كتب : زكي السعيد
فقط ركلات الجزاء الترجيحية كانت ما وقف في وجه نيولز أولد بويز في نهائي كوبا ليبرتادوريس 1992 أمام ساوباولو.
الفريق الأرجنتيني ضم أسماء على شاكلة ماوريسيو بوكيتينو، تاتا مارتينو، إدواردو بيريزو. أما مدربهم، فكان شابا في السابعة والثلاثين من عمره يعيش عامه الثاني فقط في عالم التدريب.. يُدعى مارسيلو بييلسا.
الرجل الأرجنتيني تدرّج وتنقّل في الوظائف بالسنوات التالية، وصولا لتولي تدريب منتخب بلاده الوطني عام 1998، قبل أن تنتهي رحلته مع راقصي التانجو في عام 2004 الذي شهد خسارته نهائيا جديدا بركلات الجزاء الترجيحية، كوبا أمريكا هذه المرة، في مواجهة الغريم التاريخي: البرازيل.
بعيدا جدا، في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وفي عام 1992 الذي شهد خسارة نيولز أولد بويز النهائي القاري القاسي، فاز ليدز يونايتد بالدوري الإنجليزي للمرة الثالثة والأخيرة في تاريخه.
لاحقا، وبينما شاهد بييلسا هدف البرازيلي أدريانو بكثير من المرارة في صيف 2004، وبعيدا جدا، في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، قضت جماهير ليدز يونايتد ساعات طويلة من البكاء بعد هبوط فريقها لدوري القسم الثاني الإنجليزي، هبوط لم يعقبه صعود، لأن الفريق فشل في كل محاولات العودة طوال 14 عاما.
في صيف 1996، كان بييلسا قريبا من مدينة ليدز أكثر من أي وقت مضى عندما حضر بعضا من مباريات كأس الأمم الأوروبية التي أقيمت على أرض إنجلترا، ولكنه لن يرتبط فعليا بـ ليدز سوى بعد 22 عاما.
15 يونيو 2018، بييلسا تولى رسميا مهمة تدريب ليدز يونايتد في دوري القسم الثاني الإنجليزي، فريق حقق نجاحات أوروبية في مطلع الألفية، قبل أن يهوى في هوة عميقة لم يقدر على الهروب منها.
أما بييلسا، فلم يكن في أفضل سنواته التدريبية، 13 مباراة فقط كمدرب لـ ليل، وقبلها يومين فقط كمدرب لـ لاتسيو، حدث ذلك بعد رحيله عن أوليمبيك مرسيليا بعد مباراة واحدة من موسمه الثاني.
في الواقع، تجربة مرسيليا كانت قريبة للغاية من إنعاش النادي الجنوبي وإحياء مسيرة بييلسا، الفريق تصدر الدوري الفرنسي أغلب فترات الدور الأول لموسم 2014\2015، وطبّق بييلسا طريقته الشهيرة 3-3-3-1 مستخدما مدافعين ولاعبي وسط محدودي الإمكانيات مثل نيكولاس نكولو، جيريمي موريل، برايس دجادجيه، أليكسيس رومانو، جيانيلي إمبولا، ماريو ليمينا؛ قبل أن ينهار الفريق ويتلقى عدة هزائم متتالية دفعته نحو سقوط عمودي نحو المركز الرابع.
*لاحظ الخط البياني لـ مرسيليا باللون الأصفر*
مع بلباو في موسمين ترك بييلسا ذكريات جميلة مع أسود الباسك، قضى أيامه في الإقليم الشمالي البارد منشغلا بمطالعة كل ما يقع تحت يده من جرائد ومجلات كروية في الساعات الأولى من كل صباح، بحثًا عن أفكار تنعش رأسه الكروي.
بلباو حقق وقتها فوزا أوروبيا شهيرا على مانشستر يونايتد في أولد ترافورد، ولعب نهائي الدوري الأوروبي ونهائي كأس ملك إسبانيا موسم 2012، ولكن كالعادة، المباريات النهائية ليست لُعبة بييلسا المفضلة.
في صيف 2018، كان بييلسا في أمسّ الحاجة إلى تجرُبة تخرجه من دور المُلهِم ذو الأفكار الثورية التي انحصر فيها على أوراق الكتّاب، ليعود إلى أرض الواقع ويحقق إنجازا ملموسا يدلل على قدراته العقلية العظيمة كمدرب.
وليدز في المقابل، بحث عن منقذ عابر ينتشله من غيابة جب دوري القسم الثاني الإنجليزي.
