كتب : أحمد العريان
"بدأت مسيرتي ببطولة مدارس وختمتها بكأس عالم. والآن أواجه المرض بسخرية كي لا يتملكني" هكذا اختتم مدحت فقوسة حديثه معنا ولكنها البداية الأمثل لتعريفك بشخصية طالما عرفها الجميع من جانب واحد.
بعيدا عن البرامج التي اعتاد الظهور فيها، وفي منزله الصغير بالقرب من النادي الأهلي بحي مدينة نصر، استقبلنا مدحت فقوسة بسخاء، وفي الخلفية أغنيات محمد فوزي وفريد الأطرش التي يعشقها.
نجم المصري، والطيران، والأهلي السابق. ومدرب منتخب مصر العسكري الحاصل على أول كأس عالم لمصر، تحدث عن مسيرته كاملة. عن العمل مع بوشكاش ومعايشة زيكو وبيليه، وكيف قاد مصر لكأس العالم فاستحق لقب "العالمي".
مدحت فقوسة لم يبخل على FilGoal.com بسرد قصته كاملة، وكيف كانت للدراسة دور كبير في تشكيل مسيرته، والتي لا تخلو أبدا من التشويق.
ومن هنا تبدأ القصة..
"أولا أرحب بكم في بيتي وسعيد لتواجدكم هنا. من الجميل أن تقدروا رموز الكرة المصرية وهو شرف كبير لي".
"لقبي هو (العالمي)، وذلك بسبب فوزي بكأس العالم العسكري، ولهذا لقبت بالعالمي. الآن يحصلون على لقب "عالمي" دون سبب يذكر، لكن العالمي هو من يحقق إنجازا لبلده مثلما فعلت. البعض حزين بسبب عدم استمراري في التدريب بعد كأس العالم العسكري".
"اعذروني على البدء من حيث انتهيت لأنني أعتز بذلك جدا، لكن لنعود الآن للبدايات".
عائلة إقطاعية
مدحت فقوسة يمثل الجيل الثالث لعائلة طالما خدمت النادي المصري.
"أنا مدحت فقوسة. عائلتنا بين أكبر خمس عائلات في بورسعيد. جدي هو عوض بيه فقوسة وقد كان الرئيس الثالث في تاريخ المصري وحصد مع الفريق بطولة كأس السلطان مرتين".
"والدي كان لاعبا في المصري وحصد مع المصري كأس السلطان مرة أيضا، وكان قائدا للمصري ويلعب في مركز الظهير الأيمن. أما أنا فشغلت مركز قلب الهجوم".
"كنت نجم نجوم بورسعيد للكرة الشاطئية. نعم لم ألعب الكرة الشراب لأنها كانت تلعب في الشوارع، وأنا كنت أنتمي لعائلة إقطاعية كما يقولون :) لذلك لم يكن مسموحا لي أن ألعب في الشارع. فقط على الشواطئ".
"كنت أملك موهبة جبارة لاحظها والدي وبدأ ينميها، حتى رآني عادل الجزار أبو ناشئين المصري في تلك الفترة وضممني للمصري في عمر 14 عاما".
"على مدار ثلاث سنوات في قطاع الناشئين كنت هدافا للفريق، وفي موسم 1964-1965 كنت في الثانوية العامة ولعبت بطولة المدارس للثانوية مع فريق المدرسة".
"كانت تلك البطولة هامة جدا لأن من يحصدها، يحصل على 10% إضافية في المجموع. أحرزت البطولة بالفعل وحصلت على لقب الهداف. ولذلك فبدايتي كانت بطولة ونهايتي كذلك بطولة أيضا لكن كمدرب".
الفريق الأول لأول مرة
"قبل أن أنهي دراستي المدرسية كنت قد لعبت للفريق الأول في النادي المصري بالفعل. ولذلك فقد زاملت السيد الضظوي أسطورة المصري والكرة المصرية كلها في الملعب لمباراة واحدة".
"بعد تلك المباراة عدت للناشئين، حتى جاء كوكيزا. مدرب يوغوسلافي آمن بقدراتي وجعلني الجناح الأيمن الأساسي للنادي المصري.
