بالملل أثناء المباريات وقد يغلبني النعاس أحيانا. الآن الوضع صار مختلفا تماما، فعندما يأتي نهاية الأسبوع دون مباريات، أشعر بالضياع".
"أنا رئيس بحاسة الأمومة، أعامل اللاعبين وكأنهم أبنائي".
المثير في رئاسة ريفيرو لنادٍ في الدوري الإسباني، أنها لم تُعف من واجباتها كربة منزل: "لدي العديد من المسئوليات الأخرى إلى جانب رئاستي لـ رايو. فيجب علي أن أنظّف وأرتب المنزل، وأن أبدّل أغطية السرير وأقوم بالتسوق".
حضورها متأخرة في مباريات رايو في نهاية الأسبوع يوم الأحد كان لغزًا حتى كشفت السبب: "أيام الأحد يأتي أبنائي لزيارتنا ومعهم أحفادي، ولذا يتوجب علي أن أعد الطعام وأن أرتب كل شيء قبل قدومي إلى الملعب".
وعلى عكس نظرائها من الرؤساء الرجال، فهي لا تحبذ أبدا فكرة النزول إلى غرفة خلع الملابس بعد المباريات: "عندما يخرج اللاعبون إلى الملعب، يبدون في صورة حسنة، شعرهم منمَق ورائحتهم لطيفة، فلماذا يتوجب علي النزول ورؤيتهم متعرقين بعد المباراة؟ لا أريد ذلك، شكرا".
في 2019، يمتلك الدوري الإسباني امرأتين في رئاسة إيبار وليجانيس بالفعل، مع كثير من السيدات صانعات القرار في مناصب كروية أخرى، هذا لم يكن معتادا وقتما دخلت ريفيرو الغابة الذكورية في تسعينيات القرن الماضي.
تقول ريفيرو: "أتذكر ذات مرة أثناء حضوري اجتماع رابطة الدوري الإسباني، جاءني أحد الرجال وأخبرني: وجودك يترك تأثيرا إيجابيا على ألفاظنا".
"صحيح أن عالم كرة القدم مفتول العضلات بصورة أو بأخرى، ولكن لا يجب أن يتم تعريف اللعبة بكونها ذكورية أو أنثوية".
"وندر وومان" أو ريفيرو تؤكد: "يجب أن تحافظ المرأة على استقرار عائلتها، وأن تعتني بأطفالها وزوجها. فوق ذلك، إن شعرت المرأة بالقوة الكافية لشغل منصب عام، فأعتقد أنه يتوجب عليها ذلك، تماما كما هو الوضع معي، لدي 13 من الأبناء".
على غير المتوقع، نجحت ريفيرو بشكل ساحق في رئاستها لـ رايو، وقادته إلى أزهى فترة في تاريخه.
الفريق العاصمي الصغير شارك في كأس الاتحاد الأوروبي 2001، وهو ظهوره القاري الوحيد على الإطلاق.
رايو لم يكتف بالمشاركة، بل وصل إلى ربع نهائي البطولة، قبل أن يودّع أمام مواطنه ديبورتيفو ألافيس.
وجود امرأة في سدة الحكم لم يكن ليمر دون تأسيس فريق كرة قدم نسائي في رايو، وهن السيدات اللاتي فزن بكأس ملكة إسبانيا 2008، أول لقب في تاريخ النادي بمختلف أقسامه وأجناسه.
في 2011، تخلت مجموعة رويز ماتيوس عن نادي رايو بعد تعرضه لضائقة اقتصادية، لكن ماريا تيريسا ريفيرو تظل الاسم الأكثر تأثيرًا في تاريخ حاملي الأوشحة الحمراء.
ضد النازية
في مدرجات ملعب فايكاس، لن تجد مجموعة من المشجعين الاعتياديين، بل أفراد يساندون رايو حتى الموت في مختلف الدرجات ودون الالتفات إلى أي نتائج.
قبل عدة أسابيع، وخلال مواجهة أمام أتليتكو مدريد على ملعب فايّكاس، قامت جماهير أتليتكو بتقديم التحية النازية لاستفزاز جيرانهم العاصميين.
فجماهير رايو تشتهر بمناهضة الفاشية والاتجاهات اليمينية المتطرفة، ليست مجرد أفكار يعبرون عنها، بل سنحت لهم فرصة تطبيقها قبل عامين.
الحرب الشرسة الحقيقية بين جماهير رايو والنازية، وقعت في 31 يناير 2017.
إدارة رايو حاولت حينها تدعيم صفوفها في الساعات الأخيرة من سوق الانتقالات الشتوية، ووقع الاختيار على الأوكراني رومان زوزوليا مهاجم ريال بيتيس.
