كتب : زكي السعيد
كبّلوه وعذّبوه، حاولوا إكراهه على هجر عقيدته والخروج عن المسيحية، مارسوا كل الانتهاكات في حقه مرارا، وعندما فشلوا في دفن أفكاره، قرروا تمزيقها إربا، ورموا به للأسود حتى تفترسه.
كانوا هؤلاء الرومان في القرن الثالث الميلادي، وكان ضحيتهم القديس ماميس الذي وجد نفسه في مواجهة غير متكافئة مع كائنات مفترسة، لتحل المعجزة، ويقوم ماميس بترويض الأسود.
لاحقا عكف الفن المسيحي على تصوير ماميس مصحوبا دائما بأسد كرمزية له، تمجيدا لهذه الواقعة التي يُترَك لك كامل الحرية في تصنيفها كأسطورة أو حقيقة، وفقا لأفكارك واتجاهاتك.
ولكن ما يمكن لمسه وما هو حقيقي دون شك، ستدركه إذ ارتحلت يوما إلى مدينة بلباو في إقليم الباسك الإسباني، وزرت كنيسة بيت الرحمة التي كانت ديرا للقديس ماميس، والتي تحفظ أيضا جزءا من رفاته.
وما أكثر شهرة لك على الأرجح، هو الملعب الذي افتتحته إدارة أتليتك بلباو عام 1913، وأسبغت عليه اسم الكنيسة الواقعة بالقرب منه: سان ماميس.
الآن بتم تعرفون على الأرجح سبب تكنية لاعبي أتليتك بلباو دائما بالأسود.
وصحيح أن الأسود تحتاج إلى الافتراس من أجل البقاء، إلا أن هذا لم يكن حال أسود الباسك في عام 2018.
بلباو عاش عامه الميلادي الأسوأ في تاريخه بمنافسات الدوري الإسباني، ما بين الدور الثاني لموسم 2017\2018، والدور الأول لموسم 2018\2019، ليكون ترتيبه رقم 17 –الأخير- بين كل الأندية التي تواجدت في المسابقة على مدار العام باستبعاد الهابطين والصاعدين الذين خاضوا نصف عدد المباريات.
الموسم الحالي بدأ على انتصار في النفس الأخير على حساب ليجانيس بنتيجة 2-1، معاناة ستتكرر لـ بلباو في لاحق المباريات ولكن بنتائج أكثر سوءا.
بلباو وفي الـ13 مباراة التالية لهذا الفوز الافتتاحي، لم يفز ولا مرة، تعادل في 8 وخسر 5. هذا السجل الكارثي أسقط بلباو في مراكز الهبوط، ودفع الإدارة لإطلاق أسوُدها على المدرب الأرجنتيني إدوارو بيريتزو وإقالته بعد أقل من 6 أشهر على تعيينه.
الرجل الذي احتاج لبعض الحظ الإضافي في مواجهة مانشستر يونايتد قبل 3 مواسم وقتما كان مدربا لـ سيلتا فيجو حتى يمر إلى نهائي الدوري الأوروبي، والذي أشهر سلاحا إسطنبوليًا في وجه ليفربول بدوري أبطال أوروبا للموسم الماضي عندما قلب إشبيلية تأخره 0-3 بنهاية الشوط الأول إلى تعادل 3-3 بنهاية المباراة، مضى ليقهر السرطان الذي أصابه حينها، ولكنه لم يقدر على ترك أي ذكرى سعيدة في إقليم الباسك.
المُنجد البديل هو جايزكا جاريتانو مدرب الفريق الرديف، تولى المهمة وفي أول مباراة له بالدوري الإسباني أمام جيرونا، اصطدم بحائط باسكي يُدعى جوركا إرايزوز.
إرايزوز القائد السابق لـ بلباو، حمى عرين جيرونا في تلك الأمسية الباردة من شهر ديسمبر الماضي بسبب إصابة المغربي ياسين بونو، ولكنه أظهر جودة أعلى بكثير من تلك التي أظهرها في أيامه الأخيرة كحارس لـ بلباو وقتما طالب الجميع برحيله بعد أن تآكلت أصابعه هرما.
الحارس الباسكي فارع الطول، وقف بكل أطرافه في وجه تسديدات أصدقائه وأقاربه الذين يشاركونه نفس الدماء الباسكية، حتى سقط في الوقت المبدد بفعل ركلة جزاء على طريقة بانينكا من تنفيذ أريتز أدوريز.