الآن بعد عدة أشهر على هذا التعيين، يحتل ليدز صدارة المسابقة، هو الفريق الأكثر تسجيلا للأهداف، وثاني أقل الفرق تلقيا لها، وبالطبع يمكنكم استنتاج الإحصائية الإيجابية المتبقية والتي يتفوق فيها ليدز على كل فرق البطولة: الاستحواذ، بمعدّل 63%.
ليدز يحتاج إلى الحفاظ على صدارته في الجولة المقبلة، حتى يصل إلى فترة الأعياد في صدارة الترتيب للمرة الأولى منذ هبوطه عام 2004، مؤشر قوي على اقتراب رؤية ليدز في الدوري الإنجليزي الممتاز مجددا.
الرجل المهووس بقياس طول عشب ملاعب التدريب، هو الأعلى تقاضيا للأجر في تاريخ النادي الإنجليزي، وهو الذي عنّف لاعبيه بشكل شرس في غرفة خلع الملابس بعد مباراة شيفيلد يونايتد التي خسر فيها أفراده الاستحواذ لصالح الخصم للمرة الوحيدة هذا الموسم، على الرغم من خروج ليدز فائزا 1-0.
مقابلة مثيرة أجراها بييلسا مطلع الموسم مستخدما اللغة الإنجليزية –التي لا يتحدثها- بعد أن يتم تلقينه الكلمات المناسبة من مترجمه الذي يستمع أولا لما يرغب بييلسا في التعبير عنه بالإسبانية.. عملية معقدة ذهنيا، ولكن الرجل الأرجنتيني رغب في التحدث بلسان المواطنين حتى ولو أحل أسلوبا ثوريا في عمل ذلك تماما كأفكاره الثورية على العشب الأخضر.
هذه المقابلة اكتسبت شهرة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، واكتسبت أهمية فاقت أهمية تصدر ليدز لجدول الترتيب، ولكن كيف لو عرفتم أن بييلسا طلب تأسيس مطبخ وإرساء فراش لينام عليه في مقر تدريبات ليدز، الرجل يقضي ساعات طويلة في مراجعة مقاطع الفيديو وتحليل اللقطات، مما يجبره في كثير من الأحيان على النوم ليلا في مكان عمله.
ولأنه لا يرغب في جعل الصدفة حاكمة لمبارياته، فإنه يجبر لاعبيه على العمل على الكرات الثابتة في بداية الحصص التدريبية، لماذا لا يؤجّل ذلك لنهاية الحصة التدريبية كما هو العرف السائد؟ سؤال أجاب عنه بييلسا: "ماذا لو اضطررنا لتنفيذ ركلة ثابتة في أول دقيقة من المباراة؟".
ولأن العلم في الرأس قبل أن يكون في الكراس؛ فـ بييلسا يستدعي لاعبيه بشكل منفرد ليعطي كل منهم محاضرة قدرها ربع ساعة مستخدما لقطات فيديو من التدريبات والمباريات حتى يساعدهم على فهم أدوارهم.
ولأنه يكرّس كثيرا من وقته لكرة القدم، فإن بييلسا لم يجد مشكلة في حضور أغلب مباريات فريق تحت 23 عاما، على الأقل ساعده ذلك عندما ضربت الإصابات فريقه ودفعته للاستعانة ببعض الشبان.
على الخط الجانبي من الملعب، يقضي بييلسا أغلب وقته في وضع القرفصة، أو حاملا كوبا من القهوة، آملا ألا يفرّط لاعبيه في الكرة سريعا، أو أن يستعيدوها في أقل عدد من الثواني.
بييلسا اكتشف ماوريسيو بوكيتينو كلاعب، وساهم في تكوين عقلية بيب جوارديولا كمدرب، فهل ينافسهما بالموسم المقبل؟
اقرأ أيضا:
كواليس تعاقد الأهلي مع جيرالدو.. التحول من الأجنبي في مصر لأنجولا وحل 3 عقبات
أرقام في الجول - محمد محمود أمام الداخلية.. تمريرات دقيقة وقوة هجومية كبيرة
رسميا – الصفقة الرابعة.. بيراميدز يعلن تعاقده مع "الدبابة" الإكوادورية
الحل في متجر الخفافيش.. رسميا - برشلونة يستعير مدافع فالنسيا
جديد مستقبل تريزيجيه.. فرمان من مدربه وهل ظهر لآخر مرة بقميص قاسم باشا؟