"كوكيزا علمني العديد من الأشياء، أهمها التصويب. فقد كان يخصص جزء كبيرا من التدريب ليدربني على التصويبات البعيدة".
حظ عثر مع المنتحب
"تألقت وقدمت مستوى رائع في تلك الفترة مع المصري، حتى أنني انضممت إلى منتخب مصر مع كوفاتش المدرب اليوغوسلافي للقائمة المشاركة في أولمبياد المكسيك 1968، ووقتها كنا نتمم استعداداتنا للبطولة، لكن صدر القرار ولم نسافر لليابان بسبب الحرب".
منتخب مصر كان قد تأهل لأوليمبياد المكسيك بالفعل، لكنه انسحب من المشاركة بسبب تداعيات نكسة 1967.
الطيران
الدراسة كانت مؤثرة في مسيرة مدحت فقوسة للمرة الثانية، وهذا المرة أجبرته على الرحيل عن المصري والانضمام للطيران.
"في تلك المرحلة كنت قد أنهيت دراستي المدرسية وحان وقت التحاقي بالجامعة، واستفادة من الدرجات العشر التي حصلت عليها بسبب حصولي على بطولة المدارس، قررت الالتحاق بكلية الطيران"
"لكنهم اشترطوا أن أكون لاعبا في نادي الطيران من أجل إلحاقي بالكلية وكان علي ترك المصري. لم يكن هذا الحل واردا في وقتنا، لا يمكن للاعب أساسي في المصري أن يرحل عن الفريق ولكن بسبب علاقات والدي الذي كان عضوا في اللجنة الفنية للنادي وعائلتي في النادي، كنت اللاعب الوحيد الذي حصل على استغناء من المصري من موسى أفندي سكرتير عام المصري التاريخي وانتقلت إلى الطيران".
موسمان تاريخيان
"انتقلت للطيران وقضيت معهم أفضل موسمين في مسيرتي".
"كنت في قمة تألقي وانتظامي في التدريبات. الآن أصبح الجيمانيزيوم جزءا هاما في تدريب أي لاعب، لكنني كنت أهتم بالجيمانيزيوم منذ هذا الزمن، وكان لذلك أثره علي. فقد كنت أتميز بدنيا عن الجميع لدرجة أنني كنت أسجل أهدافا من منتصف الملعب أحيانا".
"مدربنا كان يوغوسلافيا كعادة تلك المرحلة في الكرة المصرية. هارفيك مدربي هناك علمني ألعاب الهواء والتصويب المباشر وقد كنت أحد المميزين بها".
"في الوقت نفسه لم أستمر في كلية الطيران سوى عام واحد وأنا الذي قررت تركها لأنني شعرت بأنها ستؤثر على مسيرتي الكروية فالتحقت بكلية التربية الرياضية"
الأهلي.. اللعنة على الحرب
من الطيران انتقل مدحت فقوسة خطوة للأمام بانتقاله للأهلي، لكن ومثل كل أفراد جيله عانى ويلات الحرب، والتي أثرت سلبا على مسيرته.
"رآني كابتن عبده صالح الوحش في كلية التربية الرياضية وقرر ضمي إلى النادي الأهلي".
"انتقلت بالفعل للأهلي لكن كرة القدم كانت متوقفة في تلك الفترة مصر بسبب الحرب، ولذلك كانت المباريات مقتصرة على وديات في الخليج وما إلى ذلك".
"لعبت للأهلي أربع سنوات، لكن الدوري لم يستأنف إلا في السنة الأخيرة، ولعبت مع الفريق مباريات قليلة ثم طلبت الرحيل والاحتراف الخارجي".
"الأهلي يبقى الأهلي. من يلعب في الأهلي أو الزمالك يصبح في مكانة أخرى وأنا أتشرف باللعب لهذا النادي في تلك الفترة والتي كانت لتصبح أفضل لولا الحرب، ومع ذلك فمازلت أحمل ذكريات رائعة مع الفريق ومع زملائي".
"أذكر يوما في تدريبات الأهلي وأنا أحب ألعاب الهواء قمت بخلفية مزدوجة، وأحد اللاعبين يدعى ناجي خليل دفعني في الهواء وسقط على رأسي. ركضوا نحوي للاطئمنان علي ويقولون (كويس؟) قلت لهم تمام لا تقلقوا. بعدها يمررون الكرة لي وانا لا أحرك ساكنا".