على ذكر المخضرم أدوريز، فهل يمكن استيعاب أنه الهداف الأفضل لـ بلباو في عام 2018 برصيد 12 هدفا فقط؟ رقم كفيل بتلخيص الكثير من معاناة الفريق الهجومية دون الحاجة إلى سرد طويل.
المدرب الجديد جاريتانو خرج متعادلا في مباراته الثانية أمام ديبورتيفو ألافيس بعد أسبوع، قبل أن تحل المباراة الختامية للعام 2018 أمام بلد الوليد في 22 ديسمبر على ملعب سان ماميس.
مجددا انبرى أدوريز لتنفيذ ركلة جزاء جديدة، أثار بها جنون مواقع التواصل الاجتماعي التي تدافع مرتادوها إلى تناقل اللقطة الغريبة للاعب يسدد ركلة جزاء دون أن يأخذ أي خطوة إلى الوراء.
فريق بلباو وقتها تميّز تحت قيادة المدرب الشاب خافيير كليمنتي بالصلابة والعنف والاندفاع، صفات لا تنطبق كثيرا على الأسلوب الاعتيادي لممارسة كرة القدم في إسبانيا.
*خافيير كليمنتي مدرب بلباو في الثمانينيات*
هذا الأسلوب في لعب كرة القدم بات العلامة المميزة لـ بلباو، سيتفوقون في المباريات وقتما يقهرونك في كل جنبات الملعب ويقتلون العزيمة في داخلك بتدخلاتهم الصارمة وركضهم الذي لا ينتهي.
بالطبع لو عرف لاعبو بلباو أن كأس ملك إسبانيا سيكون لقبهم الأخير لفترة طويلة جدا لا يقدرون على استيعابها، لتفرّغوا للاحتفال بها بشكل أكثر أناقة من تمزيق ملابس مارادونا في تلك الأمسية.
بلباو وفي عقد التسعينيات اختبر تجربة لم يعرفها سابقا مطلقا، لم يفز بأي بطولة، وضع استمر في العقد الأول من الألفية الجديدة.
في 2005\2006، بعد عقدين من السيطرة على إسبانيا، عاد المدرب كليمنتي للإشراف على تدريب بلباو، بمهمة عكسية هذه المرة، ليس للمنافسة على الدوري، بل لانتشاله من المركز الأخير في الدوري الإسباني.
كليمنتي أتم حينها مهمته بنجاح، ليضمن بلباو البقاء بفوزه على ديبورتيفو لاكرونيا في الجولة قبل الأخيرة، ويرحل كليمنتي بعد أن أدى رسالته.
إلا أن الكوابيس لم تتوقف، وعاد بلباو في الموسم الثاني ليختبر نتائج كارثية وضعته في دائرة الخطر أغلب الوقت، قبل أن يضمن البقاء في الجولة الأخيرة بفوزه على ليفانتي، بعد أن حبس أنفاس جماهيره في الموسم الأسوأ بتاريخ الفريق.
اللافت أن كليمنتي الذي غامر بتاريخه عند تولي مهمة فريق على وشك الهبوط في موسم 2005\2006، لم يجد مشكلة مؤخرا في تكرار الأمر.
كليمنتي خرج بتصريحات قبل عدة أسابيع بعد أن أقالت الإدارة بيريتزو وعيّنت جاريتانو، منتقدا القرار ومستفسرا عن سبب عدم استعانتهم به ليحضر ويكرر ما فعله قبل أكثر من 10 سنوات.
ثورة بييلسا
في 2011 حضر الأرجنتيني مارسيلو بييلسا لتدريب الفريق، وأحدث ثورة في النادي الباسكي الذي عاد ليظهر بشكل مؤثر في البطولات الأوروبية.
بلباو هزم حينها مانشستر يونايتد ذهابا وإيابا في الدوري الأوروبي، ووصل لنهائي المسابقة للمرة الثانية في تاريخه، قبل أن يخسر بثلاثية أمام أتليتكو مدريد.
وعندما رحل بييلسا في 2013، جاء النبأ السعيد لـ بلباو: إرنستو فالفيردي.
في برشلونة قد يتعجّب البعض من قرارات فالفيردي، تفضيله إشراك رافينيا على الدفع بـ عثمان ديمبيلي في غياب ليو ميسي، أو اعتماده شبه الدائم على سيرجي روبيرتو كظهير أيمن وليس نيلسون سيميدو، أو نجاح لاعبين على شاكلة باولينيو تحت قيادته.
