كتب : هشام إسماعيل
الخامس من ديسمبر عام 1976، عطلة الشتاء اقتربت وأجواء عيد الميلاد أصبحت مختلفة في إسبانيا، فقبل سنة وأسبوعين فقط رحل عن العالم، الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو بعد قرابة الثلاثين عاما في الحكم.
إسبانيا تستعد لدخول حقبة جديدة أقل تشددًا وأكثر ديمقراطية، لكن التحول لم يحدث بسهولة وبساطة حتى بعد وفاة فرانكو.
..
خلال عهد فرانكو الذي تبع الحرب الأهلية في الثلاثينيات، عاش إقليم الباسك تحت قمع سياسي وكذلك ثقافي، الأمر الذي أدى في الأساس لتأسيس حركة (إيتا) المسلحة عام 1959، التي تسببت في مقتل ما يزيد عن 800 شخص قبل أن تنهي صراعها مع الدولة الإسبانية في العام الماضي فقط.
لكن ما الذي تغير في يوم 5 ديسمبر بالنسبة لإقليم الباسك؟
اليوم كان يصادف دربي الباسك بين فريقي أتليتك بلباو ونظيره ريال سوسيداد، وتعتبر المباراة الأشهر بينهما على مدار التاريخ، ليس لأن المباراة انتهت بفوز سوسيداد بخماسية نظيفة، وإنما بسبب شيء استثنائي آخر.
فهو شهد رفع علم الباسك في الدربي لأول مرة، بعد أن دخل به لاعبو الفريقين لأرض الملعب في مشهد شهير، جعل الأمر تقليديا.
لكن كما أشرنا مسبقا الأمور لم تكن بتلك البساطة في ذلك الوقت، فالعلم كان محظورا حتى بعد وفاة فرانكو بسنة.
بطل القصة
لكل قصة هناك بطل، والبطل في ذلك اليوم كان خوسيه أنطونيو دي لاوز أورانجا، لاعب ريال سوسيداد الذي لم يكن بارعا للغاية في كرة القدم لكن دوره كان محوريا في تقنين علم الباسك (إيكورينيا).
ففي حوار مع صحيفة نوتيسياس دي جيبوزكوا الباسكية عام 2010 حكى أورانجا القصة، ففي البداية كون العلم ممنوعا يجعل اقتناءه صعبا، لذلك أقدمت شقيقته أنا ماري على حياكة واحد، لكنه لم يخبرها عن الغرض من استخدامه، ولم تعلم عن الأمر سوى عندما استمعت لمعلق الراديو يقول ما حدث في الدربي.
وهكذا صنعت شقيقة أورانجا أشهر علم لإقليم الباسك.
المغامرة لم تنته عند هذا الحد، فكانت المهمة الثانية هي إدخال علم الباسك إلى داخل الملعب، أورانجا احتاج فقط للحظ فهو لم يقم بأي خدعة وأخفاه داخل حقيبته، وعلى الرغم من أن الشرطة قامت بتفتيش سيارته، لكنهم لم يروا العلم.
حيازة العلم في ذلك الوقت كانت تساوي عقوبة السجن، فقط منظمة إيتا من كانت تخالف القانون وتحمل العلم أو ألوانه (الأخضر والأحمر والأبيض).
المفارقة أن أورانجا تم إلقاء القبض عليه وعوقب بالسجن لمدة 8 سنوات، بسبب تورطه مع منظمة إيتا في خطف رجل أعمال يدعى أندري جويتريز بلانكو لطلب فدية قدرها 190 مليون بيستاس عام 1987، في 1994 أدين بالتهمة وظل في السجن أكثر من المدة إذ ظل مسجونا حتى عام 2009 ليخرج ويعود لعمله كمحام.
ظهور العلم
أورانجا لم يكن في قائمة المباراة، ومنح العلم لكورتاباريا قائد ريال سوسيداد، الذي اتفق مع خوسيه أنخل إيرابار قائد بلباو على الدخول به معا لملعب المباراة، لكن الأخير اشترط موافقة جميع زملائه بلا استثناء قبل اتخاذ القرار النهائي وهو ما حدث، لنرى جميعنا المشهد الشهير.
دخول اللاعبين لأرض المباراة جعل الأجواء متوترة في المدرجات، فالأمر لم يكن مألوفا وكانت الأغلبية تخشى من تدخل السلطات بسبب ما أقدم عليه لاعبو سوسيداد وبلباو.
لكن التدخل لم يكن بالسوء الذي توقعه الجميع، حاولت الشرطة فقط الحصول على العلم من داخل غرفة الملابس، لكن هذا لم يحدث فهو ما زال حتى يومنا هذا موجودا في متحف ريال سوسيداد.
الصحافة الإسبانية لم تكن تحظ باستقلال تام بعد، جرائد ماركا والبايس ولا فانجارديا لم يذكروا شيئا عما حدث، فقط صحيفة موندو ديبورتيفو الكاتالونية كانت الوحيدة التي تحدثت عن الأمر.
تقنين العلم
بعد 40 يوما من الحادث فقط، بدأت المطالبات الرسمية بتقنين علم الباسك أو إيكورينيا، وبعد الضغط الشديد من المسؤولين الباسكيين، وافقت الحكومة الإسبانية على طلبهم.
وفي يوم 25 يناير من عام 1977 أصبحت حيازة علم الباسك قانونية، ليرفع لأول مرة منذ حظره.
يقول إيرابار لصحيفة البايس "كانت خطوة مهمة وساعدت بالفعل على تقنين حيازة العلم، لا أحد يعلم كم سنة كنا سنحتاج لفعل ذلك الأمر لولا ما فعله اللاعبون".