"رأيت مدير العلاج الطبيعي فقلت له (ما الذي جاء بي إلى النادي ليلا؟) فركض سريعا وعرضني على الطبيب، ليتضح أنني أصبت بارتجاج في المخ وفقدان للذاكرة لما حدث في 15 يوما سابقا من الضربة".
"في المساء قابلت الضظوي في مكتب محامي صديقنا. قبلها بيوم كان قد طلب مني أمرا فقابلني وسألني ما الأخبار هل فعلت ما طلبته منك أمس؟ فقلت له (أخبار إيه هو أنا شوفتك إمبارح! فأخذوني للمنزل سريعا وارتحت 15 يوما ثم عدت للتدريبات. كانوا يرفضون إرسال العرضيات الهوائية في التدريبات بعد ذلك خوفا علي".
"مرة أخرى كنا في العراق نلعب مباراة على ملعب نادي الشعب والملعب كان مليئا بالضفادع. أخذت ضفدعا ووضعته في شورت صلاح حسني. في ظرف ثانية كان يقفز في الهواء وخلع سرواله وسط صيحات الجماهير فركض خلفي حتى غرفة الملابس ولو مسك بي لطرحني ضربا :D"
الاحتراف الخارجي
"لعبت لنادي الشباب الكويتي لمدة موسم في الدرجة الثانية وحصلنا على المركز الثاني، بعدها انتقلت لفريق التضامن الإماراتي مع الكابتن فؤاد صدقي الذي كان مدربا للفريق وقتها".
"لكنهم دمجوا فريقي العين والتضامن فرحلت وانتقلت لفريق أبو ظبي الإماراتي ولم أستمر إلا لموسم واحد أيضا".
"كنت قد كبرت بالفعل وأردت ختام مسيرتي في بيتي الذي أنتمي له، فعدت للمصري ولعبت لموسم واحد فقط حضرت فيه مسعد نور والسنجأ وعبود الخضري والجيل التاريخي للمصري".
الفصل الثاني.. بوشكاش
بوشكاش. أسطورة الكرة المجرية والعالم يتولى تدريب فريق مصري بفضل سيد متولي، ولمدحت فقوسة حظ معاونته.
"فور اعتزالي كرة القدم، توليت تدريب فريق الناشئين في المصري وحصلت معهم على بطولة القنال".
"وفجأة قرر سيد متولي رئيس النادي المصري إحضار بوشكاش لتدريب الفريق عام 1979. بوشكاش أسطورة المجر العالمية سيدرب المصري؟ أيعقل؟ لقد كنا ممنوعين من التصوير معه وقتما حضر لمصر مع ريال مدريد إلا بإذن كتابي، والآن سيعمل مدربا للمصري!".
"سيد متولي سافر لليونان وقال لنا سأجلب لكم بوشكاش لتدريب الفريق، وبالفعل عاد بـ بوشكاش لتدريبنا. وأصبحت أنا مساعد بوشكاش في الجهاز الفني".
"كنا نسافر لأوروبا لخوض فترة إعداد، فنستقبل استقبال الملوك بسبب بوشكاش".
"كان في الخمسينات من عمره لكنه في كامل لياقته ويسدد الكرة فيكسر العارضة من قوة تصويباته".
"مع بوشكاش كنا نسير بشكل رائع وحققنا المركز الثالث في الدوري بالموسم الأول".
"رحلت عن الفريق في الموسم الثاني وسافرت لتدريب نادي الرائد السعودي وحصدت معهم المركز الأول في الدرجة الثانية، لكنني عدت لمصر وعملت مساعدا لبوشكاش مرة أخرى في موسمه الثالث مع المصري".
"في الموسم الثالث كنا نسير بشكل رائع وننافس على لقب الدوري هذه المرة، حتى أتت مباراة الزمالك والتي شهدت شغبا جماهيريا كبيرا بسبب الظلم التحكيمي وحدثت بعض الاعتقالات".
