كتب : مصطفى عصام
عندما يتقافز إلى الأذهان اسما مثل دينيس بيركامب، فإن الكثير من صيغ التفضيل تخطر على البال في الحال. الاقتراب من حدة الكمال في امتصاص الكرة، عبقرية التصرف، رؤى البصيرة في إدراك محيط الكرة وقدراته وعما يستطيع أن يفاجئ رواد الهايبري في فترته مع أرسنال. إسم بيركامب حين يذكر في أي محادثة إلكترونية أو تغريدات ومنشورات على مواقع التواصل الإجتماعي، يدعمها بحدة مقاطع مثل تحديه ضد قوانين الفيزياء أمام نيوكاسل في عام 2002، أو حين أوقف الزمان لأقل من أجزاء الثانية وأخرج الكل خارج اللعبة بلمسته الحساسة أمام الأرجنتين في بطولة فرنسا 1998.
عروض قدمها دينيس بيركامب في فترته الذهبية مع أرسنال لا مثيل لها، لم يلعب مع أيان رايت وتييري هنري ونيكولاس أنيلكا فحسب، بل أكاد أجزم أن بيركامب كان يلعب مع المشجعين قبل اللاعبين، أولئك الذين يحتلون أقصى مقاعد الرؤية في أي استاد، ومستوى نظرهم في الملعب الذي يرونه كبساط تتحرك عليه أحجار الشطرنج، دائما ما تكون بصيرتهم أعلى من لاعب الكرة الذي يتحرك بعين في مستوى أفقي ثابت لا رأسي، بصيرة بيركامب اتفقت مع هؤلاء ولبت رغباتهم في لعب الكرة بشكل مفاجئ في المساحة العمياء التي لا يراها أحد سواهم، تجلى ذلك في عبقرية تمريرته إلى ليونبرج أمام يوفنتوس الذهبي 2001.
ومع ذلك، فإن مصطلح "حمار الأسبوع" لا يجب أن يربطه أحد مع الهولندي حين تصف أسوأ لاعب في الجولة بأي دوري، ولكن لفترة قصيرة خلال فترة كارثية استمرت لعامين مع إنتر في مسيرة محبطة بمنتصف التسعينيات، أصبحت الأمور سيئة للغاية حتى أن دار نشر لا ريبوبليكا الشهيرة في روما أعادت تسمية جائزة "حمار الأسبوع" لأسوأ لاعب في الجولة إلى "بيركامب ديلا أوستيامانا" (بيركامب الأسبوع بدلا من حمار الأسبوع). كيف يمكن اختزال لاعب من موهبته التي لا يرقى إليها الشك إلى أن يكون مجرد وصم ومحل تجريح وانتقاد.
ما قبل الوصم.. حين كان بيركامب في أوج نضجه.
في عام 1993 كان بيركامب مستعدًا لمغادرة أياكس، بعد أن تم ترقيته من فريق الشباب من قبل خبير اللعبة الأول يوهان كرويف بعام 1986. وكان يعتقد أن الوقت كان مناسبًا عند بلوغ الرابعة والعشرين من عمره بحثًا عن مراعي جديدة، شعر بيركامب أنه كسر سقف طموحه داخل حدود اللعبة الهولندية خلال العطلة الشتوية لموسم 1992-1993 أن هذه ستكون سنته النهائية داخل دوري البلاد، مما يتيح لهم الوقت الكافي للعثور على بديل كرويف كما أسموه بهولندا.
كرويف عام 1986: شخصا ما يمتلك قدما حساسة مثل بيركامب لن يرحموه في وجهته الجديدة بإيطاليا بل أنصحه أن يذهب إلى إسبانيا، نصحته تحديدا أن يصحبني إلى برشلونة منذ توليت قيادة الفريق عام 1988، سيكون درة تاجنا".
سرعان ما أدرك كرويف أنه مع الثلاثي الأجنبي بالبلوجرانا خريستو ستويشكوف، رونالد كومان ومايكل لاودروب بالنادي، لن يكون من حقه الحصول على خدمات بيركامب، وبالطبع الاستغناء على واحد من الثلاثي لأجل لاعب غير دولي عمره 24 عاما سيكون محل انتقاد من الإدارة والجماهير.
وسقطت نداءات مرشدة من الصحافة الهولندية على بيركامب لأثناءه عن خطوة الدوري الإيطالي القاسية على موهبة مثله، ولكن فيما يبدو أنها وقعت على آذان صماء، كان بيركامب يضع حذو عينيه على إيطاليا فحسب. وكان قد بدأ منذ أكثر من عام قبل اتمام الاتفاق في أخذ دروس إيطالية استعدادًا لهذه الخطوة.
