"هناك دول في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم تتمنى لو أن إسرائيل لم تكن! وأن تنتهي سيادة اليهود على أرضهم" أليكساندر ريفشين المتحدث باسم المجلس التنفيذي ليهود أستراليا.
في فيديو رسمي يستعرض تاريخ كأس آسيا قبل أيام من انطلاقها في أستراليا.. كانت نسخة 1964 مفقودة!
وهو ما أثار حفيظة ريفشين وجماعته ليشير في كلامه مع صحيفة جارديان الأسترالية إلى صراع متأصل منذ عقود.
نسخة 1964 من البطولة أقيمت في القدس.. وتوج بها منتخب إسرائيل..
فريق من المؤسسين لاتحاد آسيا في 1954.. الاتحاد الذي قام بعد 20 عاما من ذلك التاريخ بطرد إسرائيل..
15 سبتمبر 1974
قبل سنوات من ثورة إيران التي أطاحت بملك الشاه محمد رضا بهلوي ونصبت روح الله الخميني زعيما لبلاد فارس، كان الأول من أشد الداعمين والمؤيدين لإسرائيل.. في ظل دعمه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية..
لكن هذا لم يمنع الاتحاد الإيراني لكرة القدم من التصويت لصالح قرار طرد إسرائيل.. وهو ما كشفه لاحقا أحمد السعدون.. صاحب المبادرة التي أزاحت إسرائيل من طريق الكرة العربية لتصارع كتفا بكتف القوى الشرقية في القارة..
صدر القرار خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد..في طهران..
مشروع القرار الذي تبنته الكويت وسعى خلفه لسنوات أحمد السعدون رئيس اتحاد الكرة في البلاد، طرح للتصويت خلال اجتماع المجلس التنفيذي لاتحاد آسيا في 15 سبتمبر 1974.
ورغم أن عدد الاتحادات العربية لكرة القدم التابعة لاتحاد آسيا في ذلك الوقت لم يتجاوز 9 من أصل 36، إلا أن غالبية دول آسيا لم ترغب في استمرار إسرائيل..
17 دولة صوتت لصالح القرار و13 رفضته، و6 اتحادات امتنعت عن التصويت. لم يكن العرب وحدهم الراغبين في إقصاء ذلك الفريق الذي يمثل دولة محتلة..
صوتت إيران لصالح القرار.. بعد 20 عاما من مساندة الشاه لإسرائيل لكي ينضم فريقها إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم..
1964.. العام الموعود
في ظل غياب تام للعرب عن منافسات كرة القدم الآسيوية كان الطريق معبدا أمام الفريق الإسرائيلي للمشاركة في كأس آسيا. ونظرا لأن الأرض التي يمثلها تقع في أقصى غرب القارة فكان مفترضا أن يواجه جيرانه في التصفيات ليحجز مكانه في نهائيات البطولة.
في 1956 لم تلعب إسرائيل أي مباراة في التصفيات.. تأهلت للمشاركة في أول نسخة من كأس آسيا.. نظمت هونج كونج البطولة المكونة من 4 منتخبات.. توجت كوريا الجنوبية وجاءت إسرائيل خلفها في مركز الوصافة.
استمر غياب العرب.. واستمر تصاعد الفريق الإسرائيلي كقوة لا يستهان بها في القارة.. تأهل للنسخة الثانية في 1960 على حساب إيران وباكستان والهند.. وجاء وصيفا مرة أخرى للمنظمة كوريا الجنوبية.
ونجحت إسرائيل بعد 4 سنوات أن تجعل الأرض التي تحتلها قبلة لفرق القارة.. استضافت القدس ورمات غان وحيفا ويافا النسخة الثالثة من الكأس الآسيوية.. فاز الفريق المحلي على هونج كونج ثم الهند.
وفي 3 يونيو 1964 رفع الكأس بعد الانتصار على كوريا الجنوبية.. في ملعب رامات غان.. الملعب الذي استضاف مباراة فلسطين ومصر في تصفيات كأس العالم منذ 3 عقود!
ظن الإسرائيليون أنهم نصبوا هيكل سليمان وعرشه على قارة آسيا بعد سنوات قليلة من تأسيس دولتهم.. لكن.. في 28 أغسطس من نفس العام قبل اتحاد آسيا عضوية منتخبات جديدة منها فريقين عربين.. الكويت ولبنان.. وهنا بدأ الصراع الذي كان يلوح في الأفق انتقاله من أروقة الأمم المتحدة إلى ملاعب كرة القدم.. وهو ما مهد بعد ذلك لدخول منتخب إسرائيل التيه لما يقرب من 20 عاما..
تصفيات كأس آسيا كانت تقسم دول القارة وفقا لموقعها الجغرافي، فأهل الشرق يتواجهون ودول الغرب يتنافسون للظفر بمقعد في نهائيات البطولة.
رفضت الكويت منازلة إسرائيل.. وكذلك فعلت أفغانستان.. ولأن إيران تأهلت مباشرة باعتبارها منظم البطولة في 1968.. وجدت إسرائيل نفسها، مرة أخرى، تشارك في البطولة دون أن تلعب ولو مباراة في التصفيات!
في تلك الفترة واجهت الفرق العربية أزمة حقيقية بسبب إسرائيل.. رفضت المنتخبات والأندية تماما مواجهة أي فريق إسرائيلي ينتمي لحكومة قامت على استيلاء الأرض وتشريد الملايين.. ومنذ سنوات قليلة أراقت مزيدا من الدماء باحتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان..
رفض نادي هومنتمن اللبناني مواجهة هبوعيل تل أبيب في نصف نهائي دوري الأبطال عام 1970.. انسحب فريق الشرطة العراقي من نهائي النسخة التالية للبطولة لرفضه اللعب ضد مكابي تل أبيب..