"بوشكاش لم يعجبه الأوضاع، أو ربما خاف منها فلعب معنا مباراتين ثم رحل فجأة دون إعلامنا وعاد لبلاده، لأتولى أنا الفريق بشكل مؤقت".
"اللاعبون رحلوا مع بوشكاش، لذلك أكملت الموسم بالناشئين، لنحصد نحن المركز الخامس بعد خسارة آخر 5 مباريات".
عودة أخيرة للمصري.. والنكسة الوحيدة
مدحت فقوسة أصبح مدربا للمصري أخيرا، ورغم النجاحات التي حققها، لكن تلك الفترة حملت النكسة الوحيدة في مسيرته، أو هكذا أسماها.
"رحلت في نهاية الموسم إلى خارج مصر مجددا، لكن سيد متولي طلب عودتي لمساعدة أوسكار المدرب الأرجنتيني، فعدت بالفعل وعملت معه لمدة سنة".
"ورحل أوسكار، ومن هنا أصبحت أنا مدرب المصري كرجل أول لأول مرة ولمدة موسمين"
"حققت نتائج ممتازة لكن حدثت النكسة الوحيدة في حياتي الكروية".
"في موسم 1987-1988 أقصينا الأهلي من كأس مصر، قبل أن يخرجنا الزمالك من البطولة".
في الموسم التالي فزنا على الأهلي والزمالك في الدوري خلال أسبوع واحد في بورسعيد. ربما أن الغرور تملكني قليلا وقلت للجماهير نحن أبطال الكأس واطمأنوا".
"الشحن المعنوي أثر على الفريق معنويا، ولذلك خسرت نهائي كأس مصر أمام الأهلي بثلاثية، وكانت تلك هي النكسة الوحيدة في مسيرتي الكروية".
"حزنت جدا وقررت الرحيل عن المصري. وعرض علي فريق غزل دمياط أن أعمل معهم ودربت الفريق ثلاثة أشهر بالفعل في الدوري الممتاز لكن صدر قرارا بهبوطهم للدرجة الثانية فاعتذرت عن عدم الاستمرار".
وماذا عن السحر؟ علمنا أن لديك قصة شهيرة أثناء تدريب المصري مع هذا الأمر؟
"إبراهيم الوشاحي أحد اللاعبين كان قبل كل مباراة يخبرني بالنتيجة (يا كابتن هنكسب 2-1 فنفوز بتلك النتيجة بالفعل. المباراة التالية 3-0 ونفوز بثلاثية بالفعل ثم 1-1 ونتعادل. فقلت له تعالى إيه الحكاية؟ قال لي (ده الشيخ صلاح بيبعتلك النتايج عشان تتبسط)".
المباراة التالية كنا سنواجه الزمالك فقلت له (لأ هاتلي الشيخ صلاح ده بقى أشوفه. لا أقتنع تماما بتلك الأمور لكنني أحب الضحك وقلت أشوف إيه الحكاية".
"جاء الشيخ صلاح وبدأ يضع شروطه. غرفة منفصلة في معسكر الفريق، واللاعبون ينظرون له في المدرج. منحناه غرفة بالفعل وفي الملعب نبهت على اللاعبين بالنظر له في المدرجات".
"زوجتي غضبت مني جدا وقتها وقالت لي "ولما هو اللي هيكسبكم أومال أنت رايح ليه؟ ماتروحش".
"في الشوط الأول رأيت ما لم أره في حياتي. فرص تضيع من الزمالك بطرق غريبة! وطارق سليمان يسجل هدفا أغرب لنا من على خط المرمى بتصويبة في المقص".
"في الشوط الثاني سجل الزمالك هدفين في آخر 10 دقائق وخسرنا".
"بعد المباراة وجدت الشيخ يقول لي (أين المكافأة؟) فقلت له مكافأة إيه؟ إحنا خسرنا. قال لي (وأنا مالي؟ لقد أحضرت الجان لكنهم أحضروا عددا أكبر في الشوط الثاني وفازوا) فطردته وقلت له لا مش عايز أشوف وشك تاني :D"
"انتقلت لتدريب فريق الرائد مرة أخرى، لكن الولاية الثانية لم تكن جيدة فعدت وتوليت تدريب المريخ البورسعيدي عام 1991".