باولينيو اللاعب الذي لم يضاهي أغلب لاعبي خط الوسط الذين مروا على برشلونة في السنوات الأخيرة بالقدرات الفنية والمهارية، كان لاعبا مثاليا لـ فالفيردي الذي يلعب كرة القدم على الطريقة الباسكية.
جماهير برشلونة يخرج فريقها منتصرا من المباريات بفارق هدف أو دون عرض أخّاذ، ويبدأون على الفور في الشكوى من أسلوب فالفيردي المتحفظ والجامد.. هذا لم يكن الحال في بلباو أبدا مع فالفيردي.
فالفيردي مدرب مثالي للفريق الباسكي، تحت قيادته حقق بلباو اللقب الوحيد في القرن 21 بقهر برشلونة في كأس السوبر 2015 وحرمانه من تحقيق السداسية الثانية في تاريخه.
سنوات فالفيردي الأربع مع بلباو كانت تجسيدا مثاليا للكيفية التي يجب أن يلعب بها الأسود، صحيح لم يقدروا على الوصول لمستوى أتليتكو مدريد تحت قيادة سيميوني والبدء في مناطحة الكبيرين، ولكنهم تواجدوا في حزمة فرق المقدمة بشكل دائم وعكفوا على الظهور في الدوري الأوروبي، قبل أن يحدث الانهيار برحيل فالفيردي.
مع انتقال فالفيردي إلى تدريب برشلونة، قام رئيس بلباو حينها، جوسو أوروتيا، بتصعيد كوكو زيجاندا مدرب الفريق الرديف لتولي تدريب بلباو في الموسم الماضي.
أوروتيا كان صديقا لـ زيجاندا منذ سنوات طويلة، إذ تزاملا معا في أتليتك بلباو خلال عقد التسعينيات، وهذا على الأرجح ما دفعه للإبقاء عليه حتى نهاية الموسم دون إقالته رغم انحدار مستوى الفريق بشكل لافت خلال 2017\2018.
بلباو أنهى الموسم الماضي في المركز 16 –ثاني أسوأ مركز في تاريخه-، وكان هذا إنذارا واضحا باقتراب الخطر.
إدارة أوروتيا تحرّكت لمحاولة لملمة ما بُعثِر، فأقدمت على أكثر سوق انتقالات صيفية نشط منذ سنوات. بلباو امتلك 145 مليون يورو صافية نظير انتقال أيمريك لابورت إلى مانشستر سيتي وكيبا أريزابالاجا إلى تشيلسي، صرف منها 32 مليون يورو بالفعل لتعويض لابورت بـ إينيجو مارتينيز في السوق الشتوية لعام 2018.
رغم ذلك، اكتفى بلباو باستقدام داني جارسيا من أيبار في صفقة انتقال حر، وأندر كابا من أيبار كذلك، وهي صفقة كانت محسومة بالفعل قبل حضور اللاعب بعام كامل، مع إحضار الروماني كريستيان جانيا، ويوري بيرتشيتشي من باريس سان جيرمان.
أما النتيجة فتعرفونها، نتائج كارثية في الدور الأول للموسم الحالي، وخروج وشيك من كأس ملك إسبانيا بعد الهزيمة في سان ماميس ذهابا بثلاثة أهداف مقابل هدف أمام إشبيلية.
هل حان الوقت لتغيير السياسة الباسكية المتعسفة؟
في نهاية القرن 19، كانت مدينة بلباو ميناءً مهما ومنطقة صناعية نشطة مستفيدة من مناجم الحديد التي انتشرت فيها، بل كانت محورا للاقتصاد الإسباني بشكل عام، واجتذبت قدرا كبيرا من العمالة الأجنبية، خصوصا عمال المناجم والموانئ الإنجليز.
في المقابل عكفت الأسر الثرية في بلباو على إرسال أبنائها للدراسة في إنجلترا، فعادوا متطبعين بالثقافة البريطانية، ومسحورين بلعبة كرة القدم.
لاحقا وفي 1898، قام الإنجليز والمتطبعين بثقافتهم في مدينة بلباو بإنشاء نادٍ لكرة القدم، وهو المعروف الآن باسم أتليتك بلباو، وعلى الرغم من أن النادي يحمل اسما إنجليزيا وليس إسبانيا، إلا أنه أقل الأندية –في العالم على الأرجح- فتحا لأبوابه أمام الأجانب.
في 1912، بدأ النادي الالتزام بقانون غير مكتوب، يقضي بالاعتماد فقط على لاعبين باسكيين، سعيا لإعلاء القومية الباسكية ضمن مساعي الإقليم للانفصال عن إسبانيا.. قرار لم تتراجع عنه أي إدارة مرت على بلباو طوال أكثر من 100 عام تالية.
