محمد حازم.. ابن شبرا وقصة حب لم تُكتب نهايتها بعد

محمد حازم كان يشتري العديد من القصص ومعظمها ذات طابع تشاؤمي تتحدث عن الموت والشظف وزهد الحياة، وكان أخر ما قرأ هو كتاب (وداعا أيها الملل)، ويضع دائما خطوط عن الجمل التي تتحدث عن الموت.

كتب : مصطفى عصام

الأحد، 11 نوفمبر 2018 - 11:57
محمد حازم

محمد حازم كان يشتري العديد من القصص ومعظمها ذات طابع تشاؤمي تتحدث عن الموت والشظف وزهد الحياة، وكان أخر ما قرأ هو كتاب (وداعا أيها الملل)، ويضع دائما خطوط عن الجمل التي تتحدث عن الموت.

"أحببت شادية، أتفاءل بأن أسمع أي أغنية خاصة بها قبل النزول للملعب، لعبت مباراة أمام الزمالك وخسرنا 2-1، سجلت هدفا وأضعت ركلتي جزاء".

كان يحضر المباراة أحد الأمراء السعوديين هو حمود بن عبدالعزيز آل سعود وبدعوة من أحد أعوانه وهو إسماعيلاوي مصري، دعاه لحضور المباراة في الإسماعيلية. تأثر الأمير كثيرا من أحداث اللقاء وخاصة إضاعة حازم لضربتي جزاء وأراد مواساته بعد اللقاء.

وكعادة الأمراء والشيوخ الخليجين، يسألون نجوم الكرة عن أجمل هدية يتمنوها، فسأله الأمير حمود بن عبدالعزيز عن أي هدية ممكن أن يقدمها له تعبيرا عن إعجابه به وعشق الجماهير له وغنائها له بالمدرجات وتشجيعه كنجم من نجوم الدراويش وما عليه ألا أن يطلب ما يدور في باله الآن وسيحقق له ما يريده على الفور.

شكره محمد حازم على عرضه الجميل وليس في باله أي طلب خاص، إلا أن يلتقي بالفنانة الكبيرة شادية.

FilGoal.com يستعرض جزءا من مشوار محمد حازم نجم الدراويش في الثمانينات في ذكرى رحيله الـ31.

محمد حازم، طبيعة إنسانية متصوفة، مناسبة لحمل شارة قيادة الدراويش في جيل ذهبي بدأ في الثمانينات لإحياء مجد الآباء وما ألفوه بدءا من انطلاقة «الهر» على أبوجريشة وزملائه في حصد أول ألقاب بطولة الدوري موسم 1966-1967 وبطولة إفريقيا للأندية عام 1969.

حازم لم يكن مجرد لاعب كرة قدم كما وصفه أخوه الأكبر دكتور طارق حازم، بل هو درويش فقير يقود مجموعة من السحرة المُعتقد فيهم بأنهم ضربت بهم الأرض للعبهم الكرة على شط القناة بعيدا عن أضواء العاصمة، لكنهم أكملوا زارا وأناشيد شعبية أضيفت لأنغام السمسمية التي لم تفرغ أوتارها من العزف.

بدأ محمد حازم ركل الكرة في حواري وشوارع شبرا، لم يخف إعجابا بنجوم الدراويش القدامى أمثال رضا (الذي مات في حادث تصادم أيضا)، بازوكا، شحتة، أنوس وأميرو.

ساق الأهالي طلبات لحازم من أجل التوسط له للتقدم لناشئي الأهلي أوالزمالك، إلا أنه رفض، وصمم على أن يبدأ حياته بالإسماعيلية معقل الدراويش.

سنحت الفرصة لمحمد حازم من أجل الانضمام للدراويش عندما فتحوا معقلا للاختبارات بمركز شباب الجزيرة أوقات التهجير في الفترة بين نكسة 67 وعبور 73، كان عمره في ذلك الوقت 11 سنة ونجح في الاختبارات وانضم لفريق 14 سنة وأشرف على تدريبه نجم الدراويش «العربي».

عند العودة للمدينة وإعادة تجديد استاد الإسماعيلية لإقامة المباريات الرسمية عليه، اجتمعت الأجهزة الفنية لفرق ناشئين 16 و18 و21 عاما لتصفية اللاعبين فاستقروا على 5 لتدعيم الفريق الأول أصغرهم محمد حازم ذو السبعة عشر ربيعا.

وثق فيه طومسون المدير الفني للدراويش وأشركه في الشوط الثاني مع الدراويش أمام السويس عام 1977.

يستكمل أخوه طارق الحديث "انطباع الجمهور عنه في هذه المواجهة بوجه مطمئن للاعب وجهه عابس بدا عليه تحمل المسؤولية مع الدراويش، في الحقيقة محمد في هذه المباراة بعدها أخبرني بلهجته الهادئة المعتادة بأنه لم يكن يفكر في نفسه، تفكيره انحصر أثناء المباراة بتذكر أشقائه (طارق، خالد، وشقيقته وقبل كل ذلك والدته) وأن هذه المباراة مفتاح له من أجل ضمان مكان قد يؤمن حياتهم".