الصفقة تمت مباشرة قبل إغلاق باب القيد، في عقد إعارة حتى نهاية الموسم، وجماهير رايو لم تكن لتمرر الصفقة مرور الكرام.
ببحث سريع عن تاريخ نجمهم الجديد، تبيّن أن زوزوليا لديه ميول يمينية متطرفة!
في اليوم التالي، توافدت جماهير رايو بأعداد كبيرة على ملعب التدريب حاملين لافتات "فايكّاس ليست مكانًا للنازيين".
إدارة رايو أدركت الخطأ الجسيم الذي ارتكبته، وقامت على الفور بإنهاء التعاقد مع زوزوليا بعد ساعات من ضمه، ليعود المهاجم الأوكراني إلى بيتيس ويقضي 6 أشهر دون ممارسة كرة القدم بعد أن تم قيده بالفعل مع رايو.
زوزوليا حاول دفع تهمة النازية عن نفسه، مشيرا إلى أن الصور التي ربطته بهذا الاتجاه اليميني كانت دعمًا للجيش الأوكراني خلال الحرب مع روسيا.
في نوفمبر من نفس العام، وبعد انتقال زوزوليا إلى فريق ألباسيتي الإسباني، قررت إدارة ناديه استبعاده من القائمة المسافرة إلى مدريد لمواجهة رايو فايّكانو، خشية أن يصطدم بجماهير الأخير.
وضد العنصرية
المدرج الجانبي في ملعب فايّكاس، لا يحمل اسم واحدا من أبناء النادي الذين قضوا مسيرتهم بأكملها أو الجزء الأكبر منها فيه، بل اسم "ويلي أجبونافبير".
أجبونافبير هو حارس مرمى نيجيري، ارتدى قميص رايو منذ 1990 حتى 1995، لكن النادي لم يتناساه أبدا.
في 2015 توفي أجبونفابير متأثرا بمرض السرطان، بعد أن قضى السنوات الأخيرة من حياته في ظروف معيشية صعبة، ليتم تكريمه بتخليد اسمه في مدرج الفريق.
لكن الحالة الأبرز لمناهضة العنصرية، كانت مع لوري كننجام.
كننجام جناح إنجليزي رائع، يعد ثاني لاعب أسود البشرة يظهر في منتخب الأسود الثلاثة.
اللاعب كان رمزا لمناهضة العنصرية في نهاية السبعينيات أثناء تواجده في وست بروميتش ألبيون، قبل أن ينتقل إلى ريال مدريد عام 1979 في صفقة مدوية.
في مدريد لم يستطع كننجام مواصلة الانطلاق إلى أعلى، وتحطمت مسيرته بسبب أساليب خاطئة في علاج إصاباته، وإجباره على اللعب دون اكتمال شفائه.
لاحقا تنقّل كننجام بين عدة أندية أوروبية، حتى وصل إلى رايو عام 1988، وساعده على الصعود إلى القسم الأول بنهاية الموسم.
بدا أن الحياة عادت لتبتسم لـ كننجام مجددا بعد سنوات من الحظ العاثر، كان ذلك حتى طار من الزجاج الأمامي لسيارته في حادث مروع يوم 15 يوليو 1989، تاركًا خلفه ابنا رضيعًا يدعى سيرخيو لن تسنح له فرصة التحدث إلى والده قط.
في مارس 2016، استغلت جماهير رايو حلول الذكرى الستين لمولد كننجام، لترفع لافتة عملاقة في ملعب فايّكاس لتخليده.
جماهير رايو ارتبطت بشدة بـ كننجام رغم لعبه فترة قصيرة في صفوفها، وابنه سيرخيو شَب ليلمس هذه المشاعر.
يقول سيرخيو كننجام: "ذهبت في إحدى المرات إلى منطقة فايّكاس ودخلت مقهى، هناك أخبروني بالكثير من ذكرياتهم مع أبي".
"بعد وفاته، حرصت عائلة رايو على التواصل مع أمي بشكل مستمر والاطمئنان عليها، هذا شيء لم تفعله الأندية الأخرى التي لعب لها".
"ريال مدريد أرادوا عمل مباراة خيرية في ذكراه، ولكنها كانت مجرد فكرة لم تُطبَق. بينما رايو، فقد تواصلوا معنا دائما، خصوصا في أعياد الميلاد".
كارمن
في نوفمبر 2014، تجمّع أهالي حي فايّكاس في تظاهرة كبيرة خارج منزل الأرملة كارمن مارتينيز، محاولين منع الشرطة من إجلائها عن منزلها.