الحصان الأسود مع المريخ والفضل للموسيقى
فقوسة عاد لبورسعيد مجددا، لكن هذه المرة رفقة الشقيق الأصغر للمصري. المريخ البورسعيدي والذي كان في الدوري الممتاز وقتها، وحقق معهم نتائج رائعة بالنظر لاسم الفريق، ومن جديد الفضل هنا للدراسة.
"حققنا نتائج رائعة في هذا الموسم، حتى أنهم لقبونا بالحصان الأسود للدوري".
"كنت قد حصلت على دبلومة التدريب في البرازيل، ولذلك كنت أول من أدخل أساليب التدريب الجديدة إلى مصر مع المريخ".
كنت أحضر تدريبات فرق فلامينجو وفلومينينزي وسانتوس وغيرهم. وأجري معهم فترات معايشة. شاهدت زيكو على الطبيعة وكيف يهتم بتدريبات الجيمانيزيوم، وكيف يتدربون على الكرات الثابتة والركنيات وكيف يتدرب الحراس قبل انطلاق التدريب الجماعي بساعة كاملة".
"شاهدت أيضا كيف يستخدمون الموسيقى في تدريباتهم، وكيف تكون التدريبات على ثلاث فترات يوميا، وقررت تطبيق كل تلك الأمور مع المريخ".
"وقت التدريب كنت ألعب الموسيقى للاعبين. إذا كان التدريب قويا، نلعب موسيقى حماسية قوية، وإذا كان التدريب خفيفا نلعب موسيقى هادئة".
"كانوا يقولون في مصر إياك تشرب وقت التدريب، لكنهم في البرازيل كانوا ينهون التدريب ثم يشربون ما يريدون من نسكافيه أو شاي وما إلى ذلك، وكانوا يتدربون ثلاث فترات في اليوم وطبقت كل ذلك مع المريخ".
حكاية الحباية
فترة المريخ كانت رائعة، لكنها لم تخلو من المواقف الكوميدية كما تتسم شخصية مدحت فقوسة التي تحب مزج المرح بالعمل لرفع الضغط عن اللاعبين.
وفي تلك القصة كان فقوسة هو من تأثر بالضغط، لكنه لم يجد من يرفع الضغط عنه.
يحكي فقوسة "مع المريخ كنا نواجه الزمالك في الدوري. نزلت الملعب وأتوقع حضور 3 ألاف متفرج على الأكثر فنحن المريخ الضعيف وهم الزمالك متصدر الدوري والمباراة في استاد القاهرة، لكن المفاجأة أنني وجدت 80 ألفا في مدرجات الاستاد!".
"كتبوا أن المباراة غير مذاعة تليفزيونيا والجمهور حضر لمشاهدة الزمالك، فتوترت بكل تأكيد. الإداري منحني حباية كمساععدة لكي أهدأ وشربتها على أنها مهديء مع كوب شاي لأجد نفسي في عالم آخر".
"دخلت للاعبين وقلت لهم نحن أقوى منهم 100 مرة وسنفوز عليهم. ثم خرجت للجماهير وأشرت لهم بعلامة النصر! الجمهور يسبني وأنا لا أتوقف عن الاستفزاز. (بحاول أنزل إيدي مش عارف :D). بدأت المباراة وشعرت كأن لي قدمين على الأرض وآخرين في الهواء. أخرجت السيجار وأشرب كأنني ملكا، والجمهور لا يتوقف عن سبابي بسبب استفزازي لهم. وأنا لم أكن في وعيي أساسا".
"كان حارسنا هو حسن نصر وهو يحب الخروج من مرماه كثيرا والمراوغة، فهددته باستبداله إذا فعل ذلك. في ظرف 10 دقائق كنا قد استقبلنا ثلاثة أهداف بالفعل، ومع كل هدف أقوم لأصفق مع الجماهير واللاعبون يقولون لي (أنت بتعمل إيه؟). فقلت لهم (أنتوا شوية حثالة عايزيني أزعل 80 ألف وأفرحكم؟) وهم يموتون ضحكا".
"في الهدف الثالث وجدت حسن نصر في وسط الملعب وانقطعت منه الكرة، وهو يحاول الركض خلف جمال عبد الحميد، فقلت له من مكاني إزيك يا حسن؟".