في سيرته الذاتية "السكون والسرعة - Stillness and Speed" حكى بيركامب باقتضاب حول تعلق قلبه بإيطاليا فحسب:
" عيني لم تنظر سوى لإيطاليا فحسب لأنها كانت أفضل بلد كرة قدم في ذلك الوقت. إيطاليا وإيطاليا وإيطاليا.. كل ما كنت أفكر فيه. كان هناك الكثير من الأندية الإيطالية أبدت اهتماما بي إلا أنني اختتمت إلى اختيار بين يوفنتوس وإنتر. استبعدت ميلان من رغبتي في اختيار مساري الخاص، فكما لم أكن أرتاح إلى لقب "بديل كرويف" في أياكس، لم أكن أحب أن أقارن بالثلاثي الهولندي فان باستن، رود خوليت وفرانك ريكارد، كنت أفكر أنه يمكنني أن أذهب إلى الخيارات المريحة مثل ميلان أو برشلونة، أو يمكنني اجعل مغامرتي الخاصة لها طعما خاصا، ففضلت إنتر عن يوفينتوس".
ولكن دون أن يعلم بيركامب، فقد دخل إيطاليا بوقت حساس للغاية كما وصفه الصحفي الشهير توماسو بيليزاري بجريدة كورييري ديلا سيلا، وقت أشعل فيه أريجو ساكي مع إيه سي ميلان حربا عقائدية بين مشجعي كرة القدم الإيطالية أشبه "بالحروب الدينية".
ففريق ميلان ببداية التسعينات كان فريقا مستهلكا ومدججا بالنجوم ولكنه مغرم بالضجيج، فحظي حب السكان الإيطاليين ممن يسموون أنفسهم بالسكان الأصليين، واستحوذ على هوى المثقفين والصحفيين المتضامنين معه، على اعتبار ميلان ساكي بأنه الأمل في تغيير النظرة إلى هوية كرة القدم. أثبتت فترة ساكي لمدة أربع سنوات في ميلان للمدربين الإيطاليين الذين فضلوا الأساليب الدفاعية على الجماليات، أنه كان من الممكن أن يكون فريقك ناجحًا أثناء لعب كرة القدم الجميلة، فكانت فترة ساكي تلك حربا على العقائد القديمة والتي تضامن فيها أغلب متابعي الكرة، وبالتالي انحسرت الأضواء عن بقية الفرق.
كان السؤال هو هل يجب على الفرق الإيطالية أن تسير في الطريق الذي اجتازه ميلان في خضم معتقداتهم أو التمسك بهويتهم الخاصة، فحتى وإن كان ذلك نهجا جديدا عليهم، فلديهم تراث من النتائج والجوائز القديمة التي تجعل الجماهير تصبر على تطبيق الهوية الجديدة وما يتبعه من تذبذب.
كان هذا المشهد من كرة القدم الإيطالية حيث كان بيركامب على وشك الوصول إلى قلعة الإنتر.
في أوائل عام 1993، سافر مسؤولو إنتر إلى هولندا للقاء بيركامب لإقناعه بالانضمام إلى إنتر. كان بيركامب المتلهف أيضاً لسماع خطط الفريق قبل وضع القلم على ورق التعاقد، قد وعده المسؤولين بأن تتغير فلسفة الفريق بحيث تتناسب إلى قدراته، فآمن بيركامب بأنه سيخوض حلما سيكون هو فتاه الأول، فوافق على الفور وفضله عن يوفينتوس رغم مفاوضات مسؤوليه الجادة.
في 16 فبراير 1993، أعلن بيليجريني رئيس النادي أنه وقع مع بيركامب وفيم يونك بمقابل 10.4 مليون جنيه إسترليني. كان ينظر إليه على أنه انقلاب كبير في تاريخ صفقات الانتر. سوف ينضمون بعد انتهاء الموسم الحالي. سوق بيليجريني إلى الصفقة بعنوان.
"ضممنا بيركامب، أفضل رقم 10 في العالم".
-فريق الأحلام الإيطالي يترنح قليلا.. فرصة أفضل رقم 10 في العالم.
وتحت قيادة باجنولي لإنتر في المركز الثاني غير المتوقع في موسم 1992-1993 بتراجع أربع نقاط عن ميلان بقيادة فابيو كابيلو. مع مشتريات مثل بيركامب ويونك، الثلاثي الهولندي في إيه سي ميلان أصبحوا جزءا من التاريخ فحسب بعد مغادرة رود خوليت إلى سامبدوريا، فرانك ريكارد إلى أياكس وفان باستن لا يزال في معركته المأساوية مع الإصابات. وشعر الرئيس بيليجريني بأن رش القليل من السحر الهولندي مثل بيركامب ويونك من الممكن أن يحقق لقب لإنتر لأول مرة منذ عام 1989.
ولكن بذرت بذور موسم إنتر 1993-1994 البائس في وقت باكرمن الموسم. يدعي باجنولي أن الرئيس بيليجريني لم ينقل أي رسالة حول تغيير النظام وبدء المنافسة حول اللقب، وبدأ الموسم الجديد بأسلوب اللعب المتحفظ الذي لم يتغير عن السنوات السابقة. أصبح بيركامب معزولاً على الفور في الملعب مع القليل من الدعم بواسطة لاعبي خط وسط إنتر. بيركامب كان معزولا وحده بكل مباراة أمام خمس مدافعين!.
بدأ بيركامب الموسم بشكل غير مبال ولكنه كان يخطو خطوات كبيرة في كأس الاتحاد الأوروبي، بدا كأفضل لاعب في البطولة. وأحرز بما في ذلك ركلة مقصية رائعة ضد رابيد بوخارست في الجولة الأولى.