وجد العرب أنفسهم يتركون الساحة لإسرائيل.. لا يحركون ساكنا وما بيدهم حيلة سوى مغادرة الميدان.. لأن نزال الإسرائيليين بمثابة اعتراف ضمني بهم..
ولم يكن الضرر مقتصرا على العرب.. دول أخرى كانت ترفض الاعتراف بإسرائيل.. منها كوريا الشمالية.. والتي رفضت اللعب في إسرائيل لتنسحب من تصفيات كأس العالم 1970.. وتجد الأخيرة نفسها لأول مرة تشارك في المونديال بعد الفوز على نيوزيلندا وأستراليا..
فريق كوريا الشمالية القوي الذي أطاح بإيطاليا في مونديال 1966.. كانت لديه فرصة كبيرة لمشاركة عالمية ثانية على التوالي لولا إسرائيل!
وكانت أزمة جديدة قادمة.. كأس آسيا 1972 ستقام في إسرائيل!
أحمد السعدون
صاحب الفضل الأول في طرد إسرائيل هو أحمد السعدون.. الرئيس السابق لمجلس الأمة الكويتي..
مع توليه رئاسة الاتحاد الكويتي لكرة القدم في 1967 أدرك أنه لابد من إجماع واتحاد وترابط بين الدول العربية لكي ينتهي وجود إسرائيل تماما في ملاعب كرة القدم الآسيوية.
سعى بشدة لزيادة الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الآسيوي، كان شعاره "علينا إزاحة الكيان الصهيوني" مستغلا بلوغ العداء ذروته بين أمة الضاد وإسرائيل في نهاية الستينات.
طاف وجال أرجاء الوطن العربي محفزا جيرانه للانضمام إلى اتحاد آسيا.. لن نترك الساحة لإسرائيل لتحرمنا لعب كرة القدم..
انضمت البحرين في 1969 والعراق والأردن وسوريا في 1970 والسعودية في 1972 وقطر والإمارات في 1974.
ومع رئاسة الماليزي تونكو عبد الرحمن لاتحاد آسيا كان الوقت مناسبا جدا لإقصاء إسرائيل..
كان السعدون واثقا من تمرير مشروع قرار طرد إسرائيل للتصويت عليه من قبل أعضاء الاتحاد الآسيوي..فتونكو، القائد السابق للمنظمة الوطنية الملايوية التي قاومت الاستعمار البريطاني للحصول على استقلال ماليزيا وأول أمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي والحاصل في 1983 على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، بالتأكيد ليس مرحبا بوجود فريق شعاره نجمة داوود والشمعدان السباعي..
حصار
كأس آسيا 1972.. بدأ العرب يضيقون الخناق على إسرائيل.
حاولت الوصول إلى كواليس قرار إسرائيل بالتراجع والانسحاب عن استضافة كأس آسيا 1972 وفشلت.. الأرجح أن الضغوط زادت عليها من قبل دول آسيا.. خاصة مع تأهل العراق والكويت إلى البطولة..
وربما لانشغالها بحماية الأرض التي اغتصبتها منذ سنوات.. خاصة أن لاعبي منتخب إسرائيل في ذلك الوقت لم يكونوا متفرغين للعب كرة القدم وإنما لكل منهم حرفة ومهنة خاصة..
حكى لوكالة رويترز أماتسيا ليفكوفيتش لاعب إسرائيل آنذاك "كان الجمهور فخورا جدا بما حققناه، لكن في ذلك الوقت لم تكن كرة القدم مهمة جدا لانشغالنا الدائم بالحروب. في حياتي مررت بسبعة حروب. لازلنا لا نعلم إن كانت هناك حربا أخرى قادمة!".
نقلت البطولة إلى تايلاند وفازت بها إيران.. وبعد سنتين انتهى وجود إسرائيل في اتحاد آسيا إلى الأبد..
ظل الفريق الإسرائيلي مشتتا لسنوات.. بالكاد يتجمع لاعبوه لخوض مباراة.. إلى أن انضم للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في 1994.
فلسطين
في أرشيف الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم يزعمون أن أول مباراة دولية رسمية في تاريخ المنتخب كانت في القاهرة.. أمام مصر في تصفيات مونديال إيطاليا 34.
مستندين إلى أن معظم لاعبي هذا الفريق كانوا يهودا هاجروا من ألمانيا إلى الأرض المقدسة..(طالع القصة)
ويقول الفلسطينيون إن منتخبهم تأسس في 1928 وشارك في تصفيات كأس العالم الثانية وخسر أمام الفراعنة..
ويسمي الاتحاد الدولي لكرة القدم في أرشيفه ذلك الفريق بـ"الولاية البريطانية بفلسطين".
خلال سنوات مشاركة إسرائيل في بطولات آسيا كان فريق فلسطين مكونا من نازحين.. قاوموا المعاناة للعب كرة القدم.. نافسوا في كأس العرب 1966 ببغداد.. وكانت أندية الضفة الغربية تشارك في دوري الأردن..
قبل أن يتوقف النشاط الكروي تماما من 1967 إلى 1973.. الفترة التي سيطرت فيها إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة ولم تكن ثمة أرضا ترعى الفلسطينيين..
بعد سنوات.. وفي العام 1998 انتظمت المسابقة المحلية في فلسطين وعاد الفريق الوطني والأندية للمشاركة في المنافسات العربية.. وحصلت فلسطين رسميا على عضوية في الاتحاد الدولي لكرة القدم..
ومنذ 4 سنوات شاركت فلسطين لأول مرة في كأس آسيا..
وها هي تقارع دول القارة في الإمارات..