"بين الشوطين قالوا لي (الحارس وحش)، قلت لهم (حارس مين؟) قالوا لي حسن. قلت لهم (خرجوه أنا مالي). وخرج بالفعل وشارك حارس آخر في الشوط الثاني استقبل هدفا وحيدا من كوارشي".
"بعد المباراة يسألني الصحفيون (ما الذي حدث؟) قلت لهم "إيه؟" قالوا لي "خسرت برباعية!" فقلت لهم (بس إيه رأيكم في الحارس اللي نزل؟) قالوا (رائع لماذا لم يلعب من البداية؟) قلت لهم (وكيف لتعرفوا أنه جيد إلا إذا أشركت حارس غير جيد في البداية يستقبل الأهداف ثم يشارك هذا الحارس فتلاحظون مستواه؟" :D).
"في اليوم التالي وجدت تصريحاتي في الجرائد فقلت لهم من قال هذا الكلام؟ قالوا لي أنت وأنا لا أتذكر شيئا. بعدها دخل الإداري الذي أعطاني الحباية للغرفة، فقلت له أشكرك أنك أعطيتني نصف حباية فقط بأربع أهداف لأن حباية كاملة كنا سنخسر بثمانية. ثم صفعته صفعة لن ينساها في حياته :D"
"مع كل المدربين يكون اللاعب البديل حزينا لعدم المشاركة إلا معي أنا. يتمنون أن يبقوا معي على دكة البدلاء. أولا لأن اللاعب البديل عندي أهم من الأساسي وأمنحه مكافأة ونصف لعدم مشاركته، بالإضافة لأنه يستمر في الضحك ساعة ونصف بسبب تعليقاتي أثناء المباراة :D".
مثلما حدث في مباراة الترسانة مع الحكم نشأت توفيق؟
"أهاا دي قصة دي.. لا أعرف كيف عرفتم اسم الحكم لكنه أمر رائع، وهو صديق لي بالمناسبة. كنت مشدودا في المباراة وأشعر بالغضب بسبب قرارات الحكم".
"المباراة كانت على ملعب الترسانة والجمهور كان كبيرا ويصيحون بصوت عال. استغللت الفرصة وشتمت الحكم بصوت عال وهنا تحدث المفاجأة! الجمهور يصمت في تلك اللحظة تحديدا والحكم يسمع السباب الموجه له، فيوقف اللقاء ويأتي إلى دكة البدلاء ليطردني".
"نظرت للجهة اليمنى فوجدت ميمي عبد الرازق، فهمني مباشرة وقال لي (بلاش أني يا فقس). نظرت للجهة الأخرى فوجدت مسعد نور وهو نجم تاريخي للمصري وله بريقه وأكبر من ميمي، فرجعت لميمي وقلت له (يا كلب! حكم عظيم زي ده تشتمه؟) وهو يرد (أنا؟!) فأرد عليه (أومال أنا؟ مش أنت اللي شتمته!). الحكم طرده وعوقب بالإيقاف شهرين من اتحاد الكرة".
القصة لم تنته هنا، فتكملتها كانت في الأسبوع التالي أليس كذلك؟
"في الأسبوع التالي كنا في الإسكندرية نواجه الأوليمبي وما أن بدأ اللقاء حتى وجدت عسكري يقف أمامي ومعه كلب ضخم! وأنا أخاف الكلاب من الأساس".
ورائي يقف ميمي عبد الرازق خلف السور مطرودا ويصيح بصوته العالي، وكلما يصيح ميمي بصوت عالي يهيج الكلب وينبح ضدي وأنا خائف. نظرت لميمي وقلت له (خلاص يا ميمي اللعيبة سامعة اسكت) فقال لي (لأ عشان تبقى تطردني تاني)".
"بعدها بشهرين انتهى إيقاف ميمي عبد الرازق وتكرر نفس الموقف بسبب اعتراضي على الحكم فجاء للدكة، فنظرت لميمي عبد الرازق وقلت له (تاني يا ميمي ده أنت لسه راجع!) فطرده الحكم مجددا، وعوقب بالإيقاف لشهرين جديدين :D".