حازم تحدث عن هذه المباراة وقتها مع فايز الزمر «لا أتذكر عن المباراة سوى أنها الأولى لتوأمي الروحي في الملاعب عماد سليمان».

في هذا الموسم، سطع نجم حازم بشدة، وتألق أمام الترسانة فأحرز هدفا وأضاع ضربة جزاء، والتي طالما عاندته ولم تطاوعه خاصة أمام الزمالك حين أضاع ركلتين في مباراة واحدة!

انضم حازم عام 1980 لأول مرة لمنتخب مصر، ولكنه لم يحظ كثيرا بالمشاركات الفعالة الرسمية واكتفى بالعديد من الوديات، وهذا طابع صبغ على مسيرته مع المنتخب حتى وفاته، لعب حوالى 15 مباراة دولية وحصل مع منتخب مصر على بطولة كأس الأمم الإفريقية عام 1986 بالقاهرة، ومثل مصر في بطولة البحر المتوسط بالمغرب عام 1983.

حازم خٌلق من أجل الإسماعيلية فقط، كتب بداية مسيرته أمام مصنع 36 الحربي، هذا الفريق الذي كلف الأهلي غاليا وتسبب في إضاعة الدوري منه عام 1978، مباراة عجيبة مع هذا الفريق الهابط إلى دوري المظاليم والذي استطاع التقدم على الاسماعيلي بهدفين وكانت ثورة بالمدرجات على فريق الاسماعيلي ومدربه من الجمهور الذي فوجئ بالحدث بعد أن كان يٌمني نفسه بسيرك.

سجل على أبوجريشة الهدف الأول، تألق عماد سليمان بالمرور من لاعبي دفاع المصنع واحدا تلو الأخر ومرر كرة متقنة إلى محمد حازم ليحرز هدف التعادل في الوقت القاتل مسددا الكرة قوية جدا في الزاوية اليمنى لحارس المصنع كهداف قدير، وقتها أشادت جريدة الأهرام بالصاروخ التهديفي الرائع واشتهر كثيرا في الإعلام المصري وذاع صيته كثيرا بعد تعليق علاء الحامولي عن معجزة الدراويش الجديدة.

محمد حازم انطلق في فترة الثمانينات، اشترك خلال مشواره في 197 مباراة بالدوري محرزا 63 هدفا ولعب 21 مباراة في كأس مصر، لعب 15 مباراة دولية ضمن صفوف المنتخب المصرى إضافة إلى 8 مباريات إفريقية خلال مشاركة الإسماعيلى في بطولة إفريقيا للأندية أبطال الكأس.

أما أخر مبارياته فكانت في 11 نوفمبر 1986 ضد المحلة والتي توفي بعدها مباشرة إثر حادث في طريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوى.

تتوالى أهداف حازم مع بداية موسم 79/1980 حيث سجل هدفين من 34 هدفا للإسماعيلي في 30 مباراة، وفي موسم 80/81 سجل حازم هدفين من 18 هدفا للإسماعيلى، وفى موسم 81/1982 سجل 8 أهداف من 23 للإسماعيلي، وجاء ثانيا خلف جمال جودة هداف الدوري.

في الموسم التالى 82/1983 سجل 7 أهداف من 16 للإسماعيلي في 21 مباراة، وفي موسم 83/1984 أحرز 7 أهداف ليأتي ثانيا بعد أيمن شوقي هداف الدوري بفارق هدف.

وفي موسم 84/1985 يحصل على لقب هداف الدوري برصيد 11 هدفا ويكرر الإنجاز للعام الثاني على التوالي ويفوز بلقب هداف الدوري بنفس الرصيد 11 هدف .

تشهد بداية موسم 86/1987 أخر بصماته التهديفية عندما سجل في لقاء السويس يوم 16 أكتوبر 1986، أخر أهدافه بالدوري، سجل في جميع فرق الدوري.

أما أخر أهداف محمد حازم الإفريقية فكانت في مرمى الأهلي في مباراة الدور قبل النهائي بالإسماعيلية وسجله في مرمى إكرامي الشحات.

تولى شارة الإسماعيلي وعمره 21 سنة كأصغر قائد لفريق مصري، أتى به اللاعبون قائدا لهم بعد إستفتاء على أبوجريشة وأنوس.

الخطيب

خلال مباراة الإسماعيلي والأهلي بالإسماعيلية عام 1980 والتي انتهت بفوز الأهلي بهدف أحرزه جمال عبدالحميد، والتي شهدت أحداث شغب، برزت شخصية محمد حازم القيادية في الحد من تشابك لاعبي الفريقين والتي اندلعت شرارتها بسبب اعتداء لاعب الأهلي شطة على حمادة الرومي حسب ما أثبت ذلك تقرير الحكم أحمد بلال.

تلقى الخطيب وقتها كرسيا غاضبا على ظهره من مدرجات الدراويش، وسارع محمد حازم بإخراج فريق الأهلي من الملعب بعد كسر ثابت البطل قفل ممر غرفة الملابس، وأنقذ فريق الأهلي من كارثة محققة.

من وقتها تلازم الخطيب ومحمد حازم كصديقين، جمعت بينهما العديد من المعسكرات في غرفة واحدة كما أصر الخطيب عند التقاط صورة الكأس الأفريقية بأن تكون مع حازم ليحتفظ بها كذكرى تجمعه به.

الخطيب تحدث للصحفي حمدي الكنيسي عن لقاء مصر وإنجلترا الودي:"حازم فعل كل شئ بالكرة ولكنه اصطدم بحارس عملاق مثل بيتر شيلتون، في الحقيقة لم أجد بدا سوى تشجيعه لفعل الأفضل".

الفراق

يوم الثلاثاء الموافق 11 نوفمبر 1986. بعد انتهاء مباراة الإسماعيلي وغزل المحلة بالدوري، رحل النجم الخلوق عن عالمنا، عن عمر يناهز 26 عاما فقط إثر حادث على طريق الإسماعيلية – القاهرة الصحراوي، كان يرافقه في سيارته الحارس على أغا ومحمود جابر إضافة لفاروق عبدالسلام أحد منظمي المباريات باستاد الإسماعيلية.

يروى محمود جابر لاعب الإسماعيلي الأسبق والذي رافق حازم خلال الحادث ويقول:«ركبنا السيارة مع حازم وخرجنا من الإسماعيلية فنمت لقتل الوقت وبالقرب من الكيلو 74 في اتجاه القاهرة وجدنا سيارة بمقطورة تقف على الجانب الأيمن وتسير بسرعة لا تزيد عن 90 كيلومترا، لاحظت أن حازم سرحان، حاول الاتجاه بسرعة إلى اليسار فوجد أنه سيدخل في الرمل في الجزيرة الفاصلة بين الطريقين وبسرعة عاد باتجاهه إلى اليمين فوجد المقطورة بجانبه فعاد مرة أخرى وبسرعة إلى اليسار فانقلبت السيارة عدة مرات جهة الجانب الأيسر إلى أن استقرت بجوار الطريق المقابل القادم من القاهرة».

"حوالي الساعة السادسة والنصف مساء وكانت السيارة التي ركبناها بيجو 504 اشتراها حازم قبل يوم واحد من الحادث وكان على أغا يجلس بجواره وكنت أجلس في المقعد الخلفى خلف على أغا وبجواري عم فاروق حسنين وعندما شعرت بالسيارة تنقلب أمسكت بالمقعد بكل قوتى وخرجت من السيارة ووجدت على اغا وعم فاروق على الأرض".

"في هذه اللحظة توقفت بعض السيارات التي كانت تسير على الطريق وسأل بعضهم هل أنتم ثلاثة فقلت لهم يوجد زميل رابع وهو الكابتن محمد حازم وبحثت عنه حول السيارة، إلى أن وجدته ممددا على الأرض خلف السيارة فأسرعنا إليه ووجدنا الدماء تنزف منه بغزارة ولم يتفوه بأى كلمة أوتصدر منه أي حركة".

"كانت أخر كلمات قالها حازم ونحن في السيارة قبل الحادث بثوان قليلة: كنا نريد أن نفوز لنعيد البسمة إلى قلوب جماهيرنا ونصالحهم بعد أن فقدها عقب خروجنا من كأس إفريقيا وركز حديثه على الكرة التي هيأها لفوزي جمال أمام المرمى الخالي وقال كان من الممكن جدا أن أسجل منها هدفا لكننى فضلت أن أمررها إلى فوزي لكي تكون هدفا مؤكدا ولكن ضاعت الفرصة".

الغريب أن عم فاروق حسانين سافر معهم هذا اليوم بعد اعتذار حمدي نوح ومحمود حسن.

وقد قام مجلس إدارة الإسماعيلي حينها بتنظيم مباراة ودية لتأبين محمد حازم أمام النادي الأهلي على ستاد الاسماعيلية، حيث أصرت جماهير الكرة المصرية على حضور المباراة ومليء جنبات الملعب.

يقول عماد سليمان عن تلك المباراة:"حين وطأت قدماي أرضية الملعب، لم أصدق أن حازم رحل عن عالمنا ولم أفق من الصدمة إلا وقتها فانخرطت في البكاء، وعندما رفعت نظري لم أجد سوى الخطيب وبأسى لم أره عليه من قبل يحمل صورة حازم ويحتضنها والجماهير تشاركنا البكاء".

لم تنطق الجماهير وقتها سوى بالهتاف الشهير "يلا يا حازم، صحي النايم وحط الجول".

شكر خاص لموقع إسماعيلي إس سي