محاولتهم فشلت بالطبع، وكارمن (85 عاما) صارت بلا مأوى بعد أكثر من نصف قرن قضتهم في منزلها.
أزمة كارمن بدأت عندما رهن ابنها الوحيد، خيمينيز مارتينيز، منزلها مقابل اقتراض مبلغ مالي، لكن أموره تدهورت بطلاق عصيب وفقدانه لوظيفته، ليعجز عن السداد.
كارمن صرّحت من قلب المأساة: "حياتي... دُمرت".
"عندما يتبقى لك شيء واحد تملكه، منزلك، ثم يسلبونك إياه، فماذا يتوجب عليك أن تفعل؟ تبدأ من جديد؟ في هذا العمر؟".
أما المُذنِب خيمينيز، فصرّح وعينه لم تفارق الأرض: "لم أقصد في التسبب لأمي بكل هذا".
"اقترضت بضعة آلاف من اليوروهات فقط، وكنت أمتلك وظيفة حينها، لكن فوائد القرض تضاعفت عندما عجزت عن السداد، ووصلت إلى حوالي 85 ألف يورو".
سُكان حي فايّكاس، هُم نفسهم مشجعو نادي رايو، وبالطبع لن يشاهدوا كارمن المُسِنة في ضيقة دون أن يتحركوا.
بعد الإخلاء، رفعت جماهير رايو لافتات "رايو ضد عمليات الإخلاء"، و"كارمن يجب أن تبقى".
قبل أن يظهر بطل الشعب، باكو خيميز مدرب الفريق: "أسوأ شيء يمكن أن يحدث لعائلة، هو أن يتم إجلائها من منزلها".
"هذه السيدة عاشت هنا لـ50 عاما. ونحن في المقابل سنساعدها، ليس أنا فقط أو الجهاز الفني، ولكن اللاعبين أنفسهم سيتبرعون بالأموال من أجورهم الخاصة. سنعثر لها على مكان تعيش فيه مكرّمة، حتى تدرك أننا لم نتخل عنها".
"سنقوم بما هو في نطاق مقدرتنا. كما سنفتح الباب لمن يرغب في المساعدة، ما حدث لها يمكن أن يصيب أي شخص".
وكارمن المسكينة تلقت هذه الكلمات بكثير من الانشراح: "إنها لافتة طيبة من رايو. أشكرهم 1000 مرة، فليباركهم الرب، لم يكونوا مضطرين إلى ذلك، فليعش رايو".
"لطالما ساندت رايو، والآن أمتلك دافعا إضافيا لمساندته. أنا واثقة أن زوجي يُعبر عن امتنانه من السماء".
"لو قابلت باكو خيميز، فسأعطيه 40 قُبلة".
باكو خيميز
21 سبتمبر 2013
فريق برشلونة الخارق يحل ضيفا على حي فايّكاس المتواضع ليواجه رايو في الدوري الإسباني.
هل يتحلى خيميز بالشجاعة ويواجه برشلونة بطريقته الاعتيادية؟ يفتح خطوطه ويهاجم حامل اللقب؟ هل يناطح برشلونة على الاستحواذ؟
خيميز يشتهر بطرقه الهجومية المتطرفة، مهووس بالاستحواذ على الكرة وفرض أسلوبه على الخصم دون النظر إلى هويته، ولم يكن ليغيّر من ذلك شيئا أمام برشلونة.
في هذه الأمسية الصيفية، شاهدت جماهير رايو شباك فريقها تهتز 4 مرات، دون أن ينجحوا في الرد.
رايو 0، برشلونة 4.
لكن...
مباشرة بعد المباراة، وفور أن ظهرت الإحصائيات، أدرك الجميع أن خيميز صنع معجزة، لقد تفوّق في الاستحواذ على برشلونة.
51% مقابل 49% لـ رايو، فارق ضئيل للغاية، لكنه كان كافيا لقلب سجلات الصحفيين الإسبان الذين أسرعوا بالبحث عن آخر مباراة خسر فيها برشلونة الاستحواذ.
عملية البحث تطلبت العودة 316 مباراة إلى الخلف حتى يتم العثور على المباراة المنشودة، يوم الخسارة 1-4 أمام ريال مدريد في 2008.
برشلونة لم يخسر الاستحواذ لأكثر من 5 سنوات في أي مباراة، وعندما حدث ذلك، كان أمام رايو المتواضع.
بعد المباراة، بعد سقوطه برباعية نظيفة، صرّح خيميز: "أنا سعيد للفوز بالاستحواذ أمام برشلونة، هذا يرضيني، لم نفز بالمباراة ولكننا على الطريق الصحيح".
"لن نغيّر من فلسفتنا في لعب كرة القدم".
23 أبريل 2016
رايو يواجه سلسلة نتائج سلبية عنيفة قبل 4 جولات على نهاية الدوري الإسباني، وصار قريبا من مراكز الهبوط.
الفريق يعيش موسمه الخامس على التوالي بالفعل بين الكبار، وهو إنجاز لم يكن قد حققه طوال تاريخه.
في ذلك اليوم، توجّب على رايو استضافة جاره الأكبر ريال مدريد المنتعش تحت قيادة مدربه الجديد زين الدين زيدان.
هجوم رايو الشرس أكرم الضيوف بهدفين سريعين في أول 14 دقيقة، وريال مدريد بدا تائها.
ملعب فايّكاس ظهر مشتعلا وفريقه متقدم بهدفين نظيفين على ريال مدريد، ليدرك الحاضرون أنها مباراة البقاء، لو فاز رايو اليوم، سيبتعد بنسبة 99% عن الهبوط.
بعد التقدُم بهدفين نظيفين، أمام ريال مدريد، سيكون منطقيًا أن تأمر لاعبيك بالتراجع إلى الخلف والحفاظ باستماتة على النتيجة، أو الحفاظ على مقعدهم في الدوري الممتاز بالأحرى.. خيميز لم يفعل ذلك.
المدرب الذي لا يتخلى عن أفكاره، شاهد لاعبيه يتلقون هدفا تلو الآخر في محاولتهم مناطحة ريال مدريد، لينتهي اللقاء على خسارته 2-3 بعد أن كان متقدما في لحظات المباراة الأولى.
15 مايو 2016
مباراة الجولة الأخيرة من الدوري، رايو يستقبل ليفانتي، عليه أن يفوز وينتظر تعثُر سبورتنج خيخون في نفس الوقت أمام فياريال، حتى يتجنب الهبوط.
فريق المدرب خيميز قدّم مباراة مثالية، انتصر 3-1 وأمتع جماهيره.. للمرة الأخيرة في القسم الأول!
في نفس التوقيت حدثت المؤامرة، مارسيلينو جارسيا مدرب فياريال سافر لمواجهة خيخون بمجموعة من البدلاء والشبان.
مارسيلينو هو لاعب ومدرب سابق في خيخون، ويشتهر بإنه مشجع متعصب لهذا الفريق، لم يبد منزعجا للغاية بخوض مباراة غير كاملة التنافسية لإنقاذ فريقه الأصلي من الهبوط.
خيخون استفاد، وفاز 2-0، لتقرر إدارة فياريال إقالة مارسيلينو لاحقا بشكل مفاجئ رغم نتائجه الرائعة.
أما في رايو، وبعد أن وصلهم نبأ هبوطهم مع صافرة النهاية في خيخون، فقد اشتعل ملعب فايّكاس بهتاف جماهيره: "لن نتخلى عنك في الدرجة الثانية".
خيميز تصلّب مواجها للمدرجات، وبدأت دموعه في الانهمار بغزارة.
الرجل الذي حاول خلق فريق تنافسي بميزانية صغيرة، فريق يناطح الكبار ويبهرهم بشخصيته، فريق يُمتع في كل مبارياته حتى لو خسر؛ انتهى به الحال إلى اقتياده إلى القسم الثاني بسبب أفكاره المتطرفة.
لو أنه تراجع للدفاع في واحدة من تلك المباريات التي كان متقدما فيها بالنتيجة، لتجنَب هذا المصير، ولكنه كان ليفقد هويته في نفس اللحظة.
خارج الملعب، وبعد توديعه لاعبيه للمرة الأخيرة، فوجئ خيميز بحشود جماهيرية كبيرة تغني له وتهتف باسمه، بعد دقائق فقط من تسببه في هبوط رايو إلى القسم الثاني.
خيميز كان البطل الذي تستحقه فايّكاس، ولكنه ليس البطل الذي تحتاجه في تلك اللحظة.
مارس 2019
رايو يحتل المركز 19 –قبل الأخير- في الدوري الإسباني، خسر آخر 7 مباريات، الإدارة قررت إقالة المدرب ميتشيل.. والبديل؟ باكو خيميز.
فارس الظلام عاد بعد سنوات، ليصحح ما أفسده في المرة الأولى، ظروف مشابهة، بل أكثر صعوبة، وعليه فقط أن يحرص هذه المرة على أن يكون غناء جماهير رايو بعد ضمان البقاء وليس بتأكد السقوط.
****
رسمة: شروق عز الدين.
المصادر: