كتب : لؤي هشام
على ذلك العشب الأخضر وقفوا بانتظار صافرة البداية.. في ذلك الملعب لم يعرفوا حدودا لأحلامهم رغم مشهد الجدار العازل الذي يظهر عاليا في الخلفية ليضع حدا إجباريا لطموحاتهم.
تتناقل الكرة من قدم إلى أخرى في حزن وخجل، ومعها تتناقل الآمال والآلام في ذات الوقت.
ما بين أمل يقف في صف طويل بانتظار بادرة نور لا تأتي عند حاجز أمني، وألم يتمادى الإحساس به تحت وطأة القهر والإذلال في انتظار عدل لن يأتي أبدا من احتلال.
FilGoal.com يصحبكم معه في رحلة من المعاناة. نتوقف كثيرا عند حواجز أمنية أملا في بطاقة عبور، ونمضي بعض الوقت بين جدران أربعة لا يحيطنا فيها إلا الظلام.
رحلة تكشف عن انتهاكات يتعرض لها اللاعبون الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.. رحلة كان سبيل المقاومة فيها على العشب الأخضر فقط لا غيره.
ولتبدأ رحلتنا..
7 أهداف غير شرعية في مرمى بيت آمر
هكذا وصفت صحيفة الحدث الفلسطينية ما حدث مع فريق بلدة بيت آمر التي تقع جنوب الضفة الغربية.. كان ذلك في عام 2015.
البلدة شهدت مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال وجرى على إثرها اعتقال العديد من أبناء القرية، ولم يسلم لاعبو الفريق من ذلك.
وصل عدد المعتقلين إلى 7 لاعبين (عيسى عوض - محمود مصلح - وهيب علقم - مؤيد طومار - مصعب إخليل - رشيد عوض - محمد إخليل) ما أدى إلى تأثر مستوى الفريق وهبوطه إلى الدرجة الثانية.
مؤيد طومار كان أحد هؤلاء اللاعبين. تواصلنا مع صاحب الـ26 عاما ولكنه بدا متوجسا في البداية وتساءل كيف توصلنا له، ولكن بعدما تأكد من هويتنا الصحفية حكى لـFilGoal.com تفاصيل ما حدث.
"في البداية تم اعتقال قلبي الدفاع قبل بداية مرحلة الإعداد وبداية الدوري".
"بعدها بفترة وبعد أول 3 مباريات (فوز وتعادل وخسارة) تم اعتقال حارس المرمى الأساسي (عيسى عوض) ولم يكن له بديل، هو يقبع حتى الآن في سجون الاحتلال لمدة تخطت 21 شهرا".
"بعدها بما يقارب شهر ونصف تم اعتقالي شخصيا، وبعد ذلك بفترة بسيطة وخلال مرحلة الدور الأول تم اعتقال 3 لاعبين آخرين، ثم وصل العدد إلى 7 لاعبين من العناصر الأساسية بالفريق".
"نادي شباب بيت آمر هو النادي الوحيد الذي يعتمد على أبناء البلدة بدون أي لاعب محترف، واعتقال 7 لاعبين من قبل الاحتلال أثر على الفريق بشكل كبير.. حجة الاحتلال أنهم كانوا من أبناء البلدة (التي شهدت مواجهات مع قوات الاحتلال لعدة أيام)".
"اعتقل الاحتلال بشكل متعمد عدد كبير من اللاعبين وحاول اعتقال آخرين، والهدف كان رئيسيا وواضحا وعلنيا: تدمير النادي وتدميرنا نحن كلاعبين نفسيا وجسديا حتى لا نصبح قادرين على ممارسة اللعبة مجددا.. كانوا يقولون لنا ذلك في أقبية التحقيق".
"كان من أساليب الضغط النفسي علينا أنهم يقولونا لنا: سنضع إياكم بالسجن حتى تخسروا وزنكم ولياقتكم البدنية ومثل هذه الأشياء. استمرت هذه المعاناة بأحكام مختلفة للاعبين كان أكبرها للاعب الوسط في فريقنا إذ تم الحكم عليه بـ30 شهرا، وأقل واحد أمضى 6 شهور خلال هذه الفترة".
"بالطبع غاب اللاعبين السبعة عن الفريق الذي كان بلا حول ولا قوة لأن الإمكانيات المادية لم تسمح باستقدام لاعبين آخرين وهو ما أدى في النهاية إلى هبوطه للدرجة الثانية رغم الوعود بالتدخل لمساعدة النادي من قبل الاتحاد، ولكنها فشلت في النهاية وهبط النادي".
طومار روى لنا تجربته الشخصية بشكل مفصل ليكشف عن قصة معاناة ضمن قصص عدة يتعرض لها الرياضيون بشكل مستمر.
وكل الآتي جرت وقائعه على لسان مؤيد. (استمع لشهادته الكاملة إن لم ترغب في قراءتها)
أندية المستوطنات.. وتحركات الاتحاد الفلسطيني
في مايو عام 2013 أعد الاتحاد الفلسطيني ملفا خاصا عن الممارسات الإسرائيلية بحق الرياضة الفلسطينية، وسلمه للاتحاد الدولي "فيفا" خلال اجتماعات جمعيته العمومية التي انعقدت في موريشيوس.
تضمن الملف توثيق لانتهاكات الاحتلال على صعيد البنية التحتية مثل عرقلة تشييد الملاعب، وعلى صعيد الحركة مثل تقييد حركة اللاعبين المحليين أو اللاعبين الزوار والإداريين، وأعضاء مجلس إدارة الاتحاد والصحافيين داخل وخارج دولة فلسطين.
كذلك تطرق الملف إلى تأخير الشحنات الرياضية من قبل الاتحاد الآسيوي أو الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها اللاعبون سواء بالاعتقال أو الاحتجاز.
وأشار الملف إلى إجراءات استخراج التصاريح المعقدة للتحرك بين قطاع غزة والضفة الغربية، وضرب مثلا بلاعبين تم رفض منحهم تصاريح دخول إلى الضفة الغربية تمهيدا لمشاركتهم في لقاء دولي عام 2010. وهم عاصم أبو عاصي، إيهاب أبو جزر، أحمد كشكش، ومحمد شبير.
واضطر اللاعبان: كشكش وشبير للبقاء في الأردن مدة ثلاثة أشهر في أعقاب مشاركتهما في لقاء دولي مع السودان في شهر يونيو 2011 قبل السماح لهما بالعودة، و"انطبق الشيء نفسه على عشرات اللاعبين، الذين تمت معاملتهم بالمثل" بحسب الملف.
ماذا عن أندية المستوطنات في الضفة الغربية؟
هناك عدة أندية رياضية تتبع للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67.
هذه الأندية اعتمدت لممارسة نشاطاتها في نطاق الدوريات المعتمدة من قبل اتحاد كرة القدم في إسرائيل على ملاعب أقيمت على أراضٍ فلسطينية محتلة صادرتها إسرائيل من أصحابها بأوامر عسكرية، أو اتخذت من المستوطنات مقرا وعنوانا لها وهذه الأندية هي:
مكابي أرائيل: يتبع لمستوطنة أرائيل المقامة على أراضي محافظة سلفيت، وهو نادٍ لكرة قدم الصالات، يضم فريقًا للرجال، وفرق أطفال لثلاث فئات عمرية.
أرائيل البلدي: يتبع لمستوطنة أرائيل المقامة على أراضي محافظة سلفيت، وهو نادٍ لكرة القدم، يلعب في الدوري الإسرائيلي في الدرجة الخامسة.
بيتار جفعات زئيف: يتبع لمستوطنة جبعات زئيف المقامة على أراضي قريتي الجيب وبيتونيا شمال غرب القدس، لديه فريق للرجال يلعب في الدرجة الثانية؛ ولديه أيضا 9 فرق للشباب والأطفال.
بيتار معاليه أدوميم: يتبع لمستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس، ولديه فريق للرجال يلعب في الدوري الإسرائيلي (الدرجة الثانية) ويضم أيضًا فريقين للشباب، و6 فرق للأطفال.
هبوعل أورانيت: يتبع لمستوطنة أورانيت، المقامة على أراضي محافظة قلقيلية. لديه فريق للرجال يلعب في الدوري (ج)، ويضم أيضا فريقين للشباب، وفريقًا للأطفال.
هبوعيل بقعات هيردين: يتبع لمجلس مستوطنات أرفوت هياردين في الأغوار، يلعب في الدوري الإسرائيلي الدرجة الأولى، وتقام مبارياته في مستوطنة تومر بالضفة الغربية، ويتدرب في إينات داخل إسرائيل.
حبوعل قطمون أورشليم: يتبع لمستوطنة معاليه أدوميم، لديه ملعبان رسميان في القدس الغربية، كما يلعب بعض المباريات "على أرضه" في مستوطنة معاليه أدوميم.
اليصور يهودا: يلعب في مدينة بئر السبع (في الدوري الإسرائيلي الدرجة الخامسة)؛ لكن عنوانه مسجل في مستوطنة كريات أربع قرب في محافظة الخليل.
حبوعل أورشليم: يلعب في القدس، لكن مكتبه مسجل في مستوطنة جفعات بنيامين قرب رام الله.
(طفل فلسطيني يظهر البطاقة الحمراء في وجه جندي إسرائيلي خلال تظاهرة ضد أندية المستوطنات بالضفة الغربية في مايو 2015 - APA images)
وقد طالب الاتحاد الفلسطيني بمساءلة الاتحاد الإسرائيلي على سماحه بوجود أندية مقامة على أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة (في المستوطنات) وذلك تفعيلا لما جاء في المادة 2.72 في دستور "الفيفا" التي تقضي بأنه "محظور على الدول أن تقيم أندية كرة قدم في أرض كيان سياسي آخر عضو في (فيفا) وإشراكها في ألعابها دون موافقة الكيان السياسي".
طالع ملف الاتحاد الفلسطيني كاملا من هنـــــا
في يونيو 2014 قرر فيفا تشكيل لجنة محايدة لمراقبة التجاوزات والخروقات الإسرائيلية بحسب الإدعاء الفلسطيني للتحقيق بشأن أندية المستوطنات.
ولكن تقرير اللجنة الذي صدر في أكتوبر 2017 – أي بعدما يزيد على 3 سنوات – أوصى "بضرورة بقاء فيفا محايدة فيما يتعلق بالوضع السياسي الراهن".
وهو ما أثار موجة غضب واسعة من الجانب الفلسطيني الذي أدعى أن "فيفا خضع لضغوطات الحكومة الإسرائيلية".
وفي يونيو من العام الجاري قدم رئيس الاتحاد الفلسطيني جبريل رجوب اقتراحا بطلب تعديل في المادة الرابعة من قانون الفيفا، التي تتعلق بحقوق الإنسان، من خلال تعليق عضوية الاتحاد المخالف وطرده من الاتحاد الدولي لكن التصويت جرى بعدها بمعارضة 156 عضوا على هذا التعديل.
إذا الاتحاد الفلسطيني يتخذ عدة خطوات لمواجهة مثل هذه الانتهاكات، ولكن ما هي آلياته للتعامل مع هذه المواقف؟
يقول فراس أبو هلال المدير التنفيذي للاتحاد الفلسطيني لـFilGoal.com: "كل انتهاكات إسرائيلية سواء على المعابر أو أثناء تنقل الوفود أو منع المحاضرين من القدوم أو المعدات الطبية أو الاعتقالات، يتم التعامل معها من قبل وحدة خاصة في الاتحاد لتوثيقها بالصوت والصورة".
"ومباشرة في حال حدوث أي خرق من جانب الاحتلال يتم موافاة الأمر مباشرة إلى الاتحاد الدولي عبر لجنة العلاقات الدولية في اتحادنا المحلي بطريقة قانونية".
"وهنا يأتي دور فيفا، ولكن من طرفنا لا نقصر في أي حالة انتهاك سواء كانت في غزة أو الضفة. لا نرسل للفيفا فقط بل لكل الاتحادات القارية والوطنية ومؤسسات حقوق الإنسان".
من جانبنا تواصلنا مع الاتحاد الدولي للعبة.
والمتحدث الرسمي باسمه قال لـFilGoal.com: "أود الإشارة إلى أنه وفقا للائحة فيفا لحقوق الإنسان فإننا ملتزمون باحترام كافة حقوق الإنسان المعترف بها دوليا".
وأضاف "المعلومات بخصوص أي انتهاك محتمل لحقوق الإنسان التي لها علاقة بمظلة فيفا يتم التعامل معها من قبل جهات مختصة".
وواصل "بالإضافة إلى ذلك لقد أسس فيفا آلية لاستقبال أي شكاوي بشأن انتهاكات والتي يتم استخدامها بواسطة المدافعين عن حقوق الإنسان أو ممثلي الإعلام الذين تعرضوا لانتهاكات أثناء عملهم".
إذا لماذا لم يتخذ فيفا أي إجراء بشأن ذلك؟
يزعم المدير التنفيذي للاتحاد الفلسطيني: "الموضوع موضوع ضغوطات على الفيفا وموضوع عدم نزاهة وموضوع تأثيرات خارجية لا تسمح للفيفا باتخاذ قرارات".
"8 سنوات ونحن نتحرك في هذا الملف ولكن الموضوع له علاقة بالسياسة وبالضغوطات".
_ _ _
في تحقيقنا الذي تخطى 5 آلاف كلمة غاية ما تمكنا تحقيقه هو استعراض بعض النماذج على سبيل المثال وليس الحصر.. ربما لأن الحصر يبدو شبه مستحيلا في بلد تعاني يوميا ويلات الصمت والخذلان قبل أن تعاني ويلات الاحتلال.
- هناك قصص أخرى لم يسعفنا الوقت للحديث عنها بشكل مسترسل، ونود الإشارة إليها هنا، ومنها:
اعتقال حارس مركز الأمعري عمر أبو رويس، ولاعبي فريق أبو ديس: آدم وجوهر حلبية اللذين أصيبا برصاص الاحتلال وتم اعتقالهما أثناء عودتهما من رحلة علاج في الأردن، واللاعبين زياد يوسف وفادي الشريف ومحمد خويص وسامي الداعور.
استشهاد خالد عابد جابر، رئيس اتحاد كرة الخماسي، وأيمن كردي، لاعب سابق في المنتخب الفلسطيني، ووجيه مشتهي لاعب في نادي الشجاعية، وعلي الحبي لاعب كرة سلة في نادي خدمات رفح، وشادي السباخي لاعب في نادي النصيرات، وعماد النجار لاعب في اتحاد البلياردو أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012.
*شكر خاص وجزيل للصحفي الفلسطيني مؤيد طنينة الذي لولاه ما خرج هذا التحقيق إلى النور، وشكر أيضا لـ يزيد رودريجيز الذي أمدنا ببعض المصادر الواردة في التحقيق.
اقرأ أيضا:
من مرض زوجة ريفي إلى إقالة كارتيرون.. أسرع حالات الرحيل بين مدربي الأهلي
عامر حسين لـ في الجول: تأجيل مباريات ربع نهائي البطولة العربية
اتحاد الكرة: توثيق عقد كهربا قرار سليم 100%.. من حق والده الاستئناف واللجوء للفيفا
وسط ملعب تشيلسي في أمان.. رسميا – كانتي يمدد عقده 5 مواسم
بعد الإصابة.. باهر المحمدي يكشف مدة غيابه عن الملاعب