ماذا يعني الباسك؟
الباسك أو "إيوسكادي" هي منطقة ذاتية الحكم في شمال شرق المملكة الإسبانية، يتحدث أهلها اللغة الباسكية، ولا ينتمون حقا لـ إسبانيا، حتى أن ماركل سوسياتا –القائد الحالي لـ بلباو- وعندما انضم ذات مرة لمنتخب إسبانيا قبل 7 سنوات، قلل من الأمر خلال حديثه إلى الصحفيين ورفض حتى ذكر كلمة إسبانيا، الأمر الذي فتح النيران عليه من الصحافة الإسبانية وعجّل بإنهاء مسيرته الدولية، إذ لم يُستدع مجددا.
وعندما يطالب الباسكيون بالانفصال، فإنهم لا ينشدون ذلك لإقليم الباسك وحده، بل كذلك إقليم نافاري الذي يقع غربهم، والذي يتحدث سكانه الباسكية، ويشتهر كرويا من خلال نادي أوساسونا، ولذا من المعتاد أن نرى لاعبين من نافاري في بلباو، مثل راؤول جارسيا اللاعب السابق لـ أتليتكو مدريد على سبيل المثال.
أما الجزء الجغرافي الثالث الذي يندرج تحت المطالبات الباسكية الانفصالية، فهو الباسك الفرنسي، والذي يقع في الجنوب الغربي لـ فرنسا، وهو الجزء المتاخم لـ إسبانيا، الأمر الذي سمح بظهور لاعبين فرنسيين من تلك المنطقة في صفوف بلباو مثل بيكسينت ليزارازو وأيمريك لابورت.
هذه السياسة في الاعتماد على لاعبين باسكيين فقط، تنطبق على كل المراحل العمرية في صفوف النادي، بالإضافة إلى فريق السيدات.
ريال سوسيداد القطب الآخر في إقليم الباسك، طبّق سياسة مماثلة منذ نهاية الستينيات، ونجح رغم ذلك في الفوز بلقبي الدوري الوحيدين في تاريخه عامي 1981 و1982، إلا أنه لم يصمد كثيرا وتخلى عن مبادئه، فوقّع مع الأيرلندي جون ألدريدج عام 1989 ليبدأ التعويل على لاعبين أجانب، قبل أن يوقّع مع أول لاعب إسباني غير باسكي عام 2002 باستقدام بوريس من ريال أوفيدو، هذا الأمر لم يدفع سوسيداد إلى انفتاح كامل، بل يولي النادي اهتماما شديدا بلاعبيه المحليين حتى اليوم، إذ تضم قائمته الحالية 12 لاعبا باسكيًا من أبناء الفريق.
شروط الصلاحية
حتى تكون صالحا للعب بقميص بلباو، ليس من الضروري أن تكون مولودا في الإقليم الباسكي، فـ كريستيان جانيا اللاعب الحالي للفريق مولود في رومانيا، إلا أنه هاجر في طفولته رفقة عائلته إلى إقليم الباسك، ومارس كرة القدم في عدة أندية باسكية، وهذا أكسبه هوية باسكية سمحت لـ بلباو بالتوقيع معه.
ممارسة كرة القدم خلال الطفولة والمراهقة في أندية باسكية حتى وإن لم تكن مولودا في إقليم الباسك، كفيل بجعلك متاحا لتمثيل أتليتك بلباو، ولكن ليس في كل الحالات.
فهذه القاعدة لا تنطبق مثلا على أنطوان جريزمان الذي حضر إلى إقليم الباسك وقتما بلغ 14 عاما ليلعب في ناشئي ريال سوسيداد، لأنه انتقل إلى إقليم الباسك بغرض ممارسة كرة القدم وليس لأسباب اجتماعية، مما لا يجعله مواطنا باسكيًا إلى درجة كبيرة.
بخلاف إنريك سابوريت اللاعب السابق لـ بلباو، الذي وعلى الرغم من ولادته في كتالونيا، فإنه كان لائقا لتمثيل الفريق الباسكي بسبب انتقاله للعيش في الباسك بعمر الـ16 مع والدته التي اقتضت ظروف عملها الانتقال إلى الإقليم الشمالي، وهذا يعد سببا اجتماعيًا وليس كرويًا.