الفصل الثالث.. العالمي
وصلنا للفصل الثالث من القصة، وهو فصل البطولة التي يعتز بها مدحت فقوسة، والتي اختارها نقطة نهاية لمسيرته الكروية.
"رحلت عن المريخ، وكان كمال عتمان يتولى تدريب المنتخب العسكري وتأهل بهم إلى كأس العالم العسكري، لكنه ترك الفريق من أجل عرض تدريب خارجي، فعرضوا علي تولي الفريق ووافقت بالفعل ودربت الفريق في بطولة المغرب عام 1993".
"حسام وإبراهيم حسن كانا حاضرين في التصفيات، لكنهما لم يلعبا معي في البطولة. المشير طنطاوي رفض أن يمنحني اللاعبين الذين انتهت فترتهم العسكرية وكانا بينهم لذلك لم يلعبا البطولة، قال لي (اذهب والعب باللاعبين الذين يقضون فترتهم العسكرية فقط لكي يكون إنجازا لك إن حققت شيئا معهم)".
"في السابق كان المشير عبد الحكيم عامر يجعل اللاعبين يرتدون قمصانا رياضية ويلعبون كأس العالم العسكري ومع ذلك حققوا المركز الثاني، براسكوس مثلا الحارس اليوناني الذي حصل على الجنسية المصرية ورتبة في الجيش وشارك في البطولة. يكن حسين ظهير أيمن وبجانبه حنفي بسطان ونور الدالي، في خط الوسط رأفت عطية وحمزة عبد المولى وعصام بهيج والضظوي وعلاء الحامولي مهاجما وأحمد مكاوي وشريف الفار. أسماء مرعبة لم تحصد البطولة".
"ذهبنا للبطولة ورشحونا للحصول على المركز الخامس. فزنا على إيران في المباراة الأولى ثم تفوقنا على فرنسا في اللقاء الثاني بركلات الترجيح بفضل المميز سعفان الصغير الذي كان يحرس المرمى ويحمل شارة القيادة".
"المباراة الثالثة كانت مع بولندا وفزنا عليهم بثلاثة أهداف مقابل هدف، ثم واجهنا ألمانيا. كل لاعب منهم يعمل من لاعبينا اثنين جسمانيا، لكننا فزنا بهدف وتأهلنا للنهائي لمواجهة المغرب أصحاب الأرض".
"في حضور 40 ألف متفرج ولاعبين مغاربة رائعين. شاهدتهم في البطولة في المباراة الأولى فازوا على الجابون بسداسية، فقلت للبعثة (لا احنا نرجع مصر أحسن :D)".
"نزلنا وخضنا المباراة وكنت قد أتممت الإعداد النفسي للاعبين على أكمل وجه. وأنا أجيد هذا الأمر لأجعل من لاعبي فريقي يقدمون أفضل ما يستطيعون تقديمه وأكثر".
"نسجل ويتعادلون ويسجلون ونتعادل حتى أصبحت النتيجة 2-2 وقٌطع الإرسال عن الملعب في التليفزيون قبل 7 دقائق من النهاية. لم أعرف ذلك حينها بالطبع لكنهم حكوا لنا ما حدث".
"في مصر تركوا الإرسال مقطوعا طيلة الدقائق المتبقية، وفي تلك الفترة استطاع مصطفى صادق تسجيل هدف الفوز. تبادل للتمريرات بينه وبين أحمد الكأس، ثم سدد الكرة ساقطة من فوق الحارس. سجلنا هدفا ثم دافعنا لسبع دقائق بشراسة وحصدنا اللقب لأول مرة في تاريخ مصر".
"كان فريقنا قويا جدا أيضا. كان معي مصطفى صادق هداف الفريق من المقاولون، وعلي ماهر وياسر ريان، وأحمد الكأس وسمير كمونة وجنيدي لاعب المحلة ومحمود أبو الدهب ومحاحمي ومشير حنفي ومدحت الحوفي".
مدحت الحوفي الحكم؟
"نعم. كان لاعبا وقتها وكان صغيرا وأذنيه كبيرتين فكنت أقول له "أنت إيه، في فرقة التصنت؟"
"جائني في اليوم التالي ووضع لصقا على أذنيه، كان جميلا وأحبه بشدة. كان يوجد أيضا ياسر رجب حارس احتياطي، وأيمن غازي وعبد الله الصاوي من طنطا، ومجدي الصياد من الإسماعيلي".
"حبستهم في دار الفرسان الملكية قبل البطولة بـ18 يوما، قلت لهم (هنا لا يوجد سوى الأحصنة، من يحب البنات فليحب حصان منهم). كانت أيام جميلة وكانوا يحبونني وأحبهم، وإلى الآن يتحاكون بتلك الفترة التي قضوها معي في المغرب".
تمثال ديليسيبس
"حصدنا البطولة وصنعت أجواء رائعة في مصر، وطلبوا مني الاستمرار في منصبي لكنني فضلت الرحيل. قلت لنفسي إذا فشلت في تحقيق البطولة التالية سيقولون أنني حققت الأولى بالحظ، وإذا حققتها سيقولون بطولة ضعيفة، فرحلت ولم ينجحوا في حصد البطولة لمرتين بعدي". قبل أن يحصلوا عليها مع محمد عمر مرتين ومع منير حجازي مرتين".
_
"بعد كأس العالم، مصر كلها احتفلت بي معنويا. أقاموا حفلا لي في فندق كبير في بورسعيد في حضور المحافظ وممثل عن رئاسة الجمهورية. وقال المحافظ بصوت عالي ما طلباتك؟ فقلت له (عايز تمثال على قاعدة ديليسيبس لتراني المراكب فقال لي (طب هجتمع بالمجلس المحلي وأشوف الموضوع ده".
"قلت له لا أنا عايز أطلع كل يوم من 3 لـ 5 والمراكب تحييني وأنا أحييها، ففهم أنني أمزح وضحك".
"هل تعلم أنني عرفت بعد ذلك بأنهم أوصلوا الموضوع للرئيس مبارك؟ حراسه كانوا دفعتي في الطيران وقالوا له "الراجل عايز تمثال، فقال لهم (يعني حقه ده؟ لو حقه اعملوله اللي هو عايزه). قلت لهم حد يهزر مع ده؟ ده يشنقني :D".
"الرئيس كرمنا وكان المشير طنطاوي وقتها فريق أول. حضرت نفسي لأقول للرئيس بأن الفريق أول طنطاوي يستحق أن يصبح مشيرا، وما إن دخلت للرئيس حتى "زغرلي بعينه" فوجدت نفسي أقول له "بورسعيد بتبايعك يا ريس :D). قلت لنفسي ما دخلي أنا بالمشير وإن كان فريق أول أم مشير :D"
"إلى هنا قررت إنهاء مسيرتي الكروية وأنا على القمة. تلقيت العديد من العروض سواء كمدرب أو مستشار فني لكنني رفضتها واكتفيت بتاريخ طويل حققتها بجانب ما حصلت عليه من مؤهلات علمية. حصلت على العديد من الدروع والشهادات، لذلك اكتفيت بكل ذلك. تاريخ كبير بدايته بطولة مدارس، ونهايته بطولة عالم وهو ما أعتز به جدا".
الفصل الرابع.. ليس الأخير
"كانت تلك قصتي، أما الآن فأنا مريض بالسرطان للمرة الثانية وأعالج منه. أطلب من الجميع الدعاء لي".
"هذه المرة الثانية التي أصاب فيها بالسرطان. في المرة الأولى عولجت منه لكنني أصبت بالسرطان مرة أخرى وكشفت على قلبي فوجدت أن صمام من الصمامات انتهى تماما مع مشكلة في الشريان التاجي وأحتاج للعديد من العمليات".
"أقابل المرض بالضحك ولا أدعه يؤثر علي أبدا. كنت أسخر من السرطان وأقول لهم يبدو أنه أحبني لذلك زارني للمرة الثانية".
"خدمت الناس كثيرا في حياتي وهذا هو المتبقي لي الآن. دعوات الناس".
"حين يموت الإنسان يذكروه بالخير ويسردون مواقفهم الجميلة معه، لكنه يموت حزينا. أما أنا سعيد الآن، لأنني سمعت تلك الأحاديث عني في حياتي وحصلت على العديد من التكريمات ودعوات الناس".