في 2011، ظهر أول لاعب ذو بشرة سوداء في الفريق الأول، عندما شارك جوناس رامالو المولود في الباسك لأب أنجولي، قبل أن يتبعه إينياكي ويليامس اللاعب الحالي للفريق والذي وُلد في الباسك لأب وأم ليبيريين.
اللاعب الحالي يوري بيرتشيتشي بدوره، مولود في الباسك لأب جزائري، وسبق له تمثيل منتخب الباسك في 4 مباريات.
خيارات محدودة
هذا الاكتفاء بلاعبين باسكيين، يحد جدا من خيارات بلباو، فنجدهم يعتمدون في الأساس على أبناء النادي، مما دفع الإدارة لعدم إبرام أي تعاقد في الفترة ما بين 2015 و2018.
لكن هل يحتاج بلباو حقا لتوسيع دائرة اختياره وهجر قانون يمثّل عقيدة وهوية؟ ربما عدم هبوطه حتى اليوم مثل أندية إسبانية أخرى كبيرة، يجعل الإجابة "لا" على السؤال السابق، قناعة قد تتغير إن هبط بلباو وفقد واحدا من مصادر فخره القليلة المتبقية في زمن غياب الألقاب.
والحقيقة أن إنتاجية إقليم الباسك الكروية لم تكن أزمة في سابق السنوات كما هي الآن، فيمكن ملاحظة سيل من المواهب الباسكية في عقد الثمانينيات، الأمر الذي مكّن سوسيداد وبلباو من السيطرة على لقب الدوري الإسباني لـ4 مواسم متتالية.
أما نادي برشلونة وحتى يصنع فريق الأحلام مطلع التسعينيات بقيادة يوهان كرويف، فقد لجأ إلى استقدام العديد من الباسكيين، مثل أندوني زوبيزاريتا، خوسيه ماري باكيرو، خوليو ساليناس، خوسيه رامون أليكسانكو، أيتور بيجيرستاين، لوبيز ريكارتي، جون أندوني جويكوتشيا.
وعلى قلتهم، إلا أن اللاعبين الباسكيين يمثلون مصدر قوة لـ بلباو، فتميزهم في الأسلوب عن بقية اللاعبين الإسبان يعطي لـ بلباو طابعا كرويا خاصا، اللاعب الباسكي يتمتع بكثير من الطاقة في الملعب، والبيئة الباردة التي تميّزهم عن بقية الأقاليم الإسبانية تعطيهم مزيدا من الجلد والشدة والشراسة.
الباسكيون أوفياء كذلك، يميلون إلى قضاء سنوات طويلة من مسيرتهم في بلباو، ورفض عروض مغرية قد تعظّم من قيمتهم الكروية، وجولين جيريرو نجم الفريق في التسعينيات خير مثال على ذلك، إذ قرر الاستمرار مع بلباو ورفض عرض مانشستر يونايتد بطل أوروبا.
ومؤخرا قام إيكر مونياين نجم بلباو الحالي بتجديد تعاقده حتى 2024 دون وجود شرط جزائي في عقده يسمح له بالرحيل، وهي الوسيلة الوحيدة لرحيل نجوم الفريق في السنوات السابقة.
تثمين إدارة بلباو للاعب المعمّر في فريقها، دفعها إلى استحداث جائزة "رجل النادي الواحد" قبل 4 سنوات، وهي جائزة تقدّم إلى لاعبين قضوا مسيرتهم الاحترافية بأكملها في نادٍ واحد.
الجائزة تُمنَح سنويا بين شوطي إحدى المباريات المقامة على ملعب سان ماميس، ويقدّمها خوسيه أنخيل إريبار الحارس التاريخي لـ بلباو وأكثر من ارتدى قميصه على الإطلاق، ويصحبه أصغر طفل في أكاديمية أتليتك بلباو.
الفائزون السابقون بالجائزة كانوا كارلس بويول، مات لو تيسييه، سيب ماير، باولو مالديني.
اللاعب الباسكي عزيز وعملة نادرة، ولذا لا يفرّط بلباو في لاعبيه بسهولة لأنه لا يضمن إمكانية تعويضهم بسبب ضيق دائرة الاختيار.
هذا دفع الإدارة للقتال على إبقاء خافي مارتينيز ومنعه من الانتقال إلى بايرن ميونيخ عام 2012، قبل أن تسدد إدارة النادي الألماني الشرط الجزائي البالغ 40 مليون يورو، وتقتلع مارتينيز رغما عن ناديه.
الصفقة أثارت سخطا كبيرا في بلباو، حتى أن مارتينيز اضطر إلى التسلل ليلا إلى مقر تدريب بلباو بعد أيام من انتقاله إلى بايرن، ليأخذ متعلقاته الشخصية، دون أن يتوجب عليه مقابلة أيٍ من زملائه أو إداريين النادي.
أما فيرناندو يورنتي الذي كان مهاجما دوليا وبطلا مع إسبانيا لمونديال 2010 ويور 2012، فقد بحث عن الخروج من بلباو وخوض تجربة في مستوى أعلى، ليرفض تجديد عقده مع النادي والذي كان ينتهي في صيف 2013، ويرحل مجانا إلى يوفنتوس.
إدارة بلباو السابقة برئاسة أوروتيا لم تنس أبدا هذه الفعلة، وأوروتيا صرّح علنا حتى وقت قريب قبل رحيله، أن يورنتي لن يعود إلى بلباو بسبب الطريقة التي رحل بها قبل سنوات.
هذا الأسلوب الذي اتبعه يورنتي لم ينهجه كيبا أريزابالاجا، الذي امتلك عقدا مع بلباو ينتهي في صيف 2018 بشرط جزائي بسيط، ليجدد عقده ويرفع الشرط الجزائي إلى 80 مليون يورو، ويرحل بعد أسابيع إلى تشيلسي بمبلغ قياسي، منعشا خزينة فريقه.
تحديات الإدارة الجديدة
في ديسمبر انتهت ولاية الرئيس السابق جوسو أوروتيا، وعوّضه أيتور إليزيجي الذي حضر ليجد الفريق في أسوأ وضعية ممكنة.
إليزيجي عيّن رافا ألكورتا اللاعب السابق لبلباو والذي قضى بعض الوقت في ريال مدريد خلال التسعينيات، ليكون مديرا رياضيا مسؤولا عن التعاقدات.
بلباو سيحتاج إلى الاستنجاد في سوق الانتقالات الشتوية الحالية بلاعبيه السابقين حتى يتجنب فاجعة الهبوط قبل فوات الأوان، وأولى الصفقات التي تمت بالفعل، هو إيباي جوميز الذي عاد لـ بلباو بعد سنوات رائعة بقميص ديبورتيفو ألافيس.
كما صار الباب مفتوحا أمام يورنتي حتى يغادر توتنام ويعود إلى بلباو، مستغلا رحيل الرئيس السابق أوروتيا.
يورنتي لا يشارك كثيرا مع توتنام ويبلغ 33 عاما، وسيكون صفقة إلزامية لـ بلباو في سوق الانتقالات الشتوية مع حقيقة امتلاك مهاجم صريح وحيد، هو المخضرم أريتز أدوريز صاحب الـ37 عاما والذي لم يعد قادرا على تحمُل مسؤولية خط الهجوم.
الخيار الآخر الحالي في خط الهجوم هو إينياكي ويليامس الذي يلعب كجناح في الأساس وتتم الاستعانة به اضطراريا كمهاجم في غياب أدوريز، ولكنه ليس أفضل بديل ممكن مع حقيقة أنه لم يسجل على ملعب سان ماميس منذ عامين، إذ سجل كل أهدافه الـ15 المحلية السابقة بعيدا عن ملعب فريقه.
إدارة بلباو قد لا تكتفي بذلك، بل ستبذل كل ما تملك لإعادة خافي مارتينيز الذي لا يشارك باستمرارية مع بايرن ميونيخ هذا الموسم.
والأمر نفسه ينطبق على أندير هيريرا لاعب مانشستر يونايتد الذي ينتهي عقده مع الشياطين الحمر بنهاية الموسم الجاري.
قبل 18 قرنا من الزمان، أفلت سان ماميس من أنياب الأسد بمعجزة، وفي 2019 سيحتاج أتباعه إلى معجزة مشابهة لتجنب الهبوط.. فهل ولّى زمن المعجزات؟
اقرأ أيضا:
لاسارتي: جاهزون لمواجهة فيتا.. وأشرف بنفسي على برنامج عودة المصابين
إكرامي: نرغب في توجيه رسائل قوية لمنافسينا.. وعدد الجماهير ليس كافيا ضد فيتا
مصدر من الكاف لـ في الجول: الـVAR ربما يكون حاضرا في أمم إفريقيا 2019
صلاح: هدف نابولي الأهم في ديسمبر.. وماني استحق كذلك أن يكون الأفضل في إفريقيا
يجتمع من جديد مع هنري.. رسميا – فابريجاس